أيها السوريون.. ﴿خذوا حذركم﴾
الدرة
الدرة (( إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ، إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ )) الامام الشافعي
الجمعة، 17 يناير 2025
أيها السوريون.. ﴿خذوا حذركم﴾
فوق السلطة 424 - وقف إطلاق النار وتوقيف نتنياهو
فوق السلطة 424 - وقف إطلاق النار وتوقيف نتنياهو
توقفت النار فهل يدخل نتنياهو السجن؟
ويتردد أن اليوم التالي لوقف الحرب في إسرائيل هو اليوم الأول في رحلة نتنياهو القضائية إلى السجن بتهم فساد مزمن، فهل يخرج نتنياهو من عالم السياسة مع دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب؟
يشار إلى أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، وقالت إن هناك "أسبابا منطقية" للاعتقاد بأنهما ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
وبخصوص الحرب الإسرائيلية على غزة، كان رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أعلن أول أمس الأربعاء توصل الوسطاء إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وكشف أن تنفيذ المرحلة الأولى منه سيبدأ بعد غد الأحد.
ويقول مقدم برنامج "فوق السلطة" نزيه الأحدب في تعليقه على اتفاق وقف إطلاق النار "ستتوقف في النهاية عن غزة نار إسرائيل والعالم الحر، لكن النار التي في الصدور أنى لها أن تنطفئ، فعظم الله أجور عوائل أكثر من 50 ألف شهيد، ومنح الله السكينة لشعب هُجّر مرارا وتكرارا من مدينة إلى مدينة في قطاع قطعته إسرائيل عن العالم".
وأضاف أن الجميع كان يجلس أمام الشاشات ليرقب تعداد الشهداء والجرحى وتعداد المراسلين الشهداء.
يذكر أن حصيلة العدوان الإسرائيلي على القطاع ارتفعت إلى 46 ألفا و876 شهيدا و110 آلاف و642 مصابا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
هل انتصرت غزة؟ معايير النصر في معارك التحرر الوطني
هل انتصرت غزة؟ معايير النصر في معارك التحرر الوطني
عندما نحاول الإجابة على سؤال مثل "هل انتصرت غزة؟"، فإننا ندرك أن مفهوم النصر في سياق معارك التحرر الوطني ليس بسيطا، ولا يقتصر على المكاسب العسكرية أو الميدانية. النصر هنا مفهوم أكثر تعقيدا، يُحدد من خلال أبعاد سياسية، نفسية، واجتماعية، مستندا إلى فهم عميق للتاريخ وتجارب الشعوب التي خاضت صراعات مشابهة، فمعارك التحرر الوطني ميدانها الكرامة، والاستقلال، والحرية، خاضتها كل شعوب الأرض، وسارت بنفس مسارات الشعب الفلسطيني، تضحية ونضال وانتصار، وهنا يمكن وضع خطوط عامة للجواب على سؤال المقال "هل انتصرت غزة؟".
الأهداف السياسية.. النصر كتحقيق تقدم نحو الغاية
في أي معركة تحرير، تُقاس نتائجها بمدى اقترابها من تحقيق الأهداف الكبرى للحركة الوطنية. في السياق الفلسطيني، تُعد كل مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي خطوة على طريق التحرر الكامل. كما حدث في معركة “ديان بيان فو” في فيتنام عام 1954، لم يكن النصر مجرد تفوق عسكري، بل كان إنهاءً للهيمنة الفرنسية على البلاد، ما مهد لاستقلال فيتنام. وبالمثل، فإن انتفاضات غزة المتكررة تُحرج الاحتلال أمام العالم، وتعزز من زخم القضية الفلسطينية في المحافل الدولية. في هذا السياق، يمكن اعتبار المعارك حتى وإن كانت مكلفة، أدوات لكسب الشرعية السياسية والضغط على العدو لتحقيق تنازلات طويلة الأمد.
البعد النفسي.. الانتصار كتحفيز للروح الوطنية
الحرب ليست مجرد صراع على الأرض، بل هي صراع على القلوب والعقول. أحد أهم أبعاد النصر في معارك التحرير هو الحفاظ على الروح المعنوية العالية لدى الشعب، حتى وسط أقسى الخسائر. في جنوب إفريقيا، ورغم عقود من القمع والتمييز العنصري، لم ينجح النظام في كسر إرادة الشعب أو إحباط معنوياته، لأن كل خطوة قام بها الشعب بقيادة نيلسون مانديلا كانت تغذي الأمل وتُعزز الإيمان بالمستقبل.
باختصار غزة تجيب على هذه الأسئلة يوميا إنها ليست مجرد شريط ساحلي محاصر، بل رمز للصمود والعزيمة. الانتصار لغزة لا يُقاس بعدد الصواريخ أو الأراضي المحررة فقط، بل بقدرتها على إبقاء القضية الفلسطينية حية في ضمير الأمة والعالم، وبتحويل كل معركة إلى خطوة إضافية نحو التحرر.غزة ليست استثناءً؛ حتى مع الدمار الكبير والخسائر البشرية، فإن الصمود الشعبي والدعم الجماهيري يُمثلان أعمدة الانتصار. عندما تخرج الحشود في غزة ترفع شعارات التحدي، فإنها تُعيد تعريف النصر بأنه صمود أمام الاحتلال ورفض للهزيمة النفسية.
التأثير على العدو.. كلفة الاحتلال وإضعاف الهيمنة
النصر لا يُقاس فقط بما يكسبه الطرف المقاوم، بل بما يخسره العدو. في الثورة الجزائرية، كانت الخسائر التي تكبدتها فرنسا على المستويين المادي والمعنوي أحد أهم عوامل الانتصار. فقد أدت العمليات المتكررة، والضغط الدولي، والمقاومة الشعبية إلى جعل تكلفة الاستعمار الفرنسي للجزائر غير محتملة. وبالنسبة لإسرائيل، فإن معارك غزة تُشكل تحديًا على مستويات عدة: كلفة اقتصادية وعسكرية، وتأثير نفسي على الجبهة الداخلية، فضلًا عن الإحراج المستمر أمام الرأي العام العالمي. كلما زادت كلفة الاحتلال، واقتربت من نقطة تصبح فيها السيطرة على غزة عبئًا أكثر من كونها مكسبًا استراتيجيًا، كان ذلك مؤشرًا على نجاح المقاومة في تحقيق أهدافها البعيدة.
التضحيات كاستثمار استراتيجي.. فلسفة الألم والتحرير
منطق التحرر الوطني يقبل التضحيات كجزء من معادلة التحرير، حيث تُعد الخسائر الجسيمة ثمنًا ضروريًا للحرية. كما قال هو تشي منه، قائد الثورة الفيتنامية: “ليس لدينا ما نخسره سوى قيودنا”. الشعوب التي تواجه الاحتلال تدرك أن المعاناة الحالية ليست نهاية المطاف، بل خطوة نحو بناء مستقبل جديد. في فيتنام، قُتل الملايين، ودُمرت القرى، ولكن الشعب صمد مؤمنًا أن الثمن يستحق. غزة، برغم الدمار المتكرر، تُثبت أن إرادة التحرير أقوى من آلة الحرب، وأن كل تضحيات تُقرب الفلسطينيين من تحقيق حلمهم في التحرر.
من الضربات المتتالية إلى الضربة القاضية.. استراتيجية التراكم
التاريخ يعلمنا أن الانتصارات الكبرى غالبًا ما تكون نتيجة تراكم مستمر للضربات الصغيرة. في جنوب إفريقيا، استمرت نضالات الشعب عقودًا قبل أن ينتهي نظام الفصل العنصري. الثورة لم تكن حدثًا واحدًا، بل كانت سلسلة من الاحتجاجات، والإضرابات، والمواجهات التي أثمرت في النهاية عن انتصار. كذلك في الجزائر، لم يأتِ الاستقلال فجأة، بل كان نتيجة ضربات متكررة استنزفت المحتل الفرنسي على مدى سنوات. غزة تسير على هذا النهج؛ فكل معركة، وكل مقاومة، هي لبنة تُضاف إلى جدار الصمود، حتى تأتي اللحظة الحاسمة التي تُنهي الاحتلال.
كيف نقرأ النصر في سياق غزة قراءة فلسفية وسياسية؟
1 ـ هل حافظ الشعب على وحدته وروحه المعنوية؟
الوحدة الوطنية هي أحد أعمدة النجاح في أي نضال تحرري. عندما نراقب الشارع الفلسطيني خلال وبعد الأحداث الكبرى مثل 7 أكتوبر، نجد أن التضحيات الجسيمة التي قُدمت لم تؤدِّ إلى انقسامات عميقة داخل المجتمع الفلسطيني. على العكس، شهدت القضية الفلسطينية درجة ملحوظة من التلاحم، ليس فقط بين الفصائل المقاومة، ولكن أيضًا على مستوى الشارع الفلسطيني داخل وخارج الوطن.
رغم وجود بعض الأصوات الفردية المعارضة هنا وهناك، كان هناك إجماع على دعم المقاومة، سواء من داخل غزة أو الضفة أو الشتات الفلسطيني. هذه الوحدة تعكس قدرة الشعب على تجاوز الخلافات والتوحد حول الهدف الأكبر: التحرر الوطني. التجارب التاريخية، مثل الثورة الجزائرية، تؤكد أن الشعوب التي تحافظ على وحدتها تكون أكثر قدرة على الصمود أمام الاحتلال، حتى في أصعب الظروف.
2 ـ هل كلفت المعركة العدو خسائر تفوق مكاسبه؟
الاحتلال الإسرائيلي دفع ثمنًا باهظًا نتيجة المعركة على جميع المستويات. الخسائر لم تكن مقتصرة على الأفراد والمعدات العسكرية، بل تجاوزتها إلى خسائر سياسية وأخلاقية واقتصادية.
على الصعيد العسكري، تعرضت إسرائيل لضربة موجعة في سمعتها كقوة لا تُقهر، حيث اخترقت المقاومة منظومتها الأمنية والاستخباراتية، وأظهرت هشاشة في استعدادها الدفاعي. كما ألحقت المعركة خسائر كبيرة بالبنية التحتية والاقتصاد الإسرائيلي، إذ تعطلت القطاعات الحيوية، وتعرضت المنشآت المدنية لأضرار جسيمة.
أما سياسيًا، فقد أثارت المعركة انقسامًا داخليًا واسعًا في إسرائيل، بين القيادات السياسية والعسكرية من جهة، وبين التيارات الشعبية من جهة أخرى. ظهر هذا الانقسام جليًا في الانتقادات المتزايدة لحكومة نتنياهو، والتي فُقدت الثقة فيها إلى حد كبير. هذه الخسائر جعلت الاحتلال يعيد النظر في استراتيجياته الأمنية والسياسية.
3 ـ هل دفعت المواجهة القضية نحو مزيد من الاعتراف الدولي والدعم؟
المواجهة لم تكن مجرد معركة على الأرض، بل معركة على الرأي العام الدولي. من خلال التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني، وخاصة في غزة، أعيد تسليط الضوء على القضية الفلسطينية كقضية شعب يرزح تحت الاحتلال.
كلما زادت كلفة الاحتلال، واقتربت من نقطة تصبح فيها السيطرة على غزة عبئًا أكثر من كونها مكسبًا استراتيجيًا، كان ذلك مؤشرًا على نجاح المقاومة في تحقيق أهدافها البعيدة.أحداث مثل 7 أكتوبر دفعت الكثير من الدول والشعوب لإعادة النظر في مواقفها تجاه إسرائيل، وارتفعت أصوات جديدة تطالب بمحاسبة الاحتلال على جرائمه. تصاعدت الحملات التضامنية العالمية، سواء من خلال الاحتجاجات أو المواقف السياسية الرسمية في بعض الدول. حتى في الدول الغربية، التي طالما دعمت إسرائيل، بدأت تظهر انتقادات واسعة النطاق للإجراءات الوحشية التي يتبعها الاحتلال.
يمكننا أن نستشهد هنا بحركات التحرر في جنوب إفريقيا، حيث ساهمت الحملات الدولية والمقاطعات الاقتصادية في تسريع سقوط نظام الفصل العنصري. الفلسطينيون اليوم يراكمون تأثيرهم الدولي بنفس الطريقة، حيث أصبحت قضيتهم أقرب إلى الضمير العالمي.
4 ـ هل أسهمت في بناء وعي شعبي أعمق بقضية التحرير؟
من أكبر إنجازات أي معركة تحرر وطني أنها تُعيد بناء الوعي الشعبي، ليس فقط على المستوى المحلي، بل عالميًا أيضًا. المواجهات الأخيرة ساهمت في ترسيخ حقيقة أن القضية الفلسطينية ليست مجرد نزاع حدودي، بل هي قضية تحرر وطني ضد احتلال استيطاني.
هذه الأحداث جعلت الجيل الجديد، سواء داخل فلسطين أو في الشتات، أكثر وعيا بجذور القضية وأهدافها. وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورا محوريا في نشر الرواية الفلسطينية، وكشف جرائم الاحتلال أمام العالم، ما عزز من تعاطف الشعوب الأخرى مع الفلسطينيين.
على المستوى الداخلي، تعمقت مشاعر الانتماء والهوية لدى الفلسطينيين. باتت كل لحظة صمود أو مواجهة تُعزز الوعي بأن التحرر ليس مجرد مطلب سياسي، بل هو ضرورة وجودية تتعلق بالكرامة والحق في الحياة. هذا الوعي يُعتبر ركيزة أساسية لبناء حركة تحرير مستدامة، مثلما رأينا في فيتنام والجزائر، حيث كانت الثقافة الوطنية والوعي الجمعي من أدوات النصر.
باختصار غزة تجيب على هذه الأسئلة يوميا إنها ليست مجرد شريط ساحلي محاصر، بل رمز للصمود والعزيمة. الانتصار لغزة لا يُقاس بعدد الصواريخ أو الأراضي المحررة فقط، بل بقدرتها على إبقاء القضية الفلسطينية حية في ضمير الأمة والعالم، وبتحويل كل معركة إلى خطوة إضافية نحو التحرر.
الخاتمة: فلسفة التحرير وآفاق المستقبل
من فيتنام إلى الجزائر، ومن جنوب إفريقيا إلى غزة، يعلمنا التاريخ أن التحرر ليس مسارًا سهلًا ولا سريعًا، إنه طريق مليء بالألم والتضحيات، لكنه أيضًا طريق الأمل والمستقبل. النصر الحقيقي ليس فقط في كسب المعارك الميدانية، بل في كسب القلوب والعقول، وفي تعزيز الروح الوطنية، وفي تحويل كل خسارة آنية إلى استثمار استراتيجي على المدى البعيد. غزة اليوم تجسد هذه الفلسفة، وتُعيد تعريف النصر بأنه ليس غياب الألم، بل القدرة على تحويله إلى طاقة للمقاومة والبقاء.
انتصار غزّة... هزيمة العرب
انتصار غزّة... هزيمة العرب
وائل قنديل
غزّة قاومت واستبسلت، وأسقطت كلّ خطط العدوان الأميركي الإسرائيلي، فلا هي تخلّت عن مقاوميها البواسل أو دفعها الألم لتتبرّأ من مقاومتها، ولا هي استسلمت واندفعت كما في المرّة الأولى، حين وقع اتفاق وقف القتال في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
يمكن القول، بفخر واعتزاز، إنّ غزّة بقيت رافعة الرأس ثابتةً كالجبال، على الرغم من عشرات آلاف من الشهداء، نصفُهم تقريبًا من الأطفال. وعلى الرغم من الهدم والدمار الذي لحق بمبانيها، ذلك كلّه لا يحجب حقيقة ساطعة: غزّة قاومت واستبسلت وأسقطت كلّ خطط العدوان الأميركي الإسرائيلي، فلا هي تخلّت عن مقاوميها البواسل أو دفعها الألم إلى أن تتبرّأ من مقاومتها، ولا هي استسلمت واندفعت لتقفز خارج خريطتها، خريطة فلسطين، كما أنّها، وهذا هو الأهم، لم تتوقّف عن تعليم البشرية كلّها كيف تكون الجندية الحقيقية، وكيف يكون المعنى الحقيقي للوطن.
الشعب الفلسطيني في غزّة هو الأعرف بمعنى الانتصار وعلاماته، وهو الأدرى كذلك بمعنى الهزيمة، لأنه ببساطة أعلم منا بمفهوم الحياة والموت، الوجود والعدم، فالهزيمة والفوز. وبالتالي، كلّ من يتجاهل احتفالات الفرح الغزاوي بانتصاره على الفناء، أو يتحدّث عنها باستعلاء أجوف، يهين هذا الشعب ويحتقر شواهد الواقع الذي ينطق بأنّ شعبًا صمد 470 يوماً بوجه أقوى وأقذر حلف عسكري استعماري عرفه تاريخ العالم، فإذا لم يكن هذا هو الانتصار، فما معنى الانتصار إذن؟
دافعت غزّة عن وجودها، كما استبسلت في ستر العري القومي الممتدّ بطول وعرض الجغرافيا العربية، وحالت دون سقوط ضحايا جدد في بئر التطبيع، أو أجلت هذا السقوط إلى أجل غير مسمّى، لتنجز كما في كلّ معاركها، ما أسمّيها "إعادة إعمار الروح العربية"، وإعادة الوجدان السليم إلى نظافته ونقائه، واستعادة تلك الفطرة السوّية التي يولد عليها الإنسان، فتجعله ينحاز للحقّ ضدّ الباطل، يقف مع العدل ضدّ العدوان، ويدافع عن الحرية ضدّ الطغيان، ويرى المقاومة حقًاً أصيلاً وليست إرهاباً.
كان طوفان غزّة بمثابة الدرس الأخلاقي الذي كان العالم في أشدّ الاحتياج إليه، فاستحالت شوارع العالم وميادينه، غربه وشرقه، فصولاً مفتوحة لتعليم القيم الإنسانية، وتجديد وعي العالم بمفاهيم ظننا أنّ وحوش النيوليبرالية نجحت في حرقها وتحويلها إلى رماد أخلاق.
لذا يحقّ لشعب غزّة أن يحتفل احتفال المنتصر وهو يرى كلّ أوغاد العالم يحاولون التمسّح به، ويرتدون أقنعة إنسانية بوصفهم صنّاع سلام وحماة إنسانية، وينتحلون لأنفسهم أدوارًا في وقف القتال، وكأنّ التاريخ القريب فقد ذاكرته فلم يعد قادراً على التعرّف على الذين خذلوه وخانوه وباعوه وكانوا في خدمة قاتليه طوال 15 شهراً وقف فيها الأشقاء يتفرّجون على الأعداء وهم ينفذون مشروع الإبادة والمحو من الوجود.
يعرف شعب غزّة هؤلاء الذين ناصروه وأولئك الذين حاصروه حين كان العدو يمارس كلّ أنواع القتل فيه، يعرف أنّه في أمّة النصف مليار عربي لم يهرع لنجدته ودعمه سوى رجال وأشقاء حقيقيين في لبنان وفي اليمن، وفي إيران وكولومبيا وجنوب أفريقيا ونيكاراغوا، ويعرف التاريخ ويسجّل أسوأ ما قيل من عبارات الخذلان والتخلّي منذ الأيّام الأولى للمذبحة، فمن ينسى أنّ رئيس السلطة (الوطنية الفلسطينية) محمود عباس خاض المعركة ضدّ مقاومة غزّة، ولا يزال يقاتل المقاومة في الضفة الغربية؟
ومن ينسى تصريحات السيسي مع مستشار ألمانيا في قصر الاتحادية بتاريخ 18 أكتوبر/ تشرين الأوّل "قلت هذا الأمر لفخامة المستشار وأقوله في العلن، إذا كانت هناك فكرة للتهجير توجد صحراء النقب. ممكن قوي يتم نقل الفلسطينيين حتى تنتهي إسرائيل من مهمتها المعلنة في تصفية المقاومة أو الجماعات المسلحة في حماس والجهاد الإسلامي وغيره في القطاع، ثم بعد ذلك تبقى ترجعهم إذا شاءت... لكن نقلهم إلى مصر... العملية العسكرية دي ممكن تستمرّ سنوات وهي عملية فضفاضة... أقول لسّه ما خلصناش الإرهاب. لسه ما انتهيناش من المهمة".
ومن ينسى أحمد أبو الغيط وهو يقول على الهواء مباشرة "لما النهارده تيجي تقول إن حماس يوم سبعة أكتوبر قامت بعمل عسكري أو عمل مقاومة أدى إلى تفجير الوضع بالشكل الفلاني وتتوقع إن هذا الجيش أو ذاك أو هذه الدولة أو تلك يتحرّكوا في سياق غير دبلوماسي؟ لا. عندما تفتئت إسرائيل على الشعب الفلسطيني هناك بعد آخر". ثم يضيف: "الحرب ليست سهلة ولا تحدث إلا إذا كان هناك تهديد وجودي لهذا البلد أو ذاك".
من ينسى سامح شكري وهو يقول لوزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، تسيبي ليفني، في مؤتمر ميونيخ للأمن 17 فبراير/ شباط 2024 "حركة حماس كانت من خارج الأغلبية المقبولة للشعب والسلطة الفلسطينية، ويجب أن تكون هناك محاسبة حول تمكين حماس في غزّة، وتمويلها في القطاع لتعزيز الانقسام بين الحركة والتيار الرئيسي للكيانات الفلسطينية الأخرى صانعة السلام، سواء كانت السلطة أو منظمة التحرير".
من ينسى أنّ بلدانًا عربية تصدّت لهجمات إيران على الكيان الصهيوني ثأرًا لشهداء غزّة، وكما أعاد مجرم الحرب، أنتوني بلينكن، تذكيرنا بها، أمس، حين قال "بلدان من المنطقة دافعت عن اسرائيل".
التاريخ لا ينسى وغزّة كذلك، قد تتسامح وتغفر، لكنها أبداً لا تنسى.
الروح المعنوي للمسلم.. آية أخرى!
الروح المعنوي للمسلم.. آية أخرى!
د. ليلى حمدان
كاتبة وباحثة في قضايا الأمة الإسلامية وصناعة الوعي والهمة.
المتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، يجد فيها درسا عظيما يتكرر في كل نازلة وكرب وفي كل ابتلاء ومراغمة وحرب، يجعل النبي صلى الله عليه وسلم مقابل الصبر والاستقامة، الجنة!
فقط الجنة، لا يقدم مغريات الدنيا ولا يعد صحابته الكرام بالمال والمنصب والغنائم! ولا أي شيء مما يقاتل لأجله الناس في زمانهم!
(لا تغضب ولك الجنة)
(إن شئت صبرت ولك الجنة)
(اضمنوا لي ستا أضمن لكم الجنة)
(فمن وفي منكم فأجره على الله)
(صبراً آل ياسر، فإنَّ موعدَكم الجنة)
وفي بيعة العقبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار: “تُبَايِعُونِي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ، وَالنَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَعَلَى الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، وَأَنْ تَقُولُوا فِي اللهِ لَا تَخَافُونَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي فَتَمْنَعُونِي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ، وَلَكُمُ الْجنَّة“.
ولكم الجنة!
كلمة واحدة قامت عليها جميع أسباب الثبات والنصر والتمكين. واستمرت سببا لرفع الروح المعنوية للمسلمين في أشد الأزمنة وأشرس الحروب! وقامت أجيال الذين آمنوا، بين أعينهم كتائب فتح مبين وتمكين يسقى بماء اليقين!
ماذا يريد المسلم غاية أعلى من غاية الجنة!
فأي عدو وأي جيش وأي تحالف يقدر على هزيمته، إن كان قتله شهادة وبلوغ الجنة، وثباته وصبره واحتسابه موجب للجنة وسعادة!
إن كان كل ما يصيبه من لأواء وفقد وأذى في سبيله ربه، موجب للجنة!
وهذه من عظمة منهج النبي صلى الله عليه وسلم المربي الذي قدم مادة تحيي القلوب للأبد، فلا تنهزم أبدا!
مادة أعجزت جميع أكاديميات صناعة الروح المعنوية في الجيوش الغربية والشرقية المحاربة.
يقدمون لجنودهم كل المغريات الدنيوية، من مال ورذيلة ووعود الترقيات وزخرف الدنيا الدنية! ويأتي مقابل كل هذا مؤمن يحمل روحه على راحته، يواجه بقلة عدد وعتاد ترسانة عسكرية متجبرة، يبتسم لها وهي مقبلة، ويلاحقها وهي تفر! قد أبصر خلف أرتال طغيانهم رياض الجنة!
هذا ما يصنعه الإسلام في قلب الإنسان، يرى الجنة في ساحات الموت وإن تناثرت الدماء والأشلاء! يراها في قلب المحن وتداعي الأمم، يراها في ساعة العسرة والخذلان، حين ينفض الناس من حوله، فلا ينهزم قط، بل يكبّر موقنا، ويواصل أبيا شامخا، يحفر الأرض ويخرج من أعماقها الوسيلة والحل، ويعيد البناء من جديد والانطلاق بعزم من حديد، لا يثنيه جيش ولا ترسانة طاغية!
واسألوا التاريخ، فقد أبيد المسلمون في مجازر ترتج لها جدران القلوب فزعا، وماذا بعد؟ رجعت كتائب الفتح تتوعد وتقاتل! قد استمدت أجيال المسلمين القوة والروح المعنوية من مدرسة النبوة المتفردة! تماما كما فعل الجيل المتفرد!
فذاك أنس بن النضر يوم أحد وانكشاف المسلمين يقول: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء – يعني أصحابه – وأبرأ إليك مما فعل هؤلاء – يعني المشركين – فانتهى إلى رجال من المهاجرين والأنصار قد ألقوا ما بأيديهم، فقال: ما يجلسكم؟
قالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. (مبلغ الابتلاء الأفتك لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم)
فماذا فعل!ّ!
قال: ما تصنعون بالحياة بعده؟!
قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ثم استقبل القوم، فلقيه سعد بن معاذ دون أحد، فقال سعد: أنا معك.
قال سعد: فاستقبل أنس القوم فلم أستطع أن أصنع ما صنع،
فقال: يا سعد بن معاذ – وفي لفظ يا أبا عمرو – واها لريح الجنة، ورب النضر إني لأجد ريحها من دون أحد.
ثم تقدم فقاتل حتى قتل، فوجدوا في جسده بضعا وثمانين ضربة من بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم: قال أنس: ووجدناه قد مثل به المشركون فما عرفه أحد منا إلا أخته بشامة أو ببنانه، فكنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه [الأحزاب 23] الآية.
حدثونا عن جميع أسباب رفع الروح المعنوية لمقاتل في قلب الهزيمة! حدثونا عن كيف تفعل كلمة واحدة في قلب مفجوع آمن!
نحدثكم عن الجنة وأنس بن النضر!
هذه مدرسة النبوة، أخرجت لنا هؤلاء الفرسان الأباة الذين أركعوا إمبراطوريات عتيدة بأعداد قليلة وبخرق يلفون بها سيوفهم ورماحهم القديمة!
وهو ما يجب أن يحفظه المسلمون اليوم، روحهم المعنوية العالية، حتى لو دمر الأعداء أرضهم وسلبوهم حقوقهم وطغوا وتجبروا، ثم ماذا؟ كل هذا موجب للجنة التي يعيشون لبلوغها والاستراحة من كدر الدنيا وهمومها التي لا تعني قلبا ينتظر وعد نبيه صلى الله عليه وسلم.
فمن مثل المسلم، روحه المعنوية مرتفعة في كل حال، لا يعرف الهزيمة في أسوأ الأحوال، مقاتل في سبيل ربه إلى آخر رمق، صابر على ما يصيبه في مسيرته لله تعالى محتسب، لا يثنيه عن هدفه الأعظم «الجنة»ـ كافر أو منافق!
فيا أهل غزة، ويا أهل سوريا ويا أهل اليمن، ويا أهل السودان، ويا إخواننا الأويغور والروهينجا وكل مسلم على هذه الأرض يواجه كيدا وحربا وعدوانا يفزع له قلبه.
قف والجنة بين عينيك، وكلمات نبيك صلى الله عليه وسلم تشحذ همتك وتصغر لها كل الدنيا وتسقط بعدها كل جاهلية تحت قدميك، فليأخذوا كل شيء وليدمروا كل ما يمكنهم وأكثر، لكنهم لن يهزموا روح المؤمن العالية جدا، أيها المؤمن أنت الشهم البطل!
وهذا هو النصر الحقيقي، النصر الذي لا يسمح لترسانة يهود وأمريكا وروسيا وكل مرتزق وكافر محارب وكل وحشية، أن تهدم الروح المعنوية في قلوب المسلمين!
لن تتمكن كل مشاهد الدمار والتعمد لنقل مآسينا بالصوت والصورة التي تقطر بصيحات الروع والدماء، من كسر معنوياتنا، ولا حتى أكثر مقاطع التعذيب وحشية وأقبية السجون إجراما، أن تكسرها، لأن كلمة واحدة تتصدى لكل ذلك!
إنا الجنة، أيها المؤمن! حتى لو لم يبق لك في الدنيا شيئا، حتى لو خذلك كل من حولك، حتى لو مشيت حافي القدمين في برد أو حر، ارفع عينيك للسماء وقل يا رب، الجنة!
فأنت المنتصر المظفر.
أيها المسلمون القادم يتطلب روحا معنوية محلقة!
فتزودوا ولا تنهزموا، ورددوا مطلب الجنة! فإن وعد الله حق، وخاب من كسب ظلما.
أردوغان والهوية الإسلامية في تركيا