اسم المؤلف : | د. سلمان بن فهد العودة |
اسم الكتاب : | لو كنت طيراً |
صفحات الكتاب : | 0 صفحة |
دار النشر : | مؤسسة الإسلام اليوم |
سنة النشر : | 1432 هـ |
نوع الكتاب : | غلاف |
تعريف بالكتاب
عرض/محمد وائل
الحرف أوّل شرارات النور، والكلمة أولى درجات التغيير، وقدرٌ من البوح يعيد للنفس توازنها، والطيور حينما تغرد فإنها لا تكترث بطلقات الصيادين أو تعبأ بمناطق الحظر الجوي، أو تخشى مشانق التقاليد، ومعتقلات الأعراف، وأسلاك السياسة الشائكة.
هذا المعنى يظل ماثلاً أمامك وأنت تتنقل بين صفحات كتاب "لو كنت طيراً" للداعية الدكتور سلمان بن فهد العودة؛ بحيث تجد نفسك أمام لغة جديدة، تقتحم بك مناطق أبعد من تلك التي يعهدها الناس عادةً.
وحينما يخاطبك الكاتب بقوله: "لا تكبت عواطفك، فقَدْرٌ من البوح هو متنفس للأحزان" .. فإنه يبرز أمامك فكرته من هذا العمل الجديد؛ بحيث يدرك القارئ للوهلة الأولى أنّه ليس أمام عمل نقدي يتناول ظواهر الحياة بقدر ما هو أمام تجربة تنتمي لما يعرف بـ"فن البوح".
الكتاب ـ الذي يقع في 266 صفحة ـ هو خلاصة تغريدات عام مضى تم انتقاؤها بعناية شديدة، بحيث حملت في مجملها طابع الحكمة أو الدرس أو العبرة، حافلةً بالحب والحنان والجمال والأمل والمستقبل والسعادة، مغردةً في الجانب الآخر عن الإرهاب والاضطراب والظلم والخوف.
بين القارئ والكاتب
اعتبر الشيخ العودة أنّ تغريداته ليست نتاجاً فكرياً له فقط وإنما لكل متابعيه الذين ساهموا في صياغتها عبر تفاعلهم معه وتجاربهم التي ألهمته كتابتها في إطارها الأدبي والفني الرشيق، مستهلاً مقدمة كتابه بالتأكيد على أن المضمون جاء بالشراكة بينه وبين القارئ الذي خاطبه في تغريدته الأولى قائلاً: "بعد أكثر من عام.. كانت الشراكة وميثاق هذا الكتاب نقطة بدء..الحرف الأول.. الكلمة الأولى.. وما قبل السطر الأخير.. نغزل الجملة وأختها.. الفكرة وشقيقتها.. الجدول والنهر..السهل والبحر..وأحيانًا..الخطأ.."
بوحٌ منضبط
وإذا كانت التجارب العالمية التي ألقت بظلالها على إبداعنا العربي تعتبر البوح بكافة أشكاله الأدبية لا يجب أن تقيده القوانين ولا تحده ضوابط الشرع فإن تغريدات الدكتور سلمان اتخذت من هذه الضوابط الشرعية منطلقا لها وليس تقييداً، فهو لا يجد حرجاً في أن يغرد عن الحب ـ مثلاً ـ باعتباره ليس حرامًا ولا إثماً ولا عارًا يُخجل منه أو يُستر، وإنما الشأن في ضبطه "واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه" بل ويعتبره "سكينة الروح قبل ثورة الجسد وبعدها"، مقتحماً ظواهره التاريخية بروح الأديب حينما يغرد : "الحرمان يصنع للحب تاريخاً ..قيس وليلى.. وروميو وجولييت".
البوح المنضبط والمنفتح، في ذات الوقت، هو رسالة الشيخ سلمان العودة دون إخلال بمضمون الإبداع أو تقييد لجماليات الكلمة. والنفس تحتاج في كثير من الأحيان إلى من يعبر عنها ليس بالضرورة في مواقف الألم أو الحزن أو اليأس وإنما أيضاً في لحظات السعادة أو الفرح أو الأمل، كما هو الحال في الكثير من تغريدات الكاتب.
الكلمة دواء
يعتبر الدكتور العودة البوح ـ حتى ولو كان بشكل غير مباشر ـ أهم أشكال علاج النفس والترويح عنها، وحينما يقول: "كبت المشاعر يسبب الألم العاطفي والقلق.. حاول أن تبوح لصديق عاقل لديه أذن تسمعك؛ فإن لم تجد فاكتب دون سرد التفاصيل"؛ فإنه يؤكد على أهمية الكلمة في صياغة مفهوم التوازن النفسي من خلال التعبير أيا كانت صوره أو أشكاله.
و يرى أن أعظم أنواع البوح هو ما كان مرتبطاً بمناجاة الخالق ـ جل وعلا ـ ضمن أهم أشكال علاج النفس وضمان توازنها .. "في سجودك بُح له بما يعلم من معاناتك وآلامك ونصبك وأحزانك، واطلب الصفح والتجاوز عن زلاتك مهما عظمت؛ فهو أعظم وأكرم".
ليس حياءً
لكن البوح لا يكتمل إلا إذا عبّر عن كل مكنونات النفس دون حرج أو حياء، حتى ولو كان المجتمع قد فرض عليها سياجا من التقاليد والأعراف التي تقيدها أوتعتبرها جرماً لا مبرر له.
وبنظرة الفقيه، يرى الدكتور العودة أنّ كثيراً من التقاليد فرضت ثقافة الكبت وحرمت مجرد الكلمة في كثير من الأمور دون الالتفات إلى الحاجة الملحة لها في بعض الأحيان، فعلى سبيل المثال يقول الشيخ سلمان في إحدى تغريداته التي جاءت ضمن حديثه عن "الزواج": "مؤلم أن يتجاهل أهلك احتياجاتك العاطفيّة والجسديّة، ويظنوا أن توفير المادة يكفي، ليس ضد الحياء أن تحدثيهم عن الزواج؛ فهو سنة الأنبياء وصنعة الله الذي أتقن كل شيء".
وإذا كانت تغريدات "العودة" لا تخلو من البوح العاطفي والفكري والحكمة فإنّها أيضا تتضمن الطرفة والفكاهة تلك التي توجه العقل والعاطفة إلى هدفهما المنشود حينما يقول مثلاً في ذات الموضوع: "رمى عملة معدنية قائلاً: إن وقعت لوجهها سأذهب لصديق، وإن وقعت لظهرها سأذهب لنزهة، وإن وقفت على رأسها سأبيت مع زوجتي".
و تنساب الحكمة ببراعتها في الإيجاز وحسن التعبير حينما يتحدث عن أن مكوّني الجنس البشري لا غنى لأحدهما عن الآخر، معتبراً أن الرجل والمرأة معاً ضمانٌ لعدم اختلال العالم أو موته: "المرأة قلب العالم والرجل عقله، وإذا انفصلا فهو الموت أو الجنون".
سعادة
المتأمل لما كتبه الدكتور العودة في تغريداته يجد، في شموليتها ووصفها وتركيزها على ربط الواقع بالقيم السامية وإبراز التجارب الإنسانية المختلفة، شكلاً جديداً من أنماط الدعوة في نفس الوقت، فهو يعتبر ـ مثلاً ـ أن معاني الجمال والسعادة لا تتحقق إلا لمن أدرك معنى الإيمان بجوانبه العقلية والعاطفية، وهو المعنى الذي يلخصه في قوله: "مناجاة الله ولو لثوانٍ تمنحني طاقةً هائلة لا تُقدّر بثمن، أجدها حين أحتاجها في المصائب والملمات، وفي مدارج الحياة العادية، وأجدها حين تواتيني فرصة للسعادة والهناء؛ فيهجم وحش كاسر من الخوف أوالذكرى؛ لينغص عليّ سعادتي، فأجدُ ربي يمنحني الحماية والرضا والعطف، ويمنحني الفرصة بعد الفرصة حتى أكون سعيدًا".
عاطفة
لم يفت الشيخ العودة أن يكرس جزءاً من الكتاب ليتناول الحديث عن المرأة وحقوقها وعناصر تميزها وأهم المشكلات التي تعانيها في مجتمعاتنا الشرقية، إضافةً إلى الحديث عن احتياجاتها العاطفية التي تجور عليها في كثير من الأحيان تقاليدنا الشرقية .
فحين يتحدث عن أهم خصائصها يقول إنّ "المرأة أقدر من الرجل على السعادة حين تجد أسبابها، وأسرع منه للكآبة حين تجد أسبابها". وكأنه يلفت إلى أن المرأة قانعة في أسباب سعادتها بل ربما تكفيها مجرد كلمات قليلة.
وحينما يغرد عن السعادة يقول "ليست السعادة مخزونًا ماديًّا ينضب كلما أخذنا منه، بل هي خبرة تزيد كلما عشناها أكثر". ويقدم نصيحته قائلاً "في صبيحتك تنفَّس هواء التفاؤل، وأرسل تحيَّة الصباح لأصدقائك مصحوبة بدعوات جميلة، وحاول ألا يمر اليوم إلا وقد صنعت إحسانًا لأحد ولومرة.. راقب مؤشر السعادة في قلبك".
ثورة
وإذا كانت تغريدات الثورة قد تغيبت بشكل ملحوظ بالرغم من متابعة الكاتب الدائمة والمكثفة وتفاعله مع أحداثها بشكل كبير، فإن الكتاب، في نفس الوقت، لا يخلو من شذرات هنا و هناك تستخلص بعض نتائج الصراع المحيط بالثورات العربية، فيعتبر مثلاً أنّ "الثورة سفينة فيها البر والفاجر، وخرقها هلاك لهم جميعًا، ومن خرقها الصراع المبكر على غنائمها ومواقع القيادة فيها!".
ويقول في تغريدة أخرى: "حصاد الثورة يجب أن يكون شيئًا مختلفًا تمامًا عن حالة العسف، والطغيان، والاحتكام إلى القوة، والأنانية، وفرض الأجندة الخاصة.. كما كان يحدث في ظل أنظمة القمع السابقة.. الثورة حدثت لتغيير الأوضاع، وليس الأشخاص".
يُضحك من الموت
"يقول طفلي وهو يتعلم كيف ينطق: رأيت مقطع باليوتيوب يُضحك من الموت!" ربما تتجاوز هذه التغريدة مفهوم الطرفة، فهي تحمل مفارقة في غاية التأثير والروعة، بحيث تأخذك إلى ممارسات المذابح والظلم في العديد من أقطار العالم. تلك التي تسجلها لحظة بلحظة كل الوسائط الإعلامية الحديثة وأصبحت متاحة بشكل كبير لكل فرد على هذه الأرض.
كلمة
التغريدات تتميز بأسلوبها الأدبي، وتركيزها للفكرة في كلمات قليلة، واحتوائها على الحكمة والمفارقة، وسلاستها في الصياغة، إلى جانب توصيفها الدقيق لخارطة الانفعالات والمشاعر الإنسانية.
عشرات المعاني التي غرد فييها الدكتور العودة منتقلا بالقارئ من غصن إلى غصن ، ومن زهرة إلى أخرى، معتبرا أن البوح أوّل درجات التغيير، وإذا كانت الحرب العادلة ـ عنده ـ تصنع السلام , فإنّ "الطلقة الأولى ...كلمة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق