الثلاثاء، 7 مايو 2024

منبع الشر الكبير

منبع الشر الكبير

م.محمد إلهامي

باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية


ماذا أفعل وكل الأمور والكوارث تؤول وترجع إلى منبع شر واحد كبير لا ترجع لغيره؟!

هل تذكرون يوم وقع الانقلاب على مرسي رحمه الله، فسحب قوم أنفسهم من معركة الحق والباطل، قالوا: هذا خلاف سياسي، وهذا حديث كراسي، وهذا صراع سلطوي.. وإنما نحن حراس الدين والشريعة والعقيدة؟!!

ما فعلوا بذلك إلا أنهم سحبوا أنفسهم من المعركة، فأضعفوا جانب الحق، ثم إنهم بقولهم هذا أضلوا كثيرا من الناس، فوقع في صفوف الحق الخطأ والخطل والزعزعة..

فماذا كانت النتيجة؟

انتصر الباطل وانتفش وتمكن، ونشر لهم الإلحاد والفجور والإباحية، وافتتح لهم مراكز ممولة في قلب العاصمة الإسلامية لتنشر الكفر والفجور وتزدري الدين ونبيه وصحابته أجمعين..

فهل قاموا لينتفضوا؟ قد فات الوقت.. إنهم الآن عاجزون، لا يستطيعون.. من كان منهم غبيا عرف الآن أنه لم يكن صراع كراسي ولا خلاف سياسة ولا شأنا نخبويا من ماجريات الأحداث.. بل كان صراعا في قلب العقيدة والشريعة والدين.

وأما من كان جبانا فلقد كان يعرف من البداية.. ولكنه كان أجبن من أن يعترف بجبنه، وأخبث من أن يتخلى عن كبره، فاصطنع قولا يحفظ به مقامه في الناس ويتفلسف به لتبرير انسحابه وانعزاله ونكوصه عن الواجب.

هذه هي القصة الحزينة البائسة للمنتسبين إلى الدين والشريعة..


فأما المنتسبون إلى الوطنية والدولة والمؤسسات فقصتهم أكثر بؤسا وأشد فجيعة..

ما من وطني
حقا إلا وهو يعرف أن انقلاب عبد الفتاح السيسي لم يكن لصالح الشعب ولا البلد.. بل كان لصالح الصهاينة والأمريكان وطغاة العرب والعجم..

وما من وطني حقا له الحد الأدنى من المعرفة كان يظن أن جيشا كجيش مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي يمكنه فعلا أن يدافع عن البلد أو أن يحمي الحدود.. والله إن هذه لخرافة لا تسكن إلا عقول الجهلة والمنافقين الأوساخ.. فأما من قرأ شيئا من تاريخ هؤلاء العسكر فقد كان عارفا منذ اللحظة الأولى أن البلد وشعبها سيدفع الثمن العظيم من دمائه، وأن غزة سيزداد حصارها وأن إسرائيل هي أسعد الناس بانقلاب كهذا.

وحتى من كان جاهلا لا يعرف، فلئن كان مخلصا فلقد كان سيعرف هذا مع الأيام الأولى من الانقلاب، لشدة ما يرى من تأييد وفرح وطرب في صفوف الصهاينة والأمريكان وطغاة الخليج.. ولكن الأوساخ كثر، والإعلام مفتوح لهم.

والآن، يرى الجميع أن عسكر مصر بقيادة #السيسعدوالله هو أهون وأقل وأذل من أن يوقف استيلاء الصهاينة على معبر رفح أو أن يحمي الحدود أو أن يحفظ ماء النيل.. وهذا الآن هو كلام الغبي المغفل.. فأما من له أدنى فهم فهو يرى الخيانة والعمالة والتصهين في أجلى وأوسخ وأحقر صوره!

لا حقيقة الآن أشد وضوحا من حقيقة أن عبد الفتاح السيسي ونظامه شريك كامل الشراكة، بكامل الأصالة، في تدمير غزة وإبادة أهلها وتجويع شعبها وموت أطفالها.. من لم ير هذا فليس بالأعمى بل هو الخائن.

كان "المنتسبون" إلى الوطنية يروجون للانقلاب العسكري لأن مصر تحتاج قائدا قويا وجيشا قويا ودولة قوية.. خبتم وخسرتم، وأسأل الله أن يعذبكم كما كنتم تكذبون وتضللون الناس.. في ميزانكم كل قطرة دم تسيل وكل دمعة تنحدر على خد مكلوم ومقهور وموجوع.

وبقي قسم ثالث.. قسم خائن في صفوف المظلومين.. قسم بذل كل جهده وسفك كل طاقته وعمل ما في وسعه ليمنع الناس من مقاومة الانقلاب.. ووصلت خيانتهم إلى تسليم كثير ممن قاوموا، وإلى منع الأموال عن أسرهم وأسراهم ليجوعوا ويذلوا.

في ميزانكم كل جريمة ارتكبها الانقلاب كان يمكن ألا تحدث لو أنه لم يتمكن ولم يترسخ بفضل تعاونكم وخذلانكم وخيانتكم.

من أي زاوية نظرتَ إلى كوارث أمتنا وصلت إلى قلبها: النظام الحاكم.. النظام الخائن.. النظام المجرم.. النظام الذي جند البلاد والعباد لخدمة الصهاينة والغرب، ولقتل المسلمين، ولمطاردة الدين!

وأي تغافل عن سد منبع الشر الكبير هذا لن يكون حلا ولا علاجا.. فمن كان صادقا في حراسة الدين والشريعة، أو كان صادقا في حب الوطن والدولة، أو كان صادقا في أي وجه من وجوه الإصلاح فليقصد هذا المنبع الأصلي.. منبع الشر الكبير الخطير: النظام والسلطة.

من تغافل عن هذه الحقيقة، وترك هذا المنبع فلن يستطيع مقاومة نهر الفساد الذي سيفيض منه..

لا الواقف على ثغر الإلحاد سيجد الوقت ولا الفرصة ولا الإمكانية لمواجهة موجة الإلحاد..

ولا الواقف على ثغر العقيدة سيجد الوقت ولا الفرصة ولا الإمكانية لمواجهة تيار شبهات المتشككين في الدين..

ولا الواقف على ثغر الأخلاق سيجد الوقت ولا الفرصة ولا الإمكانية لمواجهة انفلات الاخلاق..

ولا الواقع في حب الوطن والوطنية سيجد الفرصة لتلافي الكوارث الخالدة التي يفعلها نظام خائن يفرط في الماء وفي الحدود ويضيع كل عمق استراتيجي ضروري لأمن البلاد وكل مصلحة حيوية للشعب.

ولا حتى ضيق الأفق الذي لا يرى في الدنيا غير جماعته وحزبه سيجد وقتا ولا فرصة ولا إمكانية لمواجهة ما سينزل بها من ضربات وتمزق وضعف وعجز!

بل ولا حتى الساعي على نفسه ومصالحها الضيقة سيجد نَفَسًا ولا فرصة يواجه بها الحياة وينتزع لنفسه ولأولاده حياة كريمة..

على من يتحرق ويتألم ويتمنى أن لو عاد التاريخ ليتجنب هذا المصير، أن يتأمل ويتبصر ويتفكر: ماذا يجب أن يفعل الآن لكي لا يستمر هذا الوضع، فإن الكارثة ستكون أعظم لو استمرت في بلادنا هذه الأنظمة الفاجرة الخائنة التي تعادي الله ورسوله والمؤمنين.

معارك كتبت علينا، لا نجاة منها.. بل الهروب منها يزيد من خسائرنا ويضاعف آلامنا ويطيل زمان نكبتنا ومصيبتنا..

والله لقد وددت أن يتفجر معبر رفح والسور الفاصل يوم الانقلاب على مرسي، ووددت لو قد حدث هذا يوم البدء في تهجير رفح المصرية، ووددت لو قد حدث هذا يوم السابع من أكتوبر المجيد.. وقد قلت هذا كله في وقته، بعضه سرا وبعضه علنا.. ولكن أوهام الفكر هي قيود الحركة، والفيروسات التي تسكن العقول تشل الإمكانيات وتضيع الفرص.

ولو تأملنا في تاريخنا لوجدنا أمثال هذه الأمور كثيرة.. ليس أولها نية عرابي ردم هذه القناة اللعينة، قناة السويس، لولا أن سكنته أوهام القانون الدولي، حتى جاءته الهزيمة منها.. فأصبح من النادمين ومن الخاسرين.

ترى كم فرصة نملكها الآن، لا تتعطل إلا لوهم مذموم أو لوعي مسموم قد سكن العقول والقلوب؟!



احتلال معبر رفح.. تأكيد المؤكّد!

 احتلال معبر رفح.. تأكيد المؤكّد!

ساري عرابي

وافقت حركة حماس على مقترح مصري/ قطري لصفقة تبادل أسرى، يفترض أن تفضي إلى هدوء مستدام؛ من شأنه أن ينتهي بوقف العمليات العسكرية والعدائية وانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزّة. بعد ساعات على هذه الموافقة، يحتلّ جيش الاحتلال معبر رفح من الجهة من الفلسطينية ويقتل عددا من موظفي المعبر المدنيين، ويدمّر كلّ ما مرّت به دباباته.

هذه المفارقة ما بين موافقة حماس على المقترح والعملية الإسرائيلية العدوانية في رفح؛ كاشفة عن حقيقة الموقف، هذا الانكشاف لا يجعل كبير أهمية لأيّ تخمين حول هذه العملية، هل هي محدودة ستقتصر على المعبر؟ وهل هي مؤقتة أم سيطيل جيش الاحتلال من وجوده في المعبر ومحور فيلادلفيا، أم هي جزء من عملية أوسع تهدف إلى إلحاق مدينة رفح بأخواتها السابقات تدميرا وإبادة؟ وهل هي لأغراض استراتيجية أم في سياق الضغط التفاوضي؟ وهل هي محلّ إجماع إسرائيلي داخل مجلس الحرب أم هي بدفع خاص من بنيامين نتنياهو نتيجة الحسابات والتناقضات الإسرائيلية الداخلية؟

القول بأنّه لا كبير معنى للتخمين إزاء هذه الأسئلة؛ لا يعني من حيث الأصل أن تحليل السلوك الإسرائيلي الآني غير مهم؛ ولكنه يعني أنّ الظرف الإقليمي والدولي مختلّ إلى درجة أنّ الإسرائيلي من شأنه أن يفعل ما يشاء، ولا يسعى أحد في العالم لعرقلة فعله سوى الفلسطيني، وهو في الظرف الراهن المقاومة الفلسطينية في غزّة.

الظرف الإقليمي والدولي مختلّ إلى درجة أنّ الإسرائيلي من شأنه أن يفعل ما يشاء، ولا يسعى أحد في العالم لعرقلة فعله سوى الفلسطيني، وهو في الظرف الراهن المقاومة الفلسطينية في غزّة


مند بدء الحديث عن تباين أمريكي إسرائيلي في سياق هذه الحرب، كنتُ أحذّر من المبالغة في تصوّر حقيقة هذا الخلاف، لأنه في جوهره خلاف داخل البيت الواحد، وعلى طاولة واحدة، وعلى أساس الحرص على "إسرائيل" والرغبة في تحقيق الأفضل لها، تماما كاختلاف القادة الإسرائيليين أنفسهم في تقدير موقف ما ودراسة خيار ما، فالتباين الأمريكي الإسرائيلي ليس تباينا بين منفصلين، ولكنه تباين في إطار وحدة الحال.

لا يقلّ عن ذلك أهمية، موضوعان، الأوّل أنّ الحرب دخلت شهرها الثامن بدعم الأمريكي وانخراطه الكثيف والمباشر فيها من كل وجه فيها، فأيّ مخاوف أخلاقية على المدنيين تُنسب للأمريكي محض تضليل. والمقام يضيق عن استيعاب الانحطاط الأخلاقي الذي وسم السلوك الأمريكي في هذه الحرب، من إطلاق يد الإسرائيلي، ومنحه الفرصة الطويلة لتحقيق أهدافه بطريقته حتى لو كان الأمريكي يفضل طريقة أخرى، ودعمه بكل ما يلزم عسكريّا واستخباراتيّا واقتصاديّا ودعائيّا وسياسيّا، وتبني روايته، وتكذيب أعداد الضحايا الفلسطينيين (في شهور الحرب الأولى على الأقل)، وإفشال كلّ محاولات وقف إطلاق النار في مجلس الأمن، فلا ينبغي في سياق التحليل الترويج لأيّ مخاوف أخلاقية أمريكية لا وجود لها في الحقيقة في هذا العالم المختلّ.

إلا أنّ الأهمّ في استعراض هذا الموضوع الأوّل، هو الموضوع الثاني المنبثق عنه، وهو أنّ الأمريكي سيبقى كتفه بكتف الإسرائيلي، ما دامت حرب الإسرائيلي قائمة، أي أنّ الإسرائيلي لو نجح في فرض حربه، وإنفاذ خياراته، فإنّ الأمريكي لن يكفّ عن عدمه، لأنّ القضية الإسرائيلية قضية أمريكية، ودعم "إسرائيل" هو دعم لذراع الإمبراطورية في المنطقة العربية، وموقع "إسرائيل" في القلب الأمريكي وشيج من كل جهة، وهذه هي الخبرة الإسرائيلية مع المواقف الأمريكية، وهذا هو العِلم الإسرائيلي عن موقع "إسرائيل" في القلب الأمريكي.

فقط، في هذا الصراع الطويل كان الرفض الفلسطيني المترجم فعلا وعملا، هو الذي يعرقل الفعل الإسرائيلي، ويثبت للأمريكي خطأ حساباته، وإلا فأيّ شيء يثير انزعاج الأمريكي ومخاوفه سوى فشل الإسرائيلي في تحقيق أهدافه طوال الشهور السبعة المنصرمة؟ ومن الذي أفشل الإسرائيلي حتى بات الأمريكي يبحث عن مخرج له؟ إنها مقاومة الفلسطينيين في غزة. وهنا ينبغي أن نتذكر أنّ هذا الأمريكي كان متواطئا مع الإسرائيلي في أسابيع الحرب الأولى حتى في خطّة تهجير الفلسطينيين من غزّة التي سعى أنتوني بلينكن، وزير خارجية أمريكا، لفرضها على عدد من الدول العربية.

يبقى ما هو أسوأ، وهو حقيقة الحال العربي. أيضا ليس مهمّا هنا النقاش حول جوهر التردّي العربي، هل هو تخاذل أم تواطؤ؟ وعلى كلا الحالين ما هي أسباب هذا الضعف، ولماذا وصل العرب إلى هنا؟ لأنّ النتيجة واحدة، ولم تقتصر على العجز إزاء الاندفاع الإسرائيلي، أو ترك الفلسطيني وحيدا، أو الحياد في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بعدما كان صراعا عربيّا إسرائيليّا، ولكنه وصل حدّ التطبيع التحالفي، وفي الحرب القائمة تكفي فقط متابعة عدد من القنوات التلفزيونية العربية الممولة رسميّا من حكومات عربية، وتبث من داخل بلاد عربيّة، لنشاهد الحرب الدعائية الإسرائيلية على الفلسطينيين بأصوات ووجوه وأموال عربية، بما يكشف عن الموقف الحقيقي لتلك الحكومات.

الخبرة الإسرائيلية تقول إنه يمكن لـ"إسرائيل" أن تفعل ما تشاء وأنه لن يحصل شيء بعد ذلك. يقال إن هذه الخبرة بدأت مع حريق المسجد الأقصى عام 1969، لكن وبقطع النظر هل نامت غولدمائير وقتها مهمومة من غضبة عربية لا تبقي ولا تذر لتسيتقظ على نقيض مخاوفها تماما؛ أم أن ما ينسب لمخاوف غولدا مائير تلك مجرد نكتة فلسطينية تعتصر ألما وحزنا؛ فإن بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن غفير قالا أكثر من مرة إن المخاوف من ردود أفعال عربية على فرض الوقائع الإسرائيلية في المسجد الأقصى كانت دائما غير حقيقية، وفي هذه الحرب قال نتنياهو: "لقد فعلنا كلّ ما حذرونا منه، ولم يحصل شيء".

احتلال محور فيلادلفيا، بما ينتهك اتفاقية كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية التي تمنع هذا العدد من القوات الإسرائيلية بهذا النوع من العتاد على الحدود المصرية، وبما يُعد رفضّا إسرائيليّا للمقترح المصري بالنار والطائرات والدبابات، هو استمرار لهذه الخبرة الإسرائيلية.. لن يفعل أحد شيئا


هذه الخبرة الإسرائيلية، من صورها قريبة العهد، الانتفاضة الثانية التي أعادت فيها "إسرائيل" اجتياح مناطق (أ) وحاصرت فيها ياسر عرفات وقتلته. ياسر عرفات الذي يفترض أنه رئيس عربي؛ كان منسلكا في خطّ التسوية والسلام والمفاوضات، وهو من وقع اتفاقية أوسلو، ولم يكن متهما بالعلاقة مع إيران، ولا هو زعيم لجماعة إسلامية، بل كان جزءا من النظام الرسمي العربي، ومع ذلك تواطأ عليه هذا النظام، وشارك في التخلّص منه، فليس ثمّة حاجة لاستعراض الموقف الرسمي العربي من حروب "إسرائيل" منذ العام 2006 على لبنان، مرورا بحرب العام 2008/2009 على غزة التي أعلنتها تسيفي ليفني من القاهرة، عبورا بكل ما تلاها من حروب.

وأخيرا فإن احتلال محور فيلادلفيا، بما ينتهك اتفاقية كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية التي تمنع هذا العدد من القوات الإسرائيلية بهذا النوع من العتاد على الحدود المصرية، وبما يُعد رفضّا إسرائيليّا للمقترح المصري بالنار والطائرات والدبابات، هو استمرار لهذه الخبرة الإسرائيلية.. لن يفعل أحد شيئا! إنه تأكيد للمؤكد!

فلنتخيل لو أنّ طفلا فلسطينيّا أصغر من سنّ التمييز، ضُبِط وهو محزون مكلوم يشتم، لإحساسه العميق بالخذلان، حاكما عربيّا.. فلنتخيل تلك الحرب التي سوف تُعلن على الفلسطينيين في إعلام ذلك البلد العربيّ، وكيف أن تلك الشتيمة سوف تُستخدم كالمعتاد، في تنميط الفلسطينيين، وفي عزل عرب ذلك البلد عن إخوانهم عرب فلسطين، وفي اصطناع بطولات وهمية وحياكة أساطير العظمة واجتراح شكيمة بائسة، ضد الشعب الفلسطيني.

عالم مختلّ.. وكوميديا سوداء تلفّ العرب!

twitter.com/sariorabi

200 يوم من الحرب.. كشف حساب لحماس وإسرائيل

 200 يوم من الحرب.. كشف حساب لحماس وإسرائيل

 . أحمد درويش

 

بعد أكثر من مائتي يوم على الحرب الإسرائيلية على غزة فإن جردة حساب تنبأك على حال أطرافها، بداية من الأهداف المعلنة إلى الخسائر العسكرية والاقتصادية والمجتمعية من الفائز ومن الخاسر في تلك الحرب؟

بعد أن دخلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يومها الـ200، كثرت التساؤلات عن الرابح والخاسر في هذه الحرب، وازدادت التساؤلات الموجهة لحكومة نتنياهو حول تحقيق الأهداف التي أعلنت عنها منذ دخولها هذه الحرب لتحرير الرهائن وللقضاء على حركة حماس، خاصة أن العدوان المتواصل تسبب بخسائر قياسية وأضرار لإسرائيل على كافة المستويات العسكرية واللوجستية والاقتصادية.

ولذلك سوف نسرد معًا خلال الأسطر القادمة أبرز الوقائع والإحصائيات الميدانية التي سوف تبين لنا بشكل لا يقبل الشك، حجم الربح والخسارة لكل من طرفي الصراع في هذه الحرب، مع الأخذ في الاعتبار وجود جيش مجهز بكافة الإمكانيات ومدعوم من معظم دول العالم سياسيًا وعسكريًا، وفي الجهة الأخرى فصائل مقاومة تصنع سلاحها بإمكانياتها المتاحة وتُحارَب ليل نهار عبر تصريحات وعقوبات سياسية من معظم الدول الغربية.

نتنياهو في ورطة

يبدو واضحًا اليوم أنه من الصعب أن تجد أحدًا من المسؤولين الإسرائيليين يتحدث عن تحقيق مكاسب لهذه الحرب سوى رئيس حكومة الاحتلال "بنيامين نتنياهو" الذي يردد شعار "النصر الحاسم الساحق"، فبعد أكثر من 200 يوم على اندلاع الحرب لم تحقق إسرائيل أهدافها في أي ساحة من ساحات القتال ولا حتى في الجانب السياسي، ولا يزال الأسرى الإسرائيليين في قبضة المقاومة، وهذا ما يعترف به الإعلام الإسرائيلي نفسه.

وفي هذا السياق أكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي لم يحقق أهدافه في أي ساحة من ساحات القتال، لافتةً إلى أن معظم قوات الجيش انسحبت من أراضي قطاع غزة في الأسابيع الأخيرة، في حين لم يتم القضاء على مسؤولي حماس، في الوقت الذي لا يزال فيه 133 إسرائيليًا في الأسر.

لذلك يبدو أن نتنياهو الذي كان قد حدد عند انطلاق العملية العسكرية أهدافًا أساسية، تتمثل في القضاء على "حماس"، واستعادة المحتجزين لدى فصائل المقاومة، وإنهاء أي تهديدات من قطاع غزة، قد غرق اليوم في وحل غزة وأغرق معه منظوماته الأمنية والعسكرية والسياسية، وأوصل الاحتلال إلى عزلة دولية لم تكن بالحسبان.

 

 200 يوم من العدوان الهمجي وحرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، كشفت أن هناك ثورة كبيرة بالوعي العالمي بعد الحرب على غزة، وأن انتقاد إسرائيل لم يعد خطًا أحمر، خاصة وسط قطاعات كبيرة من الشباب

وقال المختص في الشؤون الإسرائيلية عمر جعارة: "إن الجدير بقائد أي معركة أن يقدم (جرد حساب) أو على الأقل خطة مكتوبة أو حتى شفوية لما ينوي ويخطط للقيام به من جهة، ولسير العمل والتنفيذ من جهة أخرى، غير أن نتنياهو يعمل دون تقديم أي دليل للداخل أو للعالم على اقترابه من تحقيق ما حدده من أهداف للحرب التي يشنها في قطاع غزة، كما لم يقدم استراتيجية تقود لتحقيق هذه الأهداف وإنهاء الحرب".

الواضح بشكل ساطع أن هذا الفشل المتراكم لنتنياهو أحدث زلزالًا داخل (مجلس الحرب الإسرائيلي)، جعل من أعضائه يتقاذفون الاتهامات ويحمّلون بعضهم المسؤولية عنه، كما أنه قوّى شوكة المعارضة التي باتت تتهم نتنياهو بالمسؤولية الكاملة عن كل ما لحق بالكيان من خسائر جسدية ومادية ومعنوية، وزعزع من علاقاتها مع الكثير من دول العالم.

تداعيات الحرب تتحدث

زادت تداعيات الحرب المستمرة من حدة الخسائر على الاقتصاد والموازنة العامة التي تعاني عجزًا غير مسبوق عمقته تكلفة جنود الاحتياط والمساعدات المالية للإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم من مستوطنات "غلاف غزة" ومن الجنوب ومن الحدود الشمالية مع لبنان.

يُضاف إلى ذلك القتلى والجرحى في صفوف العسكريين والمدنيين، والمحتجزون لدى فصائل المقاومة الفلسطينية، وذلك إلى جانب الخسائر والأضرار غير المباشرة على مختلف الفروع والقطاعات الاقتصادية والتجارية وسوق العمل الإسرائيلي والأضرار التي تكبدتها الجبهة الداخلية والبنى التحتية.

استنزاف الجيش

وصل عدد قتلى جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى 606 قتلى وأكثر من 3294 مصابًا وأكثر من 2000 جندي معاق، ليطرح انقضاء 200 يوم من الحرب سؤالًا جوهرًيا عن إمكانية إدارة حرب لا يعرف أحد وسيلة فعالة لتحقيق أهدافها، في حين يقترب نتنياهو من استنزاف غضب جزء كبير من المؤيدين له.

نحن أمام 200 يومًا من الحرب ولكن غلاف مستوطنات غزة مازال تحت القصف، بل امتد القصف لعكا والشمال وإيلات، وبات باليستيًا وعبر مسيّرات، وأيضًا الناطق الرسمي باسم كتائب القسام "أبو عبيدة" ما زال يخرج صوتًا وصورة، والمقاومة توثق عملياتها ما يعني أن القيادة والتحكم مستمران.

ويظهر لنا من المشاهد التي تابعنا تفاصيلها عبر الشاشات على مدار 200 يومًا أن شروط المقاومة لا تغيير عليها بل الإصرار يزداد، ما يدلل على قوة لم تتأثر، في حين يفشل جيش الاحتلال في السيطرة على بيت حانون شمالًا ويتجهز لمحاولة الانقضاض على رفح في محاولة منه للتغطية على حجم فشله الكبير، رغم أن الردع الإسرائيلي يزداد ضعفًا مع مرور الوقت.

فبعد 200 يوم من القصف والقتل، يحاول الاحتلال التمركز في المنطقة الشرقية للقطاع لفصلها عن الوسط والجنوب ومنع النازحين من العودة وإقامة منطقة عازلة بعمق 500 متر من السياج الفاصل داخل القطاع، لكن هذا التمركز سيجعل القوات صيدًا سهلًا للمقاومة التي تواصل تنفيذ ضربات في مناطق لم يتوقع الاحتلال أن يُؤتى منها بعد ما ألحقه بها من دمار.

فشل مركب

أشارت مجلة "إيكونوميست" البريطانية في تحليل موسع لها إلى أن هناك ثلاثة أوجه للفشل لدى جيش الاحتلال، أولها الفشل الاستراتيجي، حيث يقع اللوم في المقام الأول على السياسيين الإسرائيليين - وتحديدًا نتنياهو - الذين رفضوا قبول أي قوة فلسطينية بديلة تسيطر على غزة، كما تقع المسؤولية أيضًا على عاتق الجنرالات وفهمهم لكيفية قياس النجاح هناك.

أما الفشل الثاني فيتمثل في الطريقة التي خاض بها جيش الاحتلال هذه الحرب، وتحديدًا المستويات العالية من الدمار وقتل المدنيين.

أما الفشل الثالث فهو دور جيش الاحتلال في عرقلة جهود المساعدات لسكان غزة، رغم أن الضباط ألقوا باللوم في ذلك على السياسيين بشكل أساسي.

وتختم إيكونوميست تحليلها بالتأكيد على أن "الوضع لا يبشر بالخير، فالحرب في غزة لم تنتهِ بعد، كما أن الخطوة التالية لإسرائيل غير واضحة".

حماس لم تنته

أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في تقريرها الذي رصد حصاد الـ 200 يوم من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، أن عددًا كبيرًا من قيادات حماس العليا في غزة ما زالوا في أماكنهم، متخفين في شبكة واسعة من الأنفاق ومراكز العمليات تحت الأرض ويتخذون القرار بكل أريحية في مفاوضات الرهائن.

وذكرت الصحيفة الأمريكية أنه في تقييم استخباراتي سنوي صدر في شهر مارس الماضي، أعربت وكالات التجسس الأمريكية عن شكوكها بشأن قدرة إسرائيل على تدمير حماس فعليًا، وأنه من المحتمل أن تواجه إسرائيل مقاومة مسلحة مستمرة من حماس لسنوات قادمة.

انتقاد إسرائيل لم يعد خطًا أحمر

200 يوم من العدوان الهمجي وحرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، كشفت أن هناك ثورة كبيرة بالوعي العالمي بعد الحرب على غزة، وأن انتقاد إسرائيل لم يعد خطًا أحمر، خاصة وسط قطاعات كبيرة من الشباب ممن ليسوا من أصول عربية أو إسلامية، بل وجزء منهم من اليهود الليبراليين، ممن لم يعودوا قادرين على الدفاع عن المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة.

بطبيعة الحال هناك تغير كبير من حيث توجيه الاتهامات أو انتقاد إسرائيل، فقد أصبح الأمر اليوم صريحًا أكثر من ذي قبل، فبعد أن كان انتقاد إسرائيل يعنى انتقاد اليهودية أو ما يسمى بـ"معاداة السامية"، أصبح هناك انتقاد ساخن وحاد لدولة الاحتلال، وأكبر دليل على ذلك، تلك المظاهرات الشعبية التي تطوف عواصم ومدن أوروبية، وفي القلب منها الاحتجاجات الطلابية والاعتصامات المستمرة بالجامعات الأمريكية داخل الولايات المتحدة، والتي تنتقد بصوتٍ عالٍ الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة وتطالب بسحب استثمارات الجامعات التي تذهب لصالح إسرائيل.

الأعمال الاسلامية بين الفريضة الحاضرة والقدوة السياسية الغائبة!

إضاءات منهجية سياسية تاريخية وأخلاقية

 الأعمال الاسلامية بين الفريضة الحاضرة والقدوة السياسية الغائبة!

بقلم: مضر أبو الهيجاء

أعدم النظام المصري المهندس محمد فرج عبدالسلام عام 1982 بسبب كتابه الشهير الفريضة الغائبة، والذي كتبه عام 1980 ليضع فيه تصورا منهجيا لحركة الجهاد المصرية، الأمر الذي اعتبر تشريعا لاغتيال الرئيس المصري أنور السادات، وذلك بعد اتفاقية الخيانة والعار التي أنجزها السادات مع المحتل الصهيوني عام 1979، والتي أخرجت مصر العظيمة وأهلها الأبطال من معادلة الصراع العربي الاسرائيلي بتخطيط من داهية السياسة الأمريكي هنري كيسنجر، ومنذ ذلك الحين وفلسطين تزداد ضعفا وضياعا بدون مصر الإسلام والعروبة والموقف والتاريخ.

وقد كتب المهندس محمد عبدالسلام فرج كتابه ليحيي فريضة الجهاد في الأعمال الاسلامية، لاسيما بعد انحراف المسار في مسيرة الاخوان المسلمين في مصر، والتي أعقبت اغتيال المؤسس الشهيد حسن البنا رحمه الله عام 1949، إذ لم يقبل المحامي حسن الهضيبي أن يستلم الارشاد في الجماعة -بعد صراع داخلي- إلا بشرط حل التنظيم السري والذي شكله البنا وكان مكمن القوة الجهادية في الجماعة، وبالفعل تم حل التنظيم السري وكتب الهضيبي كتابه الشهير دعاة لا قضاة -وذلك بمعرفة واطلاع المخابرات المصرية-، وتبدل المسار الحركي الاسلامي حتى اختفى منه الجهاد وغاب، ورغم ذلك حكم على الهضيبي بالإعدام شنقا عام 1954 رحمه الله.

ومنذ أن كتب المهندس عبد السلام فرج كتابه الجهادي تحت عنوان الفريضة الغائبة، والجهاد يحضر وينتشر في الساحات العربية والاسلامية سواء في الامتدادات الاخوانية كما في أفغانستان، أو الحركات الجهادية كالتي أسسها فتحي الشقاقي في فلسطين.

لم تعد فريضة الجهاد غائبة، بل أصبحت واقعا تعيشه الساحات العربية والاسلامية في وجه المحتلين ووجوه المستكبرين، كما برهنت على ذلك ساحتي العراق والشام في ثورات الربيع العربي المباركة.

لكن حضور فريضة الجهاد التي كانت غائبة لم يؤت الثمار المرجوة والكاملة، حيث كشفت عموم الساحات الجهادية والثورية عن معضلة اسلامية حركية، هي القدوة السياسية الغائبة!

فما أن يبدأ المجاهدون بمقارعة السياسة حتى تعم المصائب ويتدنى الحال، ويصبح الحرام حلالا، وتظهر الأفهام الشاذة لمقاصد الشريعة، ثم يظهر فقه مجهول في علوم السياسة الشرعية، ليسوغ للقيادات السياسية التشكل المرن بحسب الشكل الهندسي لمنعرجات السياسة التي يفرضها الجبابرة والطواغيت، كشرط لقبول دورهم وبقاء ثلة المجاهدين والمقاومين والاسلاميين الجدد في حواضر السياسة!

لم تنج ساحة جهادية من سقطات السياسة الفظيعة ابتداء من المجاهدين الأفغان الأوائل الذين وقعوا في فخ الأمريكان، وانتهاء بالمجاهدين في فلسطين، والذين تلوثوا ولوثونا ولوثوا الأقصى بالملالي الايرانيين المحتلين القتلة المجرمين، مرورا بالساحة السورية والعراقية والمصرية التي خلطت الطين والدين بالعجين!

مات محمد عبد السلام فرج معدوما في مصر بعد أن أحيا فكرة الجهاد في الساحات العربية والاسلامية ودفع ثمن كلماته في كتاب الفريضة الغائبة، ولكن الأقدار لم تشأ أن يرى بأم عينه أن الجهاد فريضة باتت حاضرة، وأن القدوة السياسية هي منذ ذلك الحين التي باتت غائبة، وبدونها مع الأسف لن يكتمل المسار، ولن تؤتي الدماء ثمراتها في تمكين الدين واعزاز الأمة ودحر المحتلين وإزالة عروش الظالمين المستبدين المستكبرين الذين يقتلون أطفالنا ويستحيون نساءنا في كل ساح وحين.

اللهم فهيئ يا ربنا لأمتنا وشعوبنا قيادة ربانية تكون قدوة لنا في الأعمال الجهادية والمواقف والادارة السياسية، حتى لا تضيع دماؤنا ويعلو الباطل على جماجم أبنائنا وبناتنا وأبطالنا الميامين.

مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 6/5/2024

محمد عبدالسلام فرج         مضر أبو الهيجاء

الاثنين، 6 مايو 2024

(إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)

 (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)

د. محمد عياش الكبيسي
مفكر وداعية اسلامي، دكتوراه في الفقه الاسلامي


إخواني أخواتي هذه الآية هو البوصلة الهادية في اتخاذ الموقف الصحيح عندما تدلهمّ الخطوب، وتتلاطم الفتن.

نحن أمة واحدة، تجمعنا عقيدة واحدة (وأنا ربكم فاعبدون) لم نجتمع على عرق، ولا مصلحة عاجلة،

أخوّتنا تبدأ بـ(لا إله إلا الله محمد رسول الله) ولا تنتهي حتى نرد الحوض وندخل الجنة بإذن الله.

وتاريخنا واحد كذلك فنحن أبناء الصحابة، ونحن امتداد لهم، وكل بلد من بلادنا لم يكن جزءا من هذه الأمة إلا بجهود الصحابة وجهادهم.

من هنا، فأنا حينما أدافع عن عقيدتي فإنما أدافع عن وجودي كأمّة.

وحينما أدافع عن تاريخي فإنما أدافع عن وجودي كأمة.

وحينما نقول نحن لا نفرّق بين قضيتنا في #سوريا وبين قضيتنا في #فلسطين فنحن ندافع عن وجودنا كأمة كذلك.

وأي تناول لقضية من قضايانا خارج هذه العقيدة وهذه الروح فإننا ننحرف باتجاه الفتنة والتشرذم والتيه، وخسارة الدنيا والآخرة.

نعم النظام السياسي لدولنا بائس، لكن السياسة ليست كل شيء، ولا يصح أن نحكم على أمتنا بالإعدام نتيجة للشعور بالإحباط من هذه الأنظمة ومواقفها.

وجودنا كأمة يمثله هذا الالتفاف حول ثوابتنا ومعالم هويتنا فلا زلنا نصلي إلى قبلة واحدة ونتلو قرآنا واحدا ونطوف بكعبة واحدة، ومساجدنا عامرة بالراكعين الساجدين، نسبّح لله ونصلي ونسلم على سيدنا محمد رسول الله، ونترضى عن الصحابة ونسمّي أولادنا بأسمائهم، ونفرح لكل نصر يحرزه إخواننا في كل مكان، ونتألم لكل مصاب يصيبهم.

وليل هذه الأمة لن يطول بإذن الله.

فعضّوا يا إخواني ويا أخواتي على عقيدتكم وثوابت دينكم وعنوان أخوتكم

واحتكموا في كل ما تختلفون فيه إلى كتاب ربكم وسنّة نبيكم.

وإنما النصر مع الصبر:

الصبر بوجه الأعداء مهما كانوا

والصبر على متطلبات ديننا وأخوّتنا

والصبر على الجراح التي تصيبنا

وإنما النصر بالأساس بنصرنا لدين ربنا، هكذا قال ربنا: (إن تنصروا الله ينصركم) وحينما نطلب النصر بالتخلي عن ديننا وعقيدتنا، فإننا الخاسرون، لأننا خسرنا معركتنا الوجودية من أصلها.

تذكروا دائما:

من وجد الله فماذا فقد؟

ومن فقد الله فماذا وجد؟

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

“نعومي كلاين” والصَّنَمِيَّة المعاصرة

“نعومي كلاين” والصَّنَمِيَّة المعاصرة


د. عطية عدلان
مدير مركز (محكمات) للبحوث والدراسات – اسطنبول- أستاذ الفقه الإسلامي

“كنت أفكر في موسى وغضبه حين نزل من الجبل ليجد بني إسرائيل يعبدون العجل الذهبيّ، إنه درس عن الأصنام الزائفة، وعن ميل الإنسان إلى عبادة الدنس البرَّاق، في عيد الفصح التاريخي هذا نجد الكثيرين من شعبنا يعبدون مجددًا صنمًا زائفًا، إنّهم مُتَيَّمون به ومُدَنَّسون به، هذا الصنم الزائف هو (الصهيونية)، إنّه صنم زائف حقًّا، يأخذ قصة الفُصْح التي هي أعظم قصصنا عن التحرر؛ ويحولها إلى أسلحة وحشية، وإلى سرقةٍ استعمارية، وإلى خُطَطٍ للتطهير العرقي والإبادةِ الجماعية، صنمٌ زائفٌ اتخذ فكرة الأرض الموعودة -وهي كناية عن تحرير الإنسان الذي انتقل عبر الأديان إلى كل ركن من العالم- وتجرأ على تحويلها إلى صَكِّ بيعٍ لدولة عِرْقِيَّةٍ عسكرية، إنَّ نسخة التحرير التي تطرحها الصهيونية السياسية هي في حد ذاتها مدنسة”.

كلماتٌ نَفَثَتْها في أثير الأحداث الأخيرة البرلمانيةُ الكندية نعومي كلاين، وهي كاتبة يهودية ذائعة الصيت؛ فهل هي ثورة على الصنمية المعاصرة؟

حقيقة الصنمية

ليس الصنم في صورته البسيطة سوى “تِمْثَال من حجر أَو خشب أَو مَعْدن كَانُوا يَزْعمُونَ أَن عِبَادَته تقربهم إِلَى الله”، لكنّه في حقيقته يتسع لكل ما يُعبد من دون الله، على أيّ نحو جاءت العبادة، وقد بيَّن رسولُ الله لعديّ بن حاتمٍ عندما اشتبه عليه قول الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} فقال له: “أليسوا كانوا يُحلّون لكم الحرام فتُحلّونه ويُحرّمون عليكم الحلال فتُحرّمونه؟” قال عديٌّ: بلى، فقال: “فتلك عبادتهم”. 

ومن هنا مالَ التَّهاوُنِيّ في كشَّاف اصطلاحات الفنون إلى القول بأنّ: “ما شغلك عن الحقّ فهو صنم”، ولعله هو ذاته ما ذهب إليه الصوفية والعُبّاد والزُّهَّاد، ومن ثم تكون الصنمية عبارة عن تقديس غير المقدس واعتباره الحق المطلق، ثمّ التمحور الفكري والثقافيّ والقانوني والتنظيمي حوله، وجرّ المفاهيم والأوضاع لتتكاثف على متنه.الصنمية في الفكر المعاصر

من المؤكد أنّ نيتشة أخطأ في التعميم عندما اعتبر الدين صنمًا؛ فأعلن في غمرة الغرور بالحداثة عن موت الإله، وكذلك أخطأ كارل ماركس في تعميمه بمقولة: “الدين أفيون الشعوب”، ولم يَسْلَمْ من الخطأ ذاته ميشيل فوكو عندما زعم أنّ الدين آلة قمع تستخدم للحفاظ على المجتمع، فلو أنّهم اطلعوا على الإسلام لعلموا أنّه الدين الذي يهدم الأصنام في صورها كافّة، لكنّ دينهم الذي ورثوه من العصور الوسطى -والذي صاغه لاهوتيًّا بولس ورسخه رسميًّا قسطنطين- يُعَدُّ مُنْتِجًا للصنمية بدرجة كانت كافية لإحداث ردٍّ أدَّى بالغرب إلى تصنيمٍ من نوع جديد.

فمن تصنيم الإنسان، وجعْلِهِ سيدًا للطبيعة يتصرف فيها كما يشاء بلا أدنى وصاية من السماء، واعتبارِ الفرد محورًا بذاته وسابقًا على المجتمع ومقدَّمًا عليه، إلى سحق هذا الإنسان تحت حذاء صنم جديد، هو “الدولة الإله” بحسب كارل شميت وAtger الذي قال: “الأمير هو الإله الديكارتي المنقول إلى العالم السياسي”، ثم إلى صنم أعنف وهو الرأسمالية التي استعبدت الدول والزعماء واستعبدت العالم كله، الصنم الذي حملتْ عليه بمعولها نعومي كلاين في كتابها الأوسع انتشارًا “عقيدة الصدمة”، قبل أن ترتحل مؤخرًا إلى مواجهة الصنم الأخطر “الصهيونية”.

نعومي كلاين ومعبد شيكاغو

يُعَدُّ ميلتون فريدمان الكاهن الأكبر الذي صاغ “هبل” العصر، فهو الذي أسس في شيكاغو مدرسته وربّى فيها تلامذته وأرسى فيها فكره الذي صار محورًا للهيمنة، فنادى بحرية السوق وعولمة الاقتصاد ودعا إلى غلّ يد الدولة عن أيّ دور يكون فيه بعد اجتماعيّ، فقام هناك “هبل جديد” وقامت من حوله أصنامٌ متعددة تدور في فلكه الوثنيّ: الإنتاج والسلعة والسوق والدولار، وهنا تنقض نعومي كلاين بكتابها “عقيدة الصدمة” لتفضح الصنمية الماثلة في النيوليبرالية، وتكشف عن أدواتها القمعية، التي منها صدم الشعوب لينخفض سقف مطالبها تحت وقع الصدمة.

ثم انطلقت لتؤكد ما ذكره تشومسكي من الفظائع التي ارتكبتها أمريكا من خلال جهاز استخباراتها في البرازيل والأرجنتين وتشيلي ونيكاراغوا والسلفادور وأورغواي؛ لا لشيء إلا ليعلو هبل المتمثل في النيوليبرالية واقتصاد السوق الحرة، لكنّها تفوقت على تشومسكي بأمرين، الأول إظهارها للصنم الحقيقيّ، والثاني اعتمادها على الإحصاءات المفصلة، وخُذْ مثلًا على ذلك من نصّ ما كتبت: 

“كان الإخفاء عن وجه الأرض بحلول منتصف السبعينيّات قد أصبح الطريقة الأولى لتطبيق نظرية مدرسة شيكاغو على امتداد أراضي المخروط الجنوبي، ولم يمارسها أحد بالحماسة التي مارسها بها الجنرالات الذين حكموا القصر الجمهوري؛ ففي نهاية حكم هؤلاء كان قد اختفى ما يقارب ثلاثين ألف شخص، رُمِيَ العديدُ منهم -على غرار التشيليين- من الطائرات في المياه الموحلة”.

وأصنام أخرى يعكفون عليها

في بداية التنوير الأوروبي، وقبل الثورة الفرنسية بقرنين، كان للحرية قصة دامية على شواطئ الإدرياتيكي، فعندما أعلن الطاغية جانغالياتسو الحرب على فلورنسا كتب سالوتاتي: “الآن سوف نحمل السلاح للدفاع عن حريتنا وحريات الآخرين”، هناك لم يكن أحدٌ بحاجة إلى من يفسر له الحرية، وكان كافيا أن يمتدح ليوناردو بروني شعب فلورنسا على جهاده ضد الطغاة: “مواطنونا يبتهجون ابتهاجا عظيما بحرية جميع الشعوب، لذا فهم الأعداء المطلقون لجميع الطغاة”، وهذه هي الحرية التي استلهمها ثوار الثورة الفرنسية عندما صاحوا “اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس”، وذلك قبل أن تتحول الحرية إلى صنم؛ يشرعن الرذيلة والشذوذ والمثلية التي حَرَّمها الدين.

وخرافة “الندرة” صنم آخر صنعه للبشرية مالثس؛ ليكون لزامًا علينا -بحسب فرنسيس مورلابيه و جوزيف كولينز- أن “نتعلم كيف ندع الناس يموتون من أجل البقاء النهائي للجنس البشريّ”، بالمخالفة للفطرة، حتى السلعة صارت صنمًا، وصنمية السلعة تعني -بحسب جان بودريار- “عبادة روابط الإنتاج وقوانين السوق”، وما أحسب حراك الجامعات إلا خروجًا على الأصنام؛ فلتعش غَزَّة.

أن تصبح إسرائيل تاريخًا

 أن تصبح إسرائيل تاريخًا



فهمي هويدي

هل تصبح إسرائيل تاريخًا؟ ليست لديَّ إجابة عن السؤال، لكن لديَّ ما أقوله عن مسوغات طرحه، بعدما دخلت الحرب على غزة شهرها الثامن، وتعددت أصداؤها في أنحاء العالم المختلفة، وأحدثها ما جرى في 58 جامعة ومعهدًا علميًا في الولايات المتحدة. وهي المفاجأة التي لم تخطر على البال في ظل التوأمة التاريخية بين واشنطن وتل أبيب. ولم يكن هناك من تفسير لتلك المفاجأة سوى أنها دليل على قوة وعمق الزلزال الذي وقع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إذ تجاوزت أصداؤه وهزاته الشرق الأوسط وأدخلتنا في عالم جديد لم تتبلور بعد كل قسماته، وإن لاحت في الأفق بعض مقدماته.

******

سنتوقف لحظة أمام مشهد التظاهرات الجامعية الأميركية، الذي أزعم أنه يساعدنا على ملاحظة خلفية السؤال الذي طرحته للتوّ، ذلك أنّها حدثت في أحد معاقل النفوذ الأميركي التي تمثل الشريك الرئيسي في حملة إبادة الفلسطينيين.

وأهمية تلك التظاهرات تكمن في أنها أعادت إلى الأذهان الأدوات التي لجأ إليها نشطاء الجامعات الأميركية منذ 1968 إزاء حرب فيتنام، وكذلك نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. ذلك أنهم لم يعارضوا فقط أهوال الحرب وفظائعها ولكنهم ضغطوا لسحب الاستثمارات من جنوب أفريقيا التي حظيت بدعم الغرب للأقليات البيضاء لنظامها العنصري والاستعماري، والتي ساهمت – ضمن عوامل أخرى- في عزلته واتساع الضغوط السياسية لمقاطعته الدولية، ومن ثم سقوطه بعد ذلك بسنوات.

وهذا هو الحاصل الآن في الحراك الطلابي بالولايات المتحدة الذي انتقلت أصداؤه إلى أرجاء أوروبا، وهو ما يعني أنّ أحداث الحرب حين فضحت الوجه الحقيقي لإسرائيل أمام العالم الخارجي، فإنها خسرت الرأي العام الغربي، الذي يعدّ رصيدًا إستراتيجيًا لها.

وذلك يعدّ أحد تفسيرات الرد الهستيري الذي أقدمت عليه في غزة، وإدراكها لخسرانها قضيتَها، فإن أنصار إسرائيل في أميركا لجَؤُوا إلى إجراءات متطرفة لمواجهة منتقديها ومعارضيها، مثل عزل رؤساء الجامعات، وتهديد الطلاب في مستقبلهم التعليمي واحتمالات توظيفهم، وتأييد قمع الشرطة لهم، الأمر الذي ضاعف من غضب واستفزاز الحركة الطلابية. وقد غطى ذلك على الدعايات الإسرائيلية التي حاولت تشويه التظاهرات بالادعاء بأنها معادية للسامية، أو مموّلة من حماس وحزب الله، والزعم بأنّ الفلسطينيين مخرّبون وإرهابيون.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، لأن خسران الرأي العام الغربي استصحب تناميًا لدور اليهود الليبراليين الذين ظهرت لافتاتهم أثناء المظاهرات الجامعية رافعة شعار: «يهود مع فلسطين». وأتاحت هذه الأحداث فرصة لارتفاع بعض الأصوات الرافضة للصهيونية بينهم، والتي كانت ملتزمة الصمتَ سنواتٍ طويلةً. عبّرت عن ذلك الكاتبة الكندية الشهيرة نعومي كلاين في مقال لها بالغارديان (24/4) بعنوان: «نحن بحاجة إلى هجرة الصهيونية»، كتبت ما نصه: «نحن لا نحتاج ولا نريد صنم الصهيونية الكاذب، لكننا نريد التحرر من المشروع الذي يرتكب الإبادة الجماعية باسمنا».


****** 

إن زلزال السابع من أكتوبر/تشرين الأول فضح بشاعة وجه إسرائيل الذي لم يكن معلومًا للكافة منذ احتلالها فلسطين في 1948، كما أنه أسقط خرافات عدة جرى الترويج لها منذ ذلك الحين، أبرزها ما تعلق بجيشها «الذي لا يقهر»، أو ديمقراطيتها التي أخفت بؤس العنصرية في النظام الذي تفرضه على الفلسطينيين، لكنّ هناك أوجهًا أخرى لها لم تلقَ ما تستحقّه من اهتمام.

من ذلك بعض ارتدادات الحرب التي لا تزال تتفاعل داخل إسرائيل، منها ما برز بعد الهزيمة العسكرية من استقالات غير مألوفة في رئاسة جهاز الاستخبارات ورئاسة أركان الجيش وقادة الفرق. لكنني ألفت النظر إلى أمرين مسكوت عنهما، هما تنامي دور الصهيونية الدينية التي أصبحت قوة مؤثرة في القرار السياسي وممثلة في الحكومة والكنيست. والأمر الثاني يتمثل في التراجع الموجع في الاقتصاد الذي بات يهدّد مستقبل التنمية في دولة الاحتلال.

فالصهيونية الدينية بأطيافها المختلفة التي تحكم إسرائيل منذ 1977 تعتبر أنه لا وجود أصلًا لشعب فلسطيني، ومن ثم ترفض إقامة دولة فلسطينية لأسباب عقيدية، وتزعم أن شعب إسرائيل وحده صاحب «الحق الحصري» في الأرض. ومن ثم لا يجوز التنازل عن أجزاء منها. وذلك يعني أنه من الضروري العودة إلى احتلال غزة ونشر المستوطنات في أرجاء القطاع. وفي الوقت ذاته لا مكان لموضوع حل الدولتين الذي يعتبرونه من قبيل العبث السياسي والإعلامي، بينما يتحركون بهمّة على الأرض للحيلولة دون التفكير فيه من الناحية العمليّة.

ومثل هذه المواقف التي كان ينظر إليها باعتبارها راديكالية أو متطرّفة، أصبحت تتغلغل في أوساط التيار الرئيسي في المجتمع، ولم تعد هامشية أو محدودة، كما ذكرت إيناس إلياس في صحيفة «يسرائيل هيوم» 31 يناير/كانون الثاني الماضي، ونتيجة لذلك أصبح طلاب المدارس الدينية يمثلون مشكلة حادّة داخل إسرائيل.

فطلاب المدارس الدينية (60 ألفًا) يمثلون مشكلة داخل إسرائيل؛ لأنهم معفَون من التجنيد ويتقاضون راتبًا مقابل تفرغهم للدراسة والعبادة والدعاء لجيش الاحتلال بالنصر. لكن القوى المدنية تستنكر إعفاءهم من التجنيد وتكلف الجيش وحده بالقتال مع مكافأة الحريديين لتفرّغهم للدعاء. ولحاخامهم الأكبر يتسحاق يوسف تصريحاتٌ هدد فيها بسفر جماعي خارج البلاد في حالة إجبارهم على الالتحاق بالجيش، خصوصًا أنهم يمثلون قوة تصويتية وازنة تعتمد عليها أحزاب اليمين في انتخابات الكنيست.


******

أما أزمة الاقتصاد فهي أكبر. وهو ما عبّرت عنه دراسة نشرت في مجلة فورين بوليسي (في 30 يناير/كانون الثاني الماضي) بعنوان: «نهاية الازدهار في إسرائيل». وصاحبها هو ديفيد روزنبرغ المحرر الاقتصادي لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية. إذ ذكر أن الإسرائيليين كانوا قد اقتنعوا قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بأنهم تجاوزوا فكرة أسلافهم القائلة؛ بأن حربهم دائمة، ذلك أنهم اطمأنّوا إلى استقرار أوضاعهم بعدما تمّ تقليص الصراع، بحيث استقرت أوضاع الفلسطينيين تحت الحكم الإسرائيلي دون منحهم دولة، خصوصًا بعدما تمّ التطبيع مع بعض دول الخليج، ودخلت إسرائيل في شراكات اقتصادية مع العديد من دول الإقليم والدول المجاورة.

وهو ما منحهم شعورًا بالأمان والثقة أدى إلى خفض الإنفاق الدفاعي من 15.6 % من الإنتاج المحلي الإجمالي في 1991 عشية اتفاق أوسلوا إلى 4.5 % عام 2022. وزادت نسبة الشباب الذين حصلوا على إعفاء من الجندية إلى أقل من 50 % عام 2021. وذلك تغير كبير في المواقف الإسرائيلية؛ بسبب اعتماد الجيش الإسرائيلي على التكنولوجيا والقوات الجوية بدلًا من الدبابات والمشاة للردع.

وفي رأي الباحث أن انخفاض العبء العسكري، وازدياد الشعور بالأمن والاستقرار أعطيا دفعة قوية للنموّ الاقتصادي أكبر كثيرًا من الزيادة في الإنفاق العسكري، إلا أن ذلك اختلف تمامًا بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

فتغطية تكاليف الحرب رفعت الإنفاق الدفاعي بنسبة تقترب من 80 % هذا العام، وهذه الزيادة سوف تستمرّ؛ لأن 7 أكتوبر/تشرين الأول علّم الإسرائيليين أن التكنولوجيا لها حدودها، وأن لا شيء يمكن أن يحل محل القوات البرية.

ولذلك لا مفرَّ من التوسع في زيادة التصنيع العسكري وتمديد مدة التجنيد وإنفاق المزيد من الأموال على مخزونات السلاح. وسوف يتردّد صدى هذه التغيرات حتمًا على الاقتصاد مما يؤثر على النمو الاقتصادي، وهو ما حدث في وقت مبكر من الحرب، لأن وكالات التصنيف الائتماني ستنادرد آند بورز وموديز وفيتش، خفضت توقعاتها لإسرائيل إلى سلبية.


******

بقيت عندي ملاحظتان؛ إحداهما أن الهجمة الوحشية التي تشنّها إسرائيل التي بلغت حدّ إقدامها على الإبادة الجماعية، يحركها شعورها الدفين بأنها مستعمرة استيطانية موشكة على النهاية. يؤيد ذلك بعض المؤرّخين النقديين – مثل إيلان بابيه وجوزيف مسعد- الذين يذكروننا بالسنوات الأخيرة لجميع مستعمرات المستوطنين التي تميّزت بوحشية طويلة الأمد من قبل المستعمرين. ذلك أنه كلما زادت مقاومة السكان الأصليين المستعمرين، خاصة خلال حروب التحرر الوطني، أصبح المستعمر أكثر وحشية، كما رأينا في جنوب أفريقيا، وناميبيا والجزائر.

الملاحظة الثانية؛ أستلهمها من فكرة أفول الدول العظمى والحضارات التي باتت من الموضوعات ذات الاهتمام من جانب الباحثين والمؤرّخين. ومن أشهر هؤلاء في زماننا المؤرّخ والفيلسوف الفرنسي اليهودي إيمانويل توب الذي تنبأ بانهيار الاتحاد السوفياتي في مؤلفه الذي صدر عام 1976 بعنوان: «السقوط الأخير». وأتبعه بكتاب: «ما بعد الإمبراطورية» في 2021 الذي قدّم فيه حُججه على أفول أميركا كقوة عالمية مهيمنة. وبعد ذلك واصل طرحه في كتابه: «هزيمة الغرب» الذي عالج فيه حرب أوكرانيا وتداعياتها الأوروبية، وأسباب الهزيمة الاقتصادية والسياسية والأخلاقية التي توقعها.

وحين نستعرض حلقات الضعف ومسلسل الهزائم التي منيت بها إسرائيل، فإن ذلك يسوغ لنا أن نستعيد فكرة الأفول التي ترشّح المشروع الصهيوني بجدارة لكي ينضمّ إلى صفحات التاريخ. إذ رغم أن إسرائيل لا هي إمبراطورية أو حضارة أو دولة عظمى، وإنما هي نبت شيطاني زرعه الغرب وتبنّته الولايات المتحدة بالإكراه في قلب العالم العربي، بعدما أصبح الآن في أضعف حالاته منذ نشأته.

وإذا رأينا البدايات بأعيننا في غزة خلال الأشهر الماضية، فقد صار من حقنا أن نتساءل عما إذا كان الوقت قد حان الآن لإعادة النظر في تصنيفها لكي تخرج من عداد دول هذا الزمان لتدرج محملة بسجلّها وخرافاتها ضمن صفحات التاريخ الغابرة.