السبت، 28 سبتمبر 2019

كلمات قصيرة لكنها طالت

كلمات قصيرة لكنها طالت

محمد إلهامي

باحث في التاريخ والحضارة
1. ثمة أمل في المشهد المصري يتمثل في أن الذين هم خلف #محمد_علي دخلوا فعلا في المعركة مع #السيسي، معارك السلطة عادة بلا أنصاف حلول، قاتل أو مقتول، في القصر أو في القبر (أو في السجن).. بما يعني أنهم إن لم ينجحوا في إزاحة السيسي بالشكل الذي كانوا يرتبون له، فعليهم أن يزيحوه بأسلوب وحيد: الاغتيال.
السيسي نفسه قرر في رؤيا سابقة له قصَّها على ياسر رزق أنه رأى نفسه مثل السادات.. نسأل الله أن يصدق رؤياك عاجلا غير آجل.
وبعيدا عن الرؤى، السيسي نفسه قال في حال الصحو واليقظة وهو بكامل قواه العقلية ذات مرة: اللي عايز يخلص مني الأول!

2. بدأت بالأمل لكي أنجو من تهمة الإحباط  .. فيمكن لأصحاب الأمل أن ينصرفوا الآن 
الانقلابات عادة لا تطول، الانقلاب لحظة سريعة خاطفة، تنجح وتحسم الأمر بسرعة.. كثير من الانقلابات تنتهز فرصة غياب الرئيس عن البلد لتقوم به، في هذه الحالة هو لا يستطيع العودة..
هذا الأسبوع الغائم الغامض الذي لا أحد يدري ماذا يدور في دهاليزه وكواليسه لم يسفر عن شيء، هذا نفسه يقول بأن السيسي انتصر أو في طريقة للانتصار على هذه المجموعة التي زعزعت أركان حكمه في الأسابيع الماضية..
الأمل في هذه الحالة أن الذين لم ينجحوا في حركتهم تلك، ليست أمامهم فرصة للتراجع، فهل يستطيعون فعل شيء؟!

3. أطراف اللعبة متفقون على إزاحة الإسلاميين، ورغم احتياجهم للمشهد الشعبي إلا أنهم يحرصون على القول بأن الإفراج عن المعتقلين لن يشمل المتهمين بالعنف.. هذه العبارة تدل على أمرين أو أحدهما: أن لهما عداوة طبيعية أصيلة ضد الإسلاميين وضد من قاوموا نظام السيسي، 
و/أو أن مغازلة الخارج لا تزال أهم من مغازلة التيار الشعبي الذي يستطيع صناعة المشهد الشعبي المطلوب.. ببساطة: هم متفقون على العودة إلى لحظة الانقلاب، حيث يزاح الإسلاميون ويقتسم البقية حصيلة السلطة والثروة على قاعدة من مؤسسات الدولة التقليدية كما هي: الجيش والشرطة والقضاء ورجال الإعلام.. وهي المعادلة التي سحقها السيسي لحسابه وحساب أبنائه وثلة قليلة من حاشيته العسكرية.
وهذا الاتفاق اتضح منذ اليوم الأول للمظاهرات، وهو اليوم الوحيد الذي تعاملت فيه الشرطة بليونة مع المتظاهرين، لم تمنع هذه الليونة من اعتقال مائة، ثم الإفراج عمن لم يكن إسلاميا أو سياسيا.
منذ اليوم الثاني تغير أسلوب الشرطة.. ثم جاءت عاصفة الاعتقالات التي نفذها جهاز أمن الدولة والذي وصل إلى اعتقال نساء في السبعين من بيوتهن (مثل الأستاذة المناضلة الكبيرة نجلاء القليوبي زوجة الأستاذ الصحافي المناضل الكبير مجدي أحمد حسين والذي هو علامة من علامات الصحافة الباسلة في كل التاريخ المصري)، أو اعتقال رجل ثمانيني خرج قبل سنوات قليلة من اعتقال آخر مثل الأستاذ المناضل الكبير مجدي قرقر، وبقية أعضاء حزب الاستقلال (العمل سابقا) لمجرد دعوتهم للتظاهر.

حتى لحظة كتابة هذه السطور لا يزال رأيي ألا يشارك الإسلاميون في هذا المشهد، بل وتقديري الشخصي أن الإسلاميين ليسوا بالقوة الشعبية التي تصنع فارقا كبيرا في هذا المشهد، بل وأزيد على ذلك بالقول أن المشهد الجماهيري نفسه هو عامل هامشي في صناعة قرار إزاحة أو إبقاء السيسي (وهذا الرأي يخصني وحدي بطبيعة الحال، ولست الآن بمعرض التدليل عليه.. وأعرف أنه يخالف رأي الكثيرين).

4. تحصل حالة من الخديعة التي لا بد أن أشير إليها.. وسأذكر هذا الآن مع معرفتي أنه لا يعجب كثيرا من أحبابنا وإخواننا..
كلما رأيت علمانيا يذكر مرسي بسوء عرفت حقارة نفسه ووضاعة أصله وسوء منبته وفساد طبعه، ذلك أن أقصى أقصى أقصى ما ناله أيام مرسي لا يساوي شوكة مما ناله من مبارك أو السيسي.. وهذا مع أنه كان مركوبا من عسكر السيسي كالحمار ليصنع له المشهد الشعبي الذي يعطيه مبرر الانقلاب وهو يظن أنه سيكون شريكا في السلطة.
أذكر هذا الآن لأنه يشير إلى تناقض فج وقح ينطق به  #محمد_علي وفريقه والسائرين على نغمته..            
فهم يتفقون على عدم النظر في ملف المعتقلين (المتورطين في العنف)، بعضهم يقول هذا بفجاجة مثل عمر عفيفي وبعضهم يقوله في ثنايا الكلام بلطافة مثل محمد علي نفسه، الذي ما زلت أراه بوقا لا يتكلم من تلقاء نفسه..
لكن نفس هذا الفريق يريد مظاهرات حاشدة ضخمة.. لماذا؟ كي تكون أقوى من القوى الشرطية أو العسكرية التي ستواجهه.
إذن، هذا تهديد بالعنف.. فالعسكري سيتوقف عن إطلاق النار في حالة واحدة، الحالة التي يعرف فيها أن رصاصاته أقل من عدد الناس، بما يعني أنه لو أطلقها فسيُقتل بأيدي الناس قطعا حين تفرغ خزينته. لو لم يكن هذا التهديد ماثلا أمامه، لكان الناس بالنسبة له كالدجاج أمام الجزار، يستطيع الجزار بالسكين الواحد أن يذبح مئات أو آلاف الدجاجات المستكينة.
بغير هذا التهديد بالعنف من الجموع الكبيرة فليس للمظاهرة أي معنى.. لا تصوير العالم لها سيغير من الأمر شيئا 
(ما أظن أن مظاهرات ستخرج في مصر كالتي خرجت بعد #رابعة والتي صورها العالم بالمناسبة، ثم لم يهتم)، ولا شدة الهتاف ستجعل العسكري المسكين يحن ويتعاطف (ولو أنه تعاطف وانشق لجاءته رصاصة من الخلف تجعله عظة وعبرة لغيره من العساكر.. بل ولو تعاطف العساكر لجاءهم سلاح الطيران كما فعل جيش مبارك مع الأمن المركزي في أحداث 86، وكما يفعل جيش بشار).
هنا يأتي السؤال الحارق: لماذا (عنف) الإسلاميين غير مقبول؟ بينما عنفكم أنتم مقبول وجميل وطبيعي؟!
ثم يأتي السؤال الذي بعده: إذا كنا لن ننظر في المعتقلين (المتورطين في العنف)، فلماذا سنسامح وننسى عناصر الشرطة والجيش المتهمين بالقتل والتعذيب والتصفيات؟
إنه ليس في هذه البلاد أحد أخلص من الإسلاميين، وهذا الحكم ينطبق عليهم كمجموع لا كأعيان، ففي غيرهم من هو أخلص منهم، ولكنهم كمجموع لا يوجد من هو أفضل منهم.. هم أكثر الناس بذلا وتضحية وثباتا وصبرا وطول نفس، وأقلهم تمتعا بالمكاسب والمغانم، وأكثرهم تحملا للأذى من الصديق والعدو، وأكثرهم في عدد الشهداء والأسرى والمصابين والمهاجرين والمطاردين.. 
وقفوا يوم أن خاف أو خان الجميع.. ولئن كانت لهم أخطاء وخطايا فهم بكل ميزان أقل هذه الأطراف الحاكم أخطاء وخطايا!! وبيننا سائر الإحصائيات من الفساد المالي إلى الأخلاق إلى الجرائم السياسية.. لنحسب كم فيهم من لص وسارق مقابل من كان في الحكم أو في النخبة السياسية، وكم فيهم من منحل أو متهتك مقارنة بأولئك، وكم فيهم من قاتل أو خائن مقارنة بأولئك.
ثم إن حذف الإسلاميين من المشهد مستحيل، بكل ما في كلمة الاستحالة من معنى، لأن الإسلاميين هم الإفراز الطبيعي للأمة المسلمة التي تقاوم الهيمنة الأجنبية، قد يقضى على جماعة أو حزب أو جيل أو حركة، ثم ما تلبث أن تخرج أخرى بعدها.. ببساطة لأن جسد الأمة يفرزهم إفرازا طبيعيا كمضادات وأجسام مناعية لفيروسات الاحتلال والاستبداد.
وأنا لا أقول هذا كله استجداء لأحد أو تصحيحا لنظرة أحد، إنما أقوله دفاعا عن الحق وتثبيتا له.. وأعرف أن قول هذا هو أمر لا يرحب به الآن أكثر الإسلاميين!
لماذا لا يرحبون به؟ لأنهم مخلصون يريدون ألا يقال هذا كي لا يكون مدخلا لانقسام ما فتتحقق الوحدة الشعبية المطلوبة لعل وعسى أن تكون سببا في إزاحة هذا الخائن.. نعم، قوم مخلصون يسعون إلى تحمل من يسبهم ويشتمهم ومن خانهم من قبل وشارك في قتلهم، ثم من يريد الآن أن يحذفهم، لصالح هذا البلد ومستقبله، بإزاحة هذا الخائن السفاح.
ومنهم من لم يملك نفسه أن يشارك في مشهد يعرف من قبل أن ينزل إليه أنه لن يجني منه شيئا، بل ربما تضرر.. بعض هؤلاء صار الآن في السجن فعلا!
ثم إني أقوله للناس، لأمتي، أولئك الذين أعرف أنهم لم يُتَح لهم مرة أن يختاروا إلا واختاروا أبناءهم ضد أبناء الاحتلال والاستبداد.. أقوله لأمتي وناسي تذكيرا لا تعريفا، فإنهم يعرفون، والذكرى تنفع المؤمنين..
هل في رجال الأعمال المشتغلين بالسياسة رجل مثل
خيرت الشاطر  (وإني لأخالفه في نهجه الذي أودى به وبنا) لم يُطعن عليه في ذمة مالية ولا في جريمة أخلاقية ولا في تربية ابن أو بنت، لا نهب ولا سرق ولا غش ولا خان، قضى عمره بين السجون، ومع ذلك ظل رجل أعمال؟!
هل في شخصيات الأحزاب السياسية رجل مثل حازم أبو إسماعيل؟!.. رجل لم يجن من مكاسب السلطة شيئا ثم ذاق مرارة مواجهة العسكر، كان أبصر بهم من كل هذه النخبة الموصومة زورا بالسياسية، وأعقل من كل هذه النخبة الموصومة زورا بالتفكير، وأنظف من كل هذه النخبة الموصومة زورا بالراقية!!
هل في شباب الأحزاب السياسية شاب مثل حسام أبو البخاري اجتمعت له قوة الفكر والنظر مع فصاحة اللسان مع الإقدام في مواطن النار، يساند الإخوان وليس منهم، حاضر في موطن الكريهة غائب في موطن الغنيمة.. وقف يوم سكت الجميع أمام كنيسة شنودة بصولجانها وهيلمانها في أمر تسليم المسلمات إلى الكنيسة حتى طالب القساوسة باعتقاله وإسكاته؟!
أردتها كلمات قصيرة وطالت رغما عني، فالأسى يبعث الأسى.. فنسأل الله أن يجعلها لنا لا علينا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق