عبدالله الشامي يكتب: الأمر لم يعد كما كان من قبل!
كثيرًا ما أسأل نفسي عما إذا كنت أفتقد مصر حقًا، على الرغم من أنني لم أولد أو أكبر هناك، إلا أنني لم استطع أن أتجاهل ذلك الألم في صدري بينما تختفي القاهرة بين السحب حينما أقلعت بالطائرة وأنا على علم أنه سيكون من الصعوبة بمكانٍ أن أعود في أي وقت قريب.عبدالله الشامي
صحفي ومراسل عمل مع قناة الجزيرة في أفريقيا وقام بتغطية الثورة الليبية
لقد استغرقت وقتًا طويلاً للبدء في كتابة هذا المقال، لم يكن سبب ذلك هو كسلي أو حتى انشغالي، في الحقيقة لقد كنت أحاول الخروج من بلدي ..
لماذا كان عليّ أن أفعل ذلك؟ لقد كنت رجلاً خرج لتوه من السجن بعد أربعة وأربعين أسبوعًا من الاعتقال في بلد يُجبر الناس فيها على اختيار معسكر من بين اثنين، كلاهما غير مؤكد بالنسبة لي.
في مساء يوم 30 يونيو، وبينما كانت الشوارع في مصر تعج بالاضطرابات السياسية، كنت أسير مع زوجتي في أحد شوارع أبوجا النيجيرية في محاولة لتسوية إقامتنا في بيتنا الجديد، فجأة أضاء هاتفي بإشعار وصول بريد إلكتروني، لم يكن من المعتاد بالنسبة لي أن أتلقى بريدًا من العمل بالقرب من منتصف الليل، خلاصة الحدث أنني وجدت نفسي صباح اليوم التالي على طائرة متجهة إلى القاهرة.
وخلال الإثنى عشر شهرًا التي تلت، كانت حياتي على وشك أن تتغير، وإلى الأبد.
بعد ستة أسابيع، كنت في سيارة وإلى جانبي خمسين شخصًا في طريقنا إلى السجن، لقد اعتُقلنا للتو، تعرضنا للضرب وسوء المعاملة اللفظية والجسدية من قبل قوات الأمن المصرية.
كانت شوارع القاهرة تمتلئ حينها بالفوضى والطلقات والدماء!
وعبر الانتقال بين أربعة سجون، وخوض خمسة أشهر من الإضراب عن الطعام، بدأت رحلتي الطويلة لانتزاع حريتي مرة أخرى، خلال أعوامي الثلاثة في العمل كصحفي، كنت أوقن أن عبء الاعتقال سيأتي مسرعًا في يوم ما، لكني لم أفكر أبدًا أن ذلك سيحدث في بلدي.
مر الوقت ببطء شديد في الأيام الأولى من الاعتقال، لقد كنت أجاهد نفسي ألا أعتاد على ذلك، أن تكون صحفيًا في مصر ليس شيئًا سعيدًا! خاصة عندما يُهزم صوت العقل، وما زاد الأمور سوءً هو عملي لصالح شبكة أخبار لم يكن مرحبًا بها في البلاد أثناء اعتقالي التعسفي، الضباط والمحققون والقضاة لم يصدقوني على الإطلاق حينما حاولت أن أشرح لهم الفارق بين قناتي "الجزيرة مباشر مصر" وقناة "الجزيرة العربية" حيث أعمل، كانوا يظنون أنهما نفس القناة!
الحياة في السجون المصرية هي عالم منفصل تمامًا، يجب أن تبني علاقات غريبة لكي تستطيع إنجاز أمورك، يجب أن تمتلك هذه العلاقات كي تحصل على حقوقك الأساسية، كي تحصل على الغذاء أو أن يُسمح لك بإجراء الفحوصات الطبية، وحتى تلك العلاقات لا تصلح دائمًا، العملة الموحدة في السجن هي السجائر، فعلبة واحدة من السجائر قد تسمح لك بالتنقل بين العنابر المختلفة، أو رؤية أحد الأصدقاء، أو غض الطرف عن بعض تجاوزاتك، لكن مهما يكن ما يستطيع أحدنا فعله لتحسين وضعه داخل السجن، يبقى توقنا للحرية مع كل شهيق نتنفسه.
كانت أسوأ مخاوفي بينما كنت أقرر الدخول في إضرابي عن الطعام، وبينما كان يتم نقلي لاحقًا إلى سجن مشدد الحراسة ألا أستطيع رؤية عائلتي قبل أن أموت، هكذا كنت أعتقد.
كانت تجربة الاعتقال ثم خوض معركة الأمعاء الخاوية تجربة فارقة في حياتي!
في مساء يوم 30 يونيو، وبينما كانت الشوارع في مصر تعج بالاضطرابات السياسية، كنت أسير مع زوجتي في أحد شوارع أبوجا النيجيرية في محاولة لتسوية إقامتنا في بيتنا الجديد، فجأة أضاء هاتفي بإشعار وصول بريد إلكتروني، لم يكن من المعتاد بالنسبة لي أن أتلقى بريدًا من العمل بالقرب من منتصف الليل، خلاصة الحدث أنني وجدت نفسي صباح اليوم التالي على طائرة متجهة إلى القاهرة.
وخلال الإثنى عشر شهرًا التي تلت، كانت حياتي على وشك أن تتغير، وإلى الأبد.
بعد ستة أسابيع، كنت في سيارة وإلى جانبي خمسين شخصًا في طريقنا إلى السجن، لقد اعتُقلنا للتو، تعرضنا للضرب وسوء المعاملة اللفظية والجسدية من قبل قوات الأمن المصرية.
كانت شوارع القاهرة تمتلئ حينها بالفوضى والطلقات والدماء!
وعبر الانتقال بين أربعة سجون، وخوض خمسة أشهر من الإضراب عن الطعام، بدأت رحلتي الطويلة لانتزاع حريتي مرة أخرى، خلال أعوامي الثلاثة في العمل كصحفي، كنت أوقن أن عبء الاعتقال سيأتي مسرعًا في يوم ما، لكني لم أفكر أبدًا أن ذلك سيحدث في بلدي.
مر الوقت ببطء شديد في الأيام الأولى من الاعتقال، لقد كنت أجاهد نفسي ألا أعتاد على ذلك، أن تكون صحفيًا في مصر ليس شيئًا سعيدًا! خاصة عندما يُهزم صوت العقل، وما زاد الأمور سوءً هو عملي لصالح شبكة أخبار لم يكن مرحبًا بها في البلاد أثناء اعتقالي التعسفي، الضباط والمحققون والقضاة لم يصدقوني على الإطلاق حينما حاولت أن أشرح لهم الفارق بين قناتي "الجزيرة مباشر مصر" وقناة "الجزيرة العربية" حيث أعمل، كانوا يظنون أنهما نفس القناة!
الحياة في السجون المصرية هي عالم منفصل تمامًا، يجب أن تبني علاقات غريبة لكي تستطيع إنجاز أمورك، يجب أن تمتلك هذه العلاقات كي تحصل على حقوقك الأساسية، كي تحصل على الغذاء أو أن يُسمح لك بإجراء الفحوصات الطبية، وحتى تلك العلاقات لا تصلح دائمًا، العملة الموحدة في السجن هي السجائر، فعلبة واحدة من السجائر قد تسمح لك بالتنقل بين العنابر المختلفة، أو رؤية أحد الأصدقاء، أو غض الطرف عن بعض تجاوزاتك، لكن مهما يكن ما يستطيع أحدنا فعله لتحسين وضعه داخل السجن، يبقى توقنا للحرية مع كل شهيق نتنفسه.
كانت أسوأ مخاوفي بينما كنت أقرر الدخول في إضرابي عن الطعام، وبينما كان يتم نقلي لاحقًا إلى سجن مشدد الحراسة ألا أستطيع رؤية عائلتي قبل أن أموت، هكذا كنت أعتقد.
كانت تجربة الاعتقال ثم خوض معركة الأمعاء الخاوية تجربة فارقة في حياتي!
تلك الأوقات الطويلة سأتذكرها في كل لحظة أشعر فيها بعدم قدرتي على الاستمرار، أو حين أفكر في التراجع عما رسمته للمستقبل، تلك التجربة جعلت مني ومن زوجتي ومن عائلتي أشخاصًا أقوى!
كل واحد منا وجد معنى جديدًا للحياة، ولن يكون الأمر مثلما كان من قبل لأي منا بعد الآن، ستكون حياتنا أفضل!
كثيرًا ما أسأل نفسي عما إذا كنت أفتقد مصر حقًا، على الرغم من أنني لم أولد أو أكبر هناك، إلا أنني لم استطع أن أتجاهل ذلك الألم في صدري بينما تختفي القاهرة بين السحب حينما أقلعت بالطائرة وأنا على علم أنه سيكون من الصعوبة بمكانٍ أن أعود في أي وقت قريب.
أنا أعتقد أن الحرية تستحق أكثر من ذلك .. منذ الآن، ولحياة قادمة سأكرس وقتي وجهدي وإرادتي للدفاع عن حق الصحفيين للعمل في عالم حر، حيث لا أحد له الحق في منع الكلمة من أن تخرج للناس .. يحدوني الأمل بأنه عما قريب سنعيش في عالم لا يقبع فيه صحفي وراء القضبان.
كثيرًا ما أسأل نفسي عما إذا كنت أفتقد مصر حقًا، على الرغم من أنني لم أولد أو أكبر هناك، إلا أنني لم استطع أن أتجاهل ذلك الألم في صدري بينما تختفي القاهرة بين السحب حينما أقلعت بالطائرة وأنا على علم أنه سيكون من الصعوبة بمكانٍ أن أعود في أي وقت قريب.
أنا أعتقد أن الحرية تستحق أكثر من ذلك .. منذ الآن، ولحياة قادمة سأكرس وقتي وجهدي وإرادتي للدفاع عن حق الصحفيين للعمل في عالم حر، حيث لا أحد له الحق في منع الكلمة من أن تخرج للناس .. يحدوني الأمل بأنه عما قريب سنعيش في عالم لا يقبع فيه صحفي وراء القضبان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق