الاثنين، 3 مارس 2025

ترامب وزيلينسكي .. وصلة توبيخ بلدي !!

 ترامب وزيلينسكي .. وصلة توبيخ بلدي !!

د. عزالدين الكومي


عندما اتهم الغربُ بوتين بأنه ديكتاتور ومهووس بالتسلح .. أجاب بقصة من الأدب الروسي قائلا 
يا سادة : كانت هناك عائلة تملك مزرعة واسعة، فيها خيول و أبقار وأغنام و تنتج حقولها وبساتينها غلات وخيرات ، وكان في كل أسبوع يذهب رب العائلة مع أولاده الكبار إلى السوق لبيع محاصيل المزرعة و جلب المال ، وكانوا يتركون شابا يافعا يحرس المزرعة و البيت الذي تبقى فيه النساء ، و كان الشاب مدربا باحتراف على استخدام السلاح ، وفي أحد الأيام بينما هو يجوب أرض المزرعة ويحمي حدودها .. جاءه مجموعة من الرجال ليكلموه فأوقفهم بسلاحه على مسافة منه ، فلاطفوه بكلام معسول وقالوا له أنهم مسالمون ولا يريدون سوى الخير له ، و لم يكن أولئك الرجال إلا عصابة متمرسة في النهب و السرقة و السطو ..إلخ ، فأروه ساعةَ يدٍ فاخرة و جميلة ، وأغروه وهم يزينون له سلعتهم ، فأُعجب الفتى بتلك الساعة وأبدى رغبته في امتلاكها ، وحين تأكدت العصابة من تعلقه بالساعة وبدأ يسألهم عن ثمنها قالوا له أنّهم يعرضون عليه مبادلتها ببندقيته ، ففكر الفتى قليلا وكاد أن يقبل !! 
لكنه تراجع وقال لهم :
انتظروني إلى يوم آخر  ، انصرفت العصابة بعد أن فشلت في خداع الفتى ، وفي المساء حين عاد أبوه وإخوته حكى لهم القصة ، وراح يذكر لأبيه فخامة الساعة و جمالها .. إلخ فقال له أبوه : طيب .. أعطهم سلاحك و خذ الساعة ، وحين يهاجمونك و يسرقون قطعان ماشيتك و ينهبون مزرعتك ويغتصبون أمك وأخواتك .. انظر في ساعتك الجميلة و قل لهم وأنت تتباهى : آه إنها تشير إلى كذا و كذا من الوقت .
فهم  الشاب ما قال والده
و تمسك بسلاحه بقوة و أدرك أن الغباء والاندفاع وراء العواطف يعني الضياع و الموت المحقق على يدي أعدائه” .
ثم أضاف بوتين : “والآن الغرب يستخدم الديموقراطية و حقوق الإنسان و الحرية مثل ساعة فاخرة يريد أن يلبسها الخونة ليحطموا ما في أيدي الشعوب من سلاح الوطنية وتماسك الصف و رفض بيع بلدانهم ، والبعض الآخر يغرون السُذَّج بشعارات و ممارسات عقدية يستغبون بها بعض من يصدقهم ،
فلا تبيعوا وطنكم لتشتروا ساعة تعرفون بها مواقيت اغتصابكم و نهب بلادكم” !! .
 فبعد تفكك الاتحاد السوفياتي احتفظت أوكرانيا بنحو ثلث ترسانة الأسلحة النووية السوفياتية على أراضيها ، وكانت ثالث أكبر ترسانة في العالم في ذلك الوقت ، بالإضافة إلى معدّات هامة لتصميمها وإنتاجها ، وبقي على الأراضي الأوكرانية العديد من الرؤوس النووية والصواريخ الباليستية  العابرة للقارات .
وفي عام 1994 وافقت أوكرانيا على تدمير الأسلحة والانضمام إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النوّوية ، ولكن بمقتضي مذكرة بودابست للضمانات الأمنية سنة 1994 التي وقّعها زعماء كل من أوكرانيا وروسيا الاتّحادية وبريطانيا والولايات المتحدة لتزويد أوكرانيا بضمانات أمنية فيما يتعلق بانضمامها إلى معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي كدولة غير حائزة على الأسلحة النووية .. 
نُقلت الأسلحة النووية التي كانت مُخزنة في دول حلف وارسو – بما فيها أوكرانيا – إلى الأراضي الروسية في إطار اتفاق أن تصبح دول الاتحاد السوفييتي السابق طَوعًا منطقة خالية من الأسلحة النووية مقابل ضمانات أمنية بعدم تهديدها بأسلحة نووية في المستقبل .
وقد التزمت روسيا بصفتها أحد الموقعين بضمان سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها.

وبالرغم من وفاء أوكرانيا بكل التزاماتها بعدم السعي لامتلاك قدرات نووية إلا أن روسيا خالفت الاتفاق بغزو أوكرانيا والتهديد باستخدام الأسلحة النووية ضد من يتدخل فيما يسمى “بالعملية العسكرية الخاصة”.

وفي ذلك درس بليغ لكل قُطْر ألَّا يتخلى عن سلاحه وقدراته ويرهن أمنه القومي بيد أعدائه ، وهو ما جعل كوريا الشمالية لا تعبأ بأي تهديدات وماضية في تطوير برنامجها النووي ، وهو ما تسعى إيران لفعله أيضاً لعدم الثقة في وعود الغرب والمجتمع الدولي .

وقد أدركت أوكرانيا بعد فوات الأوان خطورة تخليها عن ترسانتها النووية ، فقد قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم – الذي رفضته الجمعية العامة للأمم المتحدة، واعتبرته غير صحيح.
فقد صرّح “بافلو ريزانينكو” عضو البرلمان الأوكراني لصحيفة “يو إس إيه توداي” بأنّه قد يتعيّن على أوكرانيا أن تسلّح نفسها بأسلحتها النووية إذا لم تقم الولايات المتحدة وقادة العالم الآخرون بإيقاف ما يحدث ، مضيفًا : “لقد تخلينا عن الأسلحة النووية بسبب هذا الاتفاق، والآن هناك شعور قوي في أوكرانيا بأننا ارتكبنا خطأً كبيرًا ، نحتاج في المستقبل إلى أوكرانيا أقوى من تلك الموجودة اليوم ، بغض النظر عن كيفية حل الوضع في شبه جزيرة القرم ، فإذا كان لديك أسلحة نووية فلن يستطيع الآخرون غزو بلدك” .
وبعد غزو روسيا لأوكرانيا والاستيلاء علي نسبة 20% من أراضيها .. قامت أوروبا ومن ورائها أمريكا بدعم أوكرانيا ، لكن دون جدوي ، وعندما عاد ترامب إلي البيت الأبيض قرر إنهاء الحرب في أوكرانيا بطريقته الخاصة معتمداً علي علاقته الخاصة مع بوتين مخالفًا سلفه الديموقراطي جو بايدن باعتبار أن استمرار الحرب في أوكرانيا قد يؤدي إلي حرب عالمية ثالثة علي حد زعمه . !
وبالأمس شهد “البيت الأبيض” مواجهة حادة بين ترامب وزيلينسكي ، فقد خاطب ترامب زيلينسكي قائلا : “بلادك في ورطة وأنت لا تنتصر في الحرب” مطالبا إياه بالموافقة على وقف إطلاق النار ، وإلا فإن واشنطن ستنسحب من تأييدها ومساعدتها له ، مطالبا إياه بمغادرة واشنطن والعودة حين يكون مستعدا للسلام ، لأنه بذلك يخاطر بتفجير حرب عالمية ثالثة” .
كما شارك نائب ترامب “جي دي فانس” في توبيخ زيلينسكي عندما قال : “إن زيلينسكي يروج لدعاية مغلوطة ،  وأنه لا يظهر الشكر للولايات المتحدة على مساعداتها له .
وانتهي الأمر بإلغاء المؤتمر الصحافي بين الرئيسين ومغادرة الرئيس الأوكراني البيت الأبيض مبكرا، كما تم تعليق الموافقة على “اتفاق المعادن” الذي كان ترامب قد اقترحه.
ويعتبر ما جرى في البيت الأبيض أمرا “غير مسبوق”، حيث لم يسبق أن تعرض رئيس دولة لمثل هذه الإهانة العلنية من قبل رئيس أمريكي ونائبه.
وظهر زيلينسكي في موقف لا يحسد عليه أمام ضغوط ترامب الذي قال له إن بلاده في ورطة وأنه لا يملك أوراق قوة دون الدعم الأمريكي : “هذا قلة احترام شديد لهذا البلد ، لست في وضع جيد لتملي علينا ، ليست عندك أوراق رابحة” ، فيرد زيلينسكي على ترامب بقوله : “نحن لا نقوم بلعبة ورق هنا” .
ورد زيلينسكي هذا يوضح لنا بجلاء أنه أفضل بكثير من ملوك ورؤساء عرب تعرضوا للتوبيخ ولم يستطيعوا الرد .
ومن هذه المواقف يتضح للجميع “أن المتغطي بأمريكا عريان” .
وما أصوب ما قاله الرئيس الباكستاني الشهيد محمد ضياء الحق رحمه الله : 
“من يتعامل مع أمريكا كالذي يتعامل مع الفحم ، لا يجني إلا سواد الوجه واليدين” .!!
د/عزالدين الكومي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق