غزوة العُسْرَة (تبوك)
د. تيسير التميمي..
قاضي قضاة فلسطين رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس
عُرِفَت غزوة تبوك في السيرة النبوية بغزوة العُسْرة وهي آخر غزوات الرسول عليه السلام، ومن أسمائها الفاضحة والكاشفة لأنها فضحت المنافقين وأساليبهم العدائية وأحقادهم الدفينة، وكشفت نواياهم وأسقطت أقنعة الكفر التي تستروا بها لخديعة المؤمنين، فمنذ بداية التحضير لها بدأ تمحيص المؤمنين وتمييزهم عن المنافقين، وقد عجبتُ من بعض الفلاسفة المتفذلكين المعاصرين قولَهم أنه لم يكن لهذه الغزوة من مبرر أو داعٍ، فالمدينة المنورة في رأيهم لم تتعرض للهجوم ولم يعتدِ أحد عليها أو على أهلها، وكان الأفضل للمسلمين عدم المبادرة بملاقاة جيش الروم للقتال ؛ وبالأخصّ أنه صلى الله عليه وسلم لم يجد في تبوك لا جيش الروم ولا غيره، لهذا فقد ارتأيتُ توضيح أهمية هذه الغزوة.
وقصة غزوة تبوك أنه بعد فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة، وبعد الانتصار في حُنَيْن مباشرة بدأ الإسلام يسود في الجزيرة العربية وينتشر، فتخوَّفت الروم من ازدياد نفوذه، فبادروا بتجهيز جيش لإنهاء قوته وإيقاف تمدده، فبدأ قيصرهم هرقل بنفسه يهيئ لخوض معركة دامية ضده وكانت في تبوك، ودارت رحاها في شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة وتناولت أحداثها سورة براءة (التوبة).
وأما عن سببها المباشر فقد كتب الغساسنة العرب وهم حلفاء الروم لهرقل [ إن هذا الرجل الذي قد خرج يَدَّعي النبوّة هَلَكَ، وأصابت أصحابه سنون أهلكت أموالهم ] فرآها هرقل فرصة سانحة لتخويف المسلمين، فأشاع بأنه أرسل قائداً عظيماً على رأس جيش جرار يضم أربعين ألف مقاتل من الروم ونصارى العرب، وأن طلائعه وصلت البلقاء (في الأردن)، وبالفعل أوصل التجار الأنباط القادمون من الشام هذه الشائعة للمدينة، فلم يَرَ الرسول صلى الله عليه وسلم بُدّاً من استنفار المسلمين لدفع العدوان، فاستنهض هِمَمَ أصحابه للجهاد في سبيل الله، ولإشعارهم بأن الله لا يقبل التفريط في حماية دينه ونصرة نبيه، وبأن التراجع أمام الصعوبات الحائلة دون جهاد العدو مزلقة للمعصية والنفاق والردة.
جاء هذا التهيؤ وسط تحديات كثيرة واجهت المسلمين :
فقد طابت ثمار المدينة وحان قِطافُها، واشتد الحر وقَلَّ الماء وأجدبت الأرض، والمسافة من المدينة إلى تبوك بعيدة والسفر إليها شاق لوعورة الطريق وقلة الرواحل، ونظراً للظروف العصيبة هذه سمي هذا الجيش بجيش العسرة، وأعلن صلى الله عليه وسلم نيته الخروج لملاقاة الروم مع أنه كان دائماً يخفي وِجْهته حفاظاً على السّرّيّة وحرصاً على عنصر المباغتة والمفاجأة للعدو، وفي أثناء هذا الإعداد والاستعداد تجلت خبايا النفوس وظهرت حقيقة إيمانها وإخلاصها :
1- فهناك الأغنياء من المؤمنين الذين حثهم الرسول صلى الله عليه وسلم على تجهيز الجيش بقوله
{ من جهز جيش العسرة فله الجنة…} رواه البخاري، فسارعوا ببذل أموالهم لتجهيزه وإمداده بالسلاح والخيل والمؤن، فأبو بكر دفع ماله كله، وعثمان بن عفان قدم ألف دينار وثلاثمائة بعير بكامل جهازها العسكري، وعمر بن الخطاب دفع نصف ماله، وعبد الرحمن بن عوف قدم نصف ماله، وعبد الله بن عباس جاء بمال كثير، وغيرهم كثيرون رضي الله عنهم جميعاً،
قال تعالى فيهم { لَٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ جَهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡخَيۡرَٰتُ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ * أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ } التوبة 88-89.
2- وهناك الفقراء الراغبون بالجهاد وبذل أرواحهم في سبيل الله لكنهم لا يملكون ما يجهزهم، ولم يملك الرسول صلى الله عليه وسلم تجهيزهم، فبكَوْا لعدم الخروج، قال تعالى فيهم { لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ } التوبة 91-92.
وقال صلى الله عليه وسلم فيهم لما دنا من المدينة وهو عائد من تبوك
{ إن بالمدينة أقواماً ما سِرْتُمْ مَسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، قالوا يا رسول الله : وهم بالمدينة ؟ قال : وهم بالمدينة، حبسهم العذر } رواه البخاري.
3- وهناك الذين ضعفت أول الأمر همتهم، فلما جَدَّ الجدُّ وانطلق الجيش أحسوا خطر التخلف عن الجهاد فانتصروا على أنفسهم، ونهضوا سِراعاً فلحقوا بالرسول صلى الله عليه وسلم فأدركوه في الطريق ففازوا، قال تعالى فيهم { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } التوبة 117، ومن هؤلاء أبو خيثمة الأنصاري وعمير بن وهب الجمحي، وأما أبو ذر الغفاري فقد أبطأ به بعيره فنزل عنه وأكمل الطريق ماشياً حتى أدرك الجيش، رضي الله عنهم جميعاً.
4- وهناك مؤمنون صادقون، لكنهم غلبهم شيطانهم فتكاسلوا عن الخروج بغير سبب أو عذر مقبول، وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية رضي الله عنهم، فكان الإجراء العقابي لهم بعد العودة من تبوك مقاطعتهم مدة خمسين يوماً حتى زوجاتهم أمرن بالمقاطعة، لكن شملتهم توبة الله عليهم لصدق الندم والترفّع عن تقديم الأعذار الكاذبة لتخلفهم عن الجهاد، قال تعالى فيهم { وَعَلَى ٱلثَّلَٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ وَضَاقَتۡ عَلَيۡهِمۡ أَنفُسُهُمۡ وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلۡجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّآ إِلَيۡهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡ لِيَتُوبُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } التوبة 118.
5- وهناك المنافقون ؛ الطابور الخامس الذين اعتادوا الفرار يوم الزحف، وفي هذه المرة أيضاً آثروا التخلف عن الخروج للجهاد، ولم يكتفوا بذلك ؛ بل راحوا يثبِّطون المؤمنين عن الخروج في ظروف صعبة يعاني منها الجميع، قال تعالى فيهم { فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَراً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } التوبة 81-82
ولم يكتفِ المنافقون بذلك بل الْتمسوا أسخف الأعذار وأحطَّها، فقعدوا عن الجهاد وعن نصرة الإسلام كراهية له وللرسول وللمؤمنين، وقد كانوا موقنين بقضاء الروم عليهم، قال تعالى { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ } التوبة 49، وهذه الآية نزلت تحديداً في المنافق الجِدِّ بن قيس، ليس هذا فقط بل وصفوا الأغنياء بالرياء لتقديمهم مبالغ كبيرة للجيش، وسخروا من قِلَّة ما قدمه الفقراء،فقال تعالى فيهم { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } التوبة 79،
وأكثر من ذلك عملوا : ففور علمهم بإعداد الروم أنشأوا وكراً للتجسّس والتآمر بصورة مسجد يلتقون فيه متسترين بالعبادة، وورد في السيرة أنهم قبل توجهه لتبوك ذهبوا للرسول صلى الله عليه وسلم يقولون يا رسول الله : إنا قد بنينا مسجداً لذي العِلَّةِ والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه، فقال إني على جَناحِ سَفَرٍ وحالَ شُغْلٍ، ولو قدمنا إن شاء الله فأتيناكم فصلينا لكم فيه ] أسس المنافقون هذا المسجد ليَتَلَقَّوْا فيه مراسلات وتعليمات إبي عامر الراهب (الملقب بالفاسق) وهو والد حنظلة الغسيل رضي الله عنه الذي استشهد يوم أحد، وكان أبو عامر قد طلب من المنافقين انتظاره في مسجد الضرار ووعدهم بالتوجه إلى هرقل لطلب جيش للقضاء على المسلمين، فاستجاب هرقل لطلبه فعلاً، لكن أبا عامر مات عند هرقل قبل تحقيق مخططاته الخبيثة.
خرج المسلمون في تعبئةٍ وقوة لم يخرجوا من قبلُ في مثلها، فقد بلغ عددهم نحو ثلاثين ألف مجاهد، واستخلف صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه على المدينة، وانطلق الجيش شمالاً حيث تربض جيوش الروم، وعانى الجيش المسلم الذاهب إلى تبوك العطش من نفاد الماء، فظهرت معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم، إذ إنه رفع يديه إلى السماء داعياً الله مستسقياً، فلم يرجعهما حتى أمطرت السماء فشرب المسلمون وملأوا آنيتهم
وصل المسلمون تبوك، فلما نزلوا فيها قام صلى الله عليه وسلم بهم خطيباً، فكان مما قال { أيها الناس : أما بعدُ فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله وأوثقَ العرى كلمةُ التقوى وخيرَ الملل ملةُ إبراهيم وخيرَ السنن سنةُ محمد وأشرفَ الحديث ذكرُ الله وأحسنَ القَصص هذا القرآن وخيرَ الأمور عوازِمُها وشرَّ الأمور محدثاتُها وأحسنَ الهُدَى هُدَى الأنبياء وأشرفَ الموت قتلُ الشهداء… } رواه البيهقي، ومعنى العزائم أي الفرائض والواجبات، ومعنى المحدثات أي البدع.
لكن المسلمين لم يجدوا في تبوك أحداً ولم يواجهوا عدواً، فقد آثر الروم الفرار إلى الشمال وترك مواقعهم والاختفاء داخل حدودهم، فكانت النتيجة نصراً محققاً للرسول صلى الله عليه وسلم وللمسلمين بغير قتال أو اشتباك مسلح، لذا قال صلى الله عليه وسلم { أعطيتُ خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر… } رواه البخاري،
وفي رواية أخرى أنه صلى الله عليه وسلم { قام من الليل يصلي فاجتمع وراءه رجال من أصحابه يحرسونه حتى إذا صلى انصرف إليهم قال لهم : قد أعطيتُ خمساً ما أُعْطِيَهُنَّ أحدٌ كان قبلي :… ونصرتُ بالرعب، ولو كان بيني وبينه مسيرة شهر مُلِىءَ مني رعباً… }.
ومكث الرسول صلى الله عليه وسلم فترة طويلة في انتظار الروم وجيشهم ولكنهم لم يظهروا، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه { أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوماً… } رواه أبو داود، وفي أثناء هذه الفترة صالح الرسول صلى الله عليه وسلم نصارى العرب الضاربين في تلك الأرجاء، فدخل في عهده أهل أَيْلَةَ (العقبة حالياً) وأَذْرُح والجَرْبَا (تقعان حالياً في معان) وتيماء ودومة الجندل (تقعان حالياً شمال السعودية).
وانطلق الرسول صلى الله عليه وسلم عائداً من تبوك إلى المدينة المنورة، وقبل دخولها أرسل اثنين من أصحابه لهدم مسجد الضرار وحرقه قبل دخوله المدينة، فقد نزلت الآيات الكريمة تفضح المنافقين وتكشف غايتهم من إنشائه، قال تعالى فيهم وفي مسجدهم { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } التوبة 107-108، كان يراد لهذا المسجد أن يكون مؤسسة محاربة لله ولدينه ولرسوله وللمسلمين بالخفاء وتتمتع بغطاء قانوني شرعي لا يثير أية شبهة، لكن الله عز وجل قوَّض بنيانها.
وصل الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون المدينة في شهر رمضان المبارك مظفَّرين بعد غياب خمسين يوماً، فبدأ بمسجده النبوي فصلى فيه ركعتين ثم جلس للناس، فجاءه المنافقون الذين ذُهلوا لعودته وجيشه سالمين وقد كانوا يأملون ويتمنَّوْن أن يقضي الروم عليهم ويفككوا دولتهم ويستأصلوا شأفتهم وينهوا خطرهم عليهم، فأخذوا يعتذرون ويحلفون، فقَبِلَ علانيتهم ووكل سرائرهم إلى الله، فعاتبه الله تعالى بقوله { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعۡلَمَ ٱلۡكَٰذِبِينَ* لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ } التوبة 43-45، وهذا الصنف من الناس إنما هو مُرْجِفٌ مُثَبِّطٌ لا يفيد ولا ينفع في الحرب ولا يغني عن المجاهدين شيئاً فغيابه خير من حضوره، ولن يكون من ورائه إلا الفتنة وتفريق الصف المسلم وإضعافه، فهم ليسوا من هذه الأمة وهي براء منهم، كيف وقد اختاروا لأنفسهم أن يكونوا ولاؤهم لغير الله ودينه ورسوله والمؤمنين، قال تعالى فيهم { وَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمۡ لَمِنكُمۡ وَمَا هُم مِّنكُمۡ وَلَٰكِنَّهُمۡ قَوۡمٞ يَفۡرَقُونَ } التوبة 56، ومعنى يفرقون أي يخافون منكم أشد الخوف.
كانت هذه الغزوة فاصلة وحاسمة، فعلى إثرها تبدلت موازين القوى في الجزيرة العربية، وتغيرت مواقف حلفاء الروم من العرب الموالين لهم والخاضعين لسيطرتهم، فقد تحالفوا مع المسلمين كقوة جديدة يحسب لها ألف حساب، وأصبحت الطريق ممهّدة لفتوحات الشام والتي بدأت بإسقاط إمبراطورية الروم بعد ستة أعوام فقط في معركة اليرموك.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق