"أبطل" الزعماء العرب
يحار المرء بين الزعماء العرب، وهو يقارن بين فضائلهم ومناقبهم، ويتنقل بين القنوات الفضائية العربية وهو حسير، كأنه في حديقة غنّاء ودوحة فيحاء، فمن هو أشد الزعماء بشعبه فتكاً، وببيوتهم دكاًّ؟ هل هو الرئيس بشار الأسد، أم هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؟
وكان الأسد قد فتح سوريا مرة ثانية فتحاً ليس كفتح خالد بن الوليد أو أبي عبيدة بن الجراح لها، فقد فتحها الأسد بمساعدة كريمة من الأشقاء الروم والأشقياء الفرس، فأمطر حواضر الشام بالبراميل المتفجرة، فدمّر مدنها ومساجدها، وقتل أهلها شيباً وشباناً، ذكراناً وإناثاً، بالسلاح الكيماوي المحرّم دولياً.
إنَّ السيسي فاضل أيضا، وهو آخر الفراعنة المصريين، غراب النيل الأعصم الذي صعد سلّم الحكم درجة درجة، بتفويض مباشر من الشعب، مثل التفويض الذي وُقع في سقيفة بني ساعدة، فبنى لشعبه قصوراً وجسوراً وطرقاً ومعارج، لن ننكر أنها مبنية بقروض ربوية من البنك الدولي، عالية الفوائد، لكنها صروح يستطيع المصري أن يباهي بها محمد علي باشا في قبره.
يجب أن نقرّ بأن عبد الفتاح "الصيني" رئيس شجاع لم تلد النساء مثله في شجاعته، ومن شجاعته أنه يبحث لشعبه هذه الأيام عن طريقة يقطع بها نسله، ويعقّم أرحامه إن كان بقي له نسل من الخوف أو أرحام من البطش الذي تعرض له، فسلك طريقاً يلتمس به علماً، فوجده في الصين البعيدة، ليس بتشجيع شعبه على الصناعة والإبداع كما يفعل زعماء الصين، وإنما بإكراههم على "العزل"، وكراهة الإنجاب، وقطع الذرية، ولما قيل له: إن الصينيين، وهم أكثر الأمم عدداً وعدّة، ارتدّوا على طريقتهم وندموا على ما فاتهم، وهم يسعون لإكثار النسل هذه الأيام، قال مستشاروه إنهم سيحذون حذوهم أيضاً بعد خمسين سنة من تحديد النسل، فلا بد من الوقوع في نفس الحفرة التي وقع فيها الصينيون!
قد يبيد الرئيس المصري الباسل من الشعب المصري ما أباد زعيم الثورة الثقافية الصينية ماو تسي تونغ، وكان قد أباد ستين مليون صيني جوعاً، لكن السيسي أحكم من ماو، وتتجلى حكمته في أنه يتبنى التدرج، والتهزيل الناعم، فصغّر رغيف العيش المصري، ورفع ثمنه، تزهيداً للمصري في الشبع، حتى إن مشى على الجسور التي بناها سلمت من الخسف.
وتظهر حكمة السيسي في أنه يتأسى بالطريقة الصينية، من غير إعلان للشيوعية، فهو متنبه إلى الفروق الدينية والثقافية، فهو يخوض ثورة ثقافية من غير إعلان عنها، ويدمّر آثار مصر وأوابدها، ويبيع بعضاً من آثارها من غير تدمير، حتى يدخل المصري التاريخ الجديد من غير غلوّ في الماضي التليد، وتعظيم للتاريخ خاصة الإسلامي، ويحتفي بالمدينة الإدارية وحدها، ويستطيع المصري إن استطاع سبيلاً إلى متاحف أوروبا أن يرى آثار بلاده فيها، وأن يبكيها إن شاء.
لم يحدث أن كان لمصر رئيس بهذه الشجاعة، وهي شجاعة تبلغ حدّ التهوّر، يقول له رئيس وزرائه أن يترفق بالشعب، فيرفض ويأبى إلا أن "يشيل الشيلة" وحده، بل ويعلن ذلك على الملأ، قائلاً: أشيلها لوحدي، وأقابل ربنا بعملي. إنه يذكّرنا بقول لعمر بن الخطاب: بحسب آل الخطاب أن يُسأل منهم رجل واحد.
إنه رئيس عظيم، بنى أحسن السجون لعلماء مصر ونوابغها، لأن السجون مدارس تهذيب وإصلاح، وإصلاح الآباء واجب قبل إصلاح الأبناء. ولم تذكر المرويات القديمة رئيساً حكم مصر، لديه هذا الولع بركوب الدراجات، وهي آلة رياضية تحسّن الصحة، وتقوي عضلات الفخذين والساقين، ولا تضرُّ بالبيئة مثل الحمير أو السيارات، وهو رئيس يهوى اللهو مع الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة والفنانين، والحديث في القروش والفكة، خوفاً من الآخرة. ولم يذكر التاريخ المصري رئيساً أسيفا، رقيق القلب، ثلاجته ليس فيها سوى الماء، وبلغ من زهده في الدنيا أنه تخلّى عن النيل لإثيوبيا وأهلها الفقراء الجياع.
ويستطيع الشعب التونسي أن يباهي برئيسه أيضا، فرئيس تونس مقدام، وهو إلى جانب شجاعته خطيب مصقع يستشهد بالقرآن الكريم والحديث الشريف، وإن كان يخلط بينهما، فيسمّي الحديث قرآناً والقرآن حديثاً، لكنه والحمد لله لم يخلط حتى هذه اللحظة أغنية لعمرو دياب بالقرآن الكريم، أو أغنية لهيفا وهبي بالحديث الشريف. وإنه استشهد في إحدى خطبه، وكلها بتراء تستحق أن تدرّس في المدارس والجامعات وتكتب عنها الأطروحات الجامعية، بآية من سورة يوسف فقال: "يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي "تسع" بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُون". فزاد البقرات السبع بقرتين وجعلهن تسعا، ولم يفعل ذلك إلا لبُعد رؤيته وعلوِّ همته، فهو يستشرف الجوع في تونس، وإنَّ الرئيس التقي الورع غلط في قول الملك الوثني، وليس في قول يوسف عليه السلام!
وقد اعتقل الرئيس عشرات البرلمانيين المنتخبين، على رأسهم رئيس البرلمان المنتخب مثله، غير خائف من الشعب، إنه رئيس شجاع، لا يصطلي له بنار ولا يشق له غبار، يحقُّ للتونسيين أن يباهوا به الأمم.
ولا يقلُّ شجاعة وبطولة هؤلاء وليّ العهد السعودي، الذي أشفق على شعبه من ظلم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأمره بهيئة مضادة لها، تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف، وتحبب الشعب باللهو واللعب، فاستقدم مطربين من كوريا ولاعبي كرة قدم من شتى ملاعب العالم بأثمان خيالية، وما غرضه من ذلك سوى ترفيه شعبه الذي عانى طويلا من خطب الأئمة في المساجد، واحتفل بأعياد أمريكية مرعبة مثل فالنتاين وهالوين، وهي وإن كانت مرعبة، فإنّ رعبها مؤقت ودنيوي وليس مثل إرعاب العامة على منابر المساجد من الشجاع الأقرع في القبر، الذي يعاقب به الله تاركي الصلاة، فلعله أشجع الزعماء العرب طرّاً و"أبطلهم".
twitter.com/OmarImaromar
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق