الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

صفقة الكيماوي لإنقاذ الرئيس!!


صفقة الكيماوي لإنقاذ الرئيس!!
 ياسر الزعاترة

هل كانت زلة لسان من كيري حين طلب من النظام السوري أن يسلم أسلحته الكيماوية إذا أراد تجنب الضربة العسكرية، أم أن ذلك كان مدروسا، وثمة ترتيب ما مع الروس؟
لا إجابة حاسمة، إذ أن جزمه بأن النظام لن يفعل حين قدم العرض يدفع إلى القول إنها قد تكون زلة لسان، وهو ما أكده لرويترز مسؤول كبير في الخارجية الأمريكية، لكن الترحيب بالموقف الرسمي للنظام من قبل الخارجية نفسها يشير إلى غير ذلك.
وقد تعكس التصريحات المتناقضة حالة الارتباك التي تعيشها الدبلوماسية الأمريكية حيال الملف برمته.
على أن ما ينبغي أن نتذكره في هذا السياق هو البعد الإسرائيلي، ذلك أنه لو كانت لدى تل أبيب تحفظات على الضربة لما فكر فيها أوباما من الأصل، وإن كانت في شق منها حاجة داخلية له من حيث هيبته الشخصية كرئيس، وحاجة الولايات المتحدة لها أيضا لجهة هيبتها التي أصيب إصابات مباشرة منذ حرب العراق.
ما يريده الكيان الصهيوني من الضربة ليس إسقاط النظام على نحو يجلب الفوضى، فهو يفضل استمرار الاستنزاف على ذلك، وإن لم يمانع في تغيير ما؛ يأتي بنظام طائع ينضم لمنظومة الاعتدال العربية، ويساعد في دفع التسوية مع السلطة الفلسطينية قدما إلى الأمام.
وما يريده عمليا هو التخلص من الأسلحة التي تشكل خطرا عليه في حال سيطرت عليها قوىً جهادية من الصعب التكهن بطريقة استخدامها لها.
والأسلحة المقصودة هي بشكل أساسي الأسلحة الكيماوية والصواريخ بعيدة المدى ومنصات إطلاقها، فضلا عن الصواريخ المضادة للطيران، ولا شك أن السلاح الكيماوي هو الأكثر أهمية في السياق، لاسيما أن مخزون سوريا منها كبير كما يبدو.
بموافقة النظام على عرض كيري، وإن بصيغة مختلفة، يمكن القول إنه خلط الأوراق، وجعل الضربة في مهب الريح، مع أنها لم تعد مضمونة تماما بسبب الرفض الشعبي العارم لها، والذي يلقي بظلاله على مواقف أعضاء الكونغرس ممن قد يعارضوها رغم دعم اللوبي الصهيوني لها، والسبب أن ذلك لن يرتب على أي منهم عبئا خاصا في ظل الرفض الشعبي الواسع لها، والذي يزداد اتساعا، فضلا عن هوس الجمهوريين -الأكثر ميلا في العادة لخيار القوة- هوسهم باستغلال الموقف لإفشال أوباما، وتبعا له حزبه الديمقراطي.
هكذا، ورغم أن اللوبي الصهيوني قد تحرك عمليا، إلا أن الشكوك حول موافقة الكونغرس لا تزال قائمة، ويبدو أن الموقف سيغدو أكثر تعقيدا في حال اعتبرت واشنطن عرض النظام غير كافٍ، لاسيما أن ما طلبه كيري هو تسليم الأسلحة، وليس وضعها تحت الرقابة، لكن بان كي مون ما لبث أن طور العرض إلى وضع اليد عليها تمهيدا لتدميرها، وهو ما لن يمانع فيه النظام كي ينقذ رأسه من الضربة رغم أن كل المؤشرات لم تقل إنها تستهدف إسقاطه.
البيت الأبيض شكك بموافقة النظام، وفيما رحبت به فرنسا جزئيا، وبريطانيا وألمانيا أيضا، فضلا عن الصين وإيران، والأرجح أن تتوالى تصريحات الترحيب من آخرين، الأمر الذي سيحشر أوباما في الزاوية وقد يؤثر على الكونغرس، لاسيما أن نداءات المناشدة له برفض الضربة قد توالت من جهات كثيرة، وفي مقدمتها بابا الفاتيكان وسواه.
وها هو تأجيل زعيم الأغلبية الديمقراطية لخطة التصويت على الضربة التي كانت مقررة اليوم الأربعاء، واعتراف أوباما بأنه ناقش مع بوتين في قمة العشرين احتمال حل سياسي في سوريا، يشيران إلى إمكانية نجاح الصفقة أيضا.
 ويبقى السؤال: هل ستكون الصفقة حكرا على الكيماوي بما يفضح جوهرها كخدمة للكيان الصهيوني، أم ستشمل تسوية للأزمة برمتها تحقق الحد المقبول من مطالب الشعب السوري؟!
سيظل المشهد غامضا بكل تأكيد حتى انجلاء الموقف برمته، لكن رحلة وضع اليد على السلاح الكيماوي إن انطلقت لن تمر بسهولة، لاسيما أن هناك حديثا عن مفاعل ذري أيضا، وسيضطر بشار إلى فتح البلاد أمام المفتشين مستعيدا قصص صدام حسين.
على أن الأكثر إثارة للسخرية في الحكاية برمتها هو ذلك المتمثل في تلك الاستجابة السريعة من قبل النظام لعرض كيري الذي نقل إليهم عبر لافروف، ما يعني أن النظام يبدي استعدادا لشراء مصيره بأي ثمن، الأمر الذي يذكرنا بحدث رامي مخلوف لنيويورك تايمز العام الماضي، وعروض بشار غير المباشرة للغرب.
ماذا سيقول الشبيحة الثوريون في وصف ما جرى؟
سيقولون، وقد قال عدد منهم بالفعل، إن موقف النظام كان في منتهى الذكاء، وأنه قطع الطريق على الأعداء الساعين لتقسيم سوريا وتدميرها (ماذا أبقى المجرم منها؟!).
سيقولون ذلك رغم أن بعضهم كان يبشرنا بهزيمة لأمريكا تكون مقدمة لهزيمة الكيان الصهيوني، ولا ندري لماذا فوتوا على الأمة هذا الانتصار العظيم بهذه الاستجابة الصبيانية السريعة؟!!
هكذا سيكون من حق الشعب السوري أن يردد بصوت عالٍ مقولة الشاعر: “أسد عليَّ، وفي الحروب (في مواجهة أمريكا والكيان الصهيوني) نعامة، ربداء تجفل من صفير الصافر”.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق