الأحد، 2 مارس 2014

من إيحاءات الوطنية السعودية: (الليبرو صفوية وصناعة الصراع)


من إيحاءات الوطنية السعودية: (الليبرو صفوية وصناعة الصراع)

د. محمد بن عبدالله السلوم
 (*) 
كاتب وباحث سعودي

أحداث المنطقة بشكل عام والخليج بشكل أخص ونتائجها تؤكد أن صناعة (نيويورك وواشنطن) للأفكار والقيم الأمريكية التغريبية وتصديرها للعالم الإسلامي لا تتعارض، بل تتكامل مع استراتيجيات (قُمْ وطهران) في تفريغ الأوطان السنِّية من هوياتها الفكرية، فكلا الإيديولوجيتين الإنجيلية الأمريكية والصفوية الباطنية الرافضية تتقاطع بينهما الأهداف والمصالح في صناعة بؤر الصراع، كما تتفق مخرجات عقائدهما بعداوة الإسلام السني.

فأتباعه هم أصحاب مشروع المقاومة الفكرية والثقافية والجهادية ومناهضة التغريب عبر التاريخ، وأحداث التاريخ وحوادثه تؤكد ذلك في السابق واللاحق، والواقع أصبح شاهد بذلك على هؤلاء، وعلى دور الليبرو صفوية (من السعودية) في تنفيذ أجندات الطرفين.

كتب المفكر الفرنسي شارل سان برو في مؤلفه (مستقبل السلفية بين الثورة والتغريب) عن القاسم المشترك بين التيارات الفكرية المعادية للإسلام السني، فقال: «وتجدر الإشارة إلى أن كل التيارات الفكرية المعادية للعرب، خصوصاً تلك التي وقعت تحت تأثير الفُرْس، لم تترك فرصة إلا واستغلتها في بخس مزايا المذهب الحنبلي الذي عُدَّ بمنزلة جوهر السلفية الإسلامية والتعبير الأكثر ترسخاً عن النزعة العربية الإسلامية».

ومما يؤكد التناغم الليبرالي الرافضي الصفوي أو التعاون بينهما كتابات بعض من استيقظت ضمائرهم، وصدرت منهم مقالات بهذا الخصوص، حينما انكشفت لهم حقيقة الليبرالية السعودية التي كانوا في داخلها -كما قالوا-، وقد أكدوا على أن الليبرالية لا تعدو أن تكون عداوة لعقيدة هذا الوطن، بل وخصماً لبقاء وحدته وقوته من خلال مهاجمة عوامل وحدة الدولة السعودية.

وفي هذا السياق، كتب الأستاذ (خالد الغنامي) مقاله الأول والثاني عن الطلاق البائن لليبرالية، وكشف فيهما الحقيقة المرة عن المُحرِّكات الرئيسة لهذه المجموعة الليبرالية التي أشغلت خاصة الناس وعامتهم.

فقال عن طلاقه للِّيبرالية في مقاله المعنون (الليبرالية بوابة كل عدو)
: «إنما هو وداع مفارق مبغض للزيف والخديعة، فالليبرالية قد تبدت لي كمشروع يسعى بأساليب ملتوية لتدمير هذا الوطن. كيف؟»، وقد أجاب هو عن هذا السؤال بقوله: «عندنا في المملكة العربية السعودية، دخلت الليبرالية كمنتج مستورد من الخارج ليدخل من جمارك التنوير الديني»
. «ثم أصبحت الليبرالية بوابة لكل عدو كاره لمجتمعنا ساعٍ لتفتيته. فكل من يكره شخصيتنا ومذهبنا ومنهجنا وديننا، لم يكن يحتاج إلا أن يُقدِّم نفسه على أنه (ليبرالي) لكي يأخذه الليبراليون بالأحضان ويُوجِّهون له الدعوات ليكون واحداً منهم، واحداً من المثقفين المتحررين من التقليد، المحبين للحياة والإنسانية... الخ. لكن عندما تكشَّفت الأمور عند من تكشَّفت لهم، وأنا منهم، فإذا بكثير ممن يدعي هذا اللقب باعتزاز كبير ليس سوى عدو موالي لأعدائنا، بل واحد من أتباع مخلصين لهم».

ولم ينفرد الغنامي بهذه الأقوال الخطيرة فقد شاركه كل من الدكتورة/ نورة الصالح، وكذلك الكاتبة/ وداد خالد في مقالاتهما عن الليبرالية في السعودية وأنها العدو الحقيقي للوطن، وذلك بعدما انكشفت لهما الحقيقة.

فالكاتبة (وداد خالد) بعد إعلان تخليها عن الليبرالية، وقد عاشت معها (10) عَشْرَ سنوات -كما قالت-، دونت بعض التغريدات في صفحات تويتر الخاصة بها، وأكَّدَت من خلال ذلك أهداف الليبرالية السعودية في نشر التعددية الفكرية كمقوِّض للوحدة الفكرية والوطنية، لتفضح فيه سلوك الليبراليين والشبكات الليبرالية، وكيف يروجون لقيم الغرب بين الشباب والشابات السعوديين بعد تفريغهم من هوياتهم الثقافية، فقالت: «سوف أكشف الآن بعض حقائق الشبكة الليبرالية، طبعا أنا أكتب منذ تأسيس الشبكة الليبرالية، كانت مهمة المراقبين بالشبكة في البداية مهمتين، (الأولى) نشر مواضيع الإلحاد و(الثانية) مراسلات المعرِّفات التي تحمل أسماء نساء، طلبوا مني كتابة مواضيع تسيء للدين الإسلامي، وكانت فكرتي آنذاك موضوعي الشهير (حرق الحجاب)، وطلبوا مني أن يخرج معي سعوديات ويحرقن الحجاب أمام برج المملكة، وقناة الحرة سوف تكون متابعة لهذا العمل البطولي برأيهم، تواصلت معهم آنذاك واخترتُ موعد يوم 1/7، طبعا أنا حددتُ اليوم وفعلاً كنت ناوية على هذا العمل القذر، ولكن لطف الله منعني والحمد لله، حيث أعلنتُ لمن أراد الخروج معي بتأجيل موعد حرق الحجاب»، وقد وَعَدَت أن تكتب عن تجربتها مع الليبرالية في كتاب تكشف فيه عن الأعداء الحقيقيين للدولة السعودية، وهما الفقر والليبرالية كما هو تعبيرها.

الدكتورة
(نورة الصالح) التي استيقظ عندها الضمير، كتبت مقالاً بعنوان: (لماذا هربتُ من الليبراليين؟).

ومما ورد فيه قولها: «قضيتُ سنواتٍ طويلةً أؤمن بقيم الليبرالية؛ أدافع عنها وأناضل في سبيلها، وأدبِّج الصفحات في جمالها»....«كنت أظن أن دعاوى العدل الذي تصدح به الليبرالية هي دعاوى حقيقية!! وأن حقوق الإنسان هي معصرة الليبرالية الخالصة، وأن الحرية والمساواة التي يُنادى بها آناء الليل وأطراف النهار هي قيم حقيقية تستحق التضحية وبذل النفيس في سبيلها».....«كنتُ -كمثل كل الليبراليين العرب- أمريكيةَ الهوى؛ يشدني المجتمع الأمريكي, وتُعجبني منظوماته الفكرية والأدبية والسياسية والاقتصادية، كنت أقرأ لفكرهم أكثر مما أقرأ في صفحة واقعنا وحضارتنا وديننا لمدة طويلة، صدقت أن الليبرالية هي الحل».....

وتكشف نورة الصالح فساد الليبرالية السعودية، وإفسادها لشباب وفتيات هذا الوطن وعزلهم عن ثقافة وطنهم من خلال الإفساد الأخلاقي والفكري مما لا يسع المقام لذكره، ويمكن للقارئ أن يراجعه في موضعه في أصل المقال، وما يهمنا هنا هو ما كتبته الدكتورة عن حقيقة الوطنية لدى أدعياء الليبرالية السعودية.

فعن وطنية الليبراليين قالت
: «أدهشني تسابق الليبراليين السعوديين على طلب وُدِّ أمريكا بطريقة وقحة لا تحترم مشاعر الجماهير».

وفي المقابل فقد أوضحت الصالح عن الوطنية الحقة، ومن ينتمي إليها ويُضحِّي من أجلها، فقالت عن هؤلاء بما يكشف عن المزايدة الليبرالية الإعلامية في الوطن السعودي: «على الجانب الآخر رأيت (الإسلاميين) مع ضعفهم إعلاميًا، هم الأقوى والأشرف، وهم الذين يبذلون دماءهم في سبيل الأوطان, وضد الهجمة الصليبية على أوطاننا، وجدتهم في فلسطين الكريمة، وفي العراق، وفي أفغانستان، لقد كانوا خط الدفاع الأول ضد التوسع الأمريكي.

تسَاءَلْتُ
: ما لي لم أرَ ليبراليًا واحدًا وجدوه صدفة يدافع عن أوطان المسلمين المحتلة! مجرد نفاق للسلطة، وشهرة إعلامية، ورفاهٍ مالي، وتفريط في الصلاة، ومشروبات، وعلاقات غير مشروعة... هذه هي قصة الليبرالية في وطني، ولا ينبئك مثل خبير».

* الوطن ومحاولات تقويض الهوية:

ما سبق يكشف بحق عن محاولات منَظَّمة وعن أدوار خطيرة تعمل على تفريغ الوطن من هويته الحقيقية وفكره الموحِّد والموحَّد كدور أولي، لتتم تعبئة هذا الفراغ الفكري بالثقافة الغربية التغريبية كدور ثانٍ، ويقوم هذا التيار (الليبرو صفوي) بالدورين معاً خدمة للمشروع الصفوي الإيراني والمشروع الصهيو أمريكي.

كشف الغنامي عن موضوع خطير -في حال تأكيده- حيث الليبرالية السعودية تُعدُّ حسب هذا الكشف مِعْوَل هدمٍ للوطن ووحدته وقوته الدينية والسياسية، حينما أكَّد أن من المحركات الرئيسية لليبراليين في السعودية في مهاجمة الدين ومؤسساته (الصفويون بعقيدتهم العدائية)، فقال: «هذا التمجيد المستمر للصفويين، وهذا القَدْحُ المستمر فيما يمثل هويتنا والمذهب السني تحديداً، مثل (صحيح البخاري– عمر بن الخطاب– السلفية– الوهابية) جعل المشهد يشبه السهم الصاعد والسهم النازل عند مرتادي المواقع الليبرالية على الشبكة العنكبوتية. وهذا ما يجب أن ينتبه له كل غافل، أن هناك من يحاول أن يمسخ هويتك أنت، لكي تكون صيداً سهلاً له هو».

كما قال عن أهداف الصفويين واستخدام الليبرالية مطيَّةً لهم:
«لقد أُسقِطَ صدام حسين وحوكم وأُعدِم باسم الليبرالية والتحرير من الطغيان والانتصار لحقوق الإنسان، ليحلَّ محلَّه هؤلاء الصفويون الذين جعلوا الوضع في العراق أسوأ بكثير مما كان في زمن صدام».

والليبرالية السعودية حسب تعبير الغنامي هي عكس الشعار المُعلن تماماً، فهي العداوة لهوية الوطن، وهي التبعية للغير حيث قال:
«سترى أنك في حصن معادٍ لكل ما تعنيه لك هويتك!!!».

وقال:
«مشكلة الليبراليين السعوديين الحقيقية تكمن في أنهم لا يملكون القدرة على الانطلاق من الذات، لا بد أن يكون تابعاً». وختم مقاله سابق الذكر عن جهات التبعية، وهو ما يتناقض مع الليبرالية المزعومة بقوله: «إذن لا بد أن تكون تابعاً بالكامل للمشروع (الصهيو أمريكي)، وإلا فلن تكون ليبرالياً حقيقياً».

والغنامي مرة أخرى يؤكد على دور الباطنية الرافضة في تحريك الليبرالية السعودية، كما تكشف مقالاته مع غيره ممن انكشفت لهم الحقيقية عن سرِّ الهجوم المُنظَّم على العقيدة السلفية ورموزها ومؤسساتها التي تُشكِّل الهوية الوطنية للوطن السعودي، فحينما يتم تجريد المواطن من هويته تَسهُل السيطرة عليه وتوجيهه.

وما سبق يؤكد انتهاك السيادة الوطنية من أوسع أبوابها حيث ازدراء هوية الوطن وانتقاصها من قِبل من وضعوا أنفسهم (وطنيون)، فيقول: «إنني لا أشك في وجود أيد باطنية تعمل في الخفاء [وراء الليبرالية السعودية]، إنني لا أشك لحظة أننا أمام غزو فارسي استطاع أن يجمع قلوب البعض ممن يختلف مذهبه عن المذهب الأم في المملكة، غزو ثقافي فارسي يدرك بمكر ودهاء شديد أنك عندما تفقد هويتك، تفقد تبعاً لذلك كلَّ شيءٍ، نعم أنا أكرر سؤال الهوية كثيراً، لكنه يستحق، فهو أهم الأسئلة: من أنت؟ وماذا سيبقى منَّا إن سمحنا لهم أن يُلغُوا هويتنا هكذا؟ عندما تفقد إيمانك واعتزازك بالإسلام كما تعرفه، عندما تفقد محبتك واحترامك للنبي الأكرم كما تعرفه، عندما تفقد محبتك لأبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان كما تعرفهم».

وأكد الغنامي علاقة الليبرالية السعودية بالصفوية والمشروع الصهيو أمريكي في مقالٍ ثالث له حينما قال عنها وهو الخبير بها: ((عندما تنظر في المآلات، تجد أن الليبرالية قد تعرَّجت في خطين واستُخدِمت لخدمة أجندتين، فهناك الليبرالية التي تخدم المشروع الصهيو– أمريكي، وهناك الليبرالية التي تخدم المطامع الإيرانية في المنطقة العربية وكلاهما حاضر بقوة)).

ويتساءل كثيرٌ من الناس، هل الدعم الليبرالي المعنوي الكبير للأقلية الشيعية (الطائفية) تحت مسميات الحقوق والوطنية!، والهجوم على الفكر السلفي له أثر على تصاعد وتيرة الأحداث في (العوَّامية) بالمنطقة الشرقية؟ 
ويتساءل آخرون عن صمت الأقلام الليبرالية المُريب عن ما يجري مثلاً في العوَّامية من أحداث خطيرة خلال الأعوام 1432ه- 1435هـ -ولا يزال بل يتطور-، قائلين: هل هذا الصمت دليل إضافي عن العلاقة الحميمية بين الطرفين؟
حيث لم تتناول أقلام وبرامج أدعياء الليبرالية هذا الإرهاب المنظم - كما هو الإرهاب الآخر- بالتحليل والدراسة والمناقشة كنوعٍ من أخطر أنواع الإرهاب على أمن الوطن ورجاله، لا سيما أنه إرهاب إيديولوجي عقدي سياسي مدعومٌ خارجياً لتنفيذ مخططات أعظم!!

لكن الأمر قد لا يحتاج كبير عناء في إثباته، فالروابط بين الليبرالية السعودية والصفوية الفارسية (الليبرو صفوية) يؤكدها الخطاب الليبرالي ذاته المشاكس بقوة على الوحدة الفكرية المتمثلة بالمنهج السلفي حيث هذه الوحدة هي هوية الوطن الحقيقية التي وَحَّدته، مع الهجوم الحاد على الهوية الثقافية الدينية للمجتمع بمؤسساته ورموزه تحت مسميات حقوق الإنسان وحقوق المواطنة!! وهذا وحده كافٍ للاستدلال والإثبات، كما أن النتائج الميدانية لهذا الخطاب على الصعيد السياسي لدول الخليج عامةً أصبحت واضحةً معروفة لصالح إيران الصفوية وعقيدتها الرافضية -كما هو الواقع المُشاهد-.

وبعد ما سبق فللقارئ أن يحكم إلى أي مدى يمكن أن يكون حجم خطر (الطابور الخامس) على الوطن والوطنية من الداخل قبل الخارج!! خاصة بعد احتفالية الغرب واتفاقه مع إيران على الإسلام السني أواخر عام 2013م، 1434هـ بالرغم من برنامجها النووي وبرنامجها التوسعي وصناعة الصراع والإرهاب في أنحاء متفرقة من العالم الإسلامي السني لتكون إيران بعملائها من الليبراليين في العالم العربي والإسلامي وكيلاً مفوضاً من الغرب لتقويض الوحدة الفكرية والسياسية للدول السنِّية خاصة بلاد الحرمين (السعودية).
وبهذا المشهد الإيديولوجي يُولَد المشهد السياسي سواءً شَعَر (الليبراليون السُنَّة) من بلاد الحرمين، أم لم يشعروا فالنتيجة واحدة.

((أرجو أن يعي ويدرك من يعنيه الأمر هذه الحقيقة قبل فوات الأوان، وليقف ويعلنها مدوِّية قائلاً: لقد جرَّبنا من ينادي بالتجديد والتحديث بتهميش رسالة الوطن وصناعة وطنية مُستورَدة، فكانت الخسارة للوطن هي النتيجة، وكانت الجائزة هي النتيجة الأخرى، لكنها لخصوم رسالة الوطن!!!))، وذلك حينما خسرنا تعاطف شعوب العالم العربي والإسلامي ومحبتهم لنا، وتنكَّرت لنا معظم حكوماتهم. حفظ الله الوطن بدينه وعقيدته ورسالته من كل سوء.

(*) للمقال مراجع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق