جمهور لا يقرأ... ولكن يُعلّق !
خواطر صعلوك
قال أبو دحية القاص لتلاميذه ذات يوم:
إن الذئب الذي أكل يوسف عليه السلام اسمه «هملاج»
فقال له أحدهم:
ولكن الذئب لم يأكل يوسف يا مولانا، بل ألقى به إخوته في البئر.
فقال أبو دحية:
إذاً، فـ«هملاج» هو اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف.
عزيزي القارئ، صباح الخير:
سمحت شبكات التواصل للجميع أن يُعلق على الأخبار والإشاعات والآراء والحقائق والدعاوى والفضائح والأذكار وحتى على فيديو مدفع الإفطار!
أصبح من حق الجميع أن يُعلق على أي شيء وكل شيء، حتى لو لم يقرأوا ولو معلومة واحدة صحيحة عن هذا الشيء... محتوى تشاركي منزوع الخبرة والقيمة والممارسة... وأصبح لزاماً أن استعير صوت الشاعر المبدع سامي الأنصاري وأقول لكم... فيكم شيء، صاير شيء، أقصد يعني هاليومين حد فيكم حس بشيء.
في عالم تفاعلي إلى أقصى درجة، يسمح بكتابة الأفكار والآراء والهراء، أصبح الجميع يُعلق ويتفاعل ويُنتج المحتوى... ولكن لا أحد يتعلم شيئاً.
وهذه حالة «لا شيء» للحسابات الإخبارية التي تضع أخباراً «أي شيء» أو آراء لم يقرأ المتابعون عنها شيئاً، ورغم ذلك يُعلقون في كل شيء، وكأنهم عرفوا كل شيء، لتزيد التعليقات ويربح الحساب مزيد من المعلنين عن كل شيء، ولكن في النهاية لا أحد يتعلم شيئاً.
جمهور يُعلق ولكنه لا يقرأ... في سياق ديموقراطي وتشاركي يُنتج محتوى ديكتاتورياً في كل شيء، المهم أن يُعلق على كل شيء.
أخبار دستورية، أخبار رياضية، عقار وأخبار «حريم»، حسابات وهمية وأسماء حقيقية، هوية وطنية وأخبار اقتصادية، حادث في طريق أو حفرة في شارع أو هندي يقف على إشارة، إعلان أو أغنية... على أي شيء.
لطالما كان هذا الجمهور موجوداً، وقبل ظهور الإنترنت بكثير... عندما سئل الكاتب الكبير يحيى حقي عن عيوب القارئ المعاصر، لم يرد إلا بحكاية تاركاً للمستمع حرية تفسيرها، فقال «كتبت مقالاً عن (الدماثة)، أمدحها وأشيد بها، إلا أن مُحرر المقالات دون أن يقصد استبدلها بكلمة (الدمامة)، وعلى الرغم من ذلك لم تتوقف بعد النشر رسائل الإشادة والثناء».
وكم كان صادقاً عالم الاجتماع العراقي علي الوردي عندما قال «ويل للقراء من كاتب لا يقرأ».
لم تعد الشكوى من القارئ المعاصر، بل أصبحت من المُعلق الذي يكتب ولا يقرأ أصلاً، والذي يحاول إقناعنا أن «هملاج» هو اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف.
بالتأكيد لا أقصد أن نكون جميعاً قراء بمعنى المثقفين بتوع المدارس والنظريات ومراكز الأبحاث... ولكني أقصد القراءة كفعل إنساني أمر الله - عز وجل - به في أول كلامه، القراءة التي تتيح لصاحبها أن يُعبر أو يكتب أو يشارك مع الآخرين أي شيء مفيد.
وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.
moh1alatwan@
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق