الجمعة، 30 يناير 2015

أغلقوا النفق في عقل النظام

أغلقوا النفق في عقل النظام


وائل قنديل

قبل كل شيء، الذين ماتوا على أرض سيناء، أول من أمس، هم شهداء مصر كلها. نبكي على ضحايا الإرهاب في سيناء، كما بكينا على شهداء مصر، ضحايا مذابح النظام من ماسبيرو ومحمد محمود والحرس ورابعة وأخواتها، وحتى المطرية وسندس وشيماء ومينا.. الدم واحد.
وبعد..


أي تفكير جدي ومخلص لإيقاف نزيف الدم على الرمال ينبغي أن ينطلق من النظر في الداخل، قبل الاستسهال والهروب من المسؤولية، بتوجيه اتهامات إلى خارج الحدود، لأن العدو في داخل الغرفة، وليس قادماً من النافذة، أو ساقطاً من أعلى السقف.

أخذت تفويضا بالقتل، واستخدمته على أوسع نطاق، وأخليت رفح، وفاقمت عزلة غزة، بحجة تجفيف منابع الإرهاب، واحتفل إعلامك الذي لا يقل إرهاباً، ثم جاءت الضربة بالطريقة ذاتها وفي المكان ذاته.. إذن، هذا نظام مهرج.

الخطر ليس قادماً من أنفاق أغلقتموها وهدمتموها، كانت تتنفس منها غزة، في ظل إذلالها في معبر رفح، بل الخطر، كل الخطر، هو هذا المزيج من الفشل والكذب والعيش في الأوهام، وابتذال قضايا مصر الحقيقية، واقتياد المجتمع عنوة إلى معارك أهلية ساقطة، تستبدل العدو الصهيوني بالمقاومة الفلسطينية ومعارضة الانقلاب، وتكرس خطابا شوفينيا يؤلب بعض الشعب على بعضه الآخر، وتزرع في الوجدان القومي أحط نوازع استرخاص الدماء، واستباحة الآخرين، واستعذاب قتلهم وإهانتهم والتنكيل بهم، والرقص فوق جثثهم على إيقاعات الأغنية الوطنية الفاسدة.

النفق ليس بين رفح سيناء وغزة، بل النفق الأخطر والأكثر كارثية هو هذا الخواء المخيف في رأس النظام، والذي يجعله يقتنع بأن الإدارة بالدجل وصناعة الأوهام يمكن أن تستمر مدى الحياة. النفق الحقيقي هو هذا الدماغ الذي يتوهم أن من يقود دراجة في سباق كاذب يمكن أن يقود وطناً.

المجرم الفعلي في جريمة قتل الجنود والضباط ليس فقط عناصر الإرهاب التي خططت وكمنت وانقضت وقتلت، بل، أيضاً، هو ذلك الذي اختطف وطناً، ووضعه على حافة الجنون، وجلس يستمتع بالمشاهدة. المتهم الأول هو الفشل المقيم في عقلية ذوي الجلود السميكة التي اتخذت القتل طريقاً وحيداً للوصول إلى الحكم، ثم أعادت استخدام السلاح ذاته، كلما استشعرت أن مقاومة استبدادها تتوسع وتتعمق.

المجرم هو اندفاعكم المجنون في اتجاه واحد للحكم، يقوم على عقيدة هشة، اعتنقها مورثكم ولم تحمه من السقوط في النهاية، وهي تلبية الأدوار المطلوبة أميركياً وإسرائيلياً في مشروع الحرب على الإرهاب، ذلك الاختراع السحري للقضاء على أية مقاومة عربية للمشروع الصهيوني.

المجرم هو من احتفى بتمايل الجنود مع الراقصات فوق المدرعات في شوارع القاهرة وميادينها، وبدل مهمتهم من القتال في الجبهة إلى الركض وراء المتظاهرات في الجامعات، وفرض عليهم مشاهدة ما تبثه تلك الفضائية الساقطة كدرس في التربية الوطنية، وفقاً للمعايير المستوردة من الخارج.

عندما وقعت جريمة قتل 16 من الجنود المصريين، في رفح أغسطس/ آب 2012، قلت "لقد بحت الأصوات تتوسل إلى جنرالات المجلس العسكري أن يرحموا الجيش والشعب من هذا المصير البائس الذي انخفض فيه مستوى المعارك التي يخوضها الجنود البواسل إلى القتال في سراديب وأقبية التعذيب في ممرات البرلمان المظلمة، أو زنازين التحقيق"


المجرم هو من صنع حالة عداء مع المصريين في سيناء، ومارس ضدهم جرائم لا تقل في بشاعتها عما ذاقوه من ويلات، إبان حروب مصر الحقيقية ضد عدوها الحقيقي.

وأكرر:
مشكلة سيناء ليست أمنية، بقدر ما هي ناتجة عن العجز عن صناعة "وجود مصري" حقيقي فيها.
 أما التشبث بالكلام القديم الغارق في قاع النظرية الأمنية فقط، فلن ينتج سوى حوادث أخرى من هذا النوع، الذي تختلط فيه عناصر الغفلة مع التآمر مع العجز، هذا الثالوث الذي يجعلكم تعادون سيناء وغزة، وتصادقون العدو الإسرائيلي المحتل.
لقد استنفدتم عدد مرات الرسوب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق