أسد سنة العراق في ذمة الله
تقرير إخباري ـ المسلم | 21/5/1436 هـ
أن تفقد الأمة الإسلامية أبرز رموزها في زمن القوة والمنعة خسارة وأي خسارة , فموت العالم والقائد والمفكر ثلمة في جسد الأمة لا يمكن سدها إلا بعوض وخلف له , فكيف يكون الحال حين تفقد الأمة أبرز قادتها ورموزها وعلمائها في أشد أوقات الحاجة إليهم , حيث التفرق والوهن والضعف يسود أمتهم , وتكالب الأعداء عليها من كل جنس ولون وملة لم يعرف له التاريخ مثيلا ؟!!
في مثل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة الإسلامية عموما , والعراق على وجه الخصوص , يأتي خبر وفاة أسد أهل السنة في العراق الشيخ المجاهد حارث الضاري , الذي كان صخرة عاتية في وجه المشروع الصفوي في العراق , وحائط سد أمام المؤامرات الصهيونية المجوسية على بلاد الرافدين .
نعم ...لقد بلغ الكتاب أجله , وتوفي في مدينة إسطنبول التركية صباح اليوم الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق الشيخ حارث الضاري عن عمر يناهز 74 عاما , في وقت تزداد فيه المخاطر على الوجود السني في العراق , بعد التحالف الأمريكي الإيراني الذي لم يترك وسيلة إرهابية سياسية أو إجرامية إلا استخدمها لتحقيق هذه الغاية الخبيثة .
والحقيقة أن الحديث عن حياة شخصية إسلامية بوزن الشيخ حارث الضاري لا تقتصر أهميتها على مجرد الوفاء لجهوده ومواقفه المشرفة تجاه دينه وبلده وأبناء ملته ووطنه , خصوصا بعد الكوارث التي أصابت العراق منذ الاحتلال الأمريكي لها وحتى الآن , بل يتعدى الأمر ذلك إلى الاستفادة من منهجه في معالجة القضايا المصيرية التي ألمت بالعراق مؤخرا , ومواجهته الشجاعة للسياسة الرافضية التي تهدف إلى إنهاء الوجود السني في العراق .
من هو الشيخ حارث الضاري
هو حارث بن سليمان بن ضاري بن ظاهر بن محمود الزوبعي الشمري الطائي , ولد في قضاء أبي غريب التابع لمحافظة بغداد عام 1941م , ونشأ في كنف والده الشيخ سليمان وأخذ عنه الالتزام الديني الذي عرف به , و الذي كانت تربطه بعلماء العراق علاقات وثيقة .
انتدبه والده لدراسة العلوم الشرعية , فقرأ القرآن الكريم مبكرا , ثم ابتعثه الى المدرسة الدينية الأقرب على مضارب عشيرة زوبع , فدرس فيها الفقه الشافعي وعلوم اللغة وشيئا من الحديث والتفسير والمنطق .
انتقل بعدها للدراسة في بغداد التي درس فيها على يد جماعة من علمائها الفضلاء أبرزهم :الشيخ فؤاد أفندي الآلوسي , و الشيخ عبد القادر الخطيب , والشيخ الحاج نجم الدين الواعظ .
بعد أن حصل على شهادة الثاني عشر الدينية عين إماما في أحد مساجد بغداد , ثم انتقل للدراسة في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر الشريف عام 1962م , وحصل منها على (الشهادة العالية) في التفسير والحديث عام 1967م.
عاد إلى العراق فترة ليعمل مفتشا في الأوقاف ثم معيدا في كلية الإمام الأعظم عام 1970، سافر بعدها إلى القاهرة ليتم دراسة الماجستير في تخصص الحديث عام 1971، ثم الدكتوراه التي كانت بعنوان (الإمام الزهري وأثره في السنة)، التي أكملها عام 1978 بتقدير ( ممتاز) مع التوصية بطبع الرسالة.
بعد ذلك عاد إلى كلية الإمام الأعظم التي تحول اسمها عام 1980 إلى كلية الشريعة بعد انتقالها من وزارة الأوقاف إلى جامعة بغداد ؛ وتركها عام 1997م متقاعدا بناء على طلبه بعد خدمة جامعية دامت (27) عاما ، درس وحاضر فيها إضافة إلى كليتي الشريعة والدراسات الإسلامية في كل من: كلية الشريعة بجامعة اليرموك في الأردن 1997م , وكلية الدراسات الإسلامية والعربية في دبي 2000م , وله بعض الكتب المبوعة , والكثير من البحوث والدراسات .
أبرز مواقفه المشرفة
إذا كان الرجال يعرفون بمواقفهم المشرفة في أوقات الشدة والبأس , فإن للشيخ الضاري "رحمه الله" الكثير من هذه المواقف لعل أهمها :
1- وقوفه في وجه الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م , وتأييده لجميع وجوه المقاومة العراقية ضد قواته , والتي كانت سببا مباشرا في انسحاب الجيش الأمريكي من العراق , بعد أن خلف وراءه أحد أبرز عملائه المالكي , لينفذ الأجندة الأمريكية الرافضية .
فمن المعلوم أن لعشيرة الشيخ حارث الضارى تاريخ كبير فى نضال العراق ضد الاحتلال الأمريكي , كما أن الشيخ استثمر نفوذه الكبير فى عشيرة زويع التى تتواجد فى الفلوجة , وفى أماكن كثيرة حول بغداد لدعم المقاومة ضد الأمريكان .
2- وقوفه في وجه المشروع الصفوي الأمريكي الذي بدأ المالكي بتنفيذه منذ توليه رئاسة الوزراء عام 2006م بدعم أمريكي وإيراني واضح , ومما ساعده على ذلك اكتشافه المبكر – بفطنته وفراسته وبعد نظره - للمخطط الرافضي في العراق , فقد لاحظ الشيخ أن المالكي يستخدم كافة المسؤوليات الموكلة إليه : السياسية والعسكرية والأمنية ضد السنة تحت ذريعة الإرهاب , فوقف في وجه جميع سياساته الطائفية العنصرية , ودعا في أبريل/ نيسان 2012 الشعب العراقي إلى القيام بثورة شعبية سلمية ضد هذه الحكومة الرافضية .
ونظرا لكونه أبرز مرجعية للعرب السنة في العراق مقابل مرجعية السيستاني للشيعة ، فإنه استطاع بمكانته الرمزية ضمان رجوع قادة السنة السياسيين إليه في كثير المنعطفات المصيرية , الأمر الذي كان له أثرا كبيرا في وحدة الصف السني , ونجاح المظاهرات ضد المالكي حتى رحيله .
3- شارك فى تأسيس هيئة العلماء المسلمين فى العراق إبان الاحتلال الأمريكي , وكان رئيس لها ثم أمينا عاما , والحقيقة أن الهيئة أصبحت بفضل حكمته والمواقف المشرفة التي اتخذتها ضد المشروع الرافضي من بين أهم القوى العراقية المناهضة للاحتلال و للطائفية ومشاريع الأقاليم ، واعتبرت أنها مشاريع تفضي إلى تقسيم البلاد .
تعزية الأمة بالشيخ المجاهد
جاء في الحديث الصحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ قَالَ : قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ , فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , فَمَرَّتْ بِهِمْ جَنَازَةٌ فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :؛ وَجَبَتْ . ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَجَبَتْ . ثُمَّ مُرَّ بِالثَّالِثَةِ فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا شَرًّا فَقَالَ وَجَبَتْ . فَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ فَقُلْتُ : وَمَا وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : قُلْتُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ فَقُلْنَا وَثَلَاثَةٌ قَالَ وَثَلَاثَةٌ فَقُلْنَا وَاثْنَانِ قَالَ وَاثْنَانِ ) ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنْ الْوَاحِدِ . صحيح البخاري برقم 1368 .
فإذا كان هذا شأن من شهد له أربعة أو أقل من المسلمين بعد وفاته بالخير , فما هو الشأن في رجل شهدت له الآلاف المألفة من أبناء الأمة بالصلاح والخير والجهاد والصدع بكلمة الحق , وذلك من خلال سيل من التعازي التي تنشرها وسائل الإعلام تباعا حتى ساعة كتابة هذه السطور .
وإذا كانت هيئة علماء العراق كانت أول من عزى في وفاة الشيخ الضاري , من خلال إصدار بيان لها بهذا الشأن اليوم , مؤكدة أن الشيخ عاش حياةً حافلة بالعطاء، ابتدأها بتحصيل العلم الشرعي , وتربية الأجيال وتخريج العلماء، والدعوة إلى الله، وأنهاها بالجهاد في سبيل الله ، والوقوف بحزم أمام مخططات الأعداء الذين كانوا ومازالوا يتربصون بأمتنا الدوائر، ويسعون الى النيل منها ...... فإن الكثير من العلماء والدعاة من أهل السنة وغيرهم قد شاركوا في تعزية أسرة الضاري وعشيرته والعراق والأمة الإسلامية جميعا بفقد أحد رموزها المميزين .
ولم يتوقف أمر التعزية على العلماء والدعاة والمشاهير والأحزاب – كحزب الأمة الكويتي – فحسب , بل تعداه إلى عامة أبناء الأمة الإسلامية , ممن عرف الشيخ الضاري على حقيقته , وعلم مدى الفاجعة والمصيبة التي حلت بالأمة بسبب وفاته اليوم , فقد ازدحمت صفحة التواصل الاجتماعي "تويتر" بالمعزين تحت هاشتاج بعنوان : #حارث # الضاري # .
وإذا كان شأن الإنسان يظهر بعد وفاته بعدد من يفتقدونه ويعلمون مقدار مصاب الأمة بموته , فإن ردة فعل أعداء الأمة من المجوس الرافضة على وفاة الشيخ حارث الضاري , وإظهار شماتتهم وغبطتهم وفرحهم بموته , تظهر كم كان للشيخ من أثر في الوقوف في وجه مخططاتهم , وكم كان يشكل خطرا على أطماعهم .
وختاما لا بد من القول : أنه على الرغم من حجم المصيبة والفجيعة في موت الشيخ الضاري , إلا أن الخير في هذه الأمة إلى يوم القيامة بلا شك , وأن رحم الأمة لن يكون عقيما لإنجاب أمثاله رحمه الله , ولا نقول إلى ما يرضي ربنا : إنا لله وإنا إليه راجعون , اللهم اجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرا منها . آمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق