أبو رغال وأحفاده الجدد ؟!
من هو أبو رغال؟! اسمحوا لنا بهذه القصة التاريخية القصيرة؟ يحكى أن حاكم الحبشة أمر واليه في اليمن بأن يـبنى للعرب كنيسة ضخمة غاية في الجمال أسماها "الـقُـليس" ويجبر العرب علىالحج إليها بدلا عن الكعبة المشرفة؟! فجاء يمنى (ملقوف) وتسلل إلى الكنيسة وأحدث فيها كنوع من التدنيس ولمعارضة الفكرة بأسلوب حداثي؟! فجن جنون حاكم الحبشة وأمر أبرهة الأشرم أن يُسير جيشا مهولاً لهدم الكعبة وطعن العرب في أقدس مقدساتهم؟! وبالفعل جهز أبرهة جـيشا عظيما وسير في مقدمته الفيلة وقرر غزو العرب في عقر دارهم وتدمير كعبتهم؟! ولأنه لا يعرف الأرض فقد استـخدم عربـياً اسمه "أبو رغال" كدليل يخبره بتـفاصيل المـسير وأسرار ارض العرب وناسها وقبائلها والطريق إلى مكة؟! ثم حدث ما تعرفونه كلكم وراجعوا سورة الفيل؟! وبعد هزيمة الأحباش ظلت عرب الجاهلية تلعن أبي رغال ليل نهار وترجم قبره بالنعال (قبل منـتظر الزيدي!!) لمجرد انه عمل "معاونا" أو "دليلا" لجـيش الغزاة؟!
هيا بنا ننـتـقل من عام 571 للميلاد إلى سبتمبر 2001م؟! فقد حدثـت "غزوة منهاتن" الشهيرة واهتـز الشيطان الأكبر؟! فأعلنت الولايات المتحدة بعدها مباشرة الحرب العالمية الثالثة تحت مسمى "الحرب على الإرهاب" (ولو بدلتم كلمة الإرهاب بالإسلام فلن تـظلموا أحدا)؟! وأصدرت أمريكا إستراتيجيتها الشهيرة وشعارها "لن تحدث مرة أخرى" (it would not happen again) وترجمتها أن أحداث 11 سبتمبر لن تحدث مرة أخرى على الأرض الأمريكية (أكثر ما ألم بالأمريكان أن الضربة حدثت على أرضهم فذكرتهم بغارات بيرل هاربر المفاجئة)؟! تكونت إستراتيجية الحرب على الإرهاب من عدة أبعاد مهمة: البعد العسكري (غزو أفغانستان وبعد فترة العراق والصومال وتدويخ السودان استعداد لغزوه، وهذا كان مقدرا لو لم تفشل الحملة الصليبية على العراق؟)، البعد الاقـتصادي (السيطرة على مصادر التمويل)، البعد ألاستخباراتي (السجون الطائرة وخطف الأفراد من عواصم مختلفة)، البعد الفـني (دقي يا موسيقى في ارض العرب حتى تـنخرم أذانيهم!!) والأفلام والسينما وفرق الرقص الشرقي والغربي والهب-هوب؟! البعد الإعلامي (حرب إعلامية هوجاء لم تـنجح فيها قناة الحرة فوجدوا قـنوات عربية ليست حرة!! ولكن تعبد الدولار وتستعد من أجل إعلان واحد لتدويخ الأمة العربية من الخليج إلى المحيط؟!!).
في صبيحة اليوم التالي من تدمير البرجين، أطلق جورج (قلب الحمار)؟! إشارة بدء الحملة الصليـبية الثالثة عشرة من مكتبه السوداوي معلناً هذه المرة أن الحملة ستكون ثـقافية للمرة الأولي وستركز ليس على بلاد الشام أو مصر كما كانت الحروب الصليبية الشهيرة ولكنها ستـنصب بحممها على ارض العرب الأولى (عرين الأسد)؟! أنهم يقولون بالفم المليان أن الصراع الجديد هو صراع حضاري ثـقافي، لذلك سلكت الإستراتيجية ولأول مرة في تاريخ الصراعات والحروب طريق "التـغيـير الثـقافي" أو "الغزو الثـقافي" للمجتمعات الأخرى (يعني نحن ما غيرنا)؟! ويقوم هذا المبدأ على ضرورة "تـغيـير" كل شيء يمت للثـقافة المستهدفة بالغزو مثل المناهج والصور الذهنية والقيم والمبادئ والأفكار العامة والتصورات عن الحياة والدين والارتباط بالشخصيات التاريخية حتى مسألة الفخر الحضاري التي تصدر من الإنسان العادي طالتها الشماتة بأقلام من ينـتمون لهذا الشخص نفسه (أقرأ مقال "وهم الأفضلية" للكويتب الذي كان وما يزال "بلوة" ثـقافية مركبة على أمته الكبيرة)؟!
ها قد تدحرجت كرة الثلج محشوة بالبغضاء والكراهية عنوانها اقطعوا علاقتهم بالماضي والثـقافة الإسلامية واربطوا علاقـتهم المستـقبلية بالثـقافة الغربية فقط لا غير (يـبطون..؟!). وتستطيع ببساطة متناهية أن تلاحظ كيف أصبحت الماضوية والتـخلف والرجعية أكثر التهم التي تطلق علي ثـقافتـنا جزافاً!! وليت شعري ما فعلت الحداثة والتحديث بالأتراك الذين بدلوا الحروف العربـية باللاتينية ورموا الطربوش وتبعوا الغرب فـتحولوا بقدرة قادر من أسياد العالم إلى (معلمي شاورما)؟! الغزو الثـقافي يحتاج "معرفة" والغرب لا يعرف الشرق وطريق التغيـير الثـقافي صعب المسالك مشوب بالمهالك غامض وحالك فقد بحثوا عن "دليل" بل "أدلاء" فوجدوهم هم أنـفسهم (أحفاد أبي رغال الشهير)؟! وللحقيقة أنه لم يضنهم البحث كثيرا فقد وجدوا ضالتهم في شلة من الموتورين ممن لفظتهم الفطرة السليمة ومن حثالة القوميين والماركسيين والشيوعيين ومعهم ثلة من المتسلقين والغوغائيين والمنافقين إلى أخر الأنين…؟!! رغاليون جدد ولكن أسماؤهم حداثية وأشكالهم جمالية وشهرتهم الإعلامية غطت الآفاق ويظل هدفهم وقصدهم "تـغيـيرنا" أو "تـغريـبنا" غصب (ن) علينا ولصالح الإستراتيجية الأمريكية البغيضة؟!
الأحفاد المخلصون يقودون الفيل الأمريكي الأرعن هذه الأيام ولن يترددوا حتى عن هدم الكعبة معنوياً على الأقل وليست أمريكا بحاجة إلى هدمها بالبلدوزر ويكفيهم اضمحلال اثر الدين في النـفوس وفي الثـقافة العامة للبلد؟! اليوم ولست مبالغاً أصبحت الجرأة على الرموز الإسلامية أوضح من أي وقت مضى بحجة الحرية والتـنوير والتغيير الحضاري ومقولتهم العصماء "أن تعرف أكثر" (خرطي مركب)؟! وليس يهم ما يقال في البخاري ومسلم وأبي هريرة (رغم قسوة ذلك علىالقلوب)؟! ولكن الأمر وصل إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وقد أحصيت في مقالات كاتب صغير في جريدة محلية واسعة الانـتـشار عبارات أكثر من أن تعد مع أن واحدة منها تكفي لإثارة الألم؟! وكلها تلمز في أحاديث صحيحة ثابتة عن الرسول الكريم وتصمها ب "السخيفة"؟! أو "الغبـية"؟! وتربطها بأمراض اجتماعية مثل "الشك" أو "الخوف من الآخر" أو الفوبـيا والبارانويا الاجتماعية؟! وفي مقالات "البخيل" جاء ذكر الرسول صلى الله علية وسلم عشرات المرات ولم يتـنازل ليقول (صلى الله عليه وسلم) وقد جاء في الحديث الشهير عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (البخيل من ذكرت عنده ولم يصل علي)!! وكيف لمن ربط نفسه بأبي رغال أن يحترم شخصياتـنا التاريخية أو يقدر حالتـنا الآنية أو يقترح علينا أن نعلم أطفالنا الهندوسية والبوذية والزردشتية وكل ما فيه ..أية (لماذا لم يقل الخمينية)؟!! عجبي؟!
التطبـيق العملي للإستراتيجية الجهنمية يسير على قدم وساق وخطوتهم الأولى جاءت انعكاسا للبروتوكولات الشهيرة التي جاء فيها أن تحقيق أهداف الصهيونية يـبدأ من "المرأة" ذلك المخلوق الناعم اللطيف الذي إذا خرج من بيته خرجت الأمة كلها من ثيابها؟! وبإمكانكم ملاحظة الاحتـفاء الخيالي بالفرق النسائية الكروية والمخرجات السينمائيات والمصورات الفوتوغرافيات وأول امرأة تقود طائرة أو تركب سيكل؟! اليوم وكل يوم تـتجمد الدماء في عروقي وأنا أتابع ما يحاك للمرأة السعودية المسلمة وتلك الحملة الإعلامية الشرسة لإبراز النماذج الرديئة تحت أية مسمى معلب أو عنوان مثير؟! الأمر لم يعد مقـتصرا على الوفود التجارية وما تـفرزه والزيارات الخارجية وما تبعثه والمؤسسات الفـنية وما تـنـتجه والروايات المشينة وما ترسمه ولكن هناك "زائرات" للسفارات بدأن مشاريعهن التـغريـبـية من بطون القـنصليات الأجنبية في المدينة التي هي "بوابة الحرمين"، وعلى عينك يا تاجر؟!
ثم إن من طرائقهم الفريدة السعي إلى "هز الثـقة" في المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية حيث جاءت الهجمات تباعاً على حلقات تحفيظ القرآن ومراكز الجوالة والمؤسسات الدعوية ثم انـتقلت بفحيح كفحيح الأفاعي لتطال القـضاء والإفـتاء والدعاة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! والغرض من هذه الطريقة يركز على "قطع الصلة" بين المجتمع المتدين ومؤسساته والاستـفراد بالأفراد والتعامل معهم ثم السعي إلى تـشويه "النموذج" المتدين والاحتـفاء بالنماذج الخائبة مثل أول مسلم يتـنصر (ويطلع منها زي الشعرة من العجينة)؟! وأزعجونا بمطربي الهب-هوب في المدينة التي هي "بوابة الحرمين"؟! ومؤخرا هز كياني أن أحد الكتاب المتخرجين من "شارع العطايف"؟! يكتب في صحيفة محلية عن مجموعة من الشباب المتدين رآهم في صالة المطار ويقول عنهم "مساكين"؟! مفردة "مساكين" لهؤلاء أما شباب "طيحني"؟! فهم رسل الحداثة والتحديث وعنوان خروجنا من التخلف والجهل إلى الإسفاف والتـقليد؟!
ولعل اللزمة الأكثر وضوحا في إستراتيجيتهم هي "جلد المجتمع" كجلد غرائب الإبل ووصمه بالتخلف والرجعية والطالبانية والإرهاب وكلمتهم المكرورة (الظلامية وفاعلها الظلامي عكس التـنويري)؟! يا أرضي أحفظي ما عليك؟! نحن في عصر الكهرباء صرنا ظلاميين وهم أصحاب الكشافات الرغالية؟! والتـنويري في الحقيقة هي اقرب إلى التـنور منها إلى النور وعند الله عز وجلالحساب العسير؟! ويمارسون التفكيك بعنجهية واضحة حيث يعمدون إلى تـفكيك الإسلام إلى مفاهيم صغيرة مبعثرة ثم الاستـفراد بها والهجوم عليها بلغة شرسة لا تبقي ولا تذر؟! فلم تسلم من شـنـشـنـتهم مفاهيم وصور إسلامية مثل الحجاب والقوامة للرجل والمحرّم للمرأة وخطبة الجمعةوزيارة القبور وتدريس القرآن (وش بقي ما ظهر)؟! ومن أساليـبهم الشائكة تلك اللفحة الساخنة من "التـشكيك" في كل شيء التاريخ والسيرة والقصص النبوية وأخيرا جاء الدور على الإعجاز العلمي في القرآن؟! كما ورد في مقالات دكتور لسانيات (قطع الله لسانه)!! ولن يتركوا عنهم التـغليف من باب وضع "السم" في المصطلحات الجميلة المغرية مثل "تمكين المرأة" (التمكن من المرأة) و"الحرية" (لزوم التعدي على الثوابت الدينية) و"التـنوير" (لزوم رفع التـنوره)؟! و"الحقوق" (لفرض العقوق)؟! وغيرها؟!
وامتداد لهذا التـغليف المبرمج نجد اليوم في صحفنا جهداً خرافياً لبث السموم الليـبرالية مثل العقلانية والنسبـية (نسبـية الأخلاق) والحرية الفردية المطلقة والتعددية والجدلية الهيغلية وتحرير الفكر وإثارة العقل الخ وكأننا أمة متلهفة لما في "زبالة" الغرب والرسول صلى الله علية وسلم تركنا على المحجة البـيضاء (كتاب الله وسنة رسوله) فلا يزيغ عنها إلا هالك؟!
أحفاد أبي رغال مازالوا مخلصين لأصحاب الفيل الأبيض الأرعن رغم أن الفيل وأصحابه مهزومون وقد ولو الدبر حيث أرسل الله عليهم عبادا صالحين في المثلث السني يسومونهم العذاب ثم أرسل عليهم طير أبابيل ترميهم بحجارة من الرهونات والديون الفاسدة وأنفلونزا الخنازير فوقعوا بين كماشتين الأوبئة والكساد الاقتصادي؟! ولله الأمر من قبل ومن بعد؟!
نشر في 2010-04-22
: د. صنهات بدر العتيبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق