الخميس، 17 أكتوبر 2024

تشييع رأس شهيد..

 

تمنِّي “موتة هيروشيما” وتشييع رأس شهيد.. “جباليا تُباد” يتصدر المنصات بمشاهد مؤلمة 

“نحسد سكان هيروشيما على طريقة موتهم الرحيمة”




يواصل الاحتلال الإسرائيلي لليوم الـ13 على التوالي اجتياح جباليا شمالي قطاع غزة، فارضًا عليها حصارًا خانقًا وتجويعًا، فضلًا عن قصف عنيف ومستمر ونسف للبيوت.

وانتشرت جثامين الشهداء على طرقات جباليا، وأصبحت الصور والمشاهد التي تخرج من المخيم تكشف عن جرائم مروّعة يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي.


جباليا تُباد”

وعبر وسم “جباليا تباد”، شارك ناشطون من المخيم صورًا ومشاهد تكشف واقعًا كارثيًّا يعيشه المخيم في ظل الاجتياح الإسرائيلي.

وفي مشهد مؤثر، التقط المصور حسين رأفت لقطة لفلسطينيين يصلون صلاة الجنازة على “رأس” الشهيد حسن الفرعاوي، وهو ما بقي منه جراء غارة إسرائيلية استهدفت منزله.

وأشار المصور إلى أنه التقط هذه الصورة بالصدفة، قائلًا “هذا المشهد غيض من فيض المآسي التي تجري في المخيم”.

“نحسد سكان هيروشيما”

وفي منشور متداول من سكان جباليا، كُتب: “نحن سكان جباليا نحسد سكان هيروشيما على طريقة موتهم الرحيمة جدًّا، فنحن هنا نموت قهرًا أولًا، وجوعًا ورعبًا منذ سنة وأكثر، وهذا هو الموت البطيء”.

“سجن” جباليا

الناشطة جنات نوفل، نشرت مقطعًا ليومياتها تحت الحصار في جباليا، حيث تحتمي وعائلتها في مبنى شبهته بـ”السجن”، استشهد على أبوابه شقيقها عمر قبل أيام.

وسُمعت في المشاهد أصوات الطائرات الإسرائيلية وهي تحوم فوق المخيم وتقصف أجزاء منه.

مشاهد الدمار في جباليا

بدوره وثق الناشط طارق الدقس، جانبًا من الدمار الذي يخلفه الجيش الإسرائيلي في جباليا.

وقال طارق “إن ما حدث في هيروشيما وناغازاكي أقل مما يحدث هنا في شمال قطاع غزة، وفي حال استمرت سياسة إسرائيل في التفجيرات، فهي تستهدف المناطق الأكثر كثافة سكانية في جباليا، أكثر من 100 ألف فلسطيني ينتظرون موتهم كل ليلة”.

المصدر : الجزيرة مباشر

الجُذور.. والانحراف التَّامّ

 الجُذور.. والانحراف التَّامّ

صفوت بركات
أستاذ علوم سياسية واستشرافية

مَن يَنظُر للحرب مع المغضوب عليهم دون فَهُم الغاية القطعيّة الثُّبوت القطعيّة الدِّلالة -وهي الرَّدُّ عن الدِّين، وأنّها حرب على العقيدة والمُقدَّسات وكلّ ما يُمُت بعَلاقة المُسلم بربِّه وبإخوانه من المُسلمين في جنبات المَعمورة حتى بلغ بهم الطَّمع في تشكيل وجدان ومشاعر المُسلمين تجاههم وتجاه بعضهم- فهو يدخل للصِّراع مِن مَدخلٍ مُنحرفٍ ومَدخلٍ مُضلِّلٍ لحقيقة الصّراع.

فأيّ سِلمٍ مع مَن غايته رَدّك عن دينك وإن كان سبيله الظّاهر هو أخذ أرضك والتّموضُع في قلب عالَمك العربيّ والإسلامِيّ، وتسيُّده ليملك ناصية كلّ قرار؟!

ثُمّ يزعُم البعض أنّ الصّراع أرباح وخسائر ومع عدُوٍّ يَثبُت في حقِّه من فوق سبع سماوات وبنصوص قطعيّة الثُّبوت قطعيّة الدِّلالة لا تقبل التّأويل ولا الاحتمالات للمعاني نقضهم للعهود والمواثيق وقتل الأنبياء والرُّسل والصّالحين. كما أخبر القرآن: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (البقرة، 100)؛ وكما في قوله: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} (النساء، 155).

فكلّ تقهقر أمام هذا العدوّ الغشوم بداعي الخسائر تُطمِّعه وتُثير شهيّته لأكبر منها، وتاريخُهم وكتبُهم   تشهد بهذا.

فليس لقارئ القرآن المُتعبَّد به والعالِم برسوله وسيرته أن يقفز فوق البديهيّات لسجالات السِّياسة التي تُوقعنا في الغفلة عن الجُذور؛ ومَن ترك جِذر الصّراع وغايته وغرضه قدَّم أهله ومَن يعُول لهؤلاء طعامًا أو رقيقًا كما هو مكتوب في كُتبهم وعقائدهم؛ ولقد برهنوا على هذا في هذه الحرب، فلم يتركوا في المؤمنين إلًّا ولا ذِمّة.

وعليه، فالغبيّ الأحمق مَن يُؤصِّل لصراعنا مع المغضوب عليهم والضّالِّين على أرض وثروات؛ ويجحَد جِذر الصِّراع وغايته.

والغرض من هذا أنّهم يتّخذون الأرض والثّروات سبيلًا للنّزاع، لردِّنا عن الدِّين.

فمَن خرج بالصِّراع عن جُذوره، وجعله صِراعًا قوميًّا أو اقتصاديًّا أو جغرافيًّا لنفي الغاية منه، وإخضاعه لمعيار الرِّبح والخسارة؛ فهو جاهل أو سفيه أو مأجورٌ يُحجَر عليه، ولا يُسمح له بالرّأي.

الأندلس من الفتح الإسلامي إلى التنصير الإسباني

 الأندلس من الفتح الإسلامي إلى التنصير الإسباني  

     فرج كُندي

رئيس مركز الكندي للدراسات والبحوث      
   

خصائص الفتح الإسلامي للأندلس

 كان الفتح الإسلامي للأندلس وسقوط دولة القوط في الفترة ما بين عامي (714 – 711م) بقيادة طارق بن زياد ثم لحقه وأكمل معه الفتح وإلى إفريقيا موسى بن نصير، وبذلك يؤرخ للعصر الإسلامي في بلاد الأندلس الذي استمرت مدته نحو ثمانية قرون تقريبا؛ حتى سقوط مملكة غرناطة آخر معاقل الإسلام في الأندلس سنة 1492م، وبهذا يؤرخ لنهاية الحكم الإسلامي الذي مهد لنهاية وجود المسلمين في تلك المنطقة، بعد أن استقر وساد فيها منشئ حضارة مازالت مضرب المثل في التسامح والرقي والازدهار في كافة مجالات الحضارة الإنسانية.

 يعدّ الفتح الإسلامي للأندلس، كما لبقية الأمصار التي فتحها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، بداية عصر جديد، لما ترتب عليه من نتائج دينية، وثقافية، واجتماعية، واقتصادية، وسياسية غيرت مجرى التاريخ فيها، وطورت نتاجها الحضاري تغييرًا جذريًا؛ إلا أن معظم المؤرخين انصب اهتمامهم بالتركيز على الجوانب العسكرية والسياسية لهذه الفتوحات أكثر من باقي الجوانب الحضارية من عمارة وطب وهندسة وفلسفة وشعر وأدب وموسيقا ومخترعات، ولم يكن يشمل كافة الجوانب الثقافية، والاجتماعية، والحضارية، والاقتصادية، إلا نادرا مقارنة بالجانبين السياسي والعسكري الذين نالا نصيب الأسد من الاهتمام والعناية.

لذلك فإن أكثرية سكان الأندلس قد وقفوا موقفا إيجابيا من الفاتحين المسلمين، ورحبوا بهم، أملاً في التمتع بحريتهم، وهو ما أسهم في سرعة اندماج الأندلسيين في المجتمع المسلم ودخل عدد كبير منهم في الإسلام وأصبحوا جزءا من المجتمع الأندلسي المسلم. وقد مهد الفاتحون المسلمون، الذين تمثلوا مبادئ الإسلام وأفسحوا لهم المجال لتقلد جميع الوظائف المؤهلين للقيام بها. وعلى أيديهم دخلت مساهمات ملموسة في تكوين حضارات الإسلام في الأندلس.

انتشار الإسلام في الأندلس:

غداة الفتح الإسلامي لبلاد الأندلس سنة 92 هجرية. كانت الأغلبية الساحقة من سكانه ينقسمون إلى النصارى، أو وثنيين، أو يهود. وهذا ما سهل دخول أكثرية هؤلاء السكان منذ سنوات الفتح الأولى إلى الإسلام، عن قناعة ودون تردد، فلم يرغم إنسان واحد على أن يترك دينه من غير قناعة. فانتشر بينهم الإسلام بسرعة خاطفة في كل مكان وصل فيه صوته وخبره، وقد جاء ذلك الإقبال المنقطع النظير، بعد أن علموا بمحاسن الإسلام وعظمته وفطرته، وبعد أن شاهدوا بأم أعينهم سماحة الفاتحين وسمو أخلاقهم، وتحطيمهم للنظام الطبقي غير العادل الذي فرضه القوط عليهم، ونشرهم لمبدأ المساواة بين الناس، وعدم التمييز بين مسلم وآخر إلا بالتقوى، وبعد أن تنسموا على أيديهم نسيم الحرية، التي اكتملت بها إنسانيتهم.

وقد فسر بعض المستشرقين المغرضين سرعة دخول أهل الأندلس للتحول إلى الإسلام بأنه كان خوفًا من الجزية.

وهذا افتراء محض، فالإسلام صريح في معاملة من يؤثر البقاء على دينه، وذلك بدفع الجزية، وهي مبلغ ضئيل جدا، ويعفى منه الشيخ والمرأة والطفل والعاجز، كما أعفي منها الرهبان المنقطعون في أديرتهم، كذلك من الممكن تأجيل تحصيلها من المعسر حتى تتحسن أحواله، والإسلام ينص على عدم الإكراه في الدين في آيات قطعية حاسمة تعطي لأنسان حرية اختيار ديانته {لا إكراه في الدين} {من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}. {لكم دينكم ولي دين}

سرعة انتشار التعريب في الأندلس:

كان ذلك التحول إلى الإسلام من قبل السكان الأصليين في الأندلس بداية التخالط السكاني والتمازج الثقافي، ولم تبقَ على عقيدتها سوى قلة من الكاثوليك، إلى جانب قلةٍ من اليهود. ولكن حتى هؤلاء وأولئك لم يلبثوا أن استعربوا ثقافة ولسانًا وأسلوب حياة، بعد عدة عقود، وذلك بلا ضغينة ولا إكراه. وهكذا، فمع دخول أهل البلاد الأصليين في دين الله أصبح المسلمون من العرب والبربر قلة بينهم، وكان لانتشار الإسلام إسهامًا مباشرًا في انتشار اللغة العربية، لأنها لغة القرآن، وكان على كل مسلم أن يتعلم العربية، كي يفهم كتاب الله، ويقوم بواجباته الشرعية. ويمكن القول إن الإسلام والعربية سارا جنبا إلى جنب، وأسهما في تحطيم الحواجز النفسية، والمعنوية واللغوية، التي تفصل المسلمين الفاتحين عن السكان الأصليين.

وكذلك كان لعلاقات المصاهرة والجوار بين الفاتحين المسلمين والسكان الأصليين أثر بالغ في انتشار الإسلام بين أهل الأندلس، وبانتشاره انتشرت اللغة العربية والثقافة الإسلامية.

وبكون العربية هي لغة الدولة الرسمية غدت لغة الدواوين بعد أن تم تعريبها على أيدي الأمويين، ولهذا كان على كل من يتعامل مع الدولة أن يتعلم لغتها، وفي مقدمة هؤلاء رعاياها من أهل البلاد المفتوحة ومنها الأندلس مما ساهم في انتشارها بين المسلمين الأندلسيين الجدد وغيرهم ممن بقوا على دياناتهم ولم يدخلوا في الإسلام.

خصائص التنصير الإسباني

حرب الاسترداد وسقوط غرناطة

كان مشروع ما عرف بحرب الاسترداد التي شنها الأسبان ضد الوجود الإسلامي في الأندلس وقادها ملكا أرجوان وقشتالة، «فردناند وإيزابيلا» بعد زواجهما السياسي والديني يهدف إلى إبادة المسلمين وإنهاء الوجود الإسلامي في بلاد الأندلس.

كان هذا المشروع الإبادي يقوم على عقيدة دينية متطرفة تدعو إلى استخدام أبشع صور القتل والتعذيب والتشريد للمسلمين وإلى طرد المحتلين المسلمين من أرض الأندلس.

حقق هذا المشروع انتصارات متتالية وقلص الوجود الإسلامي في الأندلس ولم يبق إلا مدينة غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس التي بسقوطها سنة (897 هجري- 1492 ميلادي) بدأت المحنة الكبرى للمسلمين في الأندلس، وهي امتداد طويل لمحن مهدت لها وسبقتها؛ مع أن شروط التسليم كانت تحتوي على (سبعة وستين) شرطا منها تأمين المسلمين على أنفسهم ودينهم وأموالهم وأعراضهم وأملاكهم وحريتهم وإقامة شعائرهم الدينية واحترام دور العبادة – المساجد – وإعفائهم من الضرائب و…، غير أنه لم ينفذ منها شرط واحد!

بل أمعن عاهلا إسبانيا الصليبيان فردناند وإيزابيلا في اضطهاد المسلمين في الأندلس بإصدار عدة مراسيم متتالية ومترادفة تقضي باضطهاد المسلمين. منها أمر ملكي بمنع وجود المسلمين في المملكة –غرناطة مدينة المعاهدة التي ذكرت آنفا – وقد اختارهما الله (فردناند وإيزابيلا) لتطهيرها من الكفرة!! ويقدر بعض المؤرخين عدد من تم تعرضه للسجن والتعذيب من المسلمين بعد سقوط غرناطة بثلاث ملايين نسمة ممن تعرضوا للقتل والحرق أحياء.

كما صدر أمر ملكي يحتم على كل مسلم بلغ الرابعة عشرة ومسلمة بلغت الثانية عشرة أن يغادر غرناطة في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر. ورسم البابا في مارس 1524 بحث رجال محاكم التفتيش أن يعجلوا بإجبار المسلمين على اعتناق المسيحية الكاثوليكية، ومن أبى من المسلمين فعليه أن يخرج من إسبانيا ومن لم يعتنق المسيحية كان جزاؤه أن يصبح عبدا رقيقا طوال حياته، وأعقب هذا الرسم أمر ديوان التفتيش في سنة 1526 بإجبار المسلمين على التنصّر ونفذ هذا القرار في جميع الأراضي الإسبانية دون استثناء.

واتبع الملوك الإسبان سياسة أخرى بالإضافة إلى القتل والتنصير وسياسة مشروع النفي والتهجير.

ويقدر المؤرخون عدد المنفيين حتى أواخر سنة 1609 بأكثر من مائة وخمسين ألف نسمة.

أما تقدير عدد المنفيين من إسبانيا كلها بعد حملة التطهير العرقي والديني للمسلمين بعد سقوط غرناطة وما تلاها فهو يتراوح بحسب الخلاف بين المؤرخين من مليون نسمة الي ستمائة ألف مسلم هذا بخلاف الذين تم تنصيرهم قسرا أو قتلوا في السجون وأثناء التعذيب في حملة إبادة واسعه.

وما اشبه اليوم بالبارحة وما قام ويقوم به الصهاينة المغتصبين لأرض فلسطين منذ عام 8194 مع الشعب الفلسطيني المسلم. من تنكيل وتهجير وقتل وابادة وسجون ليخرجوهم من أرضهم وينفونهم في أصقاع العالم ليقيموا عليها دولة الصهيونية العالمية تحت شعار يهودية الدولة كما فعل ملوك اسبانيا الصليبيين مع مسلمي الاندلس.

بيني وبينك.. حسبُنا الله ونِعم الوكيل

بيني وبينك.. حسبُنا الله ونِعم الوكيل


د. أيمن العتوم

كلّما فجّرتْ صواريخُكم أحياءَهم وبيوتَهم، ضوّأتْ من الحُزن فرحًا ولو بعدَ حين. وكلّما دمّرتْ طائِراتكم الأسقفَ وهدّمت الجُدرانَ على رؤوس ساكنيها، ستنبتُ من دماء الشّهداء وردةٌ تملأ الأرض من أقطارِها بعبقها الّذي سيُزكِمُ أنوفَكم. وكلّما امتلأ المكانُ برائحة الدُّخان سينتشر الشّذى والرَّيحان ولو في القلوب الثّاكلة اليتيمة، الّتي لا تدرونها ولا تعرفونها، وأنَّى لكم أنْ تشعروا بما يضجّ بين جنباتِها!!

كلّما انتشرتْ جثُثهم على الأرصفة، وتبعثرتْ أشلاؤهم على الطّرقات، وملأتِ الصّرخات المرعوبة أرجاء المكان، وتداعتِ الأكلة من الوحوش إليها لتنهشَ ما تبقّى من لحمٍ على وضمٍ، سيقول أهل غزّة: حسبنُا الله ونِعم الوكيل.


كلّما انخلعت القلوبُ لأصوات الصّواريخ الفتّاكة، ستنخلعُ قلوبُكم يومًا وإنْ كان في علم الله، لهتاف أهل غزّة: حسبُنا الله ونِعم الوكيل!

كلّما اسْودَّت اللّيالي، وتوالت المِحن، وتداعتِ الخطوب، وبلغتِ القلوبُ الحناجر، واستحَرَّ القتلُ في المؤمنين، وانتُهِكت البيوت والميادين، ستسمعون صوتَ أملِ أهل غزّة ويأسِهم معًا، صوتَ بَردِهم وحَرّهم، ليلِهم ونهارهم الّذي لم يعدْ نهارًا، حُزنِهم وفرحِهم الّذي لم يأتِ، مالِئًا فضاء التّخاذل والرّجاء: حسبُنا الله ونِعم الوكيل!

إنّها أكثرُ من ثلاثمئةٍ وسبعين يومًا ولا راحة، لهاثٌ خلفَ الأبناء ليجمعوا ما تبقّى منهم، إنّها ثلاثةَ عشر شهرًا على الموتِ الّذي لم يشبع، وعلى القتل الّذي لم يتوقّف، وعلى قلّة النّصير، وعلى كثرةِ الآكِلين، وتَجَمهُر المُتآمِرين، ومع ذلك سيظلّ أهل غزّة يُطلِقون نشيدَهم الجريح، ونزيفهم الذّبيح في عبارةٍ تختصر هذا الوجع كلّه: حسبُنا الله ونِعم الوكيل.

إنَّ الله الّذي قَدّر البلاء هو الّذي سيرفعه، والّذي قدّر الرّعب هو الّذي سيُحوّله إلى طُمأنينة، والّذي كتبَ الجوعَ سيكتُب الشِبَع، والّذي جعل الظمأ سيجعل الرِّيّ، وإنّ طعام الله وشرابَه غير طعامكم وشرابكم، وإنّ سكينته وطمأنينته ليستْ بيدِكم ولا حَوْلِكم مهما ظَنّ أهل اليأس أنّها كذلك، ونحن أهل الأمل، وسنظلّ نهتف: حسبُنا الله ونِعم الوكيل.

إنّه الله، وإنّه خالِقُ كلّ شيءٍ ومُقدِّرُه، والقادر على أنْ يُحيل جهنّمَنا جنّة، وجحيمَنا روضة، وإنّنا لا نعرفُ نصيرًا اليومَ سِواه، بعدَ أنْ تُرِكْنا وحدَنا، ولم تُعطونا إلاّ ظهورَ خذلانكم، أيُّها البُعدَاء ألا فارتعوا في لهوكم، وخوضوا في لَعِبكم، ولا نقول إلاّ: حسبُنا الله ونِعم الوكيل!

يا الله… يا مَنْ بيده كلّ شيء، لقد ضلّتِ الأعرابُ، وكفرتِ الأتراب، ورتعتِ الأحباب، وعاثتْ في رقابِنا الأغراب، وتنكّرتْ لنا الأحسابُ، ولم يبقَ في قوسِ الصّبر مَنْزَع، إلاّ أنْ تكونَ رحمتك، وإنّها لقريبةٌ من المُحسنين، وإنّا لنقول رغم كلّ ما أحاطَ بنا، وما أصابنا من لَأْواء: حسبنُا الله ونِعم الوكيل!




ياباني... يفوز بنوبل للسلام

ربيع الكلمات


ياباني... يفوز بنوبل للسلام



عبدالعزيز الكندري

«عندما رأيت الأطفال يُحملون والدماء تغطيهم بغزة، تذكّرت المشاهد التي حصلت في اليابان قبل 80 سنة».

توشيوكي ميماكي، الفائز بجائزة نوبل.

هاجم سفير الاحتلال الإسرائيلي لدى اليابان جلعاد كوهين، المنظمة اليابانية «نيهون هيدانكيو»، الحائزة جائزة نوبل للسلام لعام 2024، والتي قارن رئيسها توشيوكي ميماكي، الدمار الحالي في قطاع غزة جراء حرب الإبادة بأوضاع هيروشيما وناغازاكي بعد ضربهما بقنبلتين نوويتين قبل نحو 80 سنة.

نيهون هيدانكيو، منظمة يابانية أسسها عام 1956 ناجون من القنبلتين الذريتين اللتين ألقتهما الولايات المتحدة الأميركية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي سنة 1945. 

تدعو المنظمة إلى تعويضات حكومية للضحايا والناجين، وتنادي بحظر السلاح النووي، وتم الاعتراف بها دولياً عام 2001، وشاركت في عدد من الأنشطة في الأمم المتحدة وبلدان آسيوية وأوروبية، وفازت هذا الشهر من العام الحالي 2024 بجائزة نوبل للسلام اعترافاً بجهودها في مجال مكافحة الأسلحة النووية.

وتم الإعلان عن فوز المنظمة اليابانية بجائزة نوبل للسلام لعام 2024، يوم الجمعة الماضي، «تقديراً لجهودها من أجل عالم من دون أسلحة نووية»، وفق ما أفادت عنه اللجنة المانحة للجائزة في النرويج، وقال رئيس المنظمة اليابانية توشيوكي ميماكي، إن وضع الأطفال في غزة يشبه الوضع في اليابان نهاية الحرب العالمية الثانية: «في غزة لم يتوقف نزيف الأطفال، تماماً كما في اليابان قبل 80 عاماً».

وتهدف منظمة نيهون هيدانكيو، للمطالبة بإلغاء الأسلحة النووية وتعويض الضحايا عن أضرار القنبلة الذرية، وتنظيم حملات للضغط على الحكومة اليابانية والأمم المتحدة وحكومات الدول الأخرى، إضافة للسعي إلى إلغاء الأسلحة النووية وتدميرها، وتوقيع المعاهدات الدولية الخاصة بإلغاء الأسلحة النووية وتنظيم المؤتمرات الدولية، وسن قوانين لحظر الأسلحة النووية وتعديل قانون دعم ضحايا القنابل الذرية ليشمل التعويضات الحكومية وتعزيز إجراءات دعم الناجين، ونشر الحقائق المتعلقة بتأثير القنبلة الذرية في الداخل والخارج، كما أنها تقوم بإجراء البحوث والدراسات عن أضرار القنبلة الذرية، مع تقديم الاستشارات والدعم للناجين من القنبلة الذرية.

ورحب رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا، بفوز نيهون هيدانكيو بجائزة نوبل للسلام وقال: 

«إنه لأمر بالغ الأهمية أن تحصل المنظمة التي عملت على إلغاء الأسلحة النووية على جائزة نوبل للسلام». 

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إن الجائزة «رسالة قوية» وأفادت 

«لا يزال شبح هيروشيما وناغازاكي يحوم فوق البشرية، وهذا يجعل عمل نيهون هيدانكيو لا يقدر بثمن، وعلينا واجب أن نتذكر وواجب أكبر هو حماية الأجيال القادمة من أهوال الحرب النووية».

إن الحرب الدائرة هذه الأيام على غزة ولبنان نعم هي غير متكافئة بسبب التفوق التكنولوجي وهذا واضح خاصة وهي تتلقى الدعم من الدول العظمى، ولكن ما يحصل اليوم يتجاوز كل ما حصل في السابق بسبب عملية التفخيخ وهي تعني سبق إصرار وترصد في العقل الإجرامي الصهيوني، مثابرة على الإجرام بكل خسة ودناءة، يبحثون عن أسلحة مبتكرة وبطرق غير مشروعة لقتل البشر، مشهد يعز اللسان عن وصفه ولن تجده لا بالقصص ولا في السينما الدال على العقيدة الصهيونية المنحرفة.

ولكن ما هو واجبنا تجاه إخواننا في غزة ولبنان... نعم شعور التعاطف ونشر ما يحدث لهم مطلب، ولكن هذا الشعور يجب أن يحتم علينا أن نتسامى عن خلافاتنا الشخصية من أجل المصلحة العامة، نحتاج عملاً منظماً مع الجهود المدنية والأهلية كافة، لأن العدو الصهوني يعمل بشكل منظم ولديه دعم مفتوح.

هناك العديد من النشاط حول العالم ومنهم يهود ينددون بجرائم الصهاينة، لذلك لابد من استثمار هذا التعاطف من القضية لصالحها بدل التشفي من بعض، نعم إخواننا يعيشون ظروفاً صعبة ولكن بتكاتفنا نستطيع أن نعمل الكثير.

يا أمّ موسى!

يا أمّ موسى!


مؤرخ وروائي فلسطيني 

1- أترون كم هو فؤادُ الأمّ مشحونٌ بالعواطف العميقة، ومسكون بالغرائز الأصليّة النفسيّة القويّة! وترونَ إذا أصابه الفراغ الصِّفريّ نتيجة صدمة عظيمة أو صدمات ثقيلة متتابعة مستديمة أنّ هذا يعني أن كل هذه العواطف والغرائز الأصليّة قد ذهبت وراء شيء عظيم يشغل بالها، ويطرد سكونها، فلا يظهر على فؤادها من الخارج إلا ستائر الهمّ، ولا يخرج منها إلا أدخنة الحزن على فراق وليدها الرضيع الذي لا حول له ولا قوّة ولا إرادة.

2- كان همّ أم موسى يزيد أكثر بفراغ القدرة على التدبير، والعجز عن الحيلة، واشتدّ الواردُ على هذا القلب المفجوع المتصدِّع من احتمال وقوع الطفل بيد ذابحيه، وهاجَ قلبُها عندما هجمت عليها أوّلَ الأمر أفكارُها النفسيّة الطبيعيّة التي تتهمها بقتل وليدها وإغراقه إذا ألقته في اليمّ، ووضعتْ مصيره أمام مجهولٍ خطير لن يكون أقلّه أن يغرق ولدُها أو تفقده إلى الأبد، وكثيراً ما يتحوّل الوارد الشديد على القلب إلى تجميد مشاعره وإطفاء شرارته وإبطال عمله.

3- كانت أم موسى تتلقّى وحياً صادقاً مُقْنِعاً لا يتلقّاه إلا الأولياء المقرّبون، وكان الوحي أشدّ ولوجاً على قلبها واطمئناناً به من أي مشاعر قوية مختزنة في فطرة قلبها، وعندما أتاها هذا الخاطر القويّ والحبل المتين من هذا الوحي يأمرها ألا تخاف وألا تحزن، لأن مصير صغيرها لن يكون بنجاته من القتل والغرق فحسب بل سيكون إماماً مرسَلاً، وفوق ذلك هديّة غالية معجّلة بأن الله سيردّ إليها صغيرها، وسيعود إلى صدرها راضعاً من حنانها ولَبانها، وستأنس بقربه مع أمانٍ لحياته وضمانٍ لمستقبله.

4- لقد ربط الله على قلبها الجازِع الفارغ بإفراغ الصبر فيه، فلم تَخَفْ لأن الخائفَ عاجزٌ جبان، ولم تحزن لأن الحزين لا يصبر، وليس فيه عزيمة ولا إرادة؛ وجعل الله لقلبها رباطاً تشدّ به عواطفها، وتُوجّهها بالصبر نحو المقاصد والغايات، فلم تنكشف عواطف الأمومة وتَذيع شفقةً أو وَجْداً عندما رأت تابوت وليدها يبتعد عنها في الماء وتتقاذفه تيارات الماء، ولم تنفعل عندما أعلنوا أن هذا الصغير هو ابن فرعون، ولم تخبر أحداً أنه ابنها هي، وأنها أمّه دون غيرها، وانظر إلى هذا التعبير القرآني العجيب (إن كادت لتبدي به) ولم يقل “تبديه” لأن الإظهار والإبداء هنا ليس معرفة هذا الخبر فحسب بل يتضمن معنى الإشاعة والإخبار.

5- وثمرةُ هذا الربط على القلب أن يكون المرء مؤمناً مصدّقاً، فإن الإيمان يريح القلب، ويصرفه عن الهواجس والمخاوف وطوارئ الانفعال، ويثبت قلبه ويقوّيه، وينقله إلى سماء اليقين فلا يتزعزع التزامه بقضيته مهما أصابه من القوارع والكوارث التي تفرغ القلوب وتذهل النفوس.

6- يا أمّي تحت الويل والنار! إنّه مع اشتداد الكارثة عليكِ وانعدام الحيلة أمامكِ فإن أقوى ما نعالج به أنفسنا هو في ربط أنفسنا بالله ربطاً كلّياً نَخرج به من حولنا وقوّتنا، ونفرغ قلوبنا تماماً من أي خوف أو حزن، ونمسك بهذا الحبل المتين الوحيد، ونعلّق أنفسنا بأسباب السماء، ونترقّى بهذا الحبل إلى أعلى مع كل ضائقة ومصيبة بالصبر الجميل والحمد المتصل والرضا الكامل والتوكل الحقّ، وتظل عيوننا مفتوحة إلى السماء، ولا نخفضها إلى ظلم الأرض وجور أهلها وخذلان الأقربين فيها.

وكتب الله لك اللطف والسلامة

الأربعاء، 16 أكتوبر 2024

كي لا تكون الضحية التالية

 

كي لا تكون الضحية التالية

A99D1147-B045-41D9-BF62-AB547E776D3E

حلمي الأسمر

حين "يتضامن" غربي، أميركي أو أوروبي، أو حتى من أفريقيا أو آسيا، مع ضحايا الهمجية الصهيونية في فلسطين أو لبنان، فهذا يعني أن هذا الشخص يشعر أن هناك كسراً للقواعد الأخلاقية التي تعلّمها أو اكتسبها، فوفقها من حقّ الإنسان أن يعيش بكرامة، وقبل هذا أن يعيش أصلاً، لا أن يُقتل بقصف بمسيّرة أو قذيفة طائرة أو سحقاً تحت سقف منزله، أو أن يتحوّل إلى دمية بين يدي سجّان سادي يذيقه ألواناً من العذاب فقط لأنه وقع أسيراً بين يديه، ولا يملك القدرة على الدفاع عن نفسه. 

تلك المشاعر التي تنتاب المتضامن إنسانية بحتة، غير ممزوجة بما أشعر به أنا العربي اللاجئ من يافا للمرّة الثانية، أو الثالثة حتى قبل أن أولد، فقد لجأت عائلتي من قرية جميلة وادعة تبعد قليلاً عن يافا قبل أن أرى الحياة (أصبحت أراضيها في ما بعد أغلى بقعة في فلسطين المحتلة، فهي حالياً جزء مما يسمّيها العدو تل أبيب الكبرى، أو مركز الكيان!). 

وشاء القدر، أو الاحتلال على وجه التعيين، ألا أولد في بيتنا الوادع الجميل القائم بين بحر ونهر، بل في "خيمة" أقيمت على عجل، لإيواء من لجأوا فراراً من القتل، على بعد نحو 60 كيلومترا من مسقط رأس والدي، في بيتنا الأول، وهي المسافة التي تفصل بين يافا ومخيم طولكرم، ويبعدان بعضهما عن بعض أقل من ساعة بالسيارة، لكنها مسافة ضوئية، كأنها تفصل بين جرمين سماويين، فبين "تل أبيب" والمخيّم الذي تحول إلى ساحة قتال اليوم أكثر من نصف قرن من الأحداث.

مفهومٌ أن يتضامن ذلك "الغريب" مع غريب آخر وقع ضحية احتلال، لأسباب إنسانية بحتة، لكن لـ"تضامني" مع الحدث ذاته كيمياء أخرى معقدة كثيراً، ليس فقط لجهة أن تلك الضحية التي أتضامن معها عاشت تقريباً بعضاً من المراحل التي عشتها فقط، لا، بل لأنني ذُقت بعضاً مما ذاقت، والأهم والأخطر أنني لا أملك أي ضماناتٍ ألا أكون الضحية الثانية، وهنا بيت القصيد.

هل هناك أي ضمانة من النظام العربي الرسمي أن لا نكون نحن العرب الذين نقيم خارج دائرة النار الضحية القادمة للوحش الصهيوني الهائج؟

وبحسبة بسيطة تأخذ بالحسبان ما يقذِف به في وجوهنا غلاة الصهاينة صباح مساء، فلا يوجد عربي واحد بين النيل والفرات في منأىً من أن يكون الضحية القادمة، فتلك الأرض التي يسكنها أهلها منذ قرون طويلة باتت حلم الصهاينة من أبناء "أبراهام" لإقامة حلمٍ مستندٍ إلى نبوءة أو "وعد!" توراتي من إلههم "يهوه" بأن تكون "وطنهم". ومع ازدياد "خضوع" أنظمة الحكم في تلك البلاد وما يبدو تساهلاً مع الاحتلال وتقبّلاً له بوصفه واقعاً لا سبيل لتغييره، زادت شهيّة التوسّع وتحقيق وعد يهوه، فأنت حين ترى من يفترض أنه خصمك وعدوك يعاملك وكأنك صاحب البيت لا مغتصبه بكل ودّ وترحاب، ستبدأ على الفور التفكير في كيفية طرده من البيت أو حتى قتله ورميه خارجاً، خصوصاً حين يكون الطرف الآخر مدجّجاً بثقافة سادية تنظر إلى الآخرين بوصفهم عبيداً له، لا شركاء له على هذه الكرة الأرضية. 

وفي المحصلة، ليس عليك وحدك أن تشعر بأنك ربما تكون الضحية التالية، بل كل الذين يعيشون على تلك الأرض "الموعودة" لغيرك. من هنا، تتحوّل مشاعر التضامن الإنساني إلى وقود لاستفزاز غريزة الرغبة في البقاء والدفاع عن الذات! أما الذين "يعجزون" عن الوصول إلى تلك المرحلة من المشاعر، ويُهيأ لهم أن ما يجري في مخيم جباليا في غزّة أو مخيم طولكرم في الضفة الفلسطينية المحتلة أو بلدة الخيام في لبنان لا يعنيهم كثيراً، أو أنه بعيد بما يكفي كي لا يكون مصيرهم كمصير من عاشوا في تلك الأماكن، فهؤلاء يعيشون في غيبوبةٍ إراديةٍ لا شأن لها بالواقع الكارثي المحيط بهم. هؤلاء ضحايا وهم بثّته في وعيهم ولاوعيهم وسائل دعاية تنشرها أنظمتهم التي تعرف أن ثمن بقائها ديمومة إبقاء "القطيع" نائماً في تلك الغيبوبة، ساهياً لاهياً عما يُعدّ له، مما ذاقه إخوتهم في الأرض التي سيطرت عليها جماعة وعد يهوه!

بهذا المعنى الذي استغرق شرحه الفقرات أعلاه، يصبح "التضامن" ليس واجباً فقط، بل فرض عيْن على كل من يقيم على تلك الأرض "الموعودة"، وهو في الحقيقة ليس تضامناً مع آخر، بل وقوفٌ مع الذات ودفاع عنها، إنه يشبه أن تهبّ لإطفاء الحريق عند جارك كي لا تمتدّ النيران إلى بيتك.

نحن أمام عدو لا يقبل شركاء، بل عبيداً أو من دون ذلك

لقد أنفقت جماعة وعد يهوه مالاً كثيراً، كي تبث طيفاً هائلاً من الأوهام والأكاذيب والمفاهيم الخاطئة لتبقي من هم خارج دائرة "الصراع" المباشر للعيش في حالة رخوة من الرخاء والاطمئنان الكاذب، لتحييدهم وإبعادهم عن نصرة إخوتهم، بزعم أنهم خارج دائرة الخطر، مع أنهم في صلب هذه الدائرة، والدور قادم عليهم كي يكونوا الضحية التالية، إن لم يكن اليوم فغداً، وساعدتها في هذا الجهد "الجبار" آلة إعلامية لأنظمةٍ تستمدّ من هذا الوهم نسغ بقائها، وديمومة "أمنها" المستمدّ في الأصل من أمن جماعة الوعد المزعوم، وتلك أكبر عملية نصبٍ وتزييف مرّت بها بلادنا في العصر الحديث.

باختصار.. اليوم فلسطين ولبنان، وغدا الأردن ومصر وسورية، وبعد غد مكّة المكرمة والمدينة المنوّرة، وبعده أو معه، المغرب وليبيا وتونس وعُمان والجزيرة العربية كلها. الدفاع عن الأقصى دفاع عن مكّة والمدينة، ومن يرضى بفناء غزّة وشجّع العدو وأعانه على ارتكاب جريمته هناك وقّع له على صكّ تنازل، ليس عن كرامته وشرفه وعرضه فقط، بل عن وجوده هو فيزيائياً، لأننا أمام عدو لا يقبل شركاء، بل عبيداً أو من دون ذلك.

هل هناك أي ضمانةٍ من النظام العربي الرسمي أن لا نكون نحن العرب الذين نقيم خارج دائرة النار الضحية القادمة للوحش الصهيوني الهائج؟ 

ماذا أعدّ هذا النظام لحمايتنا؟ هل بنى لنا خنادق؟ 

هل سلحنا؟ بل هل أطعمنا من جوع وآمننا من خوف؟ 

أيّ شرعيةٍ بقيت لهذا النظام كي ندين له بالولاء؟