نحن الموقّعين أدناه نعتذر إلى الإنسانيّة عن تاريخنا؛ عن ثقافتنا المفخّخة بالعنف؛ عن سيرة أجدادنا الملّطخة بالدماء.
نعتذر عن ما كانوا يسمّونه «الفتوح الإسلامية»، وما كانت سوى عمليات غزو واسترقاق، وإجبار للسكان الأصليين على دفع الجزية، ونشر للإسلام بالسيف.
نعتذر عن قرون متطاولة من الخلافة كان الخليفة فيها إمبراطوراً يضرب بسيف الله، ويجمع المسلمين كافة على قلب رجل واحد، ليفرض هيمنته السياسية ورؤيته الكونية على الآخر والنقيض والمختلف.
نحن الموقّعين نعتذر عن إرث مديد في القرآن يحرّض على العنف والقتل، ومن ذلك هذه النصوص: «يا أيها النبيّ حرّض المؤمنين على القتال»، «قاتلوهم يعذّبهم الله بأيديكم، ويخزِهِم، وينصركم عليهم، ويشف صدور قوم مؤمنين»، «فإذا انسلخ الأشهر الحُرُم، فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصد»، «فإذا لقيتم الذين كفروا فضربَ الرقاب، حتى إذا أثخنتُموهم فشدّوا الوَثاق»، «فاضربوا فوق الأعناق، واضربوا منهم كلّ بنان».
ونسجّل هنا بمداد من الخجل أنّ القرآن أولّ من دعا صراحة إلى الإرهاب، ووضعه في إطار إيجابي من خلال الآية: «وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدوّ الله وعدوّكم».
كما نعتذر عن خطاب الكراهية والتكفير في القرآن الظاهر في نصوص مثل: «فإنّ الله لا يحبّ الكافرين»، «إن الله لا يحبّ كلّ خوّان كفور»، «ها أنتم أولاءِ تُحبّونهم ولا يُحبّونكم»، «يا أيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء، تُلقون إليهم بالمودّة، وقد كفروا بما جاءكم من الحق».
ولا ننسى أن نعتذر عن ادّعاء القرآن الحقيقة المطلقة كما في هاتين الآيتين: «ومن يبتغ غير الإسلام ديناً، فلن يُقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين»، و «اليوم أكملتُ لكم دينكم، وأتممتُ عليكم نعمتي، ورضيتُ لكم الإسلامَ دينا»، وكما ينصّ على ذلك الحديث الذي رواه مسلم: «والذي نفسي بيده، لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمّة، يهوديٌ ولا نصراني، ثمّ يموتُ ولم يؤمنْ بالذي أُرسلتُ به، إلا كان من أهل النار».
ونعتذر أيضاً عن «ثقافة الموت» التي رسّختها آيات قرآنية مثل: «إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسَهم وأموالَهم بأنّ لهم الجنّة، يقاتلون في سبيل الله، فيَقتلون ويُقتلون».
كما نعتذر عن أقوال مقدّسة في تاريخنا تمجّد العنف، كقول خالد بن الوليد للعدو: «جئتكم بقومٍ هم على الموت أحرصُ منكم على الحياة».
ولا يفوتنا هنا أن نعتذر عن مخزون أدبي هائل من تجميل العنف والافتخار به وتقديمه على المفاوضات والحلول السلميّة، وطغيانه حتى على الحبّ والغزل، كقول عنترة:
ولقد ذكرتُكِ والرّماحُ نواهلٌ
منّي وبِيضُ الهندِ تقطُرُ من دمي
فوددتُ تقبيلَ السيوف لأنّها
لمعتْ كبارق ثغرِكِ المتبسّمِ
ومن ذلك قول الصحابي عبد الله بن رواحة:
يا نفسُ إِلا تُقتلي تموتي
هذا حِمامُ الموتِ قد لقيتِ
وما تمنّيتِ فقد أُعطيتِ
وإِنْ تأخرتِ فقد شقِيتِ،
وقول المتنبي:
لا يسلمُ الشّرفُ الرفيعُ من الأذى
حتى يُراقَ على جوانبه الدّمُ،
وقوله:
عشْ عزيزاً أو متْ وأنت كريمٌ
بين طعن القنا وخفْق البنودٍ،
وقول شوقي:
ولا يبنى الممالكَ كالضحايا
ولا يُدني الحقوقَ ولا يُحِقُّ
ففي القتلى لأجيالٍ حياةٌ
وفي الأسرى فدًى لهمو وعتقُ
وللحريّةِ الحمراءِ بابٌ
بكلِّ يدٍ مُضرّجةٍ يُدَقُّ،
وقول عبد الرحيم محمود، الذي حفظناه على مقاعد الدراسة: سأحملُ روحي على راحتي
وأُلقي بها في مهاوي الرّدى
فإمّا حياةٌ تسرّ الصديقَ،
وإمّا مماتٌ يَغيظُ العدا،
ونفسُ الشريف لها غايتان
ورودُ المنايا ونيلُ المنى
يلذّ لأذْني سماعُ الصليل
ويُبهجُ نفسي مسيلُ الدّما!
ولا بدّ في نهاية هذه الرسالة أن نعتذر عن اللغة الوحشية التي سادت عناوين كثير من كتب «فقهائنا»، والتي هي نتاج طبيعي لثقافة «التطرّف العنيف» التي رضعوا من لَبانها، وتربّوا عليها، مثل: «الصارم المسلول على شاتم الرسول» لابن تيمية، و «الصواعق المرسَلة، على الجهميّة والمعطِّلة» لتلميذه ابن القيم.
إنّنا ونحن نسطّر هذا الاعتذار، لنرجو أن يخفّف التوتّرات السائدة في عالمنا اليوم، وأن يمسح ما في صدور شركائنا على هذا الكوكب من عتَب على ممارسات وأفكار تبرّأنا منها ورفضناها، وكلّنا أمل أن نطوي صفحة الماضي، وأن نفتح صفحة جديدة ملؤها القبول والتعايش والحب.