الأحد، 7 ديسمبر 2014

البابا ، السينودس والمسيحية

البابا ، السينودس والمسيحية
أ. د. زينب عبد العزيز 
أستاذة الحضارة الفرنسية

بعد أسبوعين من المناقشات المحبطة، إنتهى السينودس الخاص بالأسرة فى الفاتيكان ، بالموافقة على التقرير النهائى، الذى تم التصويت عليه يوم 18 أكتوبر 2014، دون التوصل إلى إتفاق عام حول المطلقين المتزوجون ثانية، وحول الشواذ، وحول العلاقات الجنسية خارج شرعية الزواج.

كما تم تناول موضوعات أخرى مثل العنف المنزلى والصور الإباحية والفقر وخاصة الزيجات من عقائد مختلفة، التى تمثل نوعا من إبتعاد الأتباع عن الكنيسة.
وتستخدم الوثيقة لغة جديدة وهى تطالب بالنظر بعين "العطف والإعتبار" إلى الموضوعات الثلاثة الأولى. وقام الآباء المشاركون وعددهم 183، بالتصويت على كل فقرة ، وتمت طباعة النص بناء على طلب البابا فرنسيس. 

وقبل إنتهاء السينودس، أعلن البابا أنه مطمئن إلى أن العام القادم، عند إنعقاد السينودس، الذى سيمتد ثلاثة أسابيع من 4 إلى 25 أكتوبر 2015، "سيسمح بنمو نوعٍ من النضج الدينى، وأن الأفكار المقترحة سيتم التوصل إلى حلول جذرية لها، سواء بالنسبة للمصاعب أو للتحديات التى لا تحصى" ، وكان ذلك ردا على تعليق الكاردينال بورك، الذى أكد قائلا : "أنه يمكن أن يتم رفض النص [قرارات السينودس] إن لم يتم سحب التأكيدات التى لا يمكن قبولها حول العلاقات الجنسية خارج شرعية الزواج أو بين أشخاص من نفس النوع".

وفى واقع الأمر لقد سمح السينودس للبابا بأن يجس نبض الأساقفة حول الإجابات المطلوب تقديمها لتحديات الأسرة، دون المساس بقانون عدم فك رباط الزوجية، وأن يرى قوة المعسكرات الموجودة، سواء المؤيدة أو المعارضة لهذه التعديلات، التى ستتم مناقشاتها خلال السينودس القادم لصياغة الإقتراحات.
وسوف يتم تسليم القرارات النهائية إلى البابا، الذى ستكون له الكلمة العليا، كالمعتاد، بما أن الأمر يتعلق "بالتوصل إلى حلول جذرية" وليس رفض المقترحات.
وحقيقة، إن النص الصادر بين السينودسين لا يصر بما فيه الكفاية على أن الكنيسة لا تعترف إلا بشكل واحد فقط للزواج هو : بين رجل وإمرأة ؛ وأن الكنيسة تواصل السير نحو تقبل المطلقين المتزوجون ثانية لتناول الإفخارستيا ؛ أو تقبُل الفقرات الثلاث المتعلقة بالشواذ.
ولم يكن ينقص سوى بضعة أصوات ليتم قبول ذلك التقرير والحصول على أغلبية الثلثين المطلوبة لقبول الشواذ وإبتداع نوعا من الطلاق الكنسى !
وهنا لا يمكن إلا أن نتساءل : هل هذا التقرير كان بالفعل بمثابة نص متضارب المعنى أم هو بالونة إختبار ؟!

وفقا لعديد من الخطب والتعليقات ، يمكن القول أن البابا فرنسيس، منذ عدة أشهر، يسعى حثيثا لهذا التغيير وقد ركز إهتمامه على قضايا تؤدى إلى الإختلاف. فهناك مسافة شاسعة بين آباء السينودس وبين ذلك التقرير المرحلى.
 إذ توجد به عبارات من قبيل "ان العلاقات الجنسية بين الشواذ لها جانب إيجابى"، أو أن هؤلاء الأشخاص "النحسين"، وفقا لتعبير القديس بولس، "لديهم أشياء يمكن أن يعلموها لنا"..! فكيف يمكن إضفاء فعل إيجابى لفعل نجس وغير طاهر ؟! 
ومن أجل تمهيد الطريق لعملية الإلتفاف الكبرى للكنيسة حيال النصوص المقدسة والتغاضى عنها، فإن البابا قد قام بفصل عدد من المسئولين المخالفين فى هذا السينودس الفاضح حول الأسرة، ومنهم الكاردينال إردو والكاردينال بورك، ثم بعد فترة كثرت فيها التعليقات، قام بتعيينهما ضمن آباء السينودس القادم !
 أما مصير الكاردينال كاسبير ، الملقب بعبارة "حانوتى العقيدة والأخلاق" ، بما أنه لا يتردد ، عند الضرورة ، من تحريف تاريخ الكنيسة ونصوصها وفقا للضرورة ، فلم يتم تحديده بعد.

ومن كل هذه المواقف غير المسئولة حيال الأتباع ، فإن قبول أهداف ومطالب البابا برجوليو سيجعل الكنيسة تبدو تافهة السطحية أو أنها توفق أوضاعها ونصوصها بين الدين والمطلوب منها ، كما سيعنى إنكار معصومية الكنسية والبابوات من الخطأ ، ويتهم بابوات القرون الأولى بالخطأ فى كل قراراتهم ، بما أنه يتم تعديلها أو تغييرها وفقا للأهواء.. لكن ، فى واقع الأمر ، ما الغريب فى هذا الموقف، أى أن نرى عقيدة الأخلاق والإيمان وقد أطيح بها أو حتى قد تم نسفها ؟ ألم يسبق لمجمع الفاتيكان الثانى أن أطاح بواحد من أهم دعائم المسيحية بتبرأة اليهود من دم المسيح ؟!

إن التناقض مع النصوص المقدسة لا يبدو بدعة جديدة بما أن القديس بولس ، مؤسس المسيحية الحالية ، يتهم فى خطابه الأول إلى أهل كورنثيا الشواذ والمخنثين ، ورغمها يحاول البابا تخطى هذه الإدانة ؟؟ إن عملية الإطاحة بالنصوص المقدسة وما تنص عليه ليست مسألة جديدة على الإطلاق ، بل أنها تبدو عملة رائجة طوال التاريخ الممتد لهذه المؤسسة الفاتيكانية..

وإذا ما كان بعض هؤلاء الآباء البؤساء فى السينودس يسخطون من رؤية مبادئ الكاثوليكية يُعبث بها أو حتى رؤية الكنيسة التى سوف تطيح قريبا بقوانين الحصول على الإفخارستيا ، أو يخشون من إنهيار بنيان الكنيسة بالكامل فى حالة إنفتاحها على قضية المطلقين والعلاقات الحرة خارج شرعية الزواج أو الشواذ جنسيا ، لا يمكننا إلا أن نتساءل بوضوح : هل قامت الكنيسة ، طوال تاريخها الممتد لألفى عام ، بشئ آخر سوى تغيير وتحريف وتبديل النصوص أو التناقض فى مواقفها ؟! وإلا فمن أين أتت كل تلك الإنقسامات العقائدية التى وصلت إليها المسيحية ، فهى لم تتوقف عند البروتستانتية أو الأرثوذكسة وإنما تفتت إلى 349 مذهبا وتشعبا كنسيا عقائديا تمثل إجمال أعضاء مجلس الكنائس العالمى !!

لذلك ، فإن السؤال الأساس الذى يجب طرحه هو : هل هناك بين المسيحيين من يجرؤ على إبطال أو رفض دساتير وقرارات مجمع الفاتيكان الثانى صراحة وعلنا ، أو حتى إنتقاد كتابات وتصريحات بابوات ما بعد المجمع الفاتيكانى الثانى ؟ لأن ثلاثتهم أتوا أو لم يتم إنتخابهم إلا للقيام بتنفيذ قرارات مجمع الفاتيكان الثانى الذى قام اليهود بإختراقه عن طريق الكاردينال بيا وشركاه ليملوا مطالبهم.

إن هذا السينودس حول الأسرة هو بمثابة دليل قاطع يثبت صحة مواقف كل الذين حاربوا وقاوموا إنحرافات الكنيسة وكل ما قامت به من تحريف وتلاعب، منذ قبل عصر التنوير بكثير ، وأنهم كانوا جميعهم على حق ، كما أنه يثبت فى نفس الوقت أن مجمع الفاتيكان الثانى لم ينعقد إلا للإطاحة بكل ما وُجه إليه من إنتقادات وإتهامات بالأدلة القاطعة ، وليدفن كل هذه الإدانات فى وادى النسيان ، بالتمويه عليها بعملية تنصير العالم الذى فرضها ذلك المجمع على جميع الأتباع وعلى جميع الكنائس..

25 نوفمبر 2014 
 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق