الجمعة، 10 فبراير 2017

صدق السيسي.. إحنا عملنا إيه؟

صدق السيسي.. إحنا عملنا إيه؟

حسام الغمري
قبل ثورة يناير/كانون الثاني كنت أعتقد أني لن أكره في حياتي من بعد الصهاينة سوى مبارك كنزهم الاستراتيجي حتى أطل السيسي برأسه الوقح على المشهد السياسي المصري، بعد ثورة ظننت أنها ستنتشل بلادي من المستنقع الذي كادت أن تغرق فيه.

ولكن هذا لا يمنعني من التأكيد على ما قاله أثناء مؤتمره الديكوري الذي عقده بأسوان والذي اعتبره بعض المحللين بداية لحملته المتوقعة لانتخابات 2018، ولا عاقل يظن أنها ستكون انتخابات نزيهة.

إحنا فقرا قوي.. إحنا عملنا إيه؟
صدق السيسي وهو كذوب، كما سيصدق الشيطان مع الأرواح التي سيزحزحها عن الجنة حين سيقول لها إنه وعدها وكذبها، وإنه لم يكن يملك عليهم سلطاناً إلا أنه دعاهم فاستجابوا له، كما دعا السيسي المصريين فاستجاب له قطاع منهم.

نعم نحن فقراء جداً على الرغم من أننا ننتمي لبلاد منّ الله عليها بكل النعم، من موقع متميز يتحكم في حركة التجارة العالمية، لأرض طيبة خصبة جادت عبر آلاف السنين، ونيل كريم أوصل الماء العذب لنا قروناً دون عناء، بلاد تحتضن معظم آثار العالم وأروع شواطئه، بلاد صحراؤها تجود بالمعادن وجبالها بالذهب وسيناؤها بالفيروز، فقراء لأننا سلمنا هذه الثروات لمن جرفوها وما زالوا؛ لتمتلئ بنوك العالم، وليس أدل على ذلك من التقرير الصادر عن المركز العربي للنزاهة والشفافية في يونيو 2015 الذي أكد أن الأموال التي خرجت من مصر فقط بعد يناير 2011 تقدر بــ 132 مليار دولار!!

هل تتخيلوا ضخامة هذا المبلغ الذي من شأنه كف يد التسول التي امتدت لرز الخليج فأصابتنا بالعار دون النعم التي بشر بها تواضروس؟

وإذا كان هذا هو المبلغ الذي خرج من مصر فقط بعد ثورة يناير/كانون الثاني، فكيف إذا بحثنا عن الأموال التي جرفت في 30 عاماً اعتلى فيها آل مبارك حكم بلادنا، وفي العهدين السابقين لعهده.

نعم بلادنا فقيرة؛ لأنها استسلمت للعبودية، بلادنا فقيرة؛ لأنها لم تدعم الأحرار الذين رهنوا حياتهم دفاعاً عن شعبها بالقدر الكافي.

بلادنا فقيرة؛ لأنها استسلمت لمن خدعها باسم القومية والاشتراكية، أو باسم الانفتاح والتعددية الديكورية، أو باسم العمل الدؤوب لمحدودي الدخل، وأخيراً.. استسلمت لمن صنعوا هالة وهمية وقداسة مزيفة لمؤسسة عسكرية هناك الكثير من الشكوك حول مهنيتها، وقد خذلتنا في 48 و56 و67 وعند الثغرة التي أنهت حرب أكتوبر/تشرين الأول والأعداء على بعد أميال قليلة من عاصمتنا القاهرة.

ماذا فعلنا؟

صدق السيسي أيضاً وهو يعاير المصريين قائلاً: انتو عملتوا إيه؟

نعم ماذا صنعنا؟ هل ثُرنا على عبد الناصر بعد نكسته وأسقطناه وافتلينا من بين ظهرانينا قائداً فذاً كالفريق سعد الدين الشاذلي ليقود باسمنا معركة التحرير واسترداد الكرامة، ويا لَلعجب.. لقد صمتنا حين أمر مبارك بحبس أفضل من أنجبت العسكرية المصرية ثلاثة أعوام، ربما ما كانت تحلم بهم اسرائيل ليلة 8 أكتوبر 73.

ماذا صنعنا؟ هل ثُرنا وحاكمنا السادات الذي أصر على تطوير الهجوم شرقاً يوم 14 أكتوبر فساق للذبح مئات من الضباط والجنود قضوا في ساعات نهار فضلاً عن تدمير مئات المدرعات التي ضربنا أعناق الإبل والمعاناة لتدبير أثمانها؟

ماذا صنعنا حين قادنا السادات للارتماء في حضن أميركا وتوقيع سلام مع الصهاينة لطخنا كلنا بالعار، بوعد بالرخاء؟ وماذا صنعنا حين ضاع حلم الرخاء؟

ماذا صنعنا ونحن نرى حاملات الطائرات الأميركية تعبر قناة السويس لدك عراقنا الحبيب الذي احتضن مئات الآلاف من المصريين الذين انتشلوا أسرهم من الفقر الذي يعايرنا به السيسي عبر تحويلاتهم؟

ماذا صنعنا حين أطل علينا جمال الوريث بفكره الجديد الذي كان من شأنه أن تزداد طبقة رجال الأعمال توحشاً، ويزداد الفقير سحقاً، والطبقة المتوسطة انحساراً وهي الطبقة التي تحمل القيم الأصيلة للمجتمع وإمكانية إنجاب العلماء والمبدعين والمبتكرين؟

نعم خرجنا في ثورة ولكنها لم تكتمل، سرقت كما تسرق الأحلام من الغلمان حديثي السن معدومي الخبرة.

انتو عملتوا إيه؟
صفعة صادقة من السيسي علنا نفيق، صفعة طالتنا جميعاً، ونتحمل مسؤولية الرد عليها جميعاً فكيف السبيل؟

في مصر التي صنعت جهاز الكفتة لسنا بحاجة لاختراع العجلة، ولعلنا ونحن بهذا الوهن لا نستطيع، والحل يعرفه القاصي والداني لنقل البلاد من الفقر الذي نُعير به لمصاف الدول القوية الغنية مستلهمين تجارب عديدة صنعت ذلك فقط بعد الانتقال إلى الحكم الرشيد الذي يعمل لصالح الشعب وليس لصالح أعدائه.

بات من المعلوم يقيناً أن المؤسسة العسكرية لن تتخلى عن نفوذ الحكم وامتيازاته إلا بثورة شعبية حقيقية ليست كسابقاتها، ولكن وقد فشلت كل دعوات النزول من بعد الانقلاب حتى مرت الذكرى السادسة دون حراك يذكر، يجب أن نبحث عن آلية عمل شعبي جديدة تسبق دعوات الحراك.

يجب أن نكون قد أدركنا أننا لسنا في حالة سلام مجتمعي، وأن أحداث السنوات الست الماضية قد عمقت الجراح والانقسامات البينية، وصارت حواراتنا جميعاً أكثر حدة وصخباً، وهذا هو الوقود النافع الدافع لعجلة السيسي؛ لذا فإن أولى مراحل إسقاطه يجب أن تكون وقف هذا التدفق غير المبرر لمشاعر الكراهية بين صفوف الشعب الراغب في غد أفضل متكافئ.

لا يمكن اعتبار مبادرة ميثاق الشرف الوطني التي اجتمع عليها سياسيون من الداخل والخارج لبنة يمكن البناء عليها لا لشيء سوى أن البناء عليها قد تأخر، وهي آفة إهدار الوقت التي ما زلنا نعاني منها، ولكنها مؤشر رائع يعكس كوننا لم نفقد بعد سبل العمل المشترك من أجل إنقاذ هذا الوطن.

ولو كان السيسي قد جعل عام 2016 هو عام الشباب فسحق الشباب، وعام 2017 عام المرأة وها هي تئن تحت جحيم الأسعار وانسداد الأفق وهي الأكثر بحثاً عن الاستقرار والحياة الهادئة، فلنجعل نحن عام 2017 عام اللُّحمة المجتمعية، عاماً ننبذ فيه جميع المصطلحات التي تدعو إلى التفرقة والتشرذم، مثل سيساوي ومرساوي وثورجي وفلول، دعونا نتفق أننا جميعا نعيش في بلد "فقيرة قوي" وأن الحكم العسكري الذي دفعه إلى الهاوية بات يعايرنا بهذا الفقر وهم الذين نهبوها وأفقرونا، دعونا نتفق أن يكون عام 2017 هو عام المبادرة صوب الآخر ما عدا الذي تورط في دم أو حرض عليه،

دعونا نغزل رسائل حب كل الحب لكافة المصريين، دعونا نتفق أننا تألمنا جميعاً وخُذلنا جميعاً، أننا حلمنا جميعاً وغدر بنا جميعاً، دعونا نتفق أننا في مربع الهزيمة نتابع جسدنا العربي الذي يتم التهامه قطعة بعد قطعة، دعونا نتفق أننا بضعفنا أصبحنا مُهيئين لأي مخطط مرعب أراده الأعداء لنا، دعونا نتفق أننا جميعاً نرفض هذا الواقع.

دعونا ولو لفترة إنقاذ نلفظ الحزبية ونؤجل الأيديولوجية حتى نسترد الحرية، فالمسلمون الأوائل لم يجهروا بالدعوة حتى مكن الله لهم سُبل الجهر بالدعوة، ورخص لهم حتى إنكار الإيمان للنجاة، بالطبع أنا لا أقر بعودتنا تماماً للجاهلية الأولى كي تسرى علينا أحكامها، ولكن يبقى السعي إلى الحرية مقدماً على فرض الأيديولوجية، بل إن الهوية الإسلامية ليست إلا عبودية لله وحده وحرية تامة أمام ما هم سواه، لا سيما طواغيت البشر، وهذا لا يتحقق إلا بعد انتزاع الحرية.

لنتفق أننا جميعاً مصريون ننتمي إلى وطن عظيم هو الأقرب إلى الإفاقة والإنعاش قبل جيرانه ما من شأنه إنقاذ أمتنا التي تلتهم، وهو قدر مارسته مصر من قبل حين صدت عن أمتها كيد الصليبيين وهمجية المغول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق