الاستعمار في نفوسنا!
مالك بن نبي
أخطانا نحن في البلاد العربية، عندما تصورنا أن الاستعمار هو الاحتلال، وأن الجلاء هو الحرية.
وكان من نتيجة هذا الخطأ في التفسير، أننا وجهنا كل كفاحنا ضد الجيوش الأجنبية، لا ضد " الشخصية" الأجنبية، ولا ضد " الفكرة" الأجنبية، التي تولد بالتالي " النفوذ" الأجنبي،
ثم أخطأنا مرة ثانية عندما كافحنا الاستعمار في مظاهره الخارجية التي تنحصر في تعدي بلد على بلد..
ولكننا لم نكافح جوهره، وهو قابليتنا نحن الدول العربية، للاستعمار.. هذه القابلية التي مهدت الطريق لثلاثين مليون إنجليزيا لاستعمار ستمائة مليون آسيوي.. والتي سهلت لدولة صغيرة كهولندا أن تستعمر إندونيسيا كلها، كان يجب أن نوجه كفاحنا ضد أنفسنا.. ضد انحلالنا... ضد تفكك مجتمعنا.. ضد النقص الروحي الشنيع الذي نعانيه.
ما الذي يولد " القابلية للاستعمار؟".
إنه سؤال متعلق بمدينة كل دولة.. والمدينة تبدأ دائما بدعوة روحية، وتدفعها العاطفة المتعلقة بهذه الدعوة، لا العقل في طريق الصعود، إلى أن تصل إلى قمة التشبع الروحي، أي: قمة الإيمان بالدعوة، وبعد ذلك تسير، أي المدينة في خط أفقي يسيطر عليه العقل..
العقل الذي يبدأ في السيطرة على الدولة والمجتمع.. ويظل العقل يسير بالمدينة إلى الأمام، وهو في كل خطوة يبتعد عن الدعوة الروحية.. عن الفكرة المثالية.. عن " الأيديولوجية...إلى أن يصل المجتمع إلى حد تتغلب فيه المادية الفردية والجسدية على الروح والمبدأ، فيبدأ في الانحلال، وتبدأ المدينة في الهبوط إلى الأسفل، إلى أن تصل إلى الحضيض.. فلا يعود هناك مجتمع بل مجرد مجموعة من الأفراد لا رابط بينهم.. ولا تعود هناك " فكرة" بل مجرد مصالح فردية..
وفي خلال هذه المرحلة تتولد " القابلية للاستعمار" شيئا فشيئا.. حتى تصبح الأمة كالثمرة الفاسدة، لا يكاد المستعمر يهز شجرتها حتى تسقط تحت أقدمه..
وقد مرت المدينة الإسلامية، مثلا بكل هذه المراحل...نبتت من دعوة روحية.. من «أيديولوجي»، أو مثالية غذت الروح الشعبية، ودفعتها إلى الصعود، حتى وصلت إلى قمة الإيمان...
ثم بدأ العقل يسيطر على الدولة الإسلامية... وابتعد العقل عن مثل الدعوة وروحانيتها، فبدأ الانحلال ... وبدأ الهبوط ... وبدأت المقاومة تضعف ويصبح جسد الأمة قابلا للاستعمار..
وقد أرسل يوما ملك إسبانيا سفيرا له إلى مراكش.. وكانت مراكش تجتاز أزهى عصورها.. ورغم ذلك فقد أرسل السفير إلى ملكه يقول له: «إني أجد كل شيء يعد لتكون هذه البلاد ملكا لمولاي»... ولم يكتب السفير هذه الكلمة إلا بعد أن أحس بانحلال المجتمع المراكشي، وسيطرة العقل الفردي على مثالية الدعوة...
وقد أرسل يوما ملك إسبانيا سفيرا له إلى مراكش.. وكانت مراكش تجتاز أزهى عصورها.. ورغم ذلك فقد أرسل السفير إلى ملكه يقول له: «إني أجد كل شيء يعد لتكون هذه البلاد ملكا لمولاي»... ولم يكتب السفير هذه الكلمة إلا بعد أن أحس بانحلال المجتمع المراكشي، وسيطرة العقل الفردي على مثالية الدعوة...
وفعلا تم لملك إسبانيا احتلال مراكش، بعد قرن كامل من خطاب السفير.. وفي خلال هذا القرن كانت مراكش قد وصلت إلى درجة «القابلية للاستعمار»!
فالاستعمار إذن تسبقه حالة «القابلية للاستعمار»! والقضاء على «القابلية للاستعمار»، هو طريق القضاء على الاستعمار..
كيف نقضي على هذه القابلية؟
بأن نجد" الفكرة" المثالية، أو المذهب «أيديولوجي» وأنا إلى الآن لا أجد كلمة عربية تعبر عن لفظ: «أيديولوجي» نجد الفكرة التي تصلح لتكون نواة يلتف حولها الأفراد ليكونوا مجتمعا سليما يندفع في طريق الصعود وهم في صعودهم يبنون حولهم مدينة خاصة متميزة تقضي على قابليتهم للاستعمار، وتحميهم بالتالي من الاستعمار.
وقد كانت الأمة الروسية في عهد القيصر أمة منحلة.. لا مذهب لها، ولا إيمان...
فالاستعمار إذن تسبقه حالة «القابلية للاستعمار»! والقضاء على «القابلية للاستعمار»، هو طريق القضاء على الاستعمار..
كيف نقضي على هذه القابلية؟
بأن نجد" الفكرة" المثالية، أو المذهب «أيديولوجي» وأنا إلى الآن لا أجد كلمة عربية تعبر عن لفظ: «أيديولوجي» نجد الفكرة التي تصلح لتكون نواة يلتف حولها الأفراد ليكونوا مجتمعا سليما يندفع في طريق الصعود وهم في صعودهم يبنون حولهم مدينة خاصة متميزة تقضي على قابليتهم للاستعمار، وتحميهم بالتالي من الاستعمار.
وقد كانت الأمة الروسية في عهد القيصر أمة منحلة.. لا مذهب لها، ولا إيمان...
وكانت أمة تستعمرها شخصية أجنبية، شخصية أوروبا الغربية.. وكان يمكن أن تسير في طريق الانحلال إلى نهايته، لو لا أنها وجدت " الفكرة" أو : المذهب" الذي كان نواة لمجتمعها الجديد، والذي قضى على قابليتها للاستعمار، وبالتالي حصنها منه.
إن الفكرة" أو " المذهب" بمثابة حقنة تطعيم ضد الاستعمار.. وكل ما تحتاجه الدول التي تقاوم الاستعمار هو أن تقضي أولا على "قابليتها للاستعمار" بأن تجد الإيمان المذهبي الذي تلتف حوله...
إن الفكرة" أو " المذهب" بمثابة حقنة تطعيم ضد الاستعمار.. وكل ما تحتاجه الدول التي تقاوم الاستعمار هو أن تقضي أولا على "قابليتها للاستعمار" بأن تجد الإيمان المذهبي الذي تلتف حوله...
وهذا الإيمان المذهبي لا يستورد من الخارج لا يمكن أن نستورد الشيوعية من روسيا، أو " الرأسمالية" من أمريكا.. ونتخذها إيمانا لنا نحاول أن نبني به مدينتنا، بل يجب أن تنبثق الدعوة من صميم حياتنا ومن صميم بيئتنا.
وكثير من زعماء الدول التي تقاوم الاستعمار لا يعلمون هذا.. ولا يحاولون أن يبنوا كفاحهم على دعوة مذهبية يلتف حولها الأفراد، وتصلح لخلق مدنية جديدة...إنهم يرددون كلمات " الحرية" و الاستقلال و " الجلاء".. دون أن يضعوا معاني مذهبية لهذه الكلمات.. دون أن يحددوا الطريق الطويل، و الهدف، ويقيموا عمد الإيمان... وكأنهم بذلك يملؤون " القربة" الممزقة بالهواء...
وكثير من زعماء الدول التي تقاوم الاستعمار لا يعلمون هذا.. ولا يحاولون أن يبنوا كفاحهم على دعوة مذهبية يلتف حولها الأفراد، وتصلح لخلق مدنية جديدة...إنهم يرددون كلمات " الحرية" و الاستقلال و " الجلاء".. دون أن يضعوا معاني مذهبية لهذه الكلمات.. دون أن يحددوا الطريق الطويل، و الهدف، ويقيموا عمد الإيمان... وكأنهم بذلك يملؤون " القربة" الممزقة بالهواء...
وقد تخلق كلماتهم جموعا من المجانين المندفعين المستشهدين... ولكن المجانين لا يصنعون الحريات، إنما يصنعها المؤمنون، عندما يتمكن منهم الإيمان حتى يبدو كأنه الجنون!
المصدر : منقول من كتاب حاطب أوراق ص 47 للدكتور أبوالقاسم سعدالله رحمه الله
المصدر : منقول من كتاب حاطب أوراق ص 47 للدكتور أبوالقاسم سعدالله رحمه الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق