فتاة سورية يتحطم حلمها في فرنسا بسبب ارتدائها الحجاب
يمنى الدمشقي- دمشق
وجه غض يحمل حكايات كثيرة، ملامح توحي بالتعب والإباء، وصوت يغص من حباله المتشنجة، وأيام ما كانت عليها إلا شقاء وخيبة أمل، بين الكلمة وأختها تنهيدة حسرة كعجوز خبرت بالسنين.. هكذا كانت تبدو "وئام"، الفتاة النشطة المجتهدة التي فقدت فرصتها لدراسة الدكتوراة في فرنسا بسبب حجابها، بعد تجربة اجتماعية قاسية.
تخرجت "وئام" من جامعة دمشق، كلية الآداب قسم اللغة الانكليزية، بدرجة ممتاز، ثم حصلت على منحة إلى أمريكا لتتم دراستها هناك، وبالفعل سافرت وئام إلى أمريكا ونالت شهادة الماجستير، وفي عطلتها عادت إلى دمشق لزيارة أهلها، وتزامن هذا مع العام الأول للثورة السورية. عندما عادت لم يكن حيها في دمشق قد ناله ما نال المدن الأخرى من الدمار والموت، إلا أن شيئاً في وجه المدينة كان قد تغير، ربما وجوه أهلها وربما رائحة الموت المنبعثة من أحياء الريف.
في تلك الأثناء تقدم أحد الشبان المقيمين في فرنسا لخطبتها واعداً إياها بإتمام دراستها هناك في جامعة "السوربون"، وبالفعل تمت الخطبة وتزوجت وئام بعد شهرين. قضت أول أيام زواجها كأي عروس تدخل قفصها الذهبي بفرح، لكن الأيام بدأت تحمل عليها التعب ومزيداً من الشقاء، حيث انقلبت معاملة زوجها معها، حتى بات يضربها تارة ثم يطردها من المنزل تارة أخرى.
حاولت "وئام" جاهدة أن تعرف ما سر التغير الذي حصل، إلى أن وصلت أن زوجها متزوج امرأة أخرى فرنسية وهي حامل منه، الأمر الذي أوقعها في صدمة نفسية حادة.
تقول وئام: "أخفيت كل هذا عن أهلي الذين اضطروا مع مرور الأيام أن يخرجوا من بيتهم وينزحوا إلى مصر، وكنت أخبئ كل هذا الألم داخلي. وطلبت من زوجي الطلاق، لكنه كان يرفض حتى أتخلى له عن كافة حقوقي، إلى أن اضطررت ذات ليلة إلى أن أهرب من البيت بعد سوء المعاملة من قبله وذهبت إلى الشرطة، وهناك أودعوني في مكان مخصص لاستقبال هذه الحالات، بقيت هناك ليلة واحدة ولم أستطع إلا أن أعود إلى جحيمي الأبدي".
حاولت "وئام" أن تهرب إلى أهلها في مصر لكن ما أعاقها هو تأشيرة الدخول المفروضة على السوريين، أما سوريا فكانت الحل المستحيل لأنها تخشى من أن تكون مطلوبة للنظام، لا سيما أنها كانت تنشر باسمها الصريح على صفحات الفيسبوك منشورات ضده، وما زاد مأساتها أن زوجها حرمها من دراستها ومن إتمام تعليمها وحلم حياتها في الحصول على الدكتوراة.
مرت الأيام والشهور والسنون على "وئام" وعاشت أقسى أيام حياتها مع الزوج الذي باتت تشك بأنه مريض نفسي، إلى أن اقتربت ولادة الزوجة الفرنسية وبات الزوج بحاجة إلى عقد مدني مع عشيقته الفرنسية ليسجل ابنه، فطلق وئام، وهنا كانت الحرية تدق بابها للمرة الأولى.
خرجت وئام من حرب من نوع آخر، حرب نفسية بامتياز، حطمت حلم حياتها ونالت من أجمل أيام عمرها، لكنها حاولت ألا تبصر فيها إلا الإرادة، فمضت في تحقيق ذاك الحلم، واصلت دراستها ليل نهار وصارت تلجأ إلى الكثير من الكتب والمراجع لتعزيز خلفيتها الثقافية والتعليمية، وكانت بالإضافة إلى ذلك تعطي دروساً خصوصية للأطفال، أو تجلس معهم كجليسة للإشراف عليهم في حال غياب أهلهم. استأجرت بيتاً صغيراً على نفقة طليقها بعدما أجبرته الحكومة الفرنسية على دفع إيجار هذا المنزل طالما كانت وئام على الأراضي الفرنسية، إلى أن وصلت إلى اللحظة التي قابلت فيها دكتورة في جامعة السوربون وأعجبت فيها أيما إعجاب.
صارت الدكتورة الفرنسية تختبر اجتهاد وئام فتعطيها أبحاثاً مطولة للترجمة والدراسة فتنهيها بفترة زمنية قياسية، فحصلت على الثناء الشديد من أستاذتها، ورشحتها الدكتورة لعمل الدكتوراة في جامعة السوربون وأرسلتها للمسؤول هناك، باختصاص "تطوير التعليم" الذي لم يكن موجوداً هناك فتم إرسالها إلى جامعة في جنوب فرنسا.
وعند مقابلة رئيس الجامعة، وأثناء حملها ورقة توصية، قال لها: "أمورك كلها جيدة، لكن هناك عقبة صغيرة تقف في وجهك، عليكِ خلع حجابك، أمامك عشرة أيام لتفكري في الموضوع وإلا فسيتم رفض طلبك".
تبين وئام: "لم أحتج إلى عشرة أيام لأفكر، لأن الجواب كان مباشراً، لم أخف أثر الخيبة التي أصابتني، لم أخف الألم الذي شعرت به في بلد يدعي الحرية ثم يوزعها حسبما يشاء، حسمت أمري في تلك اللحظة وأجبته وقلت له حجابي ديني وهويتي، وأنا لن أتخلى عن ديني، ثم استأذنت وانصرفت".
خسرت وئام فرصة حياتها مرة أخرى، خسرتها هذه المرة لأنها محجبة، أن تعيش في بلد أوروبي ثم تعامل به بهذه العنصرية.
كان كل ذلك متزامناً مع طلب لجوء قدمته إلى فرنسا، ولا زالت في انتظار الموافقة عليه، وبعد الصدمة التي حدثت لها، صارت تراسل جامعات ألمانية وأمريكية مرة أخرى لتتم دراستها، مدركة أن الشيء الوحيد الذي قد ينفعها في حياتها هو شهادتها.
تحكي وئام أنها لم تكن تتوقع يوماً أن يتم رفضها في جامعتها بسبب حجابها أو هويتها، ثم تتساءل: هل يمكن لجامعة عالمية في بلد مرموق أن تمسح كل ما بحوزة الطالب من شهادات وتوصيات وتشطب على تفوقه ونجاحه فقط بسبب حفاظه على انتمائه؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق