هل يحول السيسي مصر إلى كوريا شمالية أخرى؟
النور عادل
قد يبدو العنوان ساخرا أو موغلا في التشاؤم، أو الامرين معاً، تشاؤم وسخرية من وحي واقع سياسي مجنون جدا في مصر الان. ولتصدق أن مصر في طريقها نحو أن تتحول لكوريا شمالية أخرى تابع فضلا هذه النقاط وقل لي أين أخطأت. اعتقالات بالجملة وصلت بحسب المراقبين إلى 2000 معتقل منذ أول جمعة دعا لها الفنان والمقاول المصري المعارض محمد علي، وبتقديرات أخف فعدد المعتقلين حوالي 1500 فرد. طالت الاعتقالات حتى أساتذة الجامعات كالدكتور حسن نافعة، والدكتور حازم حسني والصحفي خالد داود، وما أثار حيرتي وأجج قلمي ومنعني الصمت هو ارتفاع حاجب دهشتي أقصاه وأنا أقرأ عن اعتقال محامي الصحفي خالد داود نفسه، واعتقال عدد آخر من المحامين الذين جاؤوا لحضور جلسات استجواب المتهمين أمام النيابة.
سحق لحرية التعبير وتكميم للأفواه بصورة مخزية ومذلة، فالشوارع مغلقة بالكمائن كل عدة شوارع، التفتيش المحموم في هواتف المواطنين عن أي شيء له علاقة بالتظاهرات الاخيرة او تأييدها، البحث المضني عن المحتجين واعتقالهم ولو كانوا نساء او صغارا في السن حتى، وقد تم اعتقال عشرات النساء حتى الان كبيرات بالسن وشابات وناشطات بل حتى نساء فقيرات من غلبهن صرخن بما يعتمل في صدورهن، حملة رصد واعتقالات للمواطنين الأجانب، وتلفيق التهم لهم، كالطلاب الأردنيين، والطالب السوداني وليد، ومحاولات إرهاب الداخل بالنظرية المتهالكة، أن عملاء أجانب جاؤوا ليدمروكم! ولا نعلم حقا ماذا بقي ليدمره العملاء المزعومون؟
تصعيد عالي الدرجة ضد الإعلاميين المعارضين بالداخل والخارج، مصحوبا بانفتاح شهية الإعلام الرسمي الأصفر (للردح) وتقليب الأمور ونسب كل فشل سنوات السيسي إلى الجماعة المحظورة تلك الشماعة التي ما عادت تحتمل مزيدا من التعليق عليها بعد فيديوهات محمد علي الفضيحة للسيسي وجنرالاته الأوليغاركية. مع العلم أن في كوريا الشمالية ليست هناك أوليغاركية منتفعة متخمة حتى داخل الجيش أو الحزب الشيوعي، عدا سلالة كيم يونغ، وهو ما يحدث بالحرف الان داخل مصر السيسي، فالأغنياء حول السيسي يزدادون غناً والفقراء يسحقون، وكم أسفت وهاجت لواعجي حين تذكرت أطفالا رأيتهم هناك يأكلون من المزابل ويلتحفون الارض في برد يناير القارس جدا بمصر، لو زرت مصر مؤخرا ودققت النظر ستجد أن عددا مقدرا من المواطنين بلا مأوى، وقد تتردد في رمي قمامتك داخل صندوق القمامة لأنك ربما تصادف إنسانا نائما داخله، ولا حولا ولا قوة الا بالله.
في مصر كيم يونغ سيسي، الان لا صوت يعلو فوق صوت السيسي وهو يتحدث بطريقته الباردة الرتيبة الان، (بنينا قصور وحنبني كمان) وأنا اشاهد حديثه هذا في مؤتمر ما يسمى بالشباب، تذكرت لحظات إلقاء وريث عرش كيم يونغ لخطاباته امام قادة الجيش الشمالي الشعبي، الكل ينصت بانتباه تام وتركيز شديد، الكل يصفقون بصورة حارة في وقت واحد لمدة شبه متفق عليها، يبدو أن أعين المخابرات الحربية وقتها ترصد بدقة وحرفية من يصفق بحرارة ومن يصفق بملل أو من أوقف التصفيق، ولماذا توقف؟
مصر الان تتحول شيئا فشيء إلى كوريا شمالية عربية لأن لا صوت فيها يعلو إعلاميا عدا صوت جوقة النظام، فمثلما في كوريا الشمالية المذيعة النجمة بالزي الشعبي الكوري (ري تشون هي)، تجد مصر الان تصغي مرغمة وبعضها محب ذاهل إلى صوت عمرو أديب وهو يكذب كما يتنفس الهواء، تعيش حالة من العزلة عن كل وسيلة إعلامية تحمل الرأي الاخر، فالإنترنت يضج بالمواقع ذات البعد الواحد، والفيسبوك والتويتر يعج بالحسابات الزائفة التي تقوم شركتا فيسبوك وتويتر كل فترة بحذفها وإغلاقها، ومن بين الركام المهول وتحت أنقاض الكذب المنهجي (اكذب اكذب حتى يصدقك الناس).
يسمع المواطن المصري صوت محمد علي وهو يتكلم بالبلدي وبلغة الارقام التي يعشقها المصري، فلو زرت مصر ستلحظ ان جل وأغلب دردشات المصريين هي عن الأرقام المتعلقة بالسلع والتجارة، فهم في حالة تشبه التحديث اليومي لمجمل أسعار البضائع المختلفة، حتى العملات لن تعدم أي سائق تاكسي لا يعرف سعر الصرف اليومي لها، فلست بحاجة لسؤال قوقل أو موقع البنك المركزي عنها وانت في مقعد التاكسي.
من خلال تتبعي لكتابات المصريين بدأت ألحظ أن الدعاية المنظمة من النظام هناك باتت تؤتي أؤكلها، فقد بات العديد من المصريين رغم كل الفقر المعلن عنه رسميا بـ 32.5 بالمائة وقد عودتنا أجهزة إحصاء الدول القمعية على التطفيف في المسح والنتائج، لذا فأنا أتوقع أنه لا يقل عن 40 بالمائة. رغم كل ذلك فتجد أن بعضهم يصدق فعلا أن مصر الان تحارب إسرائيل، وبعضهم يزعم أن إسرائيل تخشى من مصر السيسي أن تمحوها من الوجود، وذهب البعض أكثر أن مصر تنوي امتلاك السلاح النووي.
أخوف ما أخافه على مصر هو أن تمسخ الشخصية المصرية وتضيع حضارة إنسانية عريقة كمصر بسبب جشع طغمة عسكرية تعشق القصور وتنسى سكنى القبور |
في عز اشتداد موجة الغلاء الان في مصر، تجد من يرددون بإخلاص لمراسلي المحطات التلفزيونية أن (كله تمام والاسعار رخيصة والحمد لله). وضحكت من حسرتي وأنا أشاهد امرأة مقهورة تردد لأحمد موسى (عايزين إيه رخص أكتر من كدة في الحالة الزفت الحنا فيها دي)، وكانت المرأة تعيش ما يشبه حالة الانفصام النفسي الحاد ما بين شخصيتين في جسد واحد. هذا نفس الوهم والحماس الوجل الذي يعيشه المواطن الكوري الشمالي الواثق أن الزعيم الشاب قادر على سحق أمريكا بحركة واحدة إذا أراد.
إن أخوف ما أخافه على مصر ليس الفقر والله، فالله يرزقها ليل نهار من حيث لا تحتسب، وليس أن تعطش بسبب ما يحاول السيسي بثه في روعها تجاه الجارة اثيوبيا، فمصر هبة النيل ولن يقدر أحد على منعه الجيران نحوها بعد أن أمره الله منذ الأزل، ما أخافه هو أن تمسخ الشخصية المصرية وتضيع حضارة إنسانية عريقة كمصر بسبب جشع طغمة عسكرية تعشق القصور وتنسى سكنى القبور.
في مصر السيسي تحققت أسوا نبوءات الساخر أحمد مطر، فهناك المخبر يسكن بين تلافيف الحلم، ويعد الانفاس، هناك الخوف جدارات عالية، هناك الاعتقال بالشبهة، بالظنة، باللحية، لمجرد انك غير مريح لفرد الأمن في كمين بالهرم أو المقطم أو أي دائري، أو في محل فول وطعمية حتى لا فرق.
لا يظنن ظان إن مصر ستدرك كوريا الشمالية بالنووي والباليستي، فمصر السيسي اكتفت بجهاز الكفتة، وامتهان الرتبة العسكرية في بيع اللحم والخضر والفواكه في محطات المترو ووسط البلد. تدمير ممنهج يجري على قدم وساق لتدمير الجيش المصري، وإنهاكه بحروبات الوهم في واحات سيناء التي كشف الناشط السيناوي(مسعد أبوفجر) حقيقة ما يحدث فيها لصالح مليشيات الفرعون الجديد، تدمير الجيش المصري لصالح إسرائيل التي لم تخفي رعبها من سقوط رجلها هناك، كل ما يحدث الان في مصر هو ما جلعني أفكر بصوت عال، هل تتحول حقا مصر إلى كوريا شمالية عربية افريقية؟ حسنا لنقل ذلك، هل ببناء القصور أم بهدم ما تبقى من حياة المصريين؟
الملايين على الجوع تنام
وعلى الخوف تنام
وعلى الصمت تنام
والملايين التي تصرف
من جيب النيام
تتهاوى فوقهم سيل بنادق
ومشانق
وقرارات اتهام
-عملاء - أحمد مطر
حفظ الله مصر وشعبها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق