الثلاثاء، 17 سبتمبر 2019

السيسي ومحمد علي.. المناظرة مستمرة



السيسي ومحمد علي.. المناظرة مستمرة

محمد المختار
كاتب صحفي
قبل أيام شهدت استديوهات التلفزيون الرسمي في تونس مشهدا تاريخيا سيظل في أذهان التونسيين والعرب زمانا لما له من مكانة سياسية وديمقراطية وهو عبارة عن مناظرة تاريخية بين معظم المترشحين لخلافة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي لسدة الحكم في ثاني انتخابات رئاسية تشهدها مهد الربيع العربي منذ ثورة يناير 2011. 
وبينما كان التونسيون يقدمون درسا في الديمقراطية والتناظر بين مختلف الأيديولوجيات وكان إعلامهم الرسمي يجمع الأصوات من مختلف الاتجاهات في ساعة واحدة تتحدث أما المواطن التونسي كانت هناك مناظرة من نوع آخر غير متكافئة الفرص لو وقف فيها المدعى وجها لوجه أما المتهم لكان مصيره الاختفاء القسري أو الموت وربما قتل أن يتحدث.

المناظرة الثانية أو المواجهة الرقمية عبر صفحات التواصل الاجتماعي كانت بين الفنان ورجل الأعمال مالك شركة أملاك للعقارات محمد علي الذي أراد من خلال فيديوهاته كشف المستور وفضح فساد قادة الانقلاب العسكري في مصر ولا يمتلك الرجل الذي أراد أن يقود بلاده إلى بر ثاني بعيد عن بر احنا شعب وانتو شعب لم يكن يمتلك سوى جهاز صغير وصفحة على الفيسبوك يتحدث خلالها عن ما شاهدته عينه من سرقة ونهب بحق ملايين المصريين وليس من سمع كم رأى، بينما يمتلك خصمه الجيش والسلطة والسلاح والمال وعشرات المحطات الإعلامية ناهيك عن تاريخه الأسود في ارتكاب المجازر بحق معارضيه فما بالك بأن يسرق وينهب مال الشعب.
لقد أفزعت كلمات محمد علي نظام السيسي أكثر مما أفزعته عشرات القنوات المعارضة والصفحات ومئات التظاهرات فاهتز لها عرش السيسي وأقرانه ولولا خوفهم من الوعي الشعبي لكان التجاهل يكفيهم فقد تجاهلوا أشياء كثيرة
بعد أسبوع من الفيديوهات التي ملأت الدنيا وشغلت الناس في مصر وخارجها للبطل الذي نجح فيما فشل فيه كثيرون.. فكر السيسي ودولته ورجاله وقدر وخرجوا بمؤتمر للشباب غاب عنه الشباب بين مهجر ومسجون مقتول وكاره للعيش في وطنه وكافر بالوطن الذي يمتلكه المستبدون. خرج السيسي أخيرا وليته لم يخرج ليعترف بجريمته وفساده ويهدد ببناء قصور جديدة وبدولة جديدة وكأنه يقول للجميع ما أريكم إلا ما أرى ولا أبالي بأحد. في مقدمته التاريخية يقول عبد الرحمن بن خلدون إن السلطان الجائر وحاشيته لا يتركون غنيا في البلاد إلا وزاحموه في ماله وأملاكه مستظلين بحكمهم الجائر الذي صنعوه فهم يدخلون في كل المجالات بما فيها التجارة والفلاحة ويضرون مصالح الرعاية ويفسدون الجباية وينقصون للعمارة. لكان ابن خلدون يرى مصر السيسي ويكتب عنها وعن قياداتها الذين يبنون القصور بين يبحث الملايين عن مأوى ويعيش الأغلبية في مساكن شعبية، يحتكرون التجارة والصناعة ويكثر المعطلون أصحاب الشهادات من أبناء شعبهم فينصحهم السيسي ضاحكا من قولهم لا تدخلوا أبناءكم للكليات إذا كانوا لن يحصلوا في الأخير على عمل.

لكأن السيسي يقرأ عن المستبدين عبر التاريخ ويقلدهم غير أن الرجل فيما يبدوا لم يقرأ عن نهايات أولئك المستبدين ومن أهم نهايات استفرادهم بكل شيء والأملاك ومدخرات الشعوب وعدم مبالاتهم لقد كان للاتحاد السوفيتي وجيشه الأحمر أقوى جيوش العالم وانهار بسبب فساد قياداته وعدم اهتمامهم بمجالات التعليم والصناعة كما فعل خصهم اللدود في الولايات المتحدة الذي سيطر من بعدهم على اقتصاد العالم ونفوذه فمن الحاضرين مبلغ السيسي أن أخطر عدو للإنسان هو نفسه. اللافت اليوم أيضا في رد السيسي على فيديوهات النجم محمد علي التي أرعبته هو ذلك الهلع من مواقع التواصل الاجتماعي التي يعتبرها عدوه وهو هلع مفهوم وطبيعي وهو من صفات الحاكم المستبد التي أضفاها عليه الكواكبي في كتابه الأسطوري طبائع الاستبداد ومصارع العباد وقد صح قوله في السيسي أنه كلما ازداد الحاكم جورا وظلما واستبدادا زاد خوفه من رعيته وشعبه، فكلما زاد فساد السيسي وظلمه للشعب زاد خوفه من السوشيال ميديا أما تأتك أنباء مشروع النائب في البرلمان التابع السيسي حين صرح أنه سيقدم مقترحا بسن قانون إعدام بحق مروجي الإشاعات والكذب على مواقع التواصل الاجتماعي
تصور أن تصل عقوبة بوست لا يتعدى عشر كلمات حد الإعدام.

أما الإشاعة فقد ثبت بحسب ديكتاتور الرئيس الأمريكي المفضل والاعتراف سيد الأدلة
فالسيسي لم ينفى ما قاله محمد علي وخاصة ملفات الفساد المتعلقة به وبقادة القوات المسلحة لتبقى المناظرة مستمرة. في سبعينات القرن الماضي تعرض الكاتب والشاعر المصري الرائع أحمد فؤاد نجم للسجن إبان الحقبة الناصرية وكتب قصيدته الشهيرة شيد قصورك على المزارع من كدنا وتعب إيدينا
كان ذلك في عهد عبد الناصر الذي وصفه الشاعر بأنه أحسن الديكتاتوريين الذي مروا بمصر من السادات إلى مبارك فقد عرف عن جمال وطنيته وحبه لمصر ونزاهته المالية وإن كان ديكتاتورا ومستبدا إلا أنه مات ولا يمتلك من قصور مصر شيئا فرحم الله عبد الناصر ما أعدله لو قورن بالسيسي الذي شيد القصور لعائلته وأصداقه بل وأكد أنه سيشيد أخرى وسيستمر في منهجه وأنه لا يخاف من ما يشاع.

إنها دولة السيسي الجديدة التي قال أنه سيبنيها وهي دولة الفرد الواحد يمثل السيسي فيها السياسة والاقتصاد ويمتلك السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية تقوم على الاستبداد وتتغذى بالدم وتعيش من الفساد و تحارب الشائعات وتهتز من مواطن مصري مغترب بسبب الظلم لا يمتلك سوى هاتف ولسان وأي قوة أشد السلطان الجائر من كلمة الحق، فلقد أفزعت كلمات محمد علي نظام السيسي أكثر مما أفزعته عشرات القنوات المعارضة والصفحات ومئات التظاهرات فاهتز لها عرش السيسي وأقرانه ولولا خوفهم من الوعي الشعبي لكان التجاهل يكفيهم فقد تجاهلوا أشياء كثيرة منها أمن مصر واستقرارها ومكانتها وأخيرا شعبها العظيم وتاريخها، لتبقى المناظرة بين المواطن والرئيس وبين السوشيال ميديا والأذرع الإعلامية أو على الأصح بين السيسي ومحمد علي مستمرة وبانتظار ما سيكشفه الفنان والبطل الذي يبدوا أن في جعبته الكثير من الملفات التي تدين نظام السيسي المدان من طرف المنظمات الحقوقية والإنسانية والذي يرأس النظم العربية المستبدة في العصر الحديث مناصفة مع نظام الأسد. فيا مصر قومي وشد الحيل فأنت أكبر من الطغاة والمستبدين على مر العصور والتاريخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق