الأربعاء، 1 مايو 2024

لماذا يتفق المستشرقون والباطنيّون على هدم تأريخنا العظيم؟

 لماذا يتفق المستشرقون والباطنيّون على هدم تأريخنا العظيم؟

د. محمد عياش الكبيسي

مفكر وداعية اسلامي، دكتوراه في الفقه الاسلامي

ربما أستطيع أن ألخص منهج المستشرقين بالآتي:

١-تفسير حركة الفتوحات الإسلامية بدوافع الأطماع الدنيوية بعيدا عن نور الرسالة الإسلامية وبشارات نبيّنا الكريم بوصول هذا النور إلى أصقاع العالم.

٢-طمس كل المعالم الحضارية التي رافقت هذه الفتوحات، يقول د عبد الرحمن الحجي إن معلومات الأسبان عن تاريخ الإسلام في الأندلس تتلخص في مجموعة من البدو المتوحشين تمكنوا من احتلال بلادهم ثم تم طردهم.

٣-التركيز على نقاط الخلافات الداخلية وتعظيمها، وربما من المفيد هنا أن أشير إلى كتاب (الحرية الجامعية في الغرب) للشيخ المربي الدكتور عبد الله مصطفى النقشبندي، الذي نقل بكل أمانة تجربته أثناء دراساته العليا هناك.

٤-تثقيف المجتمع الغربي بالعمل على (تصحيح الأخطاء التاريخية) وهو ما يعني استمرار الحروب الصليبية ولكن بطرق أخرى، وقد ناقشت هذه النقطة في مقال كامل على صحيفة العرب.

أما الباطنيون فإن حاجتهم إلى تحطيم هذا التاريخ لا تقل عن حاجة المستشرقين، وتكاد تكون نتائج تفكيرهم وتخطيطهم متقاربة وكما يأتي:

١- تشويه الفتوحات الإسلامية بل وتكفير الفاتحين أنفسهم، وقد سمعت أحد كبار معمّميهم وهو موصوف عندهم بالاعتدال! يقول؛ (إنها ليست فتوحات إسلامية وإنما فتوحات جنكيزخانية)

٢- تأليف ما لا يحصى من القصص الخرافية لصناعة حالة من المظلومية المستبشعة التي تعرّض لها (آل بيت محمد) على يد هؤلاء الفاتحين، ونموذج كسر عمر بن الخطاب لضلع فاطمة وبحضور زوجها علي شاهد على هذا التخريف.

٣- رفع شعار (يا لثارات الحسين) للانتقام من أولاد الصحابة الفاتحين، وهذا جرى ويجري من أيام القرامطة إلى مليشيات اليوم، وهو ما يتطابق مع هدف المستشرقين في (تصحيح الأخطاء التاريخية) وكل بأسلوبه ومن زاويته.

٤- التركيز على الأحداث المأساوية التي تثير الأحقاد والفتنة بين المسلمين، وطمس الإنجازات الكبرى كفتح مصر والشام والعراق وشمال أفريقيا إلى الأندلس، ثم فتح القسطنطينية، حتى وصل الإسلام إلى العمق الأوربي من جهة ووصل إلى الهند وماليزيا وإندونيسيا من جهة أخرى، ولك أن تتخيل لولا جهاد الصحابة ماذا نعبد نحن اليوم، فكل هذا يختزل مثلا في حادثة الطف؟

وقد نتج عن هذا تخادم وتحالف مع كل طامع بهذه البلاد من صليبيين ومغول حتى سقوط بغداد اليوم بحملة بوش الصغير الذي لقبه بعضهم بالإمام الثالث عشر، وهذا ليس على سبيل الأخطاء والخيانات المجزّأة وإنما بتأييد ديني من أعلى المستويات، 

وانظر مثلا ما يقوله الخميني عن الطوسي خادم هولاكو (إنه قدم خدمات جليلة للإسلام) 

وما يقوله صاحب كتاب روضات الجنّات من تمجيد وتعظيم لابن العلقمي (وزير السلطان العظيم هولاكو خان الذي أذلّ الله به دولة بني العباس).

في ضوء ما تقدم لننظر في بعض الأفكار التي يطرحها بعض (المفكرين) ممن يلبسون ثوبنا ويتسمّون بأسمائنا وعلى النحو الآتي:

١- ما معنى وصف تاريخنا الإسلامي بأنه قد انحرف منذ (صفّين) وإلى اليوم، وأنه قد نحى منحى الملك (الكسروي)، وأنه في صفين قد انتصرت القوة على الحق؟

مع أن المسلمين عامة يعدون عام الجماعة الذي توافق فيه سيدنا الحسن مع سيدنا معاوية يوما من أيام الله أعز الله به الإسلام وأهله وقمع به الفتنة ومن وراءها

٢- والأبشع من هذا وصف يوم السقيفة بأنه اليوم الذي بذرت فيه بذرة الأزمة والفتنة الكبرى. نعوذ بالله من هذا العمى، وهنا نسأل هؤلاء: ما الذي بقي بالله عليكم من تاريخ الإسلام؟

٣- لمز الفتوحات الإسلامية أيضا

٤- إبراز (إيجابيات) الحركات المناوئة للإسلام، دون أي محاولة لفهمها وتحليلها في سياقها الطبيعي، مثل حالات قليلة من الاقتتال بين الصليبيين والباطنيين، بينما هذا الاقتتال قد يحصل حتى بين أبناء الملة الواحدة.

٥- اعتماد معايير سياسية عائمة في الحكم وعزلها تماما عن معايير الإسلام نفسه، فالباطني الذي يعتقد بتحريف القرآن ككثير من الإمامية وإلغاء أركان الإسلام كالنصيرية يكون مرحبا به إذا كان له موقف سياسي معين، وليس لنا أن نسأل عن نواياه، ثم نفضله على المسلم العاجز أو الذي لم يقف معنا هذا الموقف لأي سبب كان

إن خطورة هذا المنهج ليس فيما يقدمه من خدمات للمشروعين؛ الاستشراقي والباطني، فقط، وإنما في قتل الروح المعنوية لأجيالنا، فإذا كان تأريخنا بهذا السواد، وإذا كان الإسلام نفسه لم يستطع أن يبني نموذجه منذ عصر الصحابة إلى اليوم، فكيف نطلب من هؤلاء الشباب أن يعملوا على إعادة أمجاد الإسلام؟

إنه لابد من فحص هذه الأطروحات وبيان خطورتها على أجيالنا بغض النظر عن أسماء المروجين لها، وبغض النظر عن ضغوطات اللحظة الساخنة، مع اعتقادي الجازم أن أول المتضررين بهذه الأفكار هم أصحاب القضايا التحررية العادلة.

إن هناك فرقا بين الذي يخجل من تاريخ آبائه وبين الأصيل الذي يرفع رأسه اعتزازا وافتخارا بهم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق