وائل قنديل
قلت ثلاث لاءات، حين دعوا إلى الاستفتاء على تعديلات دستور أنور السادات وحسني مبارك، بعد أقل من ثلاثة أسابيع على سقوط مبارك، بمعركة ثورية قدمت أكثر من 850 شهيداً.
كنت، ومازلت، اعتبر التاسع عشر من مارس/ آذار 2011 يوم مقتل الثورة المصرية، وسجلت وقتها أن "أبسط قواعد الوفاء لأرواح المئات من شهداء ثورة 25 يناير ألا يعود البعض ويمد يده ليغرف من طبق يضع فيه الحزب الوطنى يديه. فلا تلهثوا خلف الحصرم بينما يمكن الحصول على الثمار الناضجة بعد قليل".
كنت، ومازلت، أرى أن ذلك اليوم كان يوم الخطيئة التي أوردت الثورة التهلكة، والتهمت الذين قالوا نعم لترقيع الدستور الساقط، قبل الذين قالوا لا.
غير أن الخطيئة الأكبر التي يتشارك فيها" النعميون" و"اللائيون" أنهم رضخوا لرغبة الذهاب إلى الاستفتاء، وارتضوا تلبية نداء العسكريين للنزول إلى الملعب الذي خططوه، وتحكموا في بواباته، وقوانين اللعب فيه، ومن ثم الإذعان للنتائج.
يستوي هنا الذين أيدوا التعديلات، والذين عارضوها، ذلك أن الموقف الثوري الصحيح، في ذلك الوقت، كان يقتضي مواصلة النضال والحشد لإسقاط مؤامرة الاستفتاء، وليس القبول به، كمبدأ، والتصويت عليه بـ"لا".
الكل رضي بقواعد اللعبة الشريرة، باستثناء أولئك الذين بقوا في الميادين، يعلنون أن القبول بالتصويت على الدستور القديم المرقع بهذه التعديلات لا يستقيم مع قانون الثورة التى هي، وكما بحت أصواتنا، فعل هدم لنظم وأوضاع بالية لا تصلح للحياة. وبعد الهدم، يأتي رفع الأنقاض وتنظيف التربة، ثم البناء على أسس واضحة ومحترمة.
كانت تلك خطيئة الإخوان الكارثية، لكن هل كانت خطيئة الأخوان وحدهم؟ هل تلاعب المجلس العسكري بهم، وحدهم؟
من المهم هنا العودة، اضطراراً، إلى ذلك اليوم الموصوف بيوم الغبار والأكاذيب، اقتباساً من وصف العبقري نجيب محفوظ لشهر أبريل/ نيسان.
في بداية شهر فتنة التعديلات الدستورية، ذهب محمد البرادعي وعمرو موسى وكمال الجنزوري وكمال أبو المجد ونجيب ساويرس، ومجموعة صغيرة من القانونيين، إلى المجلس العسكري، واجتمعوا مع المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان، وكان معهم أستاذ الصحافة الراحل سلامة أحمد سلامة، الذي وصف اللقاء بالقول "وربما كان هذا اللقاء حلقة فى سلسلة لقاءات مماثلة، تعد من أهم المحاولات التى بذلت لإلقاء نظرة فى العمق على المشهد المصري بكل تفاصيله، بعد أن قطع شوطا فى تحقيق الآمال. بدءا بالتعديلات الدستورية، واستمرارا فى ضبط قضايا الفساد وتهريب الأموال المنهوبة، إلى جانب العمل المضني المستمر فى إعادة الأمن والنظام".
كان كل يوم يمر على مصر تحت حكم العسكر يعني مزيداً من نزيف الدماء والخسائر. وعلى الرغم من ذلك، كان البرادعي يطالب بتمديد فترة الحكم العسكري الانتقالية عامين كاملين.
والسؤال هنا: لماذا لم يناضل البرادعي والذين معه، لإجبار المجلس العسكري على التراجع عن ذلك السيناريو الكارثي؟
حسناً، سيقال إنهم فعلوا، ولم يستجب لهم العسكر، السؤال هنا: لماذا لم يخرج "الحكماء" غاضبين، داعين الشعب إلى الاحتشاد في الميادين، على مطلب إسقاط مشروع الاستفتاء، بدلاً من الاكتفاء بالرضوخ للمشيئة العسكرية، ومطالبة الناس بالتوجه للصناديق لقول" لا"؟.
لماذا لم يعلنوا المقاطعة، بدلاً من أن يعود البرادعي من الخارج خصيصاً للمشاركة في "العرس" كما وصفه الجنرالات، ويتعرّض لاعتداء همجي ومهين في لجنة بحي المقطم؟
نعم، كان الاندفاع نحو الاستفتاء خطيئة، تصل إلى حد الجريمة، من الإخوان والإسلاميين. لكن، هل كانوا وحدهم الذين اقتادوا الجماهير إلى "جحيم نعم"؟.
فلنقرأ في دفتر الخطيئة:
في الأسبوع الأول من مارس/ آذار، نشرت " الشروق" ما يلي "قال حمدين صباحي مؤسس حزب الكرامة خلال اجتماع دعمه كمرشح للرئاسة أمس الأول إنه موافق على التعديلات الدستورية تماما ووصفها بالجيدة. وأبدى صباحي تخوفه من أن التصويت في الاستفتاء بـ"لا" يعيد الدستور السابق المعطل أو الشروع في صياغة دستور جديد مما يتسبب في زيادة الفترة الانتقالية".
وعلى دربه، سار عمرو الشوبكي، الواقف على أبواب برلمان السيسي الآن، يتسوّل الإذن بالدخول، حين عقد في " منتدى البدائل" الذي يرأسه ندوة للحديث عما أسماه "الجانب المضيئ في التعديلات الدستورية"، ويعلن بملء الفم أنه" للمرة الأولى نرى تعديلات للأفضل".
نعم، كان يوماً كارثياً على الثورة المصرية، وليس، كما قال عمرو حمزاوي وقتها، "نعم أو لا لن تتسبب في كارثة". لكن من الإجحاف أن يقال إن الأخوان وحدهم قادوا الثورة إلى الجحيم، بالغفلة والاستعجال والهرولة إلى حصاد الثمار المسمومة.
أخيراً: من السخف أن يقال إن 19 مارس 2011 يعادل 30 يونيو 2013 في كارثيته، فهناك فرق كبير بين خطيئة الغفلة وجريمة بيع الهوى السياسي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق