بيني وبينك.. السّيفُ والوَرْدة
د. أيمن العتوم
جُرحُ غزّة سيندمل عمّا قريبٍ بإذن الله، وإنّها أيّام «وتلك الأيّام نُداوِلُها بين النّاس»، وإنّ الحربَ سِجال، ولقد مرّ على المُسلمين ما مرّ على أهل غَزّة، فالمُجاهِدون في التّاريخ هم ظِئر الإسلام، ومن احترقوا بلظى الحرب حتّى أضاءتْ شُعلتها عماية الدّروب، وهم خميرتُه الّتي صنعتْ خُبزَه، وهم حُماتُه وذادتُه، وإنّه لم ينجُ إلاّ مَنْ صبر، ولم يفزْ إلا مَنِ احتسب، وإنّ دَمًا أُريق في الصّعيد من أرضِ غزّة الطّاهرة سيُنبِتُ جيلًا لا يُمكن أنْ يقبلَ بالمُحتلّ، ولا يُصفِّقَ للتّعايش الموهوم مهما كانتْ دِعايتُه، ومهما زُوّقتْ مُسوِّغاته، وقد كان.
إنّ النّصر لا يكونُ بعددٍ ولا عُدّة، وفي التّاريخ أمثلةٌ تنفلتُ من الحصر، وإنّ الكثرة لا تغلبُ الشّجاعة كما يقولون، وإنّ الوردة لا تنتصر على السّيف إلا إذا كانَ شوكُها أحدَّ من مضاربه، وإنّ سيفًا تضربُ به المُقاومة لن يتثلّم، وإنّ أهل غزّة كما قال المتنبّي:
حَيِيُّون إلا أنّهمْ في نِزالِهمْ
أقلُّ حياءً من شِفارِ الصّوارِمِ
وماذا بعدُ؟ سيقولون إنّ نهر الدّم ما زال يجري، وإنّ صرخات المفجوعين ما زالتْ تشقّ عَنان السّماء، وإنّ آهاتِ الأمّهات ما تزال تجأر إلى الله من هذا البَلاء، فمتى يكون القفول، ومتى يستريحُ هذا الشّعبُ من نزيفه؟! فقلْ إنّ الفجر لا يبزغ إلا بعدَ أشدّ ساعات اللّيل حُلكة، وإنّ وعدَ الله آتٍ، وإنّ رَبًّا كتبَ في لوحِه هذه الأقدار لَهُوَ أحنّ على عباده من الأمّ المُرضعة على فطيمها.
إنّ غَزّة اليوم وحدها، ولكنّها بأمّة الإسلام كلّه، وإنّها إذ يملك العدوّ البارِجات والصّواريخَ العابرات للقارّات، لَتَمْلِك إلى جانبِ أسلحتها عزيمةً وإيمانًا لا يفتُّ في عضدها ولا ينحتُ من أَثْلتها مهما تكالبتْ عليها قُوى الظّلام، ومهما كشّرتْ عن أنيابِها سِباع الغدر.
إنّ التّاريخ شاهدٌ، وإنّ صُحُفَه مُشرَعة، وإنّ أمّة العرب والإسلام كلّها مدعوّة إلى أنْ تكتبَ ولو سطرًا واحِدًا في هذه الصُّحُف، ولكنّ محابر الآخرين جفّت، وأقلامَهم كُسِرتْ، ولم تبقَ إلا أقلامُ غزّة التي تفيض بحبر الدّم، هي القادرة على أنْ تُسطّرَ أروع ما يُمكن أنْ يقوله التّاريخ في زمن الخِذلان والنّكوص.
وحينَ تنتصر، وستنتصر بإذن الله لا محالة، عليها أنْ تقفَ شامخةً وفي جبينها سُمُوق، وعلى رأسِها إكليلُ غار يُزيّن مَفْرِقها، وعلى إخوتها إنْ لم يكونوا قد أحسّوا بالعار بعدُ، أنْ يقفوا عند أقدامها، وينحنوا لها إجلالًا، فإنّها وحدها قالتْ للضّباع: لن تمرّوا، وللغربان لن تأكلوا، وللفئران لن تعيثوا. وحدها قاتلتْ من أجلنا جميعًا، وحدها صنعتْ نصرًا لا يصنعه إلا أهل البطولاتِ الأُوَل، ومن كان الله معه فمن يكونُ عليه ؟!
AymanOtoom@
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق