الأربعاء، 28 يناير 2015

الممثلون ساسة والساسة ممثلون

الممثلون ساسة والساسة ممثلون

أحمد عمر

تناقل النشطاء صورة ديناصور حي غير منقرض، وفي دمشق قلب الفارسية النابض. 
الصورة لرئيس الوزراء السوري، وهو يركب باص النقل الداخلي، وليس سيارة ليموزين، ومن غير حرس و"بودي غارد".
إنها آية ومعجزة على بساطة الحكم، وتواضع رئيس الوزراء، وخفض الجناح، لكنّ وجه الرجل مكفهر، وحامض، ويتطاير شرراً، وكأن من يصوره يسدد عليه سبطانة مدفع.
الصورة "مع سبق الإصرار والترصد"، فليست عفوية مثل المسيرات السورية التي كانت تخرج بأوامر الأوركسترا محتفلة في المناسبات "الوطنية"، وليست عفوية مثل تلك الكاميرا السورية التي وجدت بالمصادفة مجموعة من الإرهابيين الملثمين "تحت أشجار الزيزفون"، وهم يقتلون المتظاهرين في أول أسبوع من أسابيع الثورة، التي أطلقت شعار "الشعب السوري ما بينذل". لكن، لا أعتقد أننا سنراه يذهب إلى مكتبه على الدرّاجة، تخفيفاً للوقود المفقود، وحفاظاً على البيئة الملوثة بالكيماوي، وغسلاً للدم من لوثة الكولسترول، والشحوم الثلاثية والرباعية والخماسية.
 ليس لأن الدراجة محتقرة، أو لأن بلدية العاصمة صادرت الدراجات العادية، وكانت كل الدراجات النارية قد صودرت، بسبب خطورتها الأمنية! لعل الدراجة فيها شبهة فروسية؟
لعل النظام يريد أن يعيد الشعب زاحفاً إلى طور الطفولة، أو الكهولة. 
الباص خال، وأمامه صبيتان سافرتان، ضاحكتان، وهي مصادفة أخرى، فمن الواقعية "التاريخية" أن يكون أمامه عجوز، على اعتبار أن الشباب إما في السجون أو هم نازحون، أو أن يكون أمامه صبية محجبة، مع أخرى سافرة، لعكس التنوع الثقافي السوري والتسامح، أو صبيتان قلقتان من ظهور... الدراكولا. لا بطولة إلا مع أنثى أو.. اثنتين. وخلف رئيس الوزراء، على الأرض، جمع من الركاب، مؤكد أنهم حرموا من ركوب الباص " اللوكيشن" حتى ينجح التصوير. 
أحد التعليقات يقول: مثل رئيس هولندا وبلجيكا تماماً، لم نر مثل هذه الصورة إلا بعد نصف مليون شهيد، فهي إنجاز من إنجازات الثورة، ها هي الديمقراطية " الشعبية" في أبهى صورها، وقد نراه نائماً تحت شجرة في "السبكي" من التعب، مثل عمر بن الخطاب.
قبل أيام، ظهرت صور لرئيس سورية الصغرى، وهو يحتفل بالثلج مع عائلته، ويلعب دور سيد الأسرة السعيدة، غير آبه بملايين النازحين في الخيام الهزيلة الجرداء المفترسة بأنياب العواصف، والمحرومين من الخبز والدفء والوطن. لكن، على ما يظهر كانت الصورة السعيدة للنكاية. مشكلة إن كان الرئيس يفكر في النكاية بشعبه. ربما إيماناً بقول منسوبٍ إلى نابليون بونابرت، نصه إن ابتسامة المغلوب تحرم المنتصر من الشعور بلذة النصر.
كان الأسد الجونيور قد دعا في مطلع الثورة مرؤوسيه إلى التواضع، ثم شاهدنا تنصيباً قيصرياً فارهاً وباذخاً، برهاناً على التواضع للشعب.
نذكر أن هنالك آلاف الضحايا من الطرفين: طرف النظام وطرف الشعب، وأن امبراطور اليابان، ابن الشمس، الإله، كان يجلس مع العائلات المنكوبة من أثر كارثة مفاعل فوكوشيما على الأرض. 
في الجانب الآخر: ذهب صلاح الدين الأيوبي، أقصد الفنان الذي لعب دوره، إلى موسكو ليفاوض النظام، سيضرب الطينة بحيطان موسكو الثلجية، فلم تعد من حيطان في الوطن، وقد كتب أحد الأصدقاء ساخراً: هذه مفاوضات على وطن، وليست مفاوضات بين شركات إنتاج مسلسلات تلفزيونية على دور البطولة. 
الزعماء العرب دائماً يمثلون: صورة مع فقير، صورة مع معاق، صورة مع جندي، ارتدى صدام حسين جميع الأزياء، الفلاح، والكاوبوي، والعامل،... السيسي، أوسكار التمثيل، أقسم عدة مرات، تاني وتالت.. على أنه هو والجيش ليس لهم طمع في السلطة، وزار إحدى ضحايا الاغتصاب، وقال قولته المأثورة: "حقك علينا احنا"، مرتين كالعادة.
 نحن ضحايا هواة تمثيل بالوطن المغتصب وشعبه، وعليه، وليس تمثيلاً له.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق