الخميس، 28 سبتمبر 2023

مفيد الوحش اللي قطع ذنب الجحش

 مفيد الوحش اللي قطع ذنب الجحش



فكّروا ودبروا لاغتيال النبي، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ولما باءت محاولاتهم بالفشل وتمكن منهم النبي؛ أجلاهم من المدينة. 
وبدوافع الحقد تجاه الإجلاء وادعاء المظلومية توجهوا لقريش لتحريضهم على غزو المدينة لأن قريشاً كانت على حربٍ مع المسلمين، وعندما سألتهم قريش: يا معشر بني قريظة إنكم أهل الكتاب الأول، فهل محمد رجل صدق؟ قالت بنو النضير: والله إن دينكم يا معشر قريش خير من دينه.

على إثر ذلك، عزموا على غزو المدينة وقام بنو النضير بالذهاب إلى غطفان لتحريضهم وإغرائهم بغنائم الحرب المضمونة، استجابت غطفان ومعها بعض قبائل نجد.

تحزّبت الأحزاب وعسكرت على أطراف المدينة فذهب بنو النضير إلى أبناء دينهم بني قريظة لتحريضهم على نقض العهد والميثاق مع النبي، عليه الصلاة والسلام، وبعد محاولات بدأت بالصد من بني قريظة إلى الموافقة التي ترتب عليها شتم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، عندما جاءا ليتأكدا من عهد اليهود فوجدا العهد قد نُقض.

وجد المنافقون الذين توسّطوا المسلمين وتراً يدندنون عليه ليبثوا الرعب في قلوب المسلمين، حتى قيل: يعدنا محمد بكنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب لقضاء حاجته!
واستمر حصار الأحزاب ثمانية وعشرين يوماً.

وبعد تفرق الأحزاب كان أول قرار هو التوجه لحرب بني قريظة جزاءً لما فعلوا من نقض الميثاق في حالة الحرب.
هناك رواية جميلة للروائي السوري حنّا مينه، بعنوان «نهاية رجل شجاع» يتكلّم فيها عن شاب اسمه مفيد، امتزجت شخصيته بين الشجاعة والمروءة والأنفة والتصرفات الطائشة، وكنوع من رفض نظرة المجتمع له قام بقطع ذنبٍ لحمار أحد رجال القرية، فترك وجهاء القرية وأعيانها ورجالها كل همومهم ومشاغلهم ومشاكل المجتمع من الاستعمار الفرنسي للشام، والفقر، ومشاكل التعليم، وسوء المعلم والمرافق والخدمات الصحية، وأمسكوا بمفيد والحمار وذنب الحمار وتوجهوا بهم لمجلس المختار لحل القضية، وبمنظر يدعو للتأمل كان الكل يلحق بالركب وكأن ذنب الحمار هو أهم قضية يجب البت فيها ووضع حلٍ لها!
مع الأسف، أرى أن الكثير من أبنائنا اليوم جهلاً أو تجاهلاً كسلاً أو تكاسلاً عن القراءة وبلا شاغل يشغل فكره، ترك كل قضايا الأمة وأحوالها والمجتمع وأعجبه ذاك اللحن من لحون التاريخ وما حدث ليهود المدينة دون النظر في العهود والمواثيق التي نقضوها فكان إجلاء هؤلاء وقتل أولئك الذي كان جزاءً عادلاً بمقاييس ذاك الزمان إن لم يكن كذلك بزماننا، يظن بذلك أنه مثقفٌ يرى بالإنصاف والحياد والبعد عن التطرف والوحشية، متغابياً يتساءل كيف لنبي السلام أن يقيم حداً بالإجلاء والقتل جزاء لليهود، مقيداً فكره الذي يظنه حراً عن معرفة أنها خيانة لميثاق وطن وخيانة عسكرية.

أنبه أني لا أشبه بشراً بحيوان ولا مفيد بالإسلام، لكني أظن والله أعلم أن هناك شبهاً واضحاً بين مستنكر الحدود بالقضية التاريخية وبين من تبع موكب ذنب الجحش في الرواية التي كانت أكبر قضاياه الفكرية والإنسانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق