الأحد، 15 مارس 2015

قاهرة الزعيم الماكيت

قاهرة الزعيم الماكيت

وائل قنديل


ليس من المستبعد أن يكون عبد الفتاح السيسي قد أمر قائد الطائرة التي أقلته من شرم الشيخ، بالتوجه إلى العاصمة الجديدة، لقضاء بعض من الوقت في الاستراحة الرئاسية الجديدة، بعيداً عن صخب القاهرة العجوز.


فالرجل الذي دمر وطناً، لكي يبيع "ماكيت وطن" افتراضي، يعيش على تداول وتسويق الأوهام، من الوارد جداً أن يكون قد صدق نفسه، وانتقل من هشيم الواقع إلى خيال الرسوم المتحركة، إذ يبدو أنه يعاني مشكلة مع ماضٍ قريب ملوث بالدماء وانعدام القيمة، في وطن هيمن عليه، بأساليب إجرامية، فقرر أن ينسف الماضي بكل ما فيه، ويفتتح وطناً جديداً، بعاصمة جديدة، يحمل اسمه، ويحرق تاريخه، ويبدأ العالم من اللحظة التي حكم فيها.

مصر في نظره ليست أكثر من "لقيط" بلا أصل، ومن ثم لا أحد قبله "عاوزين نبني مصر" وكأنها لم تكن شيئاً مذكوراً قبله، وهذه مرحلة أبعد مما تقول به سابقوه الذين كانوا يبدأون بعبارة "استلمت البلد خربانة لا حياة فيها".

تعرف الدراما المصرية القديمة نموذج القاتل أو تاجر المخدرات، أو زعيم العصابة الذي لا يجد حلاً للإفلات من إدانة المجتمع واحتقاره له، سوى حرق هذا المجتمع وتدميره، وإنشاء مجتمع جديد على أنقاضه، يكون فيه هو الطيب والحاكم وباني دور العبادة، والإمام، ومقيم الشعائر، ورجل الأعمال الخيرية، يلتقط صوراً وهو يداعب الأطفال ويلاعب الشباب، ويبوس الأبقار والأشجار، ويوزع الخبز والبيض.

الآن، نحن في عصر الهواتف الذكية، فلتكن اللقطات "selfie" مع مستقبل "فوتوشوب"، حتى "المستقبل" هنا مسروق من جمال وسوزان مبارك، باستخدام الوجوه الشابة ذاتها التي كانت في جمعية تحمل الاسم ذاته، وجوه منحوتة من ألياف صناعية، ليست مثل وجه "سندس" أو "أسماء البلتاجي" أو "شيماء الصباغ" أو "بنات 7 الصبح" وسناء سيف، هي وجوه مرسومة خصيصاً، لكي تتحدث عن جمال وحلاوة "الرئيس اللذيذ"، لم تصعد إلى أعلى الصورة بالمصادفة، ولم تكن اللقطة عفوية أو تلقائية، في زمن ثورة الإخراج والإنتاج.

قبل هذه اللقطة، فضحت الكاتبة الصحافية سلمى حسين كيف أن الوصول إلى قاعات المؤتمر أصعب من صعود فريق قرية في صعيد مصر إلى نهائي كأس العالم في كرة القدم، وكشفت سلمى حسين، الكاتبة في صحيفة "الشروق"، بعض كواليس المؤتمر الاقتصادي، لا سيما التعامل مع الصحفيين.

وقالت، في تدوينة لها عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "تم منع معظم الصحفيين من دخول منطقة القاعة الرئيسية للمؤتمر اللي فيها الجلسات الرئيسية، المشكلة في عدم الشفافية والاستخفاف بالناس، فمثلاً، وصلنا وأخدنا كارنيهاتنا في دقايق وفرحنا بحسن التنظيم، ثم فجأة اكتشفنا إن فيه كارنيه تاني، وتم استنزاف الضيوف الكبار والصحفيين في إجراءات عقيمة بالأمس لمدة ساعتين أو 3 ساعات، لإقناعهم إنهم لازم يطلّعوا كارنيه تاني، يسمح بالدخول، روحنا جميعا دونه، ثم أصبحنا على مفاجأة".
وأضافت: "فيه كارنيه ثالث بقى، اكتشف الناس إن الشركة المنظمة ووزارة الاستثمار اصطفوا بعض المراسلين والكاميرات ليحصلوا على الكارنيه الصحيح، ومعظمهم صار من حاملي تصاريح الوفود الرسمية".

إذن أنت أمام معجزة اجترحها "شباب المستقبل"، بالوصول إلى عرين الأسد اللذيذ، بعد تحطيم كل الحواجز، وتجاوز كل الفلاتر التي يمر عبرها الصحافيون إلى قاعات المؤتمر، وبالتالي، فلتمتد حبال الدندنة والثرثرة والتعليقات والتحليقات على هذا الصعود التاريخي إلى مريخ الزعيم اللذيذ، الحنون الوسيم، رجل الخير والبر.

دراما تلفزيونية رخيصة، لتثبيت زعامة وهمية للرئيس الماكيت، في مؤتمر من المفترض أنه اقتصادي عالمي، تحول إلى حفل يشبه كثيراً حفلات نهائي الدورات الرمضانية التي كانت تنتهي بفوز جمال وعلاء مبارك بكأس البطولة، لتخرج الصحف والفضائيات بعدها بعناوين عريضة تطمئن المصريين على مستقبل مصر الرياضي.


وإلى أن يقول الاقتصاديون الحقيقيون كلمتهم، لا يختلف ما رأيناه عن صور الجنرال عبد العاطي مع جهاز الكفتة، أو ما تقابله كل يوم في معارض الاستثمار العقاري التي تنتهي أحياناً بانتحار "الزبون" الذي دفع مدخرات عمره في بيت من ورق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق