الجمعة، 30 سبتمبر 2016

لماذا أصبحت حلب...ورطة للعجم والعرب..؟! ) [١]

لماذا أصبحت حلب...ورطة للعجم والعرب..؟! ) [١]


د. عبدالعزيز كامل
30/09/2016 02:37
(أولًا - على مستوى الحلف الأمريكي) :

حلب صارت ورطة، لأن مصير المعركة فيها سيؤثر على مصير الصراع كله في سوريا، وربما ماحولها، فهدف أمريكا النهائي في سوريا أن تبقى كغيرها من بلاد الثورات العربية دولة علمانية "عسكليبرالية" تظل تدور في الأفلاك الصهيوصليبية، دون أن يكون فيها مكان للإسلاميين..متشددين أو معتدلين، ولهذا لن ترضى أمريكا أن تظل سوريا ذيلا ذليلا في تحالف روسيا الطامحة أو إيران الجامحة.

وهي ورطة لأن سقوط حلب في يد بشار عميل روسيا وإيران سيكون بالنسبة للأمريكان هزيمة سياسية وعسكرية في ميدان صراع مفتوح زمانيًا ومكانيًا، بما قد يتطور إلى صدامات ومواجهات عالمية، لم تعد أمريكا نفسها لها، لاعسكريًا ولا سياسيًا ولا اقتصاديًا.

ولأن الفصائل المجاهدة المتمركزة في شرق حلب، والتي تضطر امريكا لدعمها والانتصار من ورائها - وعلى رأسها جبهة فتح الشام (النصرة سابقًا) لاتزال مدرجة على لائحة منظمات الإرهاب الأمريكية - ومن ثم العالمية- رغم إعلانها الانفصال عن تنظيم القاعدة، وبهذا تضطر أمريكا بهذا الدعم اللازم أن تظهر في صورة راعية "للإرهاب"في نظر العالم .. رغمًا عنها..!

وحلب ورطة لأن هذا الدعم العسكري الأمريكي الاضطراري اللازم، لن يكون نافعًا أو ناجعًا إلا إذا كان إمدادًا بصواريخ (مان باد) المضادة للطائرات، حيث لاتكفي صواريخ (تاو) الأمريكية أو (لاو) الفرنسية التي تصل إلى بعض فصائل المجاهدين بالفعل منذ سنوات دون أن تستطيع حل إشكال الاستباحة والاجتياح الجوي الروسي هناك .

ولأن وصول هذه الأسلحة المتطورة المضادة للطائرات إلى ساحة الجهاد في الشام، لايمكن أن يكون مأمون العواقب لأمريكا وحلفائها، حيث يمكن حملها في حقائب السيارات الصفيرة، واستعمالها في إسقاط الطائرات التي ترتع في سماء سوريا وماحولها لمختلف الأطراف المتورطة هناك، سواء كانت طائرات عسكرية أو مدنية !

ولأن أمريكا التي لم تعد قادرة على القتال إلا من وراء الجدر المحصنة جويا - بعد خسائرها الفادحة الفاضحة في أفغانستان والعراق - لاتجرؤ على إنزال قوات برية، للحسم على الأرض السورية، أسوة بما تقوم به بكل جبروت وعناد كل من روسيا وإيران، ولهذا ستظل محتاجة لهذ الدعم غير مضمون العواقب للمجاهدين السنة الذين تتظاهر بصداقتهم وتسميهم (الفصائل المعتدلة) !

أن قدرة أمريكا على اتخاذ القرارات وإحكام السياسات في هذه الإشكالات المصيرية، تظل ناقصة، لأن "بومة" أمريكا الراحلة قريبا : (أوباما) ليس أمامه سوى التاهب للرحيل تاركًا أمريكا تدبر أمرها بنصف عقل مع كلينتون أو بلا عقل مع ترامب..!!

..........

(يتبع..)

هُويَّة

هُويَّة


     الجمعة 29 ذو الحجة 1437 الموافق 30 سبتمبر 2016    


إذا كان من المسلَّم أن المسمى له حظ من اسمه، فما السر في تسمية آدم ومن بعده بـ(الإنسان)؟

*
أهو مشتق من الإيناس بمعنى الإبصار كما في قوله تعالى: {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} (10:طـه) أي: رأيت عن بُعد، ومنه (إنسان العين) أي: سوادها، وعليه فالإنسان هو الظاهر المرئي المشاهد، وليس المتخفِّي كالجن والملائكة؟

*
أم مأخوذ من الأنس، وهو ضد الوحشة، فالإنسان كائن اجتماعي يأنس ويؤنس به، وبوجوده أنست الأرض والنبات والجماد: « أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ »، وكأن وجوده باح بسر هذه المخلوقات وفتق معناها؟

والمتشائمون يقلبون المعاني الإيجابية إلى ضدها فيقول قائلهم:

الإنسُ مشتقٌ من الإِنسِ *** والحزم أن تنأى عن الإِنسِ!

ثيابهم مُلس ولكنها *** على ذئاب منهم طُلس

والذئب الأطلس هو المائل إلى السواد، يقصد: احذر من الناس فهم كالذئاب..

وعادةً من يطلقون هذه الأحكام السلبية يستثنون أنفسهم وكأنهم ليسوا من فصيلة الآدميين!

* أم مأخوذ من النسيان {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} (115:طـه)، كما اختاره ابن عباس والمعرّي والكوفيون، ومع أن النسيان استثناء إلا أنه يثبت القاعدة الأصلية في ذاكرة آدم وعقله وحفظه، كما قال الشاعر:

وما سُمِّي الإنسان إلا لنَسْيِه *** ولا القلب إلا أنه يتقلَّبُ

وقال أبو الفتح البستي:

يا أكثر النّاسِ إحساناً إلى النّاسِ**وأكثر النّاسِ إغضاءً عنِ النّاسِي

نسيتُ وعدكَ والنِّسيانُ مُغْتَفَرٌ ** فاغفِرْ فأوَّلُ ناسٍ أوَّلُ النّاسِ

ثَمّ ميّزة أخرى لآدم في وعيه وذاكرته وعقله الظاهر والباطن..

* أم مشتق من النوس وهي الحركة، فالإنسان كائن مكتنز بالطاقة مندفع إلى الحركة حتى وهو طفل؟

التكليف بمهام الخلافة متسق مع هذه الصفة الفطرية.

* ولعله لكل ذلك سمي إنساناً:

1- فالله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، وقامته المنتصبة وأطرافه ومفاصله تميزه عن سائر المخلوقات، وفي تفسير {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} (4:البلد)، قال ابن عباس، وعكرمة، وإبراهيم النخعي، والضحاك، ومجاهد، وغيرهم ما محصله: خلق منتصب القامة معتدلاً قائماً على قدميه.

ولعل هذا لا يعارض المعنى الآخر للآية الذي هو: الشدة، والعناء، والنصب، والتعب، ومقاساة الشدائد.

فطبيعة الخلق الإلهي لهذا المستخلف لا بد أنها متناسبة مع التكليفات والمهام والمصاعب التي يلقاها.

الكَبَد ليس رديفاً للاكتئاب والتشاؤم والإحباط كما يظنه قوم.

2- والدماغ هو أعقد أجزاء الإنسان، وهو المسؤول عن معظم العمليات الذهنية؛ كالتفكير، واللغة، والتعلم، والوعي، والانتباه، والتخطيط، واتخاذ القرار، وحل المشكلات، والإدراك الحسي.. وهو يحرك القامة والأطراف ويتحكم فيها.

حتى العمليات العاطفية والنفسية متصلة به، فضلاً عن التعقل والحفظ والنسيان.

3- ولأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه فهو قادر على تنظيم العلاقات بدءاً من الأسرة وانتهاءً بالأمة مروراً بالتشكلات الفكرية والاجتماعية والصداقات.

4- ولذلك فالإنسان كائن حضاري منذ البداية، ويعرف الناس حضارات ما قبل التاريخ وآثارها؛ كبرج بابل، وبوابة عشتار، وحدائق بابل المعلقة.. وفي (عُمان) كان المرشد يشرح لنا حول آثار هناك ويعزو بعضها لفترة ما قبل التاريخ.

5- العواطف والمشاعر من مميزات السلوك البشري؛ الحب والغرام، والحقد والكره، والغضب والرضا، يضحي الإنسان حتى كأنه يفنى عن ذاته، ويخون حتى كأنه بلا ضمير، يحب حتى الثمالة، ويكره حتى المقت، ينغمس في الحياة إحساساً بالجمال وتذوقاً لتجلياته، وإبداعاً لفظياً وحركياً، ويتنكَّر للحياة فيتحول إلى وحش كاسر يقتل الملايين بلا رحمة في حرب عمياء ليس لها معنى.

6- كلمة (الإنسان) أساس المشتركات الفطرية بين البشر، فهي حتمية الرعاية لأنها الصبغة الأولى قبل أن يطرأ أي إضافة أو تعديل أو لون آخر!

الطعام، والشراب، والماء، والهواء، والسكن، والأسرة، والملبس، والأمن، والحلم، والعدالة، والأخلاق، والبيئة.. مطلب لكل إنسان.

القواعد والأعراف المرعية لدى جميع شعوب الأرض في تنظيم الزمن وتقسيمه وخبرات الحياة المتراكمة هي موروث إنساني مشترك.

وللأستاذ راغب السرجاني كتابٌ حافل سماه: (المشترك الإنساني).

- يتكلّمون عن الإنسان بمعزل عن الله ويزعمون أنه اخترع الأديان لإشباع حاجاته، وهم بذلك يلغون الإنسان ذاته: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (19:الحشر).

الإيمان بالله هو الحرف الأول في أبجدية الإنسان وهويته، ومن دون الإيمان لن يستطيع أن يعرف ذاته ولا أن يعيش حياته، وكما قال الراحل "عبد الوهاب المسيري": إن عبارة نيتشه التي تتحدث عن موت الرب (تعالى الله) تؤدي إلى موت الإنسان، فإن نسيت الله أو قتلت فكرة الإيمان فأنت تقتل الإنسان والطبيعة؛ لأن الإنسان إنسان بمقدار ما يحوي داخله من مقدرات غير طبيعية وغير مادية، ولا بد أن يكون مصدرها غير طبيعي وغير مادي، أي مصدرها الله وحده.
كلمة (الإنسان) تمثِّل وحدة الجوهر الإنساني وأصل المساواة بين البشر، القيمة الإنسانية أسبق وأثمن من الإضافات والإلحاقات المادية الطارئة.

الانتماء للإنسان لا يتنافى مع انتماءات أخرى لملة أو مذهب أو تيار أو وطن أو قبيلة أو عائلة، الانتماء الإنساني يُرَشِّد الانتماءات الداخلية ويضبطها ويفتح لها ميادين التعارف والتفاهم والحوار.

كل فرد في المجموعة الآدمية يملك أن يبتكر تعريفاً للإنسان يتكئ على تجربته الحياتية الخاصة أيّاً كانت، وتجربتي الخاصة ألهمتني أنني أكون أعمق إحساساً بإنسانيتي كلما كنت أقرب إلى الله، وكلما وقفت بين يديه وتنصلت إليه والتمست فضله ورحمته، تلك لحظة أكون فيها أقرب ما أكون انسجاماً مع نفسي، وانتماءً لأسرتي وأصدقائي والناس أجمعين، وإدراكاً لمعنى الحياة وسرها.

تجربة شخصية مع شيمون بيريز

تجربة شخصية مع شيمون بيريز

    شهداء قانا 96: بيريز مر من هنا     
 وائل قنديل
من بين كل السفاحين الصهاينة، يحظى شيمون بيريز بمكانة خاصة لدى كاتب هذه السطور، ليس فقط لكونه الأكثر شراسة ووضاعة في قتل العرب، وإن منحوه لقب "حمامة سلام" في ما بعد، وإنما لأنه الوحيد من القتلة الذي رأيت جثث ضحاياه، بالعين المجرّدة، وكان وراء اختيار اسم طفلتي الأولى.

وصلت إلى قانا في الجنوب اللبناني، مبكّراً في أحد صباحات إبريل/ نيسان 1996 في أول تجربة صحافية لي في تغطية الحروب.. كان العمل لم ينته بعد في جمع أشلاء 106 شهداء، قتلهم رئيس الوزراء الصهيوني، داخل ملجأ تابع للأمم المتحدة، فرّوا إليه هرباً من قصفٍ مجنون شنّته الطائرات الإسرائيلية، في عدوان عناقيد الغضب.

لا تختلف ملامح قانا عن ملامح أية قرية مصرية، أو عربية زرتها، هكذا قلت لمجموعة من الزملاء اللبنانيين، الجرح واحد والألم واحد، فلماذا لا تكون طقوس الحزن واحدة؟

رأيت أنياب شيمون بيريز مغروسةً في تفاصيل الوجوه المكلومة من ذوي الشهداء، كان الجرح أعمق من كل ما قرأت عن جرائم العصابات الصهيونية، منذ هبطت على أرض فلسطين، وجدت كل المذابح التاريخية المدوّنة في الكتب ماثلة أمامي، بثاً حياً مباشراً في قانا، فاستقر شيمون بيريز في صدارة ترتيب المجرمين داخلي.

على أرضية الملعب الرياضي في مدينة صور، تجمع عشرات الآلاف من البشر في وداع الشهداء، وقفت أمام كل كفن، وصببت اللعنات على بيريز، القاتل الأول، والمجرم الأول في التاريخ الصهيوني الملطخ بالدم.

قبل مجزرة قانا، كانت هناك مذبحة سيارة الإسعاف في قرية المنصوري، وكان رأس أصغر الشهيدات، حنين عباس جحا، يتدلى من نافذة السيارة التي لم يمنع وجود علم الأمم المتحدة والصليب الأحمر عليها صاروخاً انطلق من مروحية إسرائيلية، تعقبت السيارة التي تقل الهاربين من القصف، قتل جميع من فيها، وبقيت صورة رأس حنين مغطىً بالدماء، تحاول النقر على زجاج ضمير العالم.

كنت أنتظر مولودتي الأولى في ذلك الوقت، فاخترت لها اسم حنين، ليسجل بيريز حضوره في حياتي الخاصة أيضاً.
الأكثر إيلاماً من وحشية القاتل الذي رحل هي تلك الهرولة الرخيصة من الرسميين العرب إلى جنازته، وتسابقهم في تدبيج نصوص العزاء والمواساة في صقر المذابح الذي يعتبرونه حمامةً، ويذرفون الدمع على السلام من بعده.

يستوي هنا المهرولون إلى الجنازة بالجسد، مثل محمود عباس، الذي هو صنيعة "أوسلو" التي هي صنيعة شيمون بيريز، أو الراحلين بالقلوب إلى قدسنا المحتلة، قبل موت السفاح وفي أثنائه وبعده، مثل عبد الفتاح السيسي الذي يكاد يغني للقدس - عاصمة لإسرائيل - قلوبنا إليك ترحل كل يوم، تدور في أروقة الكنيست، تفتش عن نظرة رضا والتفاتة دعم، لدى هذا المسؤول الصهيوني أو ذاك، لسلطةٍ تمارس في مصر أكثر مما كانت تحلم به إسرائيل.

وسواء ذهب عبد الفتاح السيسي، بالجسد، أم لم يذهب، فهو هناك، حاضر في العقل والوجدان الصهيونيين، وتقدير السفر من عدمه راجع لهم، فإن رأوا أهمية مشاركته سيفعل، وإن لم يكن ذلك كذلك، فسامح موجود، ورصيده لدى الصهاينة يكفي ليكون جديراً بممارسة طقس الحزن على رحيل أحد الآباء المؤسسين للدولة القاتلة.

وعلى ذلك، لا يحتاج الأمر إلى البحث عن مبرّرات للذهاب، أو إلى جهود متطوعين ظرفاء، من عيّنة مصطفى الفقي، للحديث عن قيم التحضر، مدفوع الأجر التي تدفع للمشاركة في جنازات قاتلينا، وسافكي دمائنا، من أجل مكان بارز في صورةٍ تجمع زعماء العالم الوغد، ذلك أن سلطة عبد الفتاح السيسي، ذاتها، هي حصاد جهد صهيوني دؤوب، وتجسيد لأحلام جنرالات دولة الاحتلال، ومن ثم لن تهمهم كثيراً شكلياتٌ، مثل حجم التمثيل الرسمي في الجنازة.

ولا مانع، هنا، من أصواتٍ تثغو في خلفية المشهد، برقاعة، عن عبارة "عزيزي بيريز" التي مرّروها في خطاب تكليف السفير، في أثناء حكم الرئيس محمد مرسي، في محاولةٍ مضحكةٍ للتغطية على أولئك الذين ينامون في فراش إسرائيل، من دون أن يستشعروا خجلاً.

والحاصل أن قتلة صغاراً ذاهبون للعزاء في قاتل كبير، فمذبحة رابعة العدوية هي امتداد لسلسلة مذابح عبر التاريخ، من دير ياسين إلى بحر البقر إلى قانا إلى الشجاعية، كلها مذابح صنعت من أجل إسرائيل.


الخميس، 29 سبتمبر 2016

لقاءات آسيز : الحوار أو الموت

لقاءات آسيز : الحوار أو الموت

 أ.د.زينب عبدالعزيز




تعد لقاءات بلدة آسيز، التي يدعو إليها الفاتيكان كل فترة منذ 1986، أحد وسائل عملية استئصال الإسلام التي تتواصل بإصرار ودأب منذ قرارات مجمع الفاتيكان الثاني (1965). فقد أقيم في بلدة آسيز، بإيطاليا، اجتماع فيما بين 18ـ20 سبتمبر 2016، بمناسبة الاحتفال بمرور ثلاثين عاما على هذه الفرية الخبيثة. وقام البابا فرانسيس باتباع خطى من سبقاه من باباوات ما بعد ذلك المجمع، بتوسيع نطاق المدعوين. 
إذ دعي ممثلون عن مختلف الكنائس والشعوب إضافة إلى ممثلين لمختلف الأديان السماوية وغير السماوية، للصلاة من أجل السلام في العالم..
وكان البابا يوحنا بولس الثاني أول من ابتدع هذه التمثيلية الممجوجة في 27 أكتوبر 1986، بدعوة قادة مختلف الديانات السماوية وغير السماوية، للصلاة معا من أجل السلام، وكانت محاولات الحوار بين الأديان في أولى خطواتها. وكان عدد الحضور آنذاك 130 مسئولا دينيا. وتوالت لقاءات هذه البدعة وتكررت عام 1993، ثم في عام 2002، وفي 2006 بمناسبة مرور عشرين عاما على ابتداعها، ثم في 2011، وآخرها هذا العام.
واختيار المكان عادة ما يكون له معنى يخدم الموضوع في مثل هذا المجال الديني المتعصب. 

وبلدة آسيز هذه هي موطن القديس فرانسيس الأسيزي، الذي اشتهر خاصة بالدور الذي حاول القيام به أيام الحرب الصليبية الخامسة (1217ـ1221) ولقاؤه بالسلطان الكامل من أجل تنصيره، وبذلك تكون الحملة الصليبية قد وصلت لهدفها الأساس وهو تنصير المسلمين.. و"فرانسيس" هو الاسم الذي اختاره يورج برجوليو يوم اختياره عام 2013 لرئاسة الفاتيكان والكرسي الرسولي، والذي يكشف بوضوح عن حقيقة ومعنى الدور الذي يقوم به باختياره اسم من تعتبره الكنيسة "أبو التبشير والتنصير".

وإذا ما بحثنا عما يقابل تواريخ هذه اللقاءات للصلاة الجماعية لرأينا أن دعوة البابا يوحنا بولس الثاني سنة 1986 كان يقابلها الاحتفال بالعام الدولي للسلام الذي دعت إليه منظمة هيئة الأمم، أيام ما كان يطلق عليها "الحرب الباردة" والحرب في لبنان. 

واللقاء الثاني سنة 1993 تم على خلفية الصراع الدائر في بلدان يوغسلافيا سابقا التي تم تفتيتها استعدادا لتفتيت الاتحاد السوفييتي. أما لقاء 2002 فأتى على خلفية التوترات الدولية التالية لأحداث 11/9/2011، وحضره 29 ممثلا دينيا مسلما. وتأتي صلاة هذا العام على الخلفية الحالية لتفتيت العالم الإسلامي والعربي تمهيدا لاقتلاع الإسلام، مثلما تم اقتلاع اليسار.. 
والغريب ملاحظة تزايد الحضور الإسلامي في هذه اللقاءات الخادعة رغم كل ما كتبته مدعوما بالوثائق لكشف لنواياهم.

موقف الكنائس الأخرى :

وإن كانت هذه اللقاءات تثير العديد من الانتقادات بين الكنائس المختلفة، فهي بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية تندرج أساسا في إطار الإيمان القائل بأن "الرب يسوع له خطة خلاص واحدة لكل البشر، مرورا بالإيمان التام بيسوع وكنيسته الممثلة في الكنيسة الكاثوليكية"، كما تندرج في المبادئ التي أوضحها مجمع الفاتيكان الثاني في إطار النظام العالمي الجديد الناجم عن مجمع الفاتيكان الثاني (1965)، إضافة إلى "أن يتم البحث عن أية آثار أخرى متعلقة بالله حتى وإن كانت في الديانات الوثنية ومنها الإسلام
مع مراعاة أن نقطتا النظام العالمي الجديد والبحث عن أية آثار لله في الديانات الأخرى يجب أن يتم من منظور التبشير والتنصير".

أما البابا بنديكت 16 أيام الاحتفالية الأولى، وكان لا يزال كاردينالا، فقد اعترض على ذلك اللقاء الأول، خشية "أن يتصور البعض تأكيد نوع من المساواة بين الأديان". لذلك رفض حضور الاحتفال الأول، لأن الكنيسة في نظره هي منبع السلام والخلاص الوحيد بالنسبة للبشر. وحينما تولي كرسي الباباوية، وكان عليه الالتزام بالإطار العام للكنيسة ومخططاتها، أقام احتفالية أسيز سنة 2006، احتفالا بمرور عشرين عاما على ابتداعها، وبعد عدة أسابيع من الفضيحة التي أثارها في راتسبون وسبه الإسلام علنا متعمدا، مؤكدا مرة أخرى "إن المقصود منها ليس التعبير عن المساواة بين الأديان وإنما تأكيدا للبحث عن السلام مع مراعاة عدم خشية ضياع هويتنا (...) إذ إن المسيحية هي الطريق الوحيد للخلاص عن طريق المرور عبر الإيمان بربنا يسوع".
أما الكاردينال روجيه إتشيجاري، المنظم للاحتفالية الأخيرة هذا العام، فيرى أيضا إن هذا اللقاء بين مختلف الأديان هي فرصة لاكتشاف جذري لوحدة البشر وإعادة تأكيد الوجود الغامض للروح القدس في قلب كل إنسان.

ومن أهم الذين اعترضوا على إقامة مثل هذه الصلوات وقبول الجلوس مع عقائد أخرى، "أخوية القديس بيوس العاشر"، التي كان يترأسها الأسقف مارسيل لوفيفر أيام أول لقاء سنة 1986، وأثار خطابه فضيحة كبرى بقوله "إن مثل هذا اللقاء بمثابة فضيحة تهز أُسس الكنيسة"، واتهم البابا يوحنا بولس الثاني بهدم الإيمان الكاثوليكي علنا بذلك اللقاء البغيض بين الأديان. وتواصل الجمعية هجومها مع كل لقاء يتم في بلدة آسيز..

من وثائق اللقاء الأخير :

في نهاية اللقاء الذي تم هذا العام، أصدروا بيانا عاما تم التوقيع عليه يوم 20 سبتمبر 2016 من جميع القادة الدينيين، وعددهم هذا العام وصل إلى 450، من تسع ديانات وعقائد مختلفة. 
ومن أهم ما جاء في هذا البيان: "إن القاسم المشترك الذي يحركنا هو تحقيق اللقاء من خلال الحوار، للاعتراض على كافة أشكال العنف واستغلال الدين لتبرير الحرب والإرهاب. ورغمها، فكثير من الشعوب عانت في السنوات الماضية من الحرب. ولم نفهم بعد إن الحرب تفسد العالم وتترك ميراثا من الآلام والكراهية. فالجميع خاسرين مع الحرب، حتى المنتصرون (...) فالحرب باسم الدين تتحول إلى حرب للدين نفسه. لذلك نؤكد بقناعة تامة إن العنف والإرهاب يتعارضان مع روح الدين الحقيقية".

وحول اللقاء الأخير يقول أندريا ريكاردي مؤسس "جماعة سانت إيجيديو": "أن الحوار بين الأديان ضرورة لا بد منها، فالبديل هو الحرب"! 
وهو نفس ما أكدته الفرق الثلاث التي نظمت الاحتفالية: "جماعة سانت إيجيديو"، "جماعة الفرنسيسكان"، وابرشيه بلدة آسيز"، بهدف الاعتراض على استخدام الحرب في الدين وفي الإرهاب. وأكد أندريا ريكاردي في نهاية كلمته: "إن الحوار هو فن التعايش معا: فإما أن نعيش معا أو أن نموت معا"!
وإذا ما بحثنا حولنا على نطاق العالم عمن يستخدم "الدين والإرهاب" في الحروب الدائرة، فلن نجد سوى كلمة "الإسلام".. ذلك الدين الذي تمت شيطنته رسميا بأحداث 11/9/2001، حينما فشل مجلس الكنائس العالمي في تنصير العالم بمناسبة حلول الألفية الثالثة، وفقا لقرار مجمع الفاتيكان الثاني، فأسند بهذه المهمة إلى الولايات المتحدة في يناير 2001.. وها هي الأيام تثبت ما كتبته حينها من إن الولايات المتحدة هي التي افتعلت أحداث 11/9 بالهدم تحت السيطرة، وألصقت التهمة بالمسلمين لتتلفع بشرعية دولية لاقتلاع الإسلام دينا وشعوبا.

أي إن الغرب المسيحي المتعصب هو الذي أجرم في حق الإسلام والمسلمين، وأنشأ فرق المرتزقة التي تولى تدريبها وتزويدها بالسلاح والعتاد والأموال، لتغزو وتقتل باسم الإسلام حتى يبدو الإسلام مدمرا سفاكا للدماء بناء على تعاليمه.. وتتم المسرحية الدائرة منذ بات مشروعا ومباحا اقتلاع الإسلام والمسلمين وتدمير بلدانهم للاستيلاء على مواردها.. وكل ذلك معلن على الملأ، لكن يبقى السؤال: لماذا نقبل بالتواطؤ وبالصمت ؟ ..
ونظرا لتكرار ورود كلمة "الحوار" أو "الحوار بين الأديان" في الفقرات السابقة، فمن الواجب شرح معناها من نفس نصوص الفاتيكان، علنا ندرك الأهداف الحقيقية لهذه المؤسسة المتسلطة..

معني الحوار بين الأديان :

فرانسيس الأسيزي ومحاولة تنصير السلطان الكامل


من أهم الوثائق الكنسية التي أصدرها البابا يوحنا بولس الثاني، في 7 ديسمبر 1990، الخطاب الرسولي المعنون "المسيح فادي البشر"، بمناسبة مرور خمس وعشرين عاما على صدور وثيقة مجمع الفاتيكان الثاني بعنوان "التنصير: رسالة الكنيسة بين الشعوب".وتتكون رسالة "فادي البشر" من مقدمة وثمانية فصول وخاتمة، تندرج جميعها تحت 92 بندا. 
ومن أهم العناوين الفرعية نطالع: 
يسوع المسيح هو المنقذ الوحيد ؛ الكنيسة وسيلة الخلاص وعلامته ؛ لا يمكننا الصمت  أو الوقوف مكتوفي الأيدي ؛ عملية التنصير ليست إلا في بداياتها ؛ تنصير كافة الشعوب رغم المصاعب ؛ تأسيس الكنائس المحلية ؛ غرس الإنجيل في ثقافات الشعوب ؛ الحوار مع الإخوة التابعين لديانات أخرى ؛ كافة المسيحيين منصّرون بموجب تعميدهم ؛ الله يُعد ربيعا جديدا للإنجيل! 
وإذا رأينا متى وأين تم استخدام كلمة "ربيع" دينيا وسياسيا لأدركنا من أين انبثقت عبارات "الربيع العربي" ومن هو المتحكم فيها..
ومن أوضح العبارات الواردة في البند الثاني من المقدمة:
"الانطلاقة التنصيرية تنتمي إلى الطبيعة الحميمة للحياة المسيحية" ؛ "ثمار التبشير الناجمة عن المجمع وفيرة، فقد تضاعف عدد الكنائس بأساقفتها وكنسييها" ؛ "هناك مزيدا من توغل الجماعات المسيحية في حياة الشعوب والتبادل بين الكنائس كثيف ومثمر" ؛ "اندماج المدنيين المسيحيين في عمليات التبشير متواصل، فالرسالة تخص كافة المسيحيين وكافة مؤسساتها"..
ومن أهم ما نطالعه تحت عنوان "غرس الإنجيل في ثقافات الشعوب" : تعتمد الكنيسة في تنصيرها على الغرس الثقافي، وهو اليوم من الملامح الأساسية إذ يجب غرس القيم المسيحية في مختلف الثقافات الإنسانية، وفي نفس الوقت تستقطب الكنيسة الشعوب الأخرى وتأخذ منها ما تراه صالحا لها. وهو ما يفيدها في عمليات التنصير وفي اللاهوت والعبادات والأعمال الخيرية.. وعلى المنصرين أن يتوغلوا في المجال الاجتماعي والثقافي للبلدان التي يُرسَلون إليها حتى يتمكنوا من غرس الإنجيل، كلا في مجال عمله. والجماعات التي يتم تنصيرها عليها أن تقوم بدورها لغرس الإنجيل. وخلاصة القول: إن الغرس الثقافي يقع على كافة أفراد شعب الله المسيحي وليس على القساوسة وحدهم (البنود رقم 52، 53، 54).
أما تحت عنوان "الحوار مع الإخوة التابعين لديانات أخرى" فنطالع: "إن الحوار بين الأديان جزء لا يتجزأ من رسالة الكنيسة التنصيرية كمنهج ووسيلة. وهو مرتبط برسالة الكنيسة نحو الشعوب، وإن الحوار لا يمنع عمليات التنصير. ولا يوجد أي تناقض في الحوار بين الأديان وبين التنصير. فعلى الرغم من معرفة الكنيسة بأنه قد يوجد في الديانات الأخرى شذرات خيره، فذلك لا يقلل من ضرورة إعلانها عن المسيح بإصرار وبلا أي تردد. والحوار ليس ناجما عن استراتيجية معينة وإنما هو نشاط وضرورة لها ما يبررها.. فالحوار بين الأديان يهدف إلى التطهر وإلى التحول الداخلي الذي يتم عن طريق الروح القدس.. والحوار مجاله واسع، يبدأ من التبادل بين الأخصائيين أو الممثلين الرسميين في مختلف المجالات حتى ما يُطلق عليه "حوار الحياة".. إن كافة أتباع الكنيسة وكافة الجماعات والمجالات المسيحية عليها المساهمة في عملية الحوار حتى وإن لم يكن على المستوى المطلوب، فهذه المشاركة أساسية ولا بد منها (البنود 55، 56، 57).

كلمة إلي المسئولين في الأزهر :

مريرة هي الكلمات التي يمكنها التعبير عما أشعر به حيال المسئولين في مؤسسة الأزهر.. بل مريرة أليمة هي العبارات والخواطر التي تفترش عمرا أو عقودا ممتدة، ضاعت في نقل كل ومختلف ما قرره الفاتيكان في المجمع الثاني (1965) وغيره من المؤسسات التنصيرية، بالكتب والأبحاث والمقالات والمشاركة في المؤتمرات، وكأنني أعوي في خلاء أغبر.. خواء لا يعرف إلا الهرولة لتقديم التنازلات، ومزيد من التنازلات بالمشاركة في عمليات اقتلاع الإسلام..  اقتلاع الدين الوحيد المتبقي بلا أي تحريف أو تبديل..
كم يجرحني ويدميني أن أتوجه لمن كان يسمى "الأزهر الشريف"، قائلة بدموع قانية :
"خسارة الإسلام فينا"..                                                  
                                                                                            زينب عبد العزيز
                                                             
                               27 سبتمبر 2016

الأربعاء، 28 سبتمبر 2016

هذا الجدل حول أهل السنة والجماعة

هذا الجدل حول أهل السنة والجماعة

د.بشيرموسي نافع

وردت الإشارة الأولى لمصطلح «أهل السنة والجماعة» في بدايات القرن الثالث الهجري. طبقا لشيخ مؤرخي الإسلام، ابن جرير الطبري، أرسل الخليفة المأمون، العباسي، من محل إقامته، آنذاك، في الرقة، قبل قليل من وفاته في 218 للهجرة، كتابا إلى عامله في بغداد، إسحاق بن إبراهيم، ينتقد فيه من نسبوا أنفسهم إلى السنة وقالوا أنهم «أهل الدين والحق والجماعة»

أمر المأمون في كتابه ابن إبراهيم باستدعاء العلماء والفقهاء والمحدثين والقضاة، الذين يدعون بأنهم «أهل السنة والحديث»، لامتحانهم في معتقد خلق القرآن، الذي أراد أن يجعله مذهب الدولة الرسمي وأن يجبر الناس عليه. 

هذا أول ما سيعرف في حوليات الإسلام بالمحنة، وأول الصراع، الذي سيطول بعد ذلك، بين المعتزلة المبكرين وأهل السنة الأوائل. 

بدأت إجراءات المحنة بالقبض على عدد من العلماء والفقهاء، وفي مقدمتهم أحمد بن حنبل، الذين امتنعوا عن القول بخلق القرآن، وأرسلوا إلى الخليفة في محل إقامته. ولكن، وبعد قليل من مغادرة قافلة المعتقلين، جاء الخبر بوفاة المأمون، فأعيدوا إلى بغداد
استمرت المحنة طوال العقدين التاليين، وربما وصلت أشد لحظاتها أثناء خلافة المعتصم؛ ولم تنته إلا بتولي المتوكل. 

خلال القرنين التاليين، الرابع والخامس الهجريين، لم يحسم الصراع بين أهل السنة والمعتزلة لصالح الأولين وحسب، بل وأصبح أهل السنة الإطار الأوسع للإسلام، تيار الإسلام الفسيح، والحاضن الرئيسي لجماعته.

مجموعة العلماء والفقهاء والمحدثين، الذين لم يتردد الخليفة، الذي كان على درجة عالية من العلم، من أن يطلق عليهم اسم أهل السنة والجماعة (وإن أنكر عليهم هذا الوصف)، هم من عرفوا آنذاك بأهل الحديث، مثل أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين ويحيى المديني، وغيرهم.

 وهم من عارضوا مقولة المعتزلة المبكرين بخلق القرآن، ووقف عدد منهم، وعلى رأسهم ابن حنبل، في مواجهة الخلفاء العباسيين الذين أرادوا فرض المعتقد الجديد على جماعة المسلمين، وانتصروا في النهاية. 

وكان الصديق، د. رضوان السيد، قد أخبرني قبل زمن أنه عثر على مخطوطة معتزلية تعود إلى نهايات القرن الثاني الهجري، أي قبل عقود من انطلاق محنة خلق القرآن، تحمل إشارة إلى أهل السنة والجماعة. مهما كان الأمر، فإن وصف المأمون، في 218 للهجرة، مجموعة العلماء من أهل الحديث بأهل السنة والجماعة، يعني أن المصطلح كان قد استقر نسبيا في الفضاء الإسلامي وأصبح يحمل مدلولات محددة، أبرزها، في تلك اللحظة التاريخية، الإصرار على أن القول بخلق القرآن هو بدعة لا أصل لها في معتقدات المسلمين، والقول، في المقابل، أن القرآن هو كلام الله، وأن هذا هو معتقد سلف المسلمين، أو الأجيال الثلاثة الأولى منهم: الصحابة والتابعون وتابعو التابعين. 

أعود إلى هذه الرواية التاريخية، التي لا يعرف دارسو الإسلام المبكر، من مسلمين وغير مسلمين، من رواية تخالفها، بمناسبة انعقاد مؤتمر في مدينة غروزني الشيشانية، في الأسبوع الأول من أيلول/سبتمبر، قصد به، كما يبدو، تعريف أهل السنة والجماعة. 

وبالرغم من ردود الفعل التي أثارها المؤتمر، وعلى نطاق واسع، تشير تقارير إلى أن منظمي لقاء غروزني يعتزمون عقد مؤتمر ثان، شبيه، قريبا، في جنوب إفريقيا. 
عقد مؤتمر غروزني برعاية من رئيس جمهورية الشيشان، التي هي إقليم من أقاليم الاتحاد الروسي، والمعروف بميوله المافيوزية، وليس بعلمه في معتقدات أهل السنة والجماعة. 
وذكر أن تمويل المؤتمر جاء من دولة عربية خليجية، اشتهرت في السنوات الأخيرة بسعيها إلى حشد علماء وأساتذة جامعيين وكتاب وصحافيين، من أجل خوض معركتها ضد التيار الإسلامي السياسي والجماعات الإسلامية ذات التوجه السلفي، وضد الثورات العربية الديمقراطية. 
ولم يكن غريبا، بالتالي، أن يصدر عن المجتمعين في غروزني، من متصوفة، ومعممين معروفين بولائهم لأنظمة قمعية وانقلابية عربية، بيان يحدد أهل السنة والجماعة بالأشاعرة والماتريدية والمتصوفة، ويقول بأن السلفيين والتيار الإسلامي السياسي، سيما جماعة الإخوان المسلمين، ليسوا من أهل السنة والجماعة.

لا يختلف خطاب مؤتمر غروزني، من قريب أو بعيد، عن الخطاب الداعشي، أو خطاب جماعات التكفير والهجرة، الصغيرة والهامشية، التي سبق ظهورها، في سبعينات القرن الماضي، ظهور داعش وأخواتها. 

كلاهما يعتقد أن الطريق إلى الله ضيق وصغير ولا يضم أحدا سواهما، وأن الخلاص الإنساني محصور بحدود مقولات ومعتقدات فئة طرفية من المسلمين، الذين يبدون أقرب إلى المعتوهين والمرضى منهم إلى أهل العلم والتقوى. 

وكلاهما يحاول أن يجعل من أهل السنة والجماعة، الذين هم عموم جماعة المسلمين، خيمة الإسلام الكبرى وتياره الواسع، مترامي الأطراف، طائفة هامشية. 

وكلاهما، فوق ذلك، يحاول النبش في تواريخ ومواريث مضت، لم يعد لها من أثر كبير في حياة عموم المسلمين، لتسويغ موقفه، الذي هو في الواقع موقف أقلية ضئيلة، لا تكترث لها الأغلبية العظمى من المسلمين المعاصرين، ولا تثق بها، ولا بدوافعها وعلاقاتها السياسية المثيرة للشكوك. ولكن المسألة لا تقتصر على هذا. 
فليس من الغريب أن يجد حكام، يمتلكون مقدرات مالية هائلة، معممين، أو أكاديميين، أو كتابا، يحملون رايتهم ويخوضون معاركهم. 

هذه سنة عرفتها الأمم من قبل، ولم تزل. ولكن، أن يكون هؤلاء المعممون والأكاديميون والكتاب على هذه الدرجة من الجهل، فهذا ما يدعو إلى الدهشة، فعلا.

أطلق وصف أهل السنة والجماعة، أولا، على أهل الحديث، ولم يكن هناك بعد من أشعرية ولا ما تريدية ولا متصوفة. لم توجد جماعة متصوفة بغداد، نواة التصوف الإسلامي الأولى، التي تطورت من دوائر الزهاد المسلمين، إلا في نهايات القرن الثالث الهجري. 
ولم تبرز مدرسة أشعرية أو ما تريديه حتى النصف الثاني من القرن الرابع الهجري. وحتى أبو الحسن الأشعري، الذي توفي في العقد الثالث من القرن الرابع، اعتبر نفسه على مذهب أحمد، ومن المدافعين عن مقولات أهل السنة والجماعة كما قال بها أهل الحديث. والمعروف، اليوم، أن من يوصفون بالسلفية، يقولون بأنهم امتداد لأهل الحديث، أول من حمل صفة أهل السنة والجماعة. 
ومنذ نهاية القرن التاسع عشر، تسمت جماعات سلفية التوجه في الهند ومصر، كما في غيرها، باسم أهل الحديث. 

بيد أن الحقيقة أن الآثار الثقافية، كما يقول التاريخانيون، ليست حفريات ولا آثارا حجرية، وأنها دائمة التغيير. وربما ينطبق على الآثار الثقافية قول نيتشة «أن كل شيء له تاريخ، لا يمكن تعريفه». 
اختلف مصطلح أهل السنة والجماعة في القرن الرابع الهجري، وإن قليلا، عما كان عليه في مطلع القرن الثالث الهجري. 
وفي منتصف القرن الخامس الهجري، اللحظة التي وصفها هودجسون بانتصار العالمية السنية (وليس الطائفة)، كان أهل السنة قد أصبحوا بالفعل الجسم الرئيسي لجماعة المسلمين، وفي داخلهم، تعددت المعتقدات والمذاهب والآراء السياسية، كما المواقف من مواريث الإسلام السابقة، وأنماط السلوك، والمشارب الروحية. 

في أصل هذا التعدد، تقع رؤية أهل السنة والجماعة المتفائلة للدين وإمكانيات الخلاص الإنساني غير المحدودة؛ ويتجلى في هذا التعدد الثقل التاريخي الهائل لأهل السنة والجماعة، قدرتهم التي لا توازيها قدرة على الاستمرار، والتماهي اللصيق بينهم وبين الإسلام ذاته. وهي تقلبات الزمان التي سمحت لشرعي جاهل في ريف سوريا والعراق، أو معمم لا يقل جهلا على رأس مؤسسة رسمية، أو متصوف في حالة غيبوبة، الخروج إلى أمة المسلمين لادعاء تمثيله هو، وهو فقط، لأهل السنة والجماعة.

الثلاثاء، 27 سبتمبر 2016

السيسي في مكتب الإرشاد

السيسي في مكتب الإرشاد
          السيسي ومرشده العام للقوات المسلحة              

 وائل قنديل
شيئان يحرص عليهما عبد الفتاح السيسي، كلما تكلم: محاولة إشاعة أكبر قدر من الترهيب والتخويف، بوجه معارضيه.. والثاني، إطلاق أكبر قدر من النكات العبيطة، على طريقة الكوميديا السوقية الهابطة.
ذهب السيسي إلى "غيط العنب"، ليقول جملة واحدة: أنا والجيش سوف نسحق الشعب، إن فكّر في الاقتراب من ملكنا.
يلح، طوال الوقت، على أنه في حماية الجيش، منه جاء وإليه يخصص الحصيلة، لا يتحرّك وحده، بل محاطاً بكبار الجند، يشهرون ترسانتهم في وجه الجميع: من يقترب نبيده في ست ساعات.
كانوا يحاربون الرئيس المدني المنتخب، انطلاقاً من أنه مرشّح الجماعة، وأن مكتب الإرشاد يحيط به من كل اتجاه، ويحدّد مسارات حركته، وينطلق في مشروع "أخونة الدولة"، وبعيداً عن أن الوقائع والأرقام أسقطت هذه الأكاذيب، فإن الثابت أن مصر كانت أكثر مدنيةً، وعقلانيةً، من الوضع الحالي الذي يلخصه مشهدٌ بائس المضمون، وفقير الإخراج لرئيس دولةٍ لا يجرؤ على زيارة أسرةٍ فقيرة بها، إلا تحت حراسةٍ وفي معية وزير دفاعه، فيما وقف رئيس حكومته "غير العسكري" مع الحرّاس في الخارج، إلى حين انتهاء "الجماعة العسكرية" من تمثيل مشهد تناول الإفطار، على مائدة الأسرة الفقيرة.
الرسالة بوضوح أكثر: أنا الحاكم المنتدب من جماعة العسكر، ومرشدي العام هو القائد العام للقوات المسلحة، والجنرالات الكبار مكتب إرشادي، نحكمكم بالسيف، ونسحقكم في غضون ساعات، إذا فكّرتم في استرداد وطنكم منا.
من المهم، هنا، التذكير بأن السيسي هو مرشّح القوات المسلحة للرئاسة، بنص بيان 27 يناير/ كانون الثاني 2014، وفيه 
 "وقد استعرض المجلس ما قام به الفريق أول عبدالفتاح السيسي، منذ توليه مهام منصبه، من أعمال وإنجازاتٍ لتطوير القوات المسلحة، ورفع كفاءتها القتالية والارتقاء بمهارات أفرادها، وشحذ روحهم المعنوية. ولم يكن في وسع المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلا أن يتطلع، باحترام وإجلال، لرغبة الجماهير العريضة من شعب مصر العظيم في ترشيح الفريق أول عبدالفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية، وهي تعتبره تكليفاً والتزاماً. ثم استمع المجلس إلى الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وقدر أن ثقة الجماهير فيه نداء يفترض الاستجابة له في إطار الاختيار الحر لجماهير الشعب".

هكذا، بكل الوضوح، ومنذ البداية، أعلن المجلس العسكري أن السيسي مرشحه المكلف بالاستحواذ على رئاسة الدولة، هو الذي يحاسبه على الأداء، ويحدّد استمراره من عدمه، استبداله أم منحه فرصة أخرى. ومن هنا، تأتي ملامح الرعب الواضحة في خطاب الجنرال المكلف وملامحه، إذ لم يكن عبد الفتاح السيسي خائفاً ومذعوراً، كما بدا هذه المرّة.

غير أن اللافت أكثر إصراره على التنكّر التام لفريته التي كان يتشبث بها، مقدّماً نفسه على أنه رئيس مدني جاء عبر انتخابات. هنا، يصل به الخوف إلى الحد الذي يضع تركيزه كله في توصيل رسالةٍ وحيدة، مفادها نعم هذا حكم عسكري، يلحّ عليها في كل كلمةٍ وكل لفتة، معلناً التراجع الكامل مع حلفه الكذوب السابق "لا والله ما حكم عسكر"، ليضع بدلاً منه قسماً جديداً "والله هذا حكم عسكر"، فمن ناحية، يريد توجيه رسالة ردعٍ شديدة اللهجة للجماهير، خصوصاً مع انتشار دعوات 11/11 للخروج ضده. ومن ناحيةٍ أخرى، يسعى إلى تجديد الولاء والبيعة لجماعته، والالتزام الأعمى بما يمليه عليه مكتب إرشاده، وكأنه يستشعر تململاً وقلقاً لدى "الجماعة العسكرية" من استمرار سقطاته وإخفاقاته التي باتت تهدّد مصلحة الجماعة ذاتها.

هذا هو مربط الفرس، أو فصل الخطاب، أو محور "دراما غيط العنب"، وليس "مونولوغ الفكة" إلا جرعة المسخرة التي تغلف النص الأساسي، وتخفف من حدّة الرسالة الأهم، وأيضاً تخطف الأبصار بعيداً عن جريمة النظام في بوغاز رشيد، حيث ترك 600 شخص يواجهون الموت غرقاً، من دون أن يحاول إنقاذهم، أو يسمح لأحدٍ بانتشالهم.

نهاية العالم في حلب


نهاية العالم في حلب

د.أحمدبن راشد بن سعيد
حلب تتعرض للإبادة.
لا شيء تغيّر منذ بدء الحصار الخانق على شرقي المدينة في 8 يوليو 2016، سوى عمليات ناجحة لفكّه في الأسبوع الأول من أغسطس الماضي، أعقبها إعادته مرة أخرى بعد ذلك بأربعة أسابيع في هجمات مفاجئة لعصابات الأسد والميليشيات الشيعية، مدعومة بغطاء جوي روسي كثيف يتمتّع بحرية مطلقة في صبّ القنابل «المحرّمة دولياً» على المناطق الثائرة. 
يتّبع الطيران الروسي سياسة «الأرض المحروقة» ليجهض روح الثورة: محطتان لضخ الماء في شرق المدينة وغربها تعرّضتا للقصف، وتوقّفتا عن العمل، ما تسبّب في حرمان مليونَيْ حلبي من الماء، ولجوئهم إلى مصادر ماء ملوث؛ دمّرت الغارات كل المستشفيات في شرق المدينة خلال أسبوع واحد في يوليو، الأمر الذي دفع الأطباء القلّة المتبقين هناك (استُشهد كثير منهم ولم يبق إلا 33 طبيباً) إلى إنشاء «مشافٍ» ميدانية في شقق مهجورة من دون أسرّة ولا تجهيزات.
الدكتور محمد كاتوب، عضو الجمعية الطبية السورية الأميركية، أبلغ الإذاعة الألمانية (دويتشه فيله) أنه «يتوجّب على كل طبيب العناية بـ 9,000 مريض»
يرصد المواطنون الصحافيون المآسي الإنسانيةفي«المشافي» الميدانية: أنابيب المصل وهي تتدلّى على الجدران، صراخ الجرحى في الغرف الضيقة وهم رقود، الدماء تلطّخ الأرض وسط ذهول الأطباء والممرضين وعجزهم عن المساعدة. 
ليز سلي، مراسلة «الواشنطن بوست» نقلت في تويتر (24 سبتمبر) عن أطباء في حلب قولهم إن 92 مواطناً قُتلوا في ذلك اليوم، وإن «المستشفيات تغصّ بالجرحى على الأرض». المراسلة ذاتها وصفت في تقرير لها بالصحيفة المشهد في حلب كما يلي: «موجات من الطائرات بعد موجات تضرب بعنف الأحياء» شرقي المدينة، «ومع هبوط الليل، كانت 100 قنبلة قد هبطت» على السكان، والمنقذون لا يملكون الإمكانات للوصول إلى كل الأماكن التي ضُربت. 
عمّار السلمو، مدير الدفاع المدني (التطوعي) في شرق حلب، أبلغ سلي أن «الوضع مروّع الآن في حلب، ثمّة قتلى في الشوارع، والحرائق تشتعل من دون تحكّم. الناس لا يعرفون ماذا يعملون ولا أين يذهبون. إنّها تشبه نهاية العالم».
بِن هابرد، مراسل «النيويرك تايمز»، نقل أيضاً عن السلمو قوله: «إنها تشبه يوم القيامة في حلب». ثلاثة من مراكز الدفاع المدني في المدينة تعرّضت للقصف، بحسب السلمو، وبعض سيارات الإسعاف التابعة لها دُمّرت. هابرد تناول آثار قصف وحشي لحي المواصلات شرق المدينة ناقلاً عن ناشطين قولهم إن القصف «هزّ الأرض، وترك السكّان قابعين في منازلهم، والشوارع غير قابلة للمرور». 
مضر شيخو، ممرّض في مستشفى الدقاق، أبلغ هابرد: «إنّك لا تعرف إذا كنت ستبقى حيّاً أم لا». 
زاهر الزاهر، ناشط حلبي، قال لهابرد عبر واتسب: «لم تعد هناك طرقات نمشي عليها. حتى بين أحيائنا، الطرقات ملأى بالركام والحطام».
أحياء حلبيّة كاملة سُوّيت بها الأرض. فيديوهات كثيرة تُظهر رجالاً يحاولون انتشال أطفال ونساء من تحت تلال من الخرسانة. ثمّة أبطال يشبهون الأساطير لا يكفّون عن محاولة انتزاع أمل ما للحياة من تحت الأنقاض. أبطال ينبشون ما قد تعجز البلدوزرات عن نبشه. إنهم الفرسان الوحيدون، كما يخبرنا أمل دنقل، وسواهم المسوخ. يستدلّون بالأنّات والصرخات والأنفاس على الضحايا المطمورين تحت الرّدم، فيعيدون بأيديهم الحياة في عالم يحترف زرع الموت. 
أيّ حياة يعيشها الناس وسط كل هذا الجنون؟ 
وكيف يتكيّف المرء مع هذا التقليب اليومي عن أحياء أو أشلاء؟ في غضون ذلك، يتبادل القتلة الاتهامات. 
ليز سلي لخّصت (في تويتر 25 سبتمبر) نقاشاً حول حلب في الأمم المتحدة بين سامانثا باور، المندوبة الأميركية، ونظيرها الروسي، فيتالي تشوركين. 
باور: إنه خطأ روسيا. 
تشوركين: إنه خطأ أميركا. 
إنها نهاية العالم، كما قال عمّار السلمو، نهاية الإنسانية المنسحقة مع عظام الحلبيين ولحومهم.

عنبر العقلاء.. أم الدنيا سابقاً

عنبر العقلاء.. أم الدنيا سابقاً


حسام الغمري

عزيزي الإنسان، إذا أردت أن تعرف كيف انهارت الأوضاع في مصر المحروسة، بلد الــ100 إنسان تحمل جيناتهم ميراث حضارة عظيمة أبهرت العالم يوماً وما زالت.. 
حضارة استوعبت حضارات أخرى ثم صارت بمثابة القلب لإمبراطورية عالمية استمرت ثلاثة عشر قرناً من الزمان!!

إذا أردت أن تعرف كيف انهار فيها نظام التعليم والصحة، كيف يلفظ اقتصادها أنفاسه الأخيرة على مرأى ومسمع من أبنائها، كيف كبلتها الديون الخارجية! ..
كيف باتت تفرط في أرضها، كيف أتت بالروس وملكتهم آلاف الأمتار شرق بورسعيد ومكنتهم من الضبعة.

عزيزي العاقل، إذا أدهشك انهيار قطاع السياحة فيها وهي تحتضن ثلث آثار العالم وشواطئ مبدعة، إذا تذكرت أن قطاعاً للصناعة أنشئ في بدايات القرن التاسع عشر ومصانع للأسلحة، ثم فوجئت أن أعظم صناعاتها اليوم هي صناعة الكحك والبسكويت.

عزيزي المدرك، إذا لاحظت أن الشركات الكبرى تهرب من مصر، والعلماء ينزحون عنها، وإعلامها تحول إلى وصلات مستمرة من الردح البلدي البذيء، إذا وجدت شعبها يتدرج من أكل القمح المسرطن إلى لحوم الحمير، ثم الفاكهة والخضراوات ببقايا الروث.

عزيزي المندهش، إذا تأكدت أن مصر أصبحت لا تفهم تاريخها وجغرافيتها وأبداً لا تحسن استغلال مواردها فإليك السبب:

قبل أيام بث التليفزيون الرسمي للدولة على شاشته الأولى لقاء تليفزيونياً مع اللواء أركان حرب نجم الدين محمود، مدير المتحف الحربي، أي من وجد فيه قادة عسكرنا الأشاوس الفهم والقدرة على تحمل أمانة التاريخ، ممثلاً في المتحف الحربي.

سأله المذيع عن أهم معارك الجيش المصري "برجاء ملاحظة أن البرنامج لم يكن كوميدياً أو ترفيهياً". فأجاب:- " أهم معارك الجيش المصري معركة حطين في عصر الفراعنة بقيادة تحتمس الثالث ضد الحيثيين وانتصر فيها تحتمس".

"برجاء ملاحظة أن السيد مقدم البرنامج مرر هذه المعلومة ولم يجرؤ على تصويب سيادة اللواء أو ربما ظن صحة هذه المعلومة".

ثم قال أيضاً:- معركة عين جالوت كانت بقيادة صلاح الدين وانتصر فيها صلاح الدين على الصليبيين.

" كالعادة مرر سيادة مقدم البرنامج المحترم هذا الهراء".

ثم تحدث سيادة اللواء عن معركة بحرية سماها "نسيب" كان قائدها الابن الأكبر لمحمد علي باشا وكانت هذه المعركة في الأستانة.

مقدم البرنامج الحكومي كان كالهواء لا لون له ولا طعم ولا رائحة".

ليست الكارثة أن المتحدث برتبة لواء، فلقد أتحفنا السادة اللواءات من قبل بتفاهات كجهاز الكفتة، والرياح الشمالية غربية التي ستعيد صواريخ إسرائيل إلى ضبط المصنع، والأشجار التي تنتج الأسمنت، ويبدو أن الكلية الحربية التي كانت يطلق عليها مصنع الرجال، باتت مصنعاً لإنتاج مروجي الخرافات والأساطير.

الكارثة أن المؤسسة العسكرية وجدت أن هذا اللواء هو الجدير بإدارة متحف يعرض تاريخنا الرائع المشرف الذي أساء إليه بالفعل هؤلاء الجنرالات الذين ليس لهم من الفكر العسكري إلا الرتب التي تزين بزاتهم، يرهبون بها كل من هم تحت سيطرتهم، ويسيطرون بها على أمة، سطوا على كل مفاصل الحكم فيها فأصبح الــ 100 مليون مصري أسرى لديهم!!

ثم خرج علينا كبيرهم الذي علمهم خداع الناس يطلب وسيلة تمكنه الحصول على "الفكة" بطريقة أشبه بطرق البلطجية وقطاع الطرق دون مسوغ من دستور أو قانون.. وكأن اقتصاديات الدول تدار بأسلوب أكشاك السجائر التي تستبدل الباقي بعُلب الكبريت، يالها من سخافة ما بعدها سخافة أن يستمر هؤلاء الجهلاء في إرهابنا بالسلاح الذي اشتريناه بقوت أبنائنا، إن الجاهل لا يولي إلا الأجهل منه.

وهذا عكسه تماما تليفزيوننا الرسمي الذي لم يتوفر فيه معد أو رئيس تحرير أو حتى رقيب أو مدير برامج أو رئيس للتليفزيون يمنع ظهور هذه الحلقة الكارثية التي اساءت لتاريخ أمتنا، وهؤلاء جميعهم لا أظن أن محتواهم الثقافي يختلف كثيراً عن محتوى الجنرال الذي استضافوه، بل لعلهم دونه!!

ان فرصة وجودي خارج مصر المكلومة بهؤلاء السفهاء مكنتني من رؤية المشهد عن بعد، كما وفرت لي ظروف عملي فرصة متابعة أخبار المنحوسة - المحروسة سابقاً - يوماً بيوم، ولا أبالغ إن قلت ساعة بساعة، فتكونت عندي قناعة ما أبشعها، كم أرفضها وأكرهها ولطالما حاولت الهروب منها، إن مصر بلادي التي أعشقها، وأتمنى العودة قريباً إليها أصبحت عنبراً للعقلاء بمفهوم الفيلم السينمائي القديم، الذي ظهر فيه معتوه يتحدث كنيرون، وآخر من المجانين يتحدث كنابليون، وثالث كعنترة.

واليوم نجد فيها أحاديث مشابهة من مجانين يتحدثون بصفة جنرالات وخبراء استراتيجيين، بل تمدد الأمر وتولوا الحقائب الوزارية ووثبوا على مقعد رئاسة الجمهورية.

أي مصير بغيض هذا الذي ارتضاه لك أبناؤك يا مصر، كيف سمحوا ويسمحون بهذا الهراء؟ كيف طفا الغث وتوارى السمين؟ كيف استمر الزبد ورحل ما ينفع الناس!!

إن استمرار زمام أمورها ومقاليد حكمها في يد هؤلاء السفهاء لن يفرز إلا مزيداً من الهوان، إنهم كالعميان يقودون حافلة مسرعة صوب الهاوية ة، ولا نجاة إلا بإبعاد هؤلاء عن صدارة المشهد ومحاكمة كل من شارك في صناعة هذا المشهد العبثي القبيح!!

إنهم يوماً ما قرأوا تاريخها كذلك لم يقدروها.
إنهم يوماً ما عرفوا قيمتها فقزموها وعجزوها.

قدراتهم العقلية محدودة فأفقروها، ثقافتهم معدومة فحطموا قوتها الناعمة وخذلوها، حتى صارت أم الدنيا سابقاً أشبه اليوم بعنبر العقلاء الذي يضم الملايين من البشر!!

الاثنين، 26 سبتمبر 2016

من يستعجل خرابها؟


            من يستعجل خرابها؟             
                     المستقبل                   


 وائل قنديل
لا تأتي الدهشة من أن نظام عبد الفتاح السيسي لم يتذكّر أن ينعى ضحايا الفرار من أيامه السعيدة.. هو لا يحبهم ولا يريدهم.. هم فقراء بسطاء، ليسوا من المرحّب بهم في خرابته السعيدة، وإن لم يموتوا غرقاً يقتلهم هو تعذيباً أو إهمالاً أو مرضاً، أو يستعمل أقصى درجات الرحمة، فيطلق حناجره المسعورة تنهشهم، وتطالبهم بالرحيل إلى الجحيم.
تنبع الدهشة من أن أحداً لم يرسل برقية عزاء إلى مصر، حكومة أو شعباً، في حادث مركب رشيد الغارقة، لا دولة عربية، ولا اتحاد أوروبي، ولا هيئة أممية، ولا منظمة أو مجلس لحقوق الإنسان.

في مصر، لك أن تتخيّل، يوجد شيء اسمه المجلس القومي لحقوق الإنسان، بعض أعضائه من المتورطين في التحريض على إراقة دماء شهداء رابعة العدوية، وما تلاها، لم نسمع أن هذا المجلس نعى شهداء محاولة الفرار من جحيمٍ مستعر، أو أعلن الحداد. 

كل ما صدر عنه أنه أرسل بعثة إلى موقع الكارثة للتقصّي والتحقيق، حتى الدكتور محمد البرادعي الذي استقال بعد وقوع مذبحة رابعة، أطلق تغريدة يقول فيها "قد يكون من الواجب أن نعلن الحداد"، ومضت أيام على هذه الـ"قد"، ولم يتأكّد بعد ما إذا كان الضحايا يستحقون الحداد، أو لا يستحقون.

على بعد ثلاثة أيام من اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011، تحدثت عن "جراكن الكيروسين التي تحكم مصر"، وتقودها إلى الحريق بكل مكوناته، الاجتماعية والطائفية والسياسية.. 
والآن، بعد ما يقرب من ست سنوات، تبدو مصر محكومةً بمجموعة من البراميل المتفجرة، تستعجل خراباً محمولاً يسير على قدمين. طائفية واجتماعية، فيما بترت القدم السياسية، بفعل غرغرينا أصابت السياسة في مقتل، منذ صعد عبد الفتاح السيسي إلى الحكم.

حالة "الهلوسة" التي تعصف بالنظام الرسمي في مصر الآن هي الأخطر في تاريخها على الإطلاق، إذ لم تعرف دولةٌ في العالم نظاماً ينفخ في نار الاحتراب الداخلي، كما يسلك نظام السيسي الآن. 
وهنا، يجدر التوقف عند مسألتين شديدتي الخطورة، الأولى: المعالجة الرسمية لفاجعة مركب رشيد، والثانية: الأصابع الخفية التي تتحرّك في الظلام، لتصبّ زيتاً مغلياً على نارٍ طائفيةٍ، يجري تأجيجها في الصدور، واتخذت شكلاً سافراً بمناسبة استعراض السيسي في نيويورك.

يظهر النظام، بتنفيذييه وإعلامه، عداءً عنصرياً بغيضاً للقطاعات المطحونة في الشعب المصري، ويرى فيها أوراماً سرطانيةً تهدّد "التنمية الكاذبة"، ويجب استئصالها، مع الفشل في معالجتها، الأمر الذي يفرز مناخاً عدمياً، تذهب فيه قيمة المواطنة أدراج رياح شوفينيةٍ وفاشية تمنح المواطن المصري، الناقم على تردّي الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، شعوراً بأن وطنه ينكره، ولا يريده.

يتزامن ذلك مع نوبة جنونٍ سلطويةٍ يهبط فيها العقل الحاكم إلى ما تحت مستوى اللوثة العقلية، باختراع تنظيمٍ يقود مخططاً لإشاعة المناخ التشاؤمي ضد التنمية، وأظن أنه، بالوصول إلى هذه المرحلة من المرض العقلي، لنا أن نحبس الأنفاس قلقاً مما هو آتٍ من سلطةٍ تمضي كأنها شاحنة مسرعة، بلا مكابح، يقودها سائقٌ فاقد الوعي، إن لم ينجح أحدٌ في السيطرة عليها، وإيقافها ستهوي بالجميع إلى قاع سحيق.

الأخطر ما تعج به وسائل التواصل الاجتماعي من تسجيلاتٍ مسربةٍ لرجال كنيسة، يبدو محتواها أخطر على مصر من قنبلةٍ نووية، بما تحمله من عوامل استدعاء مخيفة لمخزون الاحتقان الطائفي المتصاعد منذ نكبة يونيو/ حزيران 2013، والذي يصل الآن إلى مستوياتٍ أكثر خطراً مما كان في الأسابيع السابقة على ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، عقب تفجير كنيسة القدّيسين، ولجوء نظام حسني مبارك إلى هذه اللعبة الخطرة، بعد أن استشعر خطر النهاية.

والخطر، هذه المرّة، أكبر وأفدح، ذلك أنه قبل ست سنوات لم يكن الجيش متورّطاً في اللعبة، بالعمق والوضوح الظاهرين الآن، بل كان لا يزال، ظاهرياً على الأقل، يصلح مانعاً للانزلاق إلى الجحيم، أما الآن فنحن بصدد سلطةٍ لا تتوانى عن الدفع بالبلاد إلى الحريق، في ظل غيابٍ كاملٍ لما كان يعرف بعقلاء السلطة والمعارضة، حيث التنافس على أشدّه في ماراثون السباحة بنهر الجنون.