العدو الصهيوني أو الحليف المُحتمل
في اللحظة التي تُقرّر فيها إسرائيل أنّها فوق القانون الدولي وفوق أيّة اتفاقات جماعية أو ثنائية، وأنّها كيان غير محدود الجغرافيا والحرية في التصرّف، لا يستقيم عقلًا أن يبقى طرف يتعاطى معها باعتبارها دولة طبيعية تحت مظلّة النظام الدولي، فما بالك لو كان هذا "الأحد" عربي يقع في مرمى الأحلام التوسّعية الصهيونية والقابلية للاعتداء طوال الوقت.
مشكلة النظام العربي مع الكيان الصهيوني أنّه غير واضح في تحديد نوع العلاقة وشكلها معه، تارّة يسلك وكأنّه جار إقليمي وربّما شريك، وتارّة يراه عدوًاً يشكّل خطراً وجوديّاً حقيقيّاً عليه، غير أنّه، في كلّ الأحوال، لا يعبّر عن موقفه بوضوح وصدق، أو بالأحرى هو لا يملك موقفاً استراتيجيًاً من الأصل، فتبقى العلاقة رهينة الحسابات الوقتية والانفعالات اللحظية، وبالتالي، يبقى الكيان الصهيوني لا هو العدو ولا هو الصديق، وهذه وضعية شديدة السيولة والميوعة تمرّ من خلالها شراكاتٌ تجاريةٌ علنية، وصفقات سياسية في الغرف المُظلمة، على نحو ما كشفت عنه مبادرة دونالد ترامب أو ما سميّت "خطّة ترامب" لوقف الحرب وإحلال السلام، من دون أيّة جداول زمنية أو خطواتٍ عملية، الأمر الذي يجعلها أبعد عن خطّةٍ عمليةٍ وأقرب إلى "وصفة" أو تعويذة سحرية تنتمى إلى دنيا الدجل والخُرافات.
في مقابل ميوعة شكل العلاقات الرسمية العربية مع الكيان الصهيوني، ثمّة صرامة وتحديد قاطع للعلاقة مع المشروع المُضاد للتمدّد الصهيوني، وهو مشروعُ المقاومة الذي يكاد النظام العربي يجمع على موقف استراتيجي منه، هو موقفُ الرفض والعداء لفكرة المقاومة، بالمطلق، وتحميلها المسؤولية عن كلّ ما أصاب وما سوف يُصيب وما لم يصب الجسد العربي من علل وأمراض، ويعكس ذلك تلك الحالة الجماعية من السعادة بخطّة دونالد ترامب، التي هي بالأساس خطة بنيامين نتنياهو، والتي تبدأ وتنتهي من نقطة جوهرية هي القضاء على المقاومة، مبدأً وفكرةً وحقّاً أساسيًاً للشعوب المُحتلة، وتصنيفها عملاً إرهابيّاً مجرّماً.
عن الخطة التي يبدو أنّها ولدت ميتًة مثل جنين من علاقة مسافحة، تقول القناة 14 الإسرائيلية، المشهورة بأنها لسان حال معسكر نتنياهو، إنّه وفقاً لمصدر مسؤول، "خطّة الرئيس ترامب لإنهاء الحرب تتضمّن إنجازات عديدة لإسرائيل. ومن جملة ما ذكره، عزل حماس دوليًاً وإعادة جميع المختطفين. وأوضح المصدر: "الاتفاق لا ينص على إقامة دولة فلسطينية، وعلى أي حال، لن تتغير سياستنا".
ربّما يفسّر ذلك ما يُمكن وصفه بتبطيء سرعة الهرولة السعيدة نحو خطّة البيت الأبيض، من دول اشتعلت بالحماس في الترحيب بها قبل قراءتها باعتبارها إنجازاً تاريخيّاً لمجموعة الدول العربية والإسلامية (المعتدلة بحسب التصنيف "الصهيوأميركي") ومن لفّ لفها أو لفّ حول عتباتها من محلّلين يتحلّلون من آرائهم القطعية تبعًا لحالة المُمسك بالريموت كونترول، فتجد الشيء مُنتهى الحكمة صباحاً، والتراجع عن الشيء نفسه عين العقل مساءً، وهذا كلّه يتوافق مع سياق السيولة والميوعة في تحديد المواقف، ومن ثم الميوعة في شكل العلاقات مع الكيان الصهيوني، وهي، السيولة المائعة، ليست وليدة اللحظة بل عمرها سنوات، منذ رئاسة دونالد ترامب الأولى. وعلى سبيل المثال، لا بأس من التذكير بإجابة ولي العهد السعودي في أوّل حوار له مع مجلة ذي أتلانتيك الأميركية حين قال: "لا ننظر إلى إسرائيل عدواً، بل حليفاً محتملاً في مصالح عديدة يمكن أن نسعى إلى تحقيقها معاً، لكن يجب أن تحلّ بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك".
وعلى المنوال نفسه، تنسج كلّ دول الاعتدال العربي، وكأنها لا تطيق رؤية الشرق الأوسط من دون الاحتلال الصهيوني، كما يريد ويطلب دونالد ترامب الذي كان أوّل قرار اتخذه، في أثناء رئاسته الأولى، ضمّ الكيان الصهيوني إلى عمليات القيادة الوسطى (المركزية) الأميركية بالشرق الأوسط، في يناير/ كانون الأول من عام 2021 لتصبح إسرائيل شريكة البلدان الواقعة ضمن نطاق عمليات القيادة المركزية بلدان دول الخليج (الكويت، السعودية، قطر، سلطنة عمان، البحرين، الإمارات)، ومعها مصر، والعراق، وسورية، والأردن، ولبنان.
في إطار الميوعة السائلة، هناك من لا يستطيع التضحية بصفقة تجارية أو سياسية مع إسرائيل، لكنه لا يجد غضاضة في استخدام مفردة "العدو" في مهرجانات الخطابة، من دون تحديد من المقصود بالعدو، لكنه في اللحظة نفسها يعلن بلهجة صارمة أنه لن يضحي بمصالحه من أجل إنقاذ الشعب الفلسطيني "الشقيق" كيف يكون شقيقك من لا تجرؤ على تخليصه من يده قاتله؟

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق