الجمعة، 10 يناير 2025

قراءة في أحداث مخيم جنين

 قراءة في أحداث مخيم جنين

كاتب وطبيب، من مخيم جنين

مثل المخيمات بشكل عام رمزًا للجوء الفلسطيني، ونبراسًا للكيان السياسي الفلسطيني، ومعقلًا مهمًّا لعقل جمعي مرتبط بحق العودة وتقرير المصير السياسي، وهنا مربط الفرس..

يتعرض مخيم جنين منذ أكثر من عام لاجتياحات موسعة، ترقى لمصطلح إبادة الحياة المدنية، وتمت "إبادة" جيل كامل بنسبة قد تصل إلى 1٪؜ من نسبة سكان المخيم خلال أكثر من عام، وذلك في إطار "محاربة الارهاب"!! كل هذا الهجوم هدفه الأساسي تصفية قضية المخيمات، التي هي بالأساس رمزية للاجئين والدولة الفلسطينية بكينونتها السياسية، وتكسير الوعي الجمعي للجمهور. وبالتالي فإن القضاء على المخيمات، بالتزامن مع الهجوم على وكالة الغوث (الأونروا)، وحرب الإبادة في غزة، يعني قضم الباب السياسي بكليته للدولة الفلسطينية.

خلال العام المنصرم -أي بعد السابع من أكتوبر- ازدادت الضغوطات الدولية والإقليمية على السلطة الفلسطينية لإضعافها وعمل إصلاحات فيها "أي سلطة متجددة بدون كيان سياسي"

تعمل المؤسسة الأمنية الإسرائيـلية منذ السابع من أكتوبر على تطبيق خطط الدرج والمعدة مسبقًا، وهي القضاء على المخيمات ومحاولة تهجير أهلها، كخطة ممنهجة بحجة "التخريب والارهاب"!! وبرز مخيم جنين ومخيمات الشمال كنموذج، إن نجحوا بتطبيقه فسيعمم على باقي مخيمات الضفة بسهولة.

خلال العام المنصرم -أي بعد السابع من أكتوبر- ازدادت الضغوطات الدولية والإقليمية على السلطة الفلسطينية لإضعافها وعمل إصلاحات فيها "أي سلطة متجددة بدون كيان سياسي"، وازدادت الضغوط عليها لكي تواجه الجيوب في شمالي الضفة الغربية، فكان نموذج الاختبار الحقيقي هو مخيم جنين، إذ أطلقت السلطة الفلسطينية عملية عسكرية بطريقة غير مسبوقة، ووظفت كل ما يلزم لتوجيه الرأي العام، والتسويق لدى الجمهور بأن مخيم جنين هو منطقة فيها مجموعة من الخارجين عن القانون ولهم أجندات خارجية، وذلك لكي تثبت السلطة نفسها أنها قادرة..

المطلوب هو تعزيز صمود وثبات الفلسطينيين على أرضهم، وخاصة أهل المخيم، وأن تكون السردية الفلسطينية منصفة بتوجيه الرأي نحو العدو المحتل  المشترك، وعدم تغييبه من تحليلاتنا وقراءاتنا

ما يحدث ينذر بأننا دخلنا مرحلة جديدة عنوانها ذو طابع أمني بدون كينونة سياسية، بطريقة فظة وعنيفة تحت أسماء مختلفة، فما يحدث اليوم المستفيد الأول منه هو "إسرائيل" وتوظفه لصالحها، ويخدمها في زيادة الفوضى والعنف والكراهية، بشكل يقوض استقرار الجمهور الفلسطيني، ويضفي على وعيه مزيدًا من الهزيمة، ما يعمل على إضعاف المناعة المجتمعية للفلسطينيين برمتهم، ويُنتج مزيدًا من تمزيق التركيبة والهندسة الاجتماعية، وبالتالي إدارة الصراع بأقل الإمكانيات.

إذًا، المطلوب هو تعزيز صمود وثبات الفلسطينيين على أرضهم، وخاصة أهل المخيم، وأن تكون السردية الفلسطينية منصفة بتوجيه الرأي نحو العدو المحتل  المشترك، وعدم تغييبه من تحليلاتنا وقراءاتنا، فهو العامل الجاثم الذي يوظف المشهد لصالحه، وعدم الانجرار وراء مزيد من جو الفرقة والضعف والفيروسات المجتمعية، فنحن في مرحلة تتطلب منا الوعي والحوار وخفض جو الكراهية والعنف، لا الانغماس فيه وزيادة ضبابيته!!

  • ملحوظة: هذا تحليل سياسي بعيدًا عن الأيديولوجيا والرغبوية، ونسأل الله أن يحقن الدماء وأن يحفظ مخيمنا وبلادنا، ويرحم جميع شهـدائنا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق