هل يكتب نتنياهو وترامب الفصل الأخير؟
كاتب ومراسل عسكري أميركي
هذا هو الفصل الأخير من الإبادة الجماعية. إنه الدفع النهائي الملطّخ بالدماء لطرد الفلسطينيين من غزة. لا طعام، لا دواء، لا مأوى، لا مياه نظيفة، لا كهرباء.
إسرائيل تحوّل غزة بسرعة إلى موقع من البؤس الإنساني، حيث يُقتل الفلسطينيون بالمئات، وقريبًا، مجددًا، بالآلاف وعشرات الآلاف، أوسيُجبرون على الرحيل دون عودة.
يمثّل هذا الفصل الأخير نهاية الأكاذيب الإسرائيلية: كذبة حلّ الدولتين. كذبة أن إسرائيل تحترم قوانين الحرب التي تحمي المدنيين. كذبة أن إسرائيل تقصف المستشفيات والمدارس فقط لأنها تُستخدم من قبل حماس. كذبة أن حماس تستخدم المدنيين كدروع بشرية، بينما تجبر إسرائيل الفلسطينيين الأسرى على دخول الأنفاق والمباني التي يُحتمل أن تكون مفخخة قبل قواتها.
كذبة أن حماس أو حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية مسؤولتان – غالبًا يُزعم أن السبب صواريخ فلسطينية طائشة – عن تدمير المستشفيات أو مباني الأمم المتحدة أو سقوط ضحايا فلسطينيين.
كذبة أن المساعدات الإنسانية إلى غزة تُمنع؛ لأن حماس تستولي على الشاحنات أو تهرّب الأسلحة. كذبة أن أطفالًا إسرائيليين قُطعت رؤوسهم، أو أن الفلسطينيين ارتكبوا اغتصابًا جماعيًا بحق نساء إسرائيليات.
كذبة أن 75% من عشرات الآلاف الذين قُتلوا في غزة هم "إرهابيون" من حماس. كذبة أن حماس، لأنها كانت تعيد التسليح وتجنيد مقاتلين، تتحمل مسؤولية انهيار اتفاق وقف إطلاق النار.
الوجه العاري لإسرائيل الإبادية مكشوف الآن. لقد أمرت بإجلاء سكان شمال غزة، حيث يُخيّم الفلسطينيون اليائسون وسط أنقاض منازلهم.
ما يأتي الآن هو مجاعة جماعية -إذ قالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في 21 مارس/ آذار؛ إن لديها ستة أيام فقط من إمدادات الطحين- وموت بسبب الأمراض الناتجة عن المياه والطعام الملوث، وسقوط عشرات القتلى والجرحى يوميًا تحت وابل القصف بالصواريخ والقذائف والرصاص.
لا شيء سيعمل: المخابز، محطات معالجة المياه والصرف الصحي، المستشفيات – إذ فجّرت إسرائيل مستشفى فلسطين التركي المتضرر في 21 مارس/ آذار – المدارس، مراكز توزيع المساعدات أوالعيادات. أقل من نصف سيارات الإسعاف الـ53 التي تديرها جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، تعمل بسبب نقص الوقود. وسرعان ما لن يبقى شيء.
رسالة إسرائيل واضحة: غزة لن تكون صالحة للعيش. غادروا أو موتوا.
منذ يوم الثلاثاء، حين خرقت إسرائيل وقف إطلاق النار بقصف مكثف، قُتل أكثر من 700 فلسطيني، بينهم 200 طفل. وفي فترة 24 ساعة فقط قُتل 400 فلسطيني. وهذا ليس سوى البداية. لا أي من القوى الغربية، بما فيها الولايات المتحدة التي تمد إسرائيل بالأسلحة، تنوي إيقاف هذه المجازر.
كانت صور غزة خلال ما يقرب من 16 شهرًا من الهجمات المدمّرة فظيعة. لكن ما هو آتٍ سيكون أسوأ. سيضاهي أبشع جرائم الحرب في القرن العشرين، بما في ذلك مجاعة جماعية، مذابح جماعية وتسوية حي وارسو بالأرض على يد النازيين عام 1943.
مثّل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول خطًا فاصلًا بين سياسة إسرائيلية كانت تهدف إلى إخضاع الفلسطينيين وقمعهم، وسياسة تدعو إلى إبادتهم وتهجيرهم من فلسطين التاريخية.
ما نشهده الآن يوازي لحظة تاريخية مشابهة لما حدث بعد مقتل نحو 200 جندي بقيادة جورج أرمسترونغ كاستر في معركة "ليتل بيغ هورن" عام 1876. بعد تلك الهزيمة المهينة، تقرر إبادة الأميركيين الأصليين أو حشر من تبقى منهم في معسكرات أسر، سُمّيت لاحقًا "المحميات"، حيث مات الآلاف من الأمراض وعاشوا تحت أعين المحتلين المسلحين، في حالة من البؤس واليأس. توقعوا الشيء نفسه للفلسطينيين في غزة، حيث سيتم دفنهم، على الأرجح، في واحدة من جحيم الأرض، ومن ثم نسيانهم.
"سكان غزة، هذا هو تحذيركم الأخير"، هدّد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت: "السنوار الأول دمّر غزة، والسنوار الثاني سيُدمّرها بالكامل. ضربات سلاح الجو ضد إرهابيي حماس كانت مجرد الخطوة الأولى. الأمور ستزداد صعوبة، وستدفعون الثمن كاملًا. سيبدأ قريبًا إجلاء السكان من مناطق القتال مجددًا.. أعيدوا الرهائن وتخلصوا من حماس، وسيفتح لكم طريق آخر، منها الرحيل إلى أماكن أخرى في العالم لمن يرغب. البديل هو الدمار الكامل".
اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس صُمم ليُنفّذ على ثلاث مراحل. المرحلة الأولى، ومدتها 42 يومًا، تقضي بوقف الأعمال القتالية. تطلق حماس 33 رهينة إسرائيلية تم أسرهم في 7 أكتوبر/ تشرين الأول2023 – بمن فيهم النساء، والمسنون، والمرضى – مقابل الإفراج عن نحو 21,000 فلسطيني من الرجال والنساء والأطفال المعتقلين لدى إسرائيل (أفرجت إسرائيل عن حوالي 1,900 فلسطيني حتى 18 مارس/ آذار).
حماس أطلقت 147 رهينة حتى الآن، بينهم ثمانيةٌ متوفَّون. وتقول إسرائيل إن 59 إسرائيليًا ما زالوا محتجزين لدى حماس، تعتقد أن 35 منهم قد فارقوا الحياة.
بموجب الاتفاق، تنسحب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة في غزة في أول أيام الهدنة. وفي اليوم السابع، يُسمح للفلسطينيين النازحين بالعودة إلى شمال غزة. وتسمح إسرائيل بدخول 600 شاحنة مساعدات يوميًا تحمل الطعام والدواء.
المرحلة الثانية، وكان يفترض التفاوض عليها في اليوم السادس عشر من وقف إطلاق النار، تشمل إطلاق بقية الرهائن الإسرائيليين. وتُكمل إسرائيل انسحابها من غزة، مع إبقاء وجود لها في بعض مناطق ممر فيلادلفيا، الذي يمتد على طول الحدود بين غزة ومصر. كما تسلم السيطرة على معبررفح الحدودي لمصر.
المرحلة الثالثة كانت مخصصة للتفاوض بشأن إنهاء دائم للحرب وإعادة إعمار غزة.
لكن إسرائيل دأبت على توقيع اتفاقيات – مثل اتفاق كامب ديفيد واتفاق أوسلو – تتضمن مراحل وجداول زمنية، ثم تخرقها بعد تحقيق ما تريده في المرحلة الأولى. هذا النمط لم يتغير أبدًا.
رفضت إسرائيل الالتزام بالمرحلة الثانية. منعت دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة قبل أسبوعين، ما يُعد خرقًا للاتفاق. كما قتلت 137 فلسطينيًا خلال المرحلة الأولى من الهدنة، بينهم تسعة أشخاص – ثلاثة منهم صحفيون – عندما هاجمت طائرات مسيرة إسرائيلية فريق إغاثة في 15 مارس/ آذار في بيت لاهيا، شمال غزة.
استأنفت إسرائيل قصفها العنيف على غزة في 18 مارس/ آذار، بينما كان معظم الفلسطينيين نائمين أو يستعدون لوجبة السحور قبيل الفجر في رمضان. إسرائيل لن تتوقف عن هجماتها، حتى لو تم إطلاق سراح جميع الرهائن – وهو السبب المعلن لاستئناف القصف والحصار.
تشجّع إدارة ترامب هذه المجازر، إلى جانب قادة الحزب الديمقراطي مثل زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر. يهاجمون منتقدي الإبادة باعتبارهم "معادين للسامية"، يجب إسكاتهم أوتجريمهم أو ترحيلهم، بينما يضخّون المليارات من الدولارات في شكل أسلحة لإسرائيل.
الهجوم الإبادي الإسرائيلي على غزة هو ذروة مشروعها الاستيطاني الكولونيالي ودولتها القائمة على الفصل العنصري. الاستيلاء على كامل فلسطين التاريخية – بما في ذلك الضفة الغربية، التي من المتوقع قريبًا أن تضمها إسرائيل – وتهجير كل الفلسطينيين كان دائمًا هدف الحركة الصهيونية.
أسوأ فظائع إسرائيل وقعت خلال حربَي 1948 و1967، حين استولت على مساحات واسعة من فلسطين التاريخية، وقتلت آلاف الفلسطينيين، وهجّرت مئات الآلاف قسرًا. وبين تلك الحروب، استمرت السرقة البطيئة للأراضي، وتوسيع المستوطنات، والاعتداءات الدموية، والتطهير العرقي المتواصل في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية.
ذلك الرقص المحسوب انتهى. هذه هي النهاية. ما نشهده الآن يفوق كل الهجمات التاريخية على الفلسطينيين. حلم إسرائيل الإبادي المجنون – كابوس الفلسطينيين – على وشك التحقق.
وسينسف إلى الأبد أسطورة أننا، أو أي دولة غربية، نحترم حكم القانون أو ندافع عن حقوق الإنسان والديمقراطية و"فضائل" الحضارة الغربية.
همجية إسرائيل هي انعكاس لنا. قد لا ندرك هذا، لكن بقية العالم يدركه تمامًا.