حفلة الترهيب والتشهير
فهمي هويدي
حملة الترهيب والتشهير التي تتعرض لها «الشروق» لا تقلقنا على الجريدة بقدر ما تقلقنا على الوطن ومستقبله. فالجريدة التي تصوب إليها سهام الحملة الشرسة من جانب بعض الأقلام والفضائيات تضبط يوميا متلبسة باقترافها جريمة السماح بنشر الرأي الآخر من جانب بعض الكتاب. وهو أمر يبدو أنه لم يعد مسموحا به في ظل أوضاعنا التي استجدت. إذ في ظل اللوثة التي أصابت كثيرين وانتشار ظاهرة التكفير السياسي في مختلف الأوساط، بمن فيهم عناصر النخبة، فإن الصدور ما عادت تحتمل رأيا آخر.
فأنت متهم بالردة إذا ما دافعت عن قيم الديمقراطية والتعددية السياسية، ومتهم بالردة إذا ما دافعت عن الدستور والقانون. ومتهم بالخيانة إذا دافعت عن التصالح والتسامح والحفاظ على وحدة الجماعة الوطنية، ومتهم بموالاة «الأعداء» إذا دافعت عن حق التظاهر وطالبت بوقف نزيف الدماء وانتقدت قتل المتظاهرين.
الخلاصة أن الكاتب يظل متهما ومدرجا في القوائم السوداء إذا ما لم يردد ما يقوله الآخرون، وإذا لم يشرب من بحر الجنون الذي يسبح فيه الجميع.
المسموح به والمرحب به هذه الأيام هو قمع الناقمين والمعارضين، إلى جانب شيطنة الإخوان والتفنن في التشهير بهم وتحميلهم مسؤولية ارتكاب كل الخطايا والرزايا التي شهدتها مصر(أحد مقدمي البرامج التليفزيونية قال إنهم مسؤولون عن سقوط الأندلس) وعند كثيرين فأنت إخواني إذا لم تسب الإخوان أو لم تشترك في هجائهم، وإذا كانت تلك التهمة قد لاحقت محطة تليفزيونية عالمية شهيرة مثل الـ«CNN» فلا غرابة في أن تلصق بكل من أراد ان يتكلم عنهم بأدب أو ينتقدهم بهدوء.
لسنا بصدد نقاش أو حوار بين آراء مختلفة، ولكننا في مواجهة حالة «ردح» تستخدم الألفاظ النابية والأسلوب الهابط الذي يستبيح الكرامات ولا يتردد في اختلاق الأكاذيب والترويج للافتراءات. وتلك لغة لا يجيدها كل أحد، لأنها تتطلب توافر خلفيات ومواصفات معينة تربوية وأخلاقية ومعرفية أيضا. ولا مجال للحديث عن الاعتبارات والقيم المهنية لأن ما نحن بصدده داس عليها وأهدرها وأخرجها من المعادلة تماما.
لا أتحدث عن عوام الناس الذين تلوثت مداركهم وشوهت ضمائرهم جراء حملات التعبئة والتحريض ودعوات البغض والكراهية، فهؤلاء ضحايا وليسوا جناة، لكني أتحدث عن قطاعات غير قليلة من الإعلاميين والمثقفين، الذين صاروا يقودون حملة التحريض والتسميم الراهنة، ويشاركون ويرددون دعوات القمع ويعطوننا كل يوم دروسا في الردح والدعايات السوداء.
بالنسبة لجريدة «الشروق» فإن الأمر لم يقتصر على التشهير والتجريح ونشر الشائعات المكذوبة، وإنما تعداه إلى التهديد والابتزاز، خصوصا من جانب الجهات التي تتولى التوزيع أو تلك التي تستجلب الإعلانات، والرسالة في هذه الحالة واضحة، وخلاصتها أن الجريدة إذا سمحت بتعدد الآراء والمواقف رغم محدوديتها، فإنها ستتعرض للتضييق في التوزيع، وستحجب عنها الإعلانات، أو بعضها على الأقل. الأمر الذي يعني أن الأمر يجاوز التلويح إلى محاولة لي الذراع والتعجيز. الذي يستهدف وقف إصدار الجريدة في نهاية المطاف.
لكن ذلك كله في كفة والرسائل: التي تصل إلى «الشروق» من جانب أطراف محسوبة على السلطة في كفة أخرى، ومعلوماتي إن الجريدة تلقت أكثر من رسالة تهديد إذا استمرت في سياستها الراهنة. واقترن التهديد بوعيد يعرف المشتغلون بالمهنة وخبراء الإدارة ان أساليب السلطة في تنفيذه متعددة، وتتراوح بين الضغوط المالية والإدارية والضريبية وبين تلفيق التهم.
لا يخلو المشهد من مفارقات عدة.
دعك من تسابق بعض الإعلاميين على محاولة تشويه الجريدة والتحريض عليها.
إحدى تلك المفارقات أن ذلك كله يتم على نحو يعيد إلى الأذهان أجواء مرحلة مبارك وما يبدو أنه ترجمة للتصالح الجاري مع نظامه.
منها أيضا أن الذين استباحوا اغتيال الدكتور محمد مرسي سياسيا ومعنويا طول العام الماضي، واعتبروا ذلك من قبيل ممارسة حرية الرأي، هم أنفسهم الذين يقودون حملة التشهير والقمع الآن.
منها كذلك أن الذين يتصدرون واجهات السلطة والحكومة أناس «ليبراليون»، كانوا في الماضي مع التعددية الديمقراطية وحرية التعبير، ولكنهم بعدما صاروا في السلطة التزموا الصمت أمام ضغوط الترهيب ومساعي القمع الراهنة.
إن بعض زملائنا ابتذلوا المشهد واعتبروا الدفاع عن الدستور والقانون دفاعا عن الدكتور مرسي، في حين أنهم لو أزالوا الغشاوات التي تغطي أعينهم ولو تخلصوا من تأثير حملات البغض والكراهية لأدركوا أن الرأي الآخر الذي ينددون به ولا يكفون عن الغمز فيه ينحاز إلى الحلم الديمقراطي الذي من أجله قامت ثورة 25 يناير والذي بات يتآكل يوما بعد يوم.