نحن لا نسرق الشيكولاتة
المسافة ليست بعيدة بين حالة المواطن المسكين الذي أحيل للمحاكمة، في القاهرة، بتهمة اختلاس قطعة شيكولاته، لا يملك ثمنها، وحالة السعار اليميني، الهولندي، ضد تركيا والعالم الإسلامي.
في مصر دارت فصول واقعتين، موضوعهما واحد، على منصات التواصل الاجتماعي..
في الأولى، أراد مستشارٌ في سلك القضاء الحصول على الدواء من صيدلية، من دون أن يدفع ثمنه كاملاً، وعندما رفض الصيدلي إعطاءه الدواء حضرت قيادات الأمن الباسلة، على رأس قوات، لترويع الصيدلي وتأديبه.
وفي الواقعة الثانية، حضرت الشرطة لتأديب المواطن الفقير الذي سرق قطعة شيكولاتة من أجل ابنه، وأحالته إلى المحاكمة العاجلة.
يتصور ذلك اليمين العنصري المتغرطس، في هولندا وبعض أوروبا، أن تركيا والعالم الإسلامي مثل ذلك البائس، سارق الشيكولاتة، فيقرعون طبول الحرب ضد أنقرة، لأنها قرّرت المضي في الاستفتاء على تعديل دستورها والتحول إلى النظام الرئاسي، وكأن نظم الحكم والدساتير هي بضاعة للبيع والعرض فقط في متاجر السياسة الأوروبية، تمنحها لمن تشاء، وتمنعها عمن تشاء، فإذا ما قرّر الأتراك تغيير سياسة الحكم في بلادهم، باختيارهم الديمقراطي، دوّت صافرات الإنذار في السوبر ماركت الهولندي، تتهم تركيا بمحاولة العبث بمحتوياته.
في المقابل، يجزل اليمين العنصري العطاء، ويسبغ الحماية، على لصوص الأوطان، وسارقي أحلام الشعوب العربية في التقدّم الديمقراطي، من الطغاة الذين اختطفوا السلطة، واختلسوا موارد بلادهم، وحوّلوا شعوبهم إلى مجموعاتٍ من المطاردين واللاجئين الذين يهيمون على وجوههم في البلاد..
هكذا تسلك أوروبا مع المستبدين العرب، كما فعلت شرطة عبد الفتاح السيسي مع ذلك القاضي، المدجّج بنفوذه، وأهانت الصيدلي وروّعته، لأنه يدافع عن حقوقه.
ولأن العالم يمر بأكبر أزمة أخلاقية في التاريخ الحديث، يتمتع قتلة الأحلام وآكلو لحوم الثورات ولصوص الديمقراطية بالرعاية الكاملة من السيد الأوروبي "الأبيض" فيما تتم معاقبة كل الساعين إلى امتلاك أي شكل من القوة الاقتصادية والحضارية، غير أن السؤال المهم هنا: ما هو موقف أصدقاء تركيا في الوطن العربي والعالم الإسلامي، الذين يضخون مئات المليارات في الاقتصاد الهولندي، بعد هذه الإهانة الموجهة لهويتنا وكرامتنا الإنسانية، قبل أن تكون موجهة للحكومة التركية؟!
ليس الموضوع، فقط، أزمة دبلوماسية بين هولندا وتركيا، على وقع استحقاقاتٍ انتخابية، يشهدها البلدان في غضون الأيام المقبلة، وتدور معاركها خارج الحدود.
القصة أننا بصدد هولندا مختلفة، متشحة بسواد العنصرية اليمينية المتطرّفة، توشك أن تخطف العلاقة بين الشرق والغرب إلى مناطق أكثر وعورة، وأكثر خطراً، فيما عرف بصدام الحضارات وصراع الهويات.
"إن كل القيم التي تدافع عنها أوروبا، مثل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، غير منسجمة مع الإسلام".. هكذا أطلق اليميني المتطرّف، غيرت فيلدرز، الرصاص عشوائياً ومجنوناً، وهو يتأهب لمعركة الحسم في الانتخابات البرلمانية، وهو يدلي بدلوه في النزاع الدبلوماسي الناشب بين أنقرة وأمستردام.
ليست الإهانة موجهة إلى تركيا فقط، بل تشمل كل المسلمين والعرب، وتظهر استعلاء بغيضاً، وكراهيةً تناسب العصور الوسطى، ولا أبالغ أنها تصيب الشرق العربي، بكل مكوناته العرقية والدينية.
وهذه ليست المرة الأولى التي يضع فيها فيلدز هولندا في مواجهة العرب والمسلمين، فقد سبق أن فعلها في العام 2014، حين نال من شعار التوحيد الذي يسكن علم السعودية، موجها إساءة شديدة الانحطاط إلى الهوية الإسلامية، الأمر الذي اضطر وزير الخارجية الهولندي، فرانس تيمرمانس، إلى الإعلان عن التوجه إلى السعودية للاعتذار و"السعي إلى إزالة سوء الفهم" بين البلدين، بعد المؤشرات حول نية الرياض فرض عقوباتٍ تجارية ضد هولندا.
هذه المرّة، يكرّر الرجل وقاحته العنصرية، أو عنصريته الوقحة، ضد شعوب العالم الإسلامي، عبر البوابة التركية، ليلتقط عبد الفتاح السيسي خيط الوقاحة في القاهرة، ويجمع أبواقه ليتحدث، مرة أخرى، عن التطرّف الإسلامي، في تكرار كريه لبلاغه الأول قبل ثلاثة أعوام ضد مليار وستمائة مليون مسلم، رأى فيهم السيسي خطراً على أوروبا وقيمها ومجتعاتها.
على طبول الحرب الدبلوماسية بين تركيا وهولندا، تحدّث السيسي أمس، معلناً اصطفافه مع رؤية الزعيم اليميني المتطرّف في هولندا، من أجل قطعة شيكولاتة، في سوبر ماركت الحرب على الإرهاب والتطرّف"الإسلامي" بالطبع، كما يذهب السيسي وفيلدز.
((الروح الصليبية تخيم على أوربا في معركتها ضد تركيا.
ردحذفبعد فشل الانقلاب العسكري الأمريكي تقود ألمانيا الحرب لشيطنة أردوغان.
كل الشياطين تعمل على عرقلة خروج الأتراك من قبضة الغرب وإفلات حكومة العدالة والتنمية من الفخاخ المنصوبة، واستعادة قوة الدولة التركية المسلمة.))
عامر عبد المنعم