الثلاثاء، 17 سبتمبر 2019

“السيسي المجاهد الذي حفظ الدين في مصر” كلمة وزير الأوقاف السعودي بمؤتمر القاهرة

 “السيسي المجاهد الذي حفظ الدين في مصر” 
كلمة وزير الأوقاف السعودي بمؤتمر القاهرة

إحسان الفقيه

يقول الكواكبي رحمه الله: ” ما من مستبدٍّ سياسيّ إلا ويتَّخذ له صفة قدسيّة يشارك بها الله، أو تعطيه مقامَ ذي علاقة مع الله. ولا أقلَّ من أنْ يتَّخذ بطانة من خَدَمَةِ الدِّين يعينونه على ظلم النَّاس باسم الله”.

أولئك الذين يشرعنون ظلم الحكام هم أشد على الأمة من أعدائها، إذ يزينون الباطل، ويفصّلون الفتاوى والتصريحات بما يدفع الناس إلى الرضا بظلم الطغاة والالتفاف حولهم بدافع الدين، وإلباسهم وصف الإصلاح وهم المفسدون في الأرض.


المؤتمر الدولي الثلاثون للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية والمنعقد في القاهرة، أعتبره مؤتمرًا لتعبئة الجماهير خلف حكامهم والتبرير لظلمهم والنيل من خصومهم تحت مظلة فقه بناء الدول.
أشد ما أثار انتباهي وحنقي معًا، كلمة وزير الأوقاف السعودي، الذي ظللت أحصي عليه الأخطاء اللغوية من نصب المرفوع ورفع المجرور ونحوه حتى مللت الإحصاء، لكنه قد أساء لحملة العلم الذين يفترض فيهم سلامة اللغة، لكن ليته وقف عند ظلم اللغة، فقد آذى سمعي بالخطأ في تلاوة القرآن الكريم، فألفيته يقول (اعدُلوا) بضم الدال، بدلًا من أن ينطقها (اعدِلوا) بكسرها، وقرأ (أُوفوا) بضم الهمزة، والصحيح (أَوْفوا) بفتح الهمزة وتسكين الواو، ثم لم ينس أن يخطئ في نطق حديث النبي صلى الله عليه وسلم (احرص على ما ينفعك) فنطقها (احرَص) بفتح الراء بدلا من كسرها (احرِص)، بما لا يليق على الإطلاق برجل يتحدث بلسان العلم وهو وزير لهيئة دينية.


لفت نظري في كلمة وزير الأوقاف السعودي اعتباره ثورات الربيع العربي نتاجا للأفكار المغلوطة التي بثتها جماعات التطرف والعنف، ليضرب بعرض الحائط حقيقةَ أنها كانت مطلبًا شعبيًا لكل التوجهات على اختلاف مشاربها، فثورات الربيع أشعلها الشباب المستاء من الظلم الاجتماعي، ونقابات بمطالبها الفئوية، ومفجروها وأيقوناتها ليسوا أصحاب انتماءات، وقام بتلك الثورات يساريون وعلمانيون وليبراليون واشتراكيون وشباب كُثر لا انتماءات لهم، ومع هؤلاء كان الإسلاميون باعتبارهم جزءًا من النسيج المجتمعي لدولهم، فكيف يجحف وزير الأوقاف حق كل هؤلاء، ويصف الثورات بأنها نتاج الفكر المتطرف للجماعات؟!
تناول وزير الأوقاف السعودي في كلمته ضرورة التيسير في الفتاوى ودعا ألا يُحجّر الواسع من الأقوال الفقهية، وهذا شيء حسن، لولا أنه قد ربط بتعسف واضح بين التشدد في الفتوى وبين الإخوان المسلمين، واتهمهم بالمسؤولية عن الفتاوى المتشددة التي لا تراعي واقع الناس، وهذا شيء مضحك ومغالطة صريحة للواقع، فالإخوان معروفون أنهم يتبعون مدرسة التيسير في الفتوى التي يسير عليها الشيخ يوسف القرضاوي ويتبناها، ويختارون دائما أيسر الأقوال الفقهية للدرجة التي جعلتهم في مرمى الاتهامات السلفية بالتساهل في الفتوى وتمييع الفقه الإسلامي.
لكن ما يرمي به وزير الأوقاف جماعة الإخوان، ينطبق أكثر ما ينطبق على توجهات الفتوى في بلاده، وحمْل الناس على خيارات فقهية تحتوي على المبالغة في التحفظ والاحتياط وتوسيع دائرة العمل بقاعدة سد الذرائع، فهم من اختاروا القول بوجوب تغطية وجه المرأة لا الإخوان، وهم من اختار القول بتحريم الأخذ من اللحية لا الإخوان، وهم من قال بتحريم قيادة المرأة السيارات لا الإخوان، وهم من اختار منع سفر المرأة بدون محرم ولو في صحبة آمنة لا الإخوان، وقطعا كان هذا قبل ما أحدثه محمد بن سلمان في توجهات الفتاوى في المملكة في الوقت الراهن.
وما سبق ليس نقدًا لفتاوى علماء السعودية السابقين، فهي أقوال من جملة أقوال في الفقه الإسلامي، لكن لا ينبغي لوزير الأوقاف أن يهاجم غيره بما وقع فيه علماء بلاده فكان كما قيل في المثل العربي (رمتني بدائها وانسلّت).
ثم بدا بيت القصيد في كلمة وزير الأوقاف، عندما أكد على السمع والطاعة لولاة الأمور، واقتبس من كلام الماوردي في كتاب أدب الدنيا والدين عن الأمور التي يصلح بها حال البلاد، وأفاض البيان في القاعدة الثانية منها وهي سلطان قاهر تتألف من رهبته الأهواء المختلفة وتجتمع لهيبته القلوب المتفرقة وتكف بسطوته الأيدي المتغالبة بحسب تعبير الماوردي، لكن فاته أن الماوردي عندما يتحدث عن ولي الأمر فإنما يتحدث عن ولي الأمر الشرعي الذي يحرس الدين ويسوس الدنيا بالدين، لا الحاكم الجائر المبدل لشرع الله، والذي يحارب شريعته وأهلها، ويقر الخبث في دولته.
لقد حول وزير الأوقاف كلمته خلال المؤتمر إلى دعاية سياسية لمحمد بن سلمان ورؤية 2030، والذي جمع بحسب زعمه بين الأصالة المستمدة من التراث، والمعاصرة التي تقتضي بأسباب القوة والحضارة، مع أن ولي العهد السعودي – والذي وصفه وزير الأوقاف بالملهم المسدد – قد أخذ بزمام تدين المجتمع السعودي إلى طريق الانحلال ونبذ القيم السعودية والمجتمعية الأصيلة، وفي الوقت نفسه أغرق بلاده بالمشروعات الوهمية التي تضعف الاقتصاد السعودي جنبا إلى جنب الإنفاق المبالغ فيه على التسليح وعلى وجوده العسكري الفاشل في اليمن.
وأقبح ما أتى به وزير الأوقاف السعودي في كلمته، وصفه زعيم الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي بالمجاهد الذي حافظ بشجاعته على البلاد.
نعم السيسي مجاهد مصلح، بدليل أنه رفع راية سلامة الحملان مع العدو الصهيوني، وأصبح بطلا قوميا في دولة الاحتلال لأنه حماها من خطر الإخوان المسلمين.
نعم السيسي مجاهد بدليل أنه سفك دماء المئات من الأبرياء المسالمين في اعتصامي رابعة والنهضة.
نعم السيسي مجاهد بدليل أنه قتل الآلاف واعتقل عشرات الآلاف وأخفى غيرهم قسرًا..
نعم السيسي مجاهد بدليل أنه يجوع شعبه ويأمره بالصبر من أجل بناء الدولة، في حين ينفق ويبدد أموال الدولة في بناء القصور والاستراحات والمشاريع الوهمية التي يقيمها من قوت الشعب المقهور.
نعم السيسي مجاهد بدليل أنه سجن العلماء وكمم أفواه الدعاة، وأطلق أوامره إلى حاشيته الدينية لتطوير الخطاب الديني الذي لا معنى له سوى اختزال الدين إلي بعض الشعائر التعبدية بين العبد وربه، وتمييع الدين وتذويب الفوارق بين الملل تحت دعوى الإنسانية الجامعة وإقرار السلام.
ذلك هو الجهاد لدى السيسي الذي يعنيه وزير الأوقاف السعودي، والذي نصّب نفسه منبرًا للترويج للحكام الجائرين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

        كلمة وزير الأوقاف السعودي           

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق