السبت، 28 سبتمبر 2019

المقاول المصري محمد علي أم السيسي؟

المقاول المصري محمد علي أم السيسي؟
فرانسوا دوروش
حقوقي فرنسي، ورئيس الاتحاد الوطني 
للأطباء الفيدراليين في فرنسا

قد تحدثنا وبدقة منذ شهور قليلة، في مقابلات مطولة مع "عربي21"، عن مجريات الأمور في مصر، ونبهنا إلى إمكانية حدوث انقلاب عسكري أو أكثر على قائد الانقلاب في مصر. ونحن اليوم نرى ما يحدث، ويؤكد المعلومات التي لم نكن لنستطيع التصريح بها وقتها.

لن نعيد ما قلناه في تلك المقابلات، ولمن يريد التعرف على ما أوردناه في نطاق حديثنا عن دور السيسي في تخريب مصر وفرص الانقلاب عليه، يمكنه الرجوع إلى مقابلات "عربي21" المتعددة التي تناولنا فيها معلومات دقيقة عن تحضيرات لانقلاب عسكري وشيك على السيسي، بدعم وغطاء غربيين.

وكذلك تطرقنا إلى الأسباب التي قد تجعل أي انقلاب عسكري في مصر ممكن ويقدر له النجاح. وقام وقتها رجال السيسي بالتهجم على رئيس منظمتنا (عدالة وحقوق بلا حدود) مما اضطرنا إلى إقامة دعوة جنائية في فرنسا، ضد بعض داعمي الانقلاب.

ما يحدث في مصر اليوم هو ردة فعل طبيعية للقمع والانتهاكات المستمرة التي يقوم بها قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي وفريقه الانقلابي؛ في حق مصر وشعبها. فهناك أكثر من مئة ألف معتقل سياسي في سجون الانقلاب، مما يجعل جراحاتهم وأنّاتهم وقودا لأي عمل تصحيحي يعيد للمواطن المصري كرامته وحقه في حياة حرة وأدمية.

وربما تحيّنت القوى المتململة من هستريا التخبط التي يدير بها السيسي مصر، الفرصة، وقد ورط المنطقة العربية كلها في صراعات، وشجّع غلمان الخليج على الخوض في مغامرات أكبر من حجمهم التي أدت إلى تداعيات كارثية؛ جعلت داعمي الانقلاب ينأون عنه خوفا على أنفسهم من ابتزازه المستمر، أو لوثته التي جعلت قادة العالم تتجنبه في جميع المحافل الدولية.

والكل يذكر مقولة "مسافة السكة" التي جعلت الأمن العربي في مهب الريح، وتُضرب اليوم السعودية بصواريخ معلومة المصدر والهدف ولا يحرك قائد الانقلاب ساكنا، بل فضحت وعوده الكاذبة وجشعه الرهيب كل خبايا نفسه، وحولت أنظار داعميه الخليجيين والغربيين إلى البديل الذين يستطيع القيام بأكثر من مجرد هتافات جوفاء وكذب مستمر. فهؤلاء الداعمون لديهم الكثير من "الطماطم الفاسدة"، واعتقدوا أن السيسي سوف يعوضهم عن خسائرهم فيها.

لم تكن صدفة كل هذه الأحداث المتلاحقة في مصر، بين هروب الممثل الهاوي ومقاول الجيش، والمتحدث الإعلامي لمجموعة الضغط التي تُساوم السيسي على كرسيه وتراوده عن نفسه، وبين تصريحات ترامب المتتالية التي قد يفهمها البعض داعمة للسيسي، وهي في واقعها أدوات ضغط لاسترجاعه إلى حظيرة الطاعة وتنفيذ الأوامر المطلوبة منه.

لقد وصف ترامب مؤخرا؛ قائد الانقلاب بأنه "الدكتاتور المفضل" له. ومن هذه المقولة فهم كثير من المحللين الجملة على أن السيسي هو "الطفل المدلل" لترامب، وأنه يدعمه في قمعه لشعبه، ولكنهم لم يغوصوا في أعماق الإيحاءات الأمريكية، المدعومة ببعض الأفعال والحقائق، حيث يقول هذا المقاول الأمريكي الجشع لمُستخدمه في مصر بلسان حاله: "أنت دكتاتور ولا يمكن لدولة ديمقراطية مثل أمريكا أن تتبنى أفكارك، ولكني أراك المفضل عندي للقيام ببعض الأعمال القذرة. إن فهمت رسالتي وأردت التفاوض فاحضر إليّ كي نتفاوض". كان هذا بعدما وصفه بالقاتل اللعين، توصيفا لجرائمه في حق شعبه، وكذلك تحريضا له على استخدام قدرته الخارقة في القتل والقمع لتمرير صفقة القرن التي تبناها ترامب وصهره، وخذله فيها السيسي لأسباب كثيرة، منها أنه رجل الهتافات الجوفاء والأفعال القليلة.

بالطبع لم يفهم السيسي تصريحات ترامب هذه ولا ما تعنيه كلماته، فكانت الإشارة لمجموعات الضغط التي أجبرت السيسي على الفرار المشروط والمؤقت إلى أمريكا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وربما التفاوض على كيفية قيامه بمهامه التي تقاعس عنها لفترة.

لقد شبهنا هذا الرجل الفاشل بمشتري الطماطم الفاسدة من أسواق الغرب، واليوم تتضح فكرتنا أكثر. فصفقة القرن أحد هذه الأكوام من الطماطم الفاسدة التي وعد السيسي بشرائها ثم التفت عنها فقرص سيد البيت الأبيض أذنه فحضر إليه صاغرا مفاوضا.

لكن اليوم، وأمام هذا الانقلاب الذي يكاد يغير وجه الواقع السياسي في مصر، لجأ قائد الانقلاب الدموي إلى تخويف ترامب والغرب من الإسلام والجماعات الإسلامية السياسية، وهذه إحدى أدواته التي تكلمنا عنها سابقا. فهل يخيف السيسي ترامب إلى درجة تجعله يدعمه في وجه العالم المتململ الذي يدعم من خلف الستار جماعة الممثل محمد علي من أوروبا؟

لم يكن ليخرج رجل العسكر الممثل الهاوي محمد علي من مصر ليستقر في إسبانيا بدون ضوء أمريكي، بالتحديد وغربي قوي، ولا لأن يتكلم بهذه الثقة المفرطة. لقد قال الرجل للسيسي إنه سوف يُحضر عائلته ويرجع إلى مصر في نهاية الأسبوع المقبل، وأن على السيسي التنحي فورا عن الحكم. هل محمد علي هذا رجل انتحاري؟ أم هو يعلم أنه يفاوض بقوة ولديه ما يدعم به موقفه؟ هل كان لرجل مغمور مثل هذا أن يحظى بصور رسمية مع مسؤولين غربين في إسبانيا، إن كان مجرد رجل أعمال عنده خلافات مالية مع عملائه؟ بالطبع لا.

كما ذكرنا سابقا، فإن الجيش ومؤسساته الاقتصادية والاستثمارية الضاربة في عروق الشعب المصري قد أحسوا بتآكل أصولها، وأنهم عندما وعدوا الشعب المصري بمنقذ ليخلصه من فزاعة الإخوان المسلمين، ما علموا أنهم يقضون على إمبراطوريتهم الاقتصادية الهائلة في مصر، وأن السيسي قد خدعهم بشطحاته الخرافية، وصاروا رهينة لجشعه وقساوة قلبه هو وزوجته وأولاده.

وفي هذا المنعطف الاقتصادي تلاقت أطماع أصحاب الصولة في منظمة العسكر الاقتصادية، وتلك لبعض القوى الغربية والإقليمية التي لم تعد ترى في خادمها المطيع، ذلك الرجل الخجول المنحني أمامهم طلبا لعطفهم، ما يريدونه.

ولكن هذه المجموعة من أصحاب النفوذ العسكري والاقتصادي وجدت نفسها مجردة تماما من أي قوة عسكرية استخدمتها في الماضي لتتويج السيسي وغيره فراعين على مصر، فكانت خطتهم إدخال فقرة مسرحية تدهش الشعب المصري، وكأن جراحات الشعب وأكل قسم كثير منه من القمامة، والخوف المطبق على أنفاس أهل مصر، والانتهاكات المستمرة لحقوقهم الأدمية والقانونية؛ لم تكن لتكفي لتفجير ثورة تعيد للشعب هيبته وحقوقه، فخرجوا له بقضية الأموال المنهوبة.

يعلم المواطن المصري أن وجيعته، ووجيعتنا هي انتهاكات حقوقه الأدمية والقانونية، وليست القصور التي تبجح السيسي ببنائها. وعلم السيسي أنه عندما يرد على هذا الفصل من مسرحية "دهاليز العسكر" فإن الشعب لن ينتبه ولن يهتم؛ لأن المواطن المهروس في مفرمة العسكر لن يناله من قصور زوجة السيسي وفنادقه شيئا. ليس هذا فقط، ولكن حاولت الآلة الإعلامية للسيسي تسويق هذه الأملاك الشخصية لزوجة الفرعون على أنها مكسب وطني للمواطن. ولذا قررت مجموعة محمد علي الضاغطة أن تستخدم فصلا من فصول مسرحية السيسي في الانقلاب، وهو طلب "التفويض والأمر" من الشعب المصري.

سوف يتابع المصريون محاولة الانقلاب الناعمة التي تتشكل في الغرب، وهي مزيج من الهزل المسرحي وفتل العضلات واستجلاب الدعم، وستكون للقوة الغاشمة للسيسي السطوة إن هو استطاع أن يثبت لداعمه الأكبر في البيت الأبيض أنه قادر على تنفيذ ما طُلب منه، ولو كان بذبح ابنه الأكبر.

أضف إلى ذلك تخويفه الغرب من الإسلام والخطر المحدق بهم إن هو ترك الحكم لهم في مصر. وأعتقد أن السيسي في هذا المنعطف السياسي الخطير مستعد للتضحية بولده وزوجته كي يبقى على كرسي الحكم؛ لأنه يعلم أن البديل وخيم، وأقله هو محكمة الجنايات الدولية التي تنتظره بفعل دعاوى قدمتها منظمات حقوقية كثيرة، ومنها منظمتنا، وهي تنتظر نزول السيسي من على كرسيه وفقدانه للحصانة التي تمنحها له بعض القوانين كرئيس دولة.

إن فشل السيسي بتقديم الضمانات اللازمة لطمأنة أسياده على قدرته القيام بما يُطلب منه، فإن مجموعة الضغط الحالية لمحمد علي، والتي يقوم فيها بدور المتحدث الإعلامي لمن خلفه، سوف تنجح في تقديم البديل، خاصة مع تعاظم الدعم الغربي لهذه المجموعة المتباينة البنيان.

ونلاحظ استغلال محمد علي لقوة الشعب المصري، ولا شك في أن هذا الممثل الشاب لديه من الضمانات الغربية التي قد تمنع السيسي من استخدام القوة المفرطة ضده، وهذا ما دفع جماعة الانقلاب الضاغطة إلى تحريض الشعب والطلب منه النزول إلى الشوارع.

وكما تقدمنا في سابق مقابلاتنا إلى الشعب المصري بأن يأخذ زمام المبادرة، ويسحب البساط من تحت أقدام المؤسسة العسكرية المتناحرة؛ لأن بديل السيسي الذي قد يقدمونه، لن يكون الحرية والعدالة والتقدم الذي يحلمون به لأولادهم، ولكن سيكون سيدا آخر يفاوض على قيود عبوديتهم.

سوف نتابع معكم ويتابع العالم تطورات الانقلاب الضاغط في مصر، ونأمل أن يخرج الشعب المصري منتصرا في نهاية هذا النفق. ونحن ندعو جميع الأطراف الفاعلة في مصر إلى أن تطالب بحق المعتقلين في مصر، وضرورة الإفراج غير المشروط عنهم، ونحذر السيسي وحكومته من أن لا يضيفوا المزيد من الدماء إلى تجاوزاتهم الفاضحة لحقوق الإنسان في مصر، بغض النظر عن طبيعة تعاملهم مع رغبة شعب مصر في تغيير النظام الذي فرضه الانقلاب عليهم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق