حسام الغمري يكتب : وفي الحروب نعامة (7) ” أكتوبر المسرحية التي شوهت ملامح شعب ”
الشاعر العربي القديم بما عُرف عنه من حكمة و فلسفة استطاع توثيق حالة الحاكم المتُجبر على العُزل من شعبه ، وجبنه وفزعه من ملاقاة الاعداء ان اظهروا بعض قوة ، وهذا شأن الجبناء ضعفاء النفوس في كل زمان ومكان ، لا يظهرون شجاعة و بأسا الا على الضعفاء !!
يقول الشاعر العربي :
أسد على وفي الحروب نعامة
فتخاء تنفر من صفير الصافر
هلا برزت الى ” غزالة ” في الوغى
أم كان قلبك في جناحي طائر !!
قبل ان استطرد في كتابة هذا المقال الأخير في هذه السلسلة لا يسعني الا ان أترحم على الرجل الوحيد الذي تمنيت لقاءه وتقبيل يده ، الرجل الذي اعتبره أعظم قائد عسكري انجبته أمة العرب من بعد سيف الله المسلول خالد بن الوليد ، انه الفريق سعد الدين الشاذلي ، ليس فقط عن خطته وقيادته الرائعة للأيام الأولى من حرب أكتوبر ، ولكن عن كل تاريخه العسكري الفذ والمشرف ، وليت الجميع يقرأ تاريخ هذا الرجل ليشعر بنفس الحنق الذي أشعر به حين علمت ان هذا النظام الخائن قام بحبسه ثلاثة أعوام فقط لأنه اراد أن يلفت انظارنا الى المؤامرة التي نحيا فيها ، ولا عجب .. فهو ذات النظام الذي لا يمنح تقديره ودعمه الا للمخنثين والشواذ وأنصاف الرجال ، هذا النظام الذي يتجبر على ساق فتاة بريئة فيبترها ، ويجبن امام عدونا الحقيقي بموالاته ، والعمل فقط من أجل تأمينه كما أنطق الله ألسنتهم مؤخرا !!
وحيا الله أبو خالد الضيف القائد القسامي وأمد في عمره ، فهو خير خلف لخير سلف .
فيلم ” ايام السادات ” هو مجموعة من المغالطات التاريخية التي وضعت في سيناريو فيلم قام ببطولته ممثل شديد البراعة ، الا ان الفيلم رغم ذلك يتضمن مشهد كاشف فاضح يُلخص حقيقة ملهاة أكتوبر كلها .
وهو المشهد الذي يصور فيه السيناريست اجتماع السادات مع وزير الدفاع الفريق فوزي وسامي شرف وغيرهم ممن اسماهم اعلام السادات لاحقا بمراكز القوى ، وكان السادات في هذا المشهد يحاول اقناعهم بقبول مبادرة روجرز التي هي في الأساس مبادرة ديان ، حيث قال : والله لو قدرت أعدي 15 واحد من عمال الفنادق ولبستهم لبس جيش ورفعوا علم مصر وفتحت القناة ح يبقى انجاز .
وينتهي المشهد برفض هذه القوى لهذه المبادرة وقيامهم بتعديل خطاب السادات ، الذي لا يلبث يطيح بهم جميعا ليحكم مصر منفردا ، وينفذ بالفعل هذا السيناريو ولكن بعد تعديل بسيط أوجبه تداعيات أطماع اليهود المعروفة تاريخيا ، ونكوصهم على المعاهدة ورغبتهم في استمرار احتلال سيناء احتلالا خشنا ، لا سيما شرم الشيخ ، وقد اطمأنوا بأن العميل الامريكي السادات بات منفردا على عرش مصر.
مخطيء من يتصور ان العلاقات الامريكية الاسرائيلية لا تتعرض لفترات شد وجذب كتلك التي تحدث بين الأزواج قبل ان ينجح الحب في النهاية في احتواء أي خلاف .
ولعلنا جميعا نذكر كيف ضغط الرئيس الامريكي ايزنهاور على اسرائيل كي تنسحب من سيناء عام 57 وكانت قد احتلتها بالكامل للمرة الأولى في عهد المقبور عبد الناصر ، لان الادارة الامريكية ترى ان سيناء وجبة عسيرة الهضم على المعدة الاسرائيلية الرقيقة حاليا ، وهي في واقع الامر غير مضطرة لاحتلالها في الأجل القصير عسكريا وعدد سكان اسرائيل من المغتصبين اليهود لا يغطي بالكامل مساحة فلسطين المحتلة حتى الآن .. فلم التسرع باحتلال سيناء ، من أجل الأمن ؟ نستطيع جعل سيناء منزوعة السلاح بلا كثافة سكانية .. وغير مُستغلة الموارد والثروات .. وقبل كل ذلك وبعده .. يحكمها خائن عميل .
وعند هذه اعود مباشرة الى يناير 1974 حين أمر السادات بانسحاب جميع الدبابات المصرية الى الغرب من قناة السويس عدا 30 دبابة فقط ، بعد ان عبرت هذه الدبابات المنسحبة الى سيناء قبل اسابيع قليلة الى سيناء الحبيبة بالدم والنار ، تذكر عزيزي القاريء الجملة التي قيلت في الفيلم : ” 15 عامل فنادق بزي عسكري ” وهذا ما يتحقق فعلا بعد اسابيع قليلة من الحرب التمثيلية بوجود فقط 30 دبابة في سيناء وقبل حدوث أية تسوية شاملة للقضية ، كذلك تعود قناة السويس الى العمل وايضا قبل حدوث أي تسوية شاملة.
كان اغلاق قناة السويس يُشكل ضغطا هائلا على التجارة العالمية عامة وخصوصا تدفق البترول الخليجي الى الغرب ، وكانت الرحلات عبر مضيق باب المندب طويلة ومرهقة ومكلفة ، وكان العالم يحتاج الى عودة قناة السويس الى العمل بأسرع ما يمكن ، ولكن كان السؤال ، كيف يمكن اعادة تشغيل قناة السويس مع الحفاظ على أمن اسرائيل الذي يمكن ان يتم تهديده من سيناء ؟
” لاحظ العملية الأخيرة التي نفقت خلالها مجندة اسرائيلية وبعدها تم تهجير اهالي رفح بالكامل بحجة كرم القواديس واعتراف السيسي ان هذا التهجير مُخطط قديم قد تأخر كثيرا “
كان الحل وفق الرؤية الأمريكية وفق المبادرة التي حاول السادات تسويقها الى القوى السياسية ، ولكن اسرائيل ترفض الانسحاب من سيناء ، فأرادت امريكا ان تلقن جنرالات اسرائيل درسا قاسيا ” قرصة ودن ” يقلل طموحاتهم حتى تبدوا متكافئة مع قوة اسرائيل العسكرية والجيوسياسية ، وايضا تسويق نصر وهمي للشعب المصري يطفيء نار غضبته التي لم تنطفيء منذ عام 67 وعكستها مظاهرات 68 و 72 حتى كادت تطيح بحكم العسكر الخائن المتصهين تماما ، على ان يجعلنا هذا النصر ايضا شعبا يائسا من هزيمة اسرائيل هزيمة تامة تمكنه من استعادة القدس الشريف ، أو حتى استعادة سيناء بسيادة كاملة بعد كل هذه الاستعدادات ومراحل القتال والأزمات الاقتصادية وشد الحزام ، وهذا الكم من التضحيات وسنوات الاتظار ، فتنتهي الحرب المسرحية واليهود على بعد كيلوا مترات من القاهرة ، وطائراتهم تهبط بحرية في مطار فايد .. والجيش الثالث محاصر بالكامل ينتظر اوامر جولدا مائير حتى تُمرر له شربة ماء – أي هوان ومذلة – .
وعلينا ان نذكر ان هذه الحرب بدأت باشارة لا لبث فيها من كسينجر عقب اجتماعه السري بمستشار السادات للأمن القومي في سويسرا والذي قال فيه : انا لا اتدخل الا في الازمات الساخنة واسرائيل الآن منتصرة لا يمكن التفاوض معها على الانسحاب مادمتهم مهزومين ،،،
ودعوني اليوم اتساءل معكم ، هل هناك اشارة لضرورة كسر حالة الجمود على الجبهة و بدء القتال أوضح من تلك ؟
اي جاهل أو مأجور يشكك في هذا السرد التاريخي عليه ان يسأل نفسه ، لماذا أمر السادات شخصيا بعبور الفرقتين 4و21 المُكلفتان بمنع حدوث ثغرة وفق خطة العمليات ضد رغبة رئيس اركانه المُخطط والمنتصر حتى تلك اللحظة ، وكانت كل تدريبات هاتان الفرقتان دفاعية قبل ان يتلقيا فجأة أمر بالعبور امام قوات تفوق ضعف عددها حيث كانت 900 دبابة اسرائيلية في انتظار 400 دبابة مصرية لا تملك خرائط بأماكن تمركزهم ، حيث كانت الدبابات الاسرائيلية تنتظر دبابات الفرقتين المدرعتين المصريتين فوق أرض مرتفعة ودباباتنا قادمة مكشوفة من الأسفل ، وايضا دون أي غطاء جوي أو دفاع جوي وفي ظل سيطرة جوية تامة للصهاينة ، وبرغم رفض قائد الجيش الثاني وقائد الجيش الثالث لهذه الخطوة وقيامهما بشرح ابعاد الكارثة المنتظرة والتلويح بالاستقالة الا ان السادات يُصر بشراسة على البدء في تنفيذ هذا الانتحار .
أجبني أيها الجاهل المشكك في ما أقول ، لماذا ساق السادات العمداء والعقداء والضباط والجنود و 250 دبابة الى هذه المذبحة الحتمية الحدوث و التي لم تستغرق سوى ساعات قليلة اضاعت التقدم الذي احرزه الشاذلي في الايام الاولى .
يال مرارة الخيانة ، ولعلك تشعر بالطامة الكبرى حين تعلم ان الوثائق الاسرائيلية تُشير الى وجود من ابلغهم من داخل القاهرة بموعد تطوير الهجوم ولعله الخائن أشرف مروان صهر المقبور عبد الناصر والوحيد الذي استبقاه السادات في نظامه من رموز المقبور عبد الناصر هو ايضا من ابلغهم بموعد تطوير الهجوم ..
استطيع الحديث عن مفاوضات الكيلو 101 طريق القاهرة السويس ودموع الجمسي
استطيع ان اتحدث عن تلكؤ اسرائيل في اعلان التعبئة العامة حتى يكون ضحاياها أقل ما يمكن عند بدء العبور حتى باتت اعداد الجنود الصهاينة في حصون بارليوف في يوم عيدهم – الغفران – أقل ما يمكن .
استطيع ان احدثك عن الدبابات الاسرائيلية التي لم تحتل المصاطب المعده لها على حافة القنال لتوجيه حممها ضد القوارب المصرية أثناء العبور وبقائها في النسق الثاني رغم قيام الملك الحسين الخائن بالطيران الى اسرائيل فجر يوم 6 أكتوبر والتأكيد على موعد الحرب .
استطيع ان أحدثك عن قيام السادات بعرقلة كل خطط الشاذلي للقضاء على الثغرة حتى صارت أمر واقع لا يمكن تجاوزه أو القضاء عليه .
وقبل ذلك كله استطيع ان احدثك عن البرقية السرية التي ارسلها الخائن السادات الى كسينجر ليلا يوم 6 أكتوبر والتي يكشف فيها له خطط ونوايا الجيش المصري .. ياللخيانة المره !!
ولكني سأترك ذلك لك حتى تتعلم ان تبحث بنفسك عن الحقائق علك تدرك يقينا ابعاد هذه المؤامرة التي حولتنا من شعب مُجاهد يستطيع ان يفتك بالصهاينة ويقضي عليهم تماما – لاحظ صمود حماس فوق مساحة بسيطة محاصرة من الأرض ، ولاحظ ايضا ما استطاع حزب الله تحقيقه في عام 2006 – حولتنا الى شعب يضم ملايين البلطجية والفسده والمرتشين والشواذ والزناة ومدمني المخدرات ، يعيشون وسط اطنان من القمامة التي يلقونها في شوارعهم وهي أصدق تعبير عن واقعهم .
وقبل ان اغادر أُذكرك فقط بمقولة الفريق الشهيد عبد المنعم رياض الذي مات على الجبهة عام 1969 ربما بسبب وشاية وخيانة أخرى : لو لم ينجح هذا الشعب في استعادة سيناء كاملة بسلاحه فسيتحول رجاله الى مندوبي مبيعات نهارا ، ونساءه الى غواني في الليل !!
انتهت سلسلة ” وفي الحروب نعامة ” بفضل الله
حسام الغمري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق