الخميس، 13 نوفمبر 2014

مصر البلنصات ومصر الإكسلانسات

مصر البلنصات ومصر الإكسلانسات

وائل قنديل


الحزن على استشهاد جنود وضباط فيما عرف بالحرب على الإرهاب المائي شعور وطني وإنساني واجب وطبيعي، غير أن هذا لا ينبغي أن ينسينا أن الحزن الأكبر على اغتيال الإنسانية في مصر على يد هذه السلطة التي قتلت عالماً مصرياً في سجونها، بأن تركته ينزف حتى الممات.
في حمأة الانشغال بتصاعد الحملة القومية الخاصة بالعنتيل السلفي في محافظة الغربية المصرية، سقط سهواً، أو تراجع عمداً، خبر مشاركة العالم المصري النابه، عصام حجي، وثلاثة علماء مصريين آخرين في هبوط "المركبة فيلة" ضمن المهمة الفضائية "روزتا" بنجاح، لأول مرة على سطح مذنب، لتكون لحظة تاريخية للإنسانية.
مهمٌّ، هنا، ذكر أسماء العلماء المصريين الثلاثة في لحظةٍ، لا صوت فيها يعلو على صوت الإسفاف والابتذال، وهم كما قدمهم حجي على صفحته بموقع "فيسبوك": د. رامي المعري ( 35 سنة) د. أحمد الشافعي (28 سنة)، عصام حجي ( 39 سنة)، د. عصام معروف ( 56 سنة).
عصام حجي أطلق صرخة قادمة من أعماق ضميره العلمي، احتجاجاً على فضيحة جنرالات الكفتة، فلم تتحمله سلطة الانقلاب مستشاراً علميا لرئيس جمهورية، عينه وزير دفاع منقلب على رئيس جمهورية منتخب، ووضعه مثل "القرميد"، لتجميل واجهة قصر الرئاسة.
حجي كتب على صفحته سعيداً حد الألم، يقول عن هذا الإنجاز: "طموحات وأحلام وآمال تكسر، واقع ملأته أصوات الجهل والكراهية التي بنت للإحباط معبداً خالداً، وللجهل حصناً منيعاً، وأسأل نفسي، اليوم، هل أصبحت نجوم السماء أقرب إلينا من تراب الوطن؟".
وفي أتون الصخب المثار حول ما انفجر إعلامياً، على مدار الأمس، عن اشتباك "اللنش والبلنص" في مياه مصر الإقليمية، قبالة ميناء دمياط، مر في صمت مجرم، نبأ قتل العالم المصري، الدكتور طارق الغندور، في سجون الانقلاب، بعد أن تركته السلطات ينزف لست ساعات حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
وأظن أن وقائع مقتل الغندور يمكن أن تجيب عن سؤال عالم الفضاء عصام حجي "هل أصبحت نجوم السماء أقرب لنا من تراب الوطن؟"، والإجابة بكل أسف هي نعم، في ظل هذا القتل المنهجي لكل ما هو محترم ونبيل وحقيقي وصالح في هذه البلاد التي أصابها فيروس القبح والانحطاط في مقتل.
مصر المشغولة بصناعة العناتيل وتخصيب يورانيوم الخرافة والدجل، لا يمكن أن تكون أبداً منشغلة بما هو أكثر من توسيع رقعة سلطة الجنرالات، وتابعيهم من المماليك الجدد في الإعلام والجامعات وأزقة السياسة المتربة.
وفي وضع كهذا، من الطبيعي أن يخرج جنرال بدرجة محافظ، ليعنف الشعب، لأنه ينجب ويتكاثر ويعيش، فالشعب، في نظر السلطات المستبدة دوماً، هو حطب مدفأة السلطة، وقد سبقه قائد الانقلاب، حين قالها ببساطة شديدة: لا مانع من التضحية بجيل أو جيلين، كي تعيش أجيال قادمة في ظروف أفضل.
ومن عجب أن السلطة التي تتيه غروراً على الدول الأقل كثافة سكانية، كونها سلطة على أكثر من تسعين مليون مواطن، هي ذاتها السلطة التي تعاير شعبها بزيادة نسله، ويهدد إعلامها الفقراء بالحرمان من الحق في الحياة.
باختصار، هم يصادرون أحزان البسطاء لصالح دولة الإكسلانسات والبلنصات، فيما يجرمون الألم على ضحايا مقتلة البطش والتعذيب. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق