الاثنين، 1 ديسمبر 2014

كيف تفقد الشعوب المناعة ضد الاستبداد

كيف تفقد الشعوب المناعة ضد الاستبداد


الاسم : كيف تفقد الشعوب المناعة ضد الاستبداد 
تأليف : هشام علي حافظ 
الناشر : رياض الريس للكتب والنشر 
عدد الصفحات : 306 صفحة 


لقدعالج كتاب " كيف تفقد الشعوب المناعة ضد الاستبداد " أهم قضايا الشعوب المظلومة والمُستعبَدة مصيرية ، مع دراسة شاملة أشتملت على فصول بحثيّة في أسباب نمو الاستبداد والادوات النفسية والطبيعية التي تشكلت في عوامل نشوء استبداد الشعوب وأستعبادها ، مع وضع معالجات توعوية وتثقيفية وتربوية انسانية واجتماعية تُسهم في الوقوف بوجه الأستبداد وتحرر الشعوب المُستَبدّة من قيوده .

مقتطفات من الكتاب


مقدمة
يا حسرة على العباد
تدور التعليقات والبحوث التي يتضمنها هذا الكتاب حول الرسالة التي كتبها المفكر الفرنسي لابواسييه " العبودية المختارة " في منتصف القرن السادس عشر وان لم تنشر في ما نشره مونيبي صديق لابواسييه بعد وفاته في العام 1562 م لأنه رأى فيها " حياكة أدق وألطف من أن تخرج الى الجو الخشن السائد وقتئذ " ولم تنشر الا عام 1835 م وفيما نعلم فانها لم تنشر بالعربية الا في هذا الفصل الذي ترجمه الأستاذ مصطفى صفوان ووضع له هوامش ثمينة تلقي ضوءا على الأحداث والموضوعات التي عالجها لابواسييه .
والرسالة في قرابة ستين صفحة من القطع المتوسط فلا تعد كبيرة وان صيغت بأسلوب يعبر أصدق تعبير عن أسى المفكر الحر جراء هذه الظاهرة التي تثير العجب ظاهرة استسلام الجماعات والجماهير لنير المستبد بل تمجيده مع أنه قد لا يكون موهوبا .
وليس في يده من السلطات والقوة والنفوذ الا ما قدموه هم أنفسهم اليه ولولاهم ما كان شيئا مذكورا .
هذه هي المأساة التي تصغر أمامها أي مأساة أو تراجيديا أخرى والتي صاغها بأسلوب عاطفي يقرب من الفن قدر ما يبعد عن المعالجة الجافة .
" ولكن ما هذا يا ربي ؟ كيف نسمي ذلك ؟ أي تعس هذا ؟ أي رذيلة أو بالأصدق أي رذيلة تعسة ؟ أن نرى عددا لا حصر له من الناس لا أقول يطيعون بل يخدمون ولا أقول يحكمون بل يستبد بهم لا ملك لهم ولا أهل ولا نساء ولا أطفال بل حياتهم نفسها ليست لهم !
أن نراهم يحتملون السلب والنهب وضروب القسوة لا من جيش ولا من عسكر أجنبي ينبغي عليهم الذود عن حياضهم ضده بل من واحد ولا هو بهرقل ولا شمشون بل هو خنث هو في معظم الأحيان أجبن من في الأمة وأكثرهم تأنثا لا الفة له بغبار المعارك وانما بالرمل المنثور على الحلبات " ان وطأها "

فصول البحث

1 . انسان ما بعد الموحدين " عندما تنطفئ الحضارة تنتج الانسان المريض " . 
2 . ارادة العبودية أو العبودية المختارة " في محاولة لفهم آلية الطغيان " . 
3 . الطبيعة البشرية والطغيان . 
4 . عبادة الذات الفانية . 
5 . أقدم وأخطر مشكلة في تاريخ الجنس البشري " نظام الحكم " . 
6 . باسم الشعب . 
7 . المعرفة والسلطة " لا يمكن استعباد أمة الا باستعدادها الخفي لذلك " . 
8 . جدلية تطور المجتمع . 
9 . أثر التعليم في التحرر " النموذج الياباني والأفغاني " . 
10 . أهمية الفكر الاسلامي لبناء مجتمع ديموقراطي . 
11 . قوانين تغيير الاستبداد . 
12 . قصة تشاوسيسكو " لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب " 
13 . ثورة سلمية في مكان غير متوقع " الدرس اليوغسلافي " 

قراءة وعرض آخري : مصطفي عاشور

فكرة الكتاب ولدت نتيجة قراءة نص قديم لكاتب فرنسي يدعى " إيتيين دي لابواسييه" بعنوان "العبودية المختارة" وهي رسالة تقع في ستين صفحة، كتبت عام (1562م) لكنها لم تنشر إلا عام ( 1835م) حاول فيها تحليل آلية الاستبداد وكيفية التخلص منه، ففقدان المناعة ضد الاستبداد مرض خطير لا يقل عن مرض الإيدز، وعلاجه يكون بمصل الحرية الاجتماعية.

وبعيدا عن فصول الكتاب التي تبلغ (13) وصفحاته الـ (300)، فإن الكتاب يقدم اقترابا من الإجابة على سؤال " لماذا تفقد الشعوب المناعة ضد الاستبداد"، في وقت يفرش الاستبداد خيمته في المنطقة العربية والإسلامية إلا فيما ندر، وفي المقابل الناس مستسلمون له قانعين بما يفعل بهم، وكأنهم أمام قدر محتوم لا يملكون منه فكاكا، وكأن القدر قال قولته لهم ثم مضى وهم ينفذونها.
البيئة ..وملامح الاستبداد

البيئة التي تحيط بالإنسان وينشا فيها متنوعة بدءا من الجغرافيا ومرورا بالأوضاع الاقتصادية؛ فيلاحظ أن الجغرافيا قد تؤثر على الاستبداد وطبيعته، فالصحاري والأماكن المفتوحة ربما لم السجون غير أن بعض الثقافات حولت تلك الطاقات الدافعة للحرية إلى قيود وسجون مترامية الأطراف، فالاستبداد لا يعرف شرقا أو غربا بقدر ما يعرف طبائع تتيح للمستبد أن يخرج فجوره نفسه على الآخرين.

الفقر والنشوء في البيئات المعدمة تجعل الاستبداد موجودا ومعشعشا في المكان، فالفقر يفقد الإنسان العافية والجرأة والصحة النفسية فيصير قابلا لأن يمارس الاستبداد عليه، وقابلا لأن يكون آله تمارس الاستبداد أيضا؛ خاصة إذا اقترنت الفاقة بالجهل، وهنا تثور عدة تساؤلات، منها:

ما هي العوامل الضاغطة على الشعوب التي تجعلها تقبل الاستبداد، وتجعل الشعب يتسلط بعضه على بعض فيكون مادة لممارسة الاستبداد ويعيد إنتاج الاستبداد مرة أخرى؟.

وكيف يقوم الطغاة على مر التاريخ بمحاولات حثيثة لضرب كافة القوى المقاومة، وصهر الشخصية الخاصة التي ميز الله بها الإنسان في بوتقة " ثقافة القطيع"؟ .

وما هو سر الطاعة التي يبديها البعض للآخرين مثلما هو الحال في الجيش والشرطة؟ وهل تعود إلى أن مفهوم الطاعة غرست فيهم غرسا مع بداية التحاقهم بتلك المؤسسات وتجريدهم من حق الاعتراض؟ وإذا كان الأمر يفهم في تلك المؤسسات، فلماذا يتعداهما إلى طوائف كبيرة من بعض الشعوب؟.

وهل الشخصية الإنسانية لبعض الشعوب تتعرض لعوامل هدم متتالية تقود إلى جعلها ذات قابلية لكي يمارس عليها الاستبداد؟.

الواقع أن البيئة القاسية الرتيبة الضيقة تنتهي إلى مرابض العبودية، ونشير إلى مقولة الأفغاني للفلاح المصري: " أيها الفلاح الذي تشق الأرض بمحراثك، لم لا تشق به قلب مستعبدك"، سمع البعض هذا الكلام الذي يجعل الدماء تغلي في العروق ثم ابتسم ومضى، بل إن البعض انحدرت بهم العبودية، فحاول أن يؤسس للعبودية ويجعلها نظاما لأنه يرى أن العبيد لا يلدون إلا عبيدا، بل إنه يعتبر أن قتل العبد لا يكون إلا بإعطائه حريته.


هل تقاوم الشعوب محرريها؟

متى تتمرد الشعوب على مستعبديها؟

ولكن هل تقاوم الشعوب محرريها وتساند وتتضامن مع مستعبديها؟

يرى البعض في هذا السؤال نوعا من التعسف والمبالغة، رغم أن الخبرة التاريخية تؤكد أن دعوات الأنبياء -عليهم السلام- كانت دعوات تحررية، فهناك من ساند جلاده ضد محرره، ولعل ذلك يرجع إلى أن الجلاد قد يملك المال، أو أنه اصطنع فريقا من الشعب ليتسلط على آخر، أو أنه ربط مصالح فريق باستمرار النظام ، فحول قطاعا من الشعب إلى مرتزقة، ومثال ذلك من الحياة استئناس الإنسان لفصائل من الحيوان ليذبحها بعد ذلك، فالمستبد يستأنس طبقات من الشعب ليذبح بها أخرى، كما هو الحال في فرق الأمن والإعدامات والجلادين، فهؤلاء " الطبقات المستأنسة"، ومثلما يتم مع الوحوش الكاسرة، فإذلال تلك الوحوش جعلها تفعل الحركات المضحكة من أجل الطعام القليل، فالحرمان كسر عنفوان قوتها والبسها أثواب الخضوع.

ويلاحظ أن هناك طوائف من الشعب قد يتمسك بوضعيته المهينة وتنقلب في ناظريه إلى مقياس للأشياء ، حتى يرى أن السيد الحقيقي هو القاسي العنيف الذي لا يرعى حرمة ولا ذمة وهذا ما يتوجب الخضوع له، وربما يكون التكيف مع الضغوط هو ما يجعل الشعوب والنفوس تقبل الاستبداد والجور وتخلق مسهلات بداخلها لقبوله رغبة في إرادة الحياة والعيش والتمسك بما بقى منها من أنفاس وإن كانت كريهة؛ بل ربما أبدعت النفس فلسفة تبرر خضوعها، وهو ما قاله المتنبي

قد تعيش النفوس على الضيم حتى** لترى في الضيم أنها لا تضام

يلعب تبلد المشاعر دوار في قبول الاستبداد وعدم مقاومته، وتلعب البيئة دورا في قبول الاستبداد ، فبيئة البغاء تحطم كبرياء المرأة وتحولها من سيدة يبتغيها الرجل، إلى كائن آخر يسعى لاصطياد من يفترسها لقاء قدر من المال، وتحزن إذا لم تجد، بل ربما ترفض الزواج، فالبيئة الفاسدة تقلب الموازين وتحول الإنسان إلى عجينة قابلة للتشكل والضغط عليها، وتقلب موازين القيم، رغم أن هناك من الحيوانات مثلا من لا يتناسل داخل الأسر أو في القضبان، ولكن الطبيعة البشرية قد تقبل ما ترفضه الطبيعة الحيوانية فلماذا يرضى البشر ذلك؟

العبودية المختارة

"العبودية المختارة" من النصوص المهمة في الفلسفة السياسية، ويستطيع المطالع له أن يتوقف عند عدد من المقولات المفصلية المهمة فيه، منها ما يفسر الاستبداد مثل:" إنه لبؤس ما بعده بؤس أن يخضع المرء لسيد واحد، يستحيل الوثوق بطيبته أبدا مادام السوء في مقدوره أبدا متى أراد" و" إن تعدد الأسياد تعدد للبؤس الذي ما بعده بؤس" و " من الصعب الاعتقاد ببقاء شيء يخص الجماعة حين ينفرد واحد بكل شيء".

طرح "لابواسييه" تساؤلا مهما وهو: "كيف أمكن لهذا العدد الهائل من الناس أن يحتملوا أحيانا طاغية واحدا لا يملك من السلطان إلا ما أعطوه، ولا من القدرة على الأذى إلا بقدر احتمالهم الأذى منه، ولا يستطيع إنزال الشر بهم لولا إيثارهم الصبر عليه بدلا من مواجهته؟" وما توصل إليها " لابواسييه" هو أن "ضعفنا نحن البشر كثيرا ما يفرض علينا طاعة القوة" فالشعوب هي التي تكبل نفسها بنفسها؛ والشعب هو الذي يقهر نفسه بنفسه، هو الذي يملك الخيار بين الرق والعتق، غير أن هناك من أخذ الغل ووضعه في رقبته ويديه، الحرية الشيء المهم الذي إذا ضاع تبعه بقية الأشياء، والذي يبقى من الحرية تفسده العبودية وتفقده رونقه ومذاقه.

ولكن كيف يفقد الإنسان والشعب حريته ثم يرضى أن يعيش بغيرها؟
هل الأمل في حياة قادمة قد تكون كريمة؟ هل الجبن والخوف؟ هل عدم الشعور بأثر الفقد لأنه لم يعرف معنى أن يكون حرا؟
هل العدو هو الطاغية المستبد أم الذات الخانعة؟
ولماذا تشعر الشعوب المستهلكة في العبودية أن المستبد يرقبها بعينيه ويتابع حركتها حتى إنها لتفقد القدرة على الفعل؟

إن في النفس البشرية بذرة من العقل تحن إلى الفضيلة إذا تعهدت بالنصيحة الطيبة والقدوة الحسنة، ولكن إذا غلبتها الرذائل خمدت جذوتها وماتت، والمستبد الذي يفترس الضعفاء مثل قاطع الطريق سواء بسواء.

الإنسان لا يولد حسب لابواسييه حرا وحسب بل يولد مفطورا على محبة الذود عن الحرية..حتى إن الحيوانات لو نطقت لقالت " عاشت الحرية"، وهل الإنسان مثل الأسماك إذا تركت مجال حريتها في الماء ماتت؟.

من المفترض أن يشعر الخاضع للعبودية بنوع من الأشواق للحرية حتى لا تفسد طبيعته البشرية، فالحيوانات برغم عدم إدراكها فإنها تبدي الكثير من الاحتجاج إذا حاول الإنسان سلبها حريتها، فهي تقاوم.. وتهرب.. وتهاجم.. ولا تستسلم.. حتى تخور قواها وتفقد حيلتها، والغريب أن بعض الشعوب التي فقدت حريتها لا تشعر بالأشواق إلى استردادها، بل إنها تسارع بالخدمة للمستبد حتى ليبدو للناظر إليها أنها كسبت العبودية وألقت عن كاهلها ثقل الحرية.

فالرغبة في البقاء في أجواء الحرية والبعد عن بيئة الاستبداد تلهم الإنسان الذكاء وتجعل مشاعره يقظة غير متبلدة، حتى الحيوانات تشعر بألم الخضوع وفقدان الحرية، بل إن الحيوانات البرية لا تبدي قدرا من الخضوع دون سابق مقاومة..لكن بعض الشعوب ولدت على أرض الاستعباد وشربت من ألبان الاستبداد فماتت فطرتها، فمضاعفة الاستبداد لا تأتي إلا بمضاعفة الاستعباد وطرد أفكار الحرية من الأذهان حتى تصير معاني الحرية من الآثار البائدة في نفوس الشعوب.

كيف نتجرع سم الاسترقاق؟

إضراب 6 أبريل..تباشير الثورة

التساؤل كيف نتجرع سم الاسترقاق دون أن نشعر بمرارته؟
 لاشك أن الإجابة على هذه الإشكالية قضية كبرى، وتلعب البيئة المحيطة دورا في إيجاد قبول لهذا التجرع..فالعبودية مرة كل المرار، فطبيعة الإنسان أن يكون حرا لكنه يتطبع بطبائع ما تفسد فطرته العاشقة للحرية، وأدرك بعض الطغاة على مدار التاريخ أن العلم والثقافة تعيد إنبات أشواق الناس للحرية وتبغضهم في الاستبداد..غير أن الناس تحت وطأة الاستبداد يمكن تحويلهم إلى جبناء جشعون يموت وخز الضمير لديهم..لأن الحرية تزول بزوال الشهامة والنخوة.

الخضوع هو أشبه بالنوم العميق للإرادة الإنسانية التي لا توقظها الأشواق..فالأحرار يتقاسمون ألم الانكسار ونشوة الانتصار، أما المستعبدون فيفقدون الهمة ويقتلهم الهم، والطغاة دائما يسعون إلى تخنيث الشعوب

ما هي أدوات الاستبداد؟ وما هو ثمن الحرية ؟
أشار الكتاب أن أدوات الاستبداد متعددة تبدأ من الملاهي والفنون، والإكثار من الأعياد والاحتفالات حتى ليخيل للشعوب أنهم يعيشون في عصر مختلف..فلذة الفم قد تغطي مرارة الاستبداد بعض الوقت..
لكن مستبدين آخرين يجوعون شعوبهم فتقف في طوابير الخبز تنتظر أرغفة معدودات تبقيها على قيد الحياة، ناهيك عن سلاح المنح والعطايا والمكافآت حتى تظن الشعوب أن المستبد يعطيها من جيبه ولا يعطيها حقها..كذلك القيام بعمليات تجهيل للشعوب، فالشعوب الجاهلة تفتح أذرعها لكي تستباح ونقصد بالجهل هنا غياب الوعي، ولذا قد ترى جامعات ومدارس لكنها بأشكال صورية فقدت دورها ووظيفتها.

أضف إلى ذلك أن الاستبداد يسعى دائما لقتل إنسانية الإنسان ولذا عندما تخف قبضة الاستبداد أو يزول المستبد فجأة فإن عقال هذه الشعوب والجماعات ينفلت وتصبح الأمور فوضى عارمة تستهين بالحرية والقانون وينتج هذا الجو مستبدين صغارا في كل منطقة يمارسون الاستبداد..كذلك يضفي المستبدون على أنفسهم بعضا من الصفات الدينية والكهنوتية فبعضهم يحتجب عن الناس ولا يظهر إلا في مناسبات قليلة وبصورة أسطورية، وكأن الشعوب تخدم سيدا غامضا يأتي من الغيب، وبعضهم يستخدم أسلحة الفتوى والعصمة الإلهية التي تعتبر طاعة الحاكم طاعة لله تعالى، وهناك من يوظف الدين وأسانيده في خدمة الاستبداد..وحيل الطغاة كثيرة على مر التاريخ وتؤتي ثمارها مع الشعوب الجاهلة.

ولكن هل أساس الطغيان وعماده الجند المدججين بالسلاح والسجون والتنكيل بالخصوم؟

يرى لابواسييه أن تلك مظاهر خادعة لا يلجأ إليها إلا الضعيف، لأن هناك دائما قلة قليلة جدا من المستفيدين من وجود الطغيان التي تشد الشعوب إلى مقود العبودية الذي يتولاه المستبد سواء كان في حالات تزاوج بين السلطة والثروة أو الاستفادة من مزايا السلطة المادية، فهؤلاء يغذون القسوة في قلب الطاغية ويحرضونه دائما على استخدام العنف والإرهاب ضد مخالفيه ومجتمعه، فالحاكم المستبد يأخذ بقرني البقرة أما هم فيحلبونها بكل شراهة، وهنا تتكون مجموعات من الجراثيم وهو هؤلاء الحالبين الجدد في كل عصر يجتهدون لتبقى الأوضاع على ما هي عليه، وهؤلاء يربطون الملايين بالخضوع للطاغية في شكل حزب مسيطر مهيمن أو شكل طائفة يتولى زعامتها..وعندما تطول سلسلة الأرقاء تثقل الكارثة المحيطة بالمجتمع ويصبح الفساد قرين الاستبداد وبديلا عن ثورة الشعوب وغضبها وتصبح البيئة تفرخ باستمرار فسادا واستبدادا وعنفا ضد دعاة الحرية، وتصبح العبودية للمستبد عملا يدر أرباحا طائلة وأملاكا واسعة.

يبقى أن الديمقراطية والحرية شجرة أساسها وعي الأمة، وبدون وعي لا تنفع الإجراءات الديمقراطية مثل الانتخابات وغيرها بل إن هذه الآليات تؤدي إلى ترسيخ الاستبداد..غير أن المستقبل سوف يفشل الذين يمارسون الإكراه ضد شعوبهم لكن السؤال متى ذلك وكم ستدفع الشعوب ثمنا لهذا الأمر..فالحرية ليست كلمات جوفاء، تغتال الحقائق تحت ضغط الشعارات فيكسب القاموس كلمات الحرية ويخسر الواقع معانيها.

يقول الكواكبي عن أسلوب الطغاة في إحداث خلخلة في الواقع الاجتماعي وتسليط السفلة والقساة على رقاب الناس "يكون أسفلهم طباعا أعلاهم وظيفة وقربا" وهنا يلجأ الطغاة لمواد مذيبة لأي تجمعات للحرية فيقطعونها ويفتتونها..ولكن هل حقا الجماهير كائن عملاق ولكن بقدمين من صلصال كالفخار؟
سؤال يحتاج إلى تفكير وقراءة أخرى..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق