الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

الإمبراطور "من غير هدوم"


الإمبراطور "من غير هدوم"

أحمد عمر

لا تروي لنا حكاية "ثياب الإمبراطور الجديدة"، والمنسوبة إلى الحكيم إيسوب، وهي حكاية رائعة حقاً، عقوبة الطفل الإرهابي المجرم الذي أفسد الحفلة.
 قرأت الحكاية في أيام الصبا في كتاب القراءة، في المرحلة الابتدائية التي امتلأت، بعد انصرام طفولتي، أو على سقفها، بصور الإمبراطور.
 القراءة والحساب والتربية الاجتماعية وقلّة التربية العسكرية، والبيولوجيا التي كانت مرصودة، أعزّكم الله، للحيوانات!
 حتى الجلاء المدرسي (وهو اسم كولونيالي الطعم)، فقد كان اسمها يوماً صحيفة التلميذ، لصقت عليها صورة الامبراطور، حتى يشارك التلاميذ رحلة الشتاء والصيف.
تغفل الحكاية مصير الطفل الذي سرّب أسراراً عسكرية لجماعات إرهابية، وقال على الهواء مباشرة: ولكن الملك عار. بل إنه كتبها على الحائط! 
لم يكن حكماء العالم القديم يحبّون المسلسلات والأجزاء الثانية. وقتهم كان غالياً وثميناً، وليس مثلنا نحن أبناء عصر السرعة، المعصور، المخنوق، تبلغ حلقات مسلسلاته المئات!
يُقتل بطل المسلسل ويُدفن ويتحوّل إلى رميم، ثم يعود إلى الحياة في جزء ثان!
صرخ الطفل، وربما همس، مثل جاليلو... همسة غيّرت وجه التاريخ وقفاه. توقفت الموسيقى التصويرية، وتوقفت الأرض عن الدوران، وحدث كسوف شمسي، واستقرت عيون المدعوين إلى الحفلة الملكية على مؤخرة الإمبراطور، وعلى... الحبل اللحمي الذابل المتدلي من أسفل سرته: العمى (وأهل حمص يلفظونها العفى تلطفاً وتقوى)... كيف دخل هذا الطفل إلى الحفلة، مع أنها ممنوعة على مَن تقلّ أعمارهم عن الستين. "أدولت".. يعني.
يرجح المؤرخون أنه قلع أظافر الطفل. وأخذوه إلى فرع الجوية، أو فرع فلسطين
المستبدون الذين يحبون الأزياء الفريدة، عادة، يكرهون المبصرين "المفّتحين"، وإن كان لهم بقية نظر، فليتصرفوا كأنهم عميان. لا يحبون ذوي الأظافر الطويلة.
اللسان هو أحدّ مخلباً من مخالب الإنسان، فجروح السنان لها التئام، لكن جرح اللسان ليس يلتئم. مَن سيرمّم الجرح الذي نكأه الطفل. إنه يدعو إلى حرب أهلية.. وشاروناه.
خرق الطفل قواعد "العقد الاجتماعي"، يا مستر مونتسيكيو. عقدنا عقداً شفاهياً، فالرجل يربط من لسانه. كنا نتابع الإمبراطور وهو يقص شريطاً حريرياً، فنصفق على قوته الخارقة وسحر المقص، أو ينفخ على شمعةٍ، فنصفق على الزوبعة التي خرجت من خلجان فمه، يعمر سداً على أفواهنا بمرسوم جمهوري فنصفق، يدمّر قصراً قديماً، يدمّر مستقبلاً، فنصفق، يقتل أهم فرسان الشعب فنصفق، يجعل معتوهين أمراء فنصفق.
همام حوت في حواره، من حلقتين على "أورينت"، روى لنا طرفاً من مغامراته مع المدعوين إلى الحفلة، الرئيس وجّهه، وطلب منه تحشيد الناس حول المقاومة، ممنوع الاقتراب من عورة الامبراطور والتصوير. هوجم حوت بقسوة من زملاء لا يزالون يوزعون ألقاب الثورة على بلدٍ سحقته الثيران الهائجة، لكن علي فرزات قال أمراً لم يوفّق همام حوت له: وهو أنه لم يسعَ إلى صداقة الرئيس، وإنما سعى الرئيس إلى صداقته! الصديق زيّ أيضاً. زيّك زيّه.
حطم أطفال درعا قواعد اللعبة التي تدحرجت مثل كرة النار، فتحطمت كل قواعد اللعبة في سورية والمجتمع الدولي. 
فخط أوباما الأحمر طلع بمبي، وبان كي مون بات يحمل معه كتاب ديل أورنيجي "دع القلق وابدأ الحياة" مثل الكتاب المقدس، والأمم المتحدة أعلنت إفلاسها، وخفضت المعونات للاجئين الذين يموتون من الجوع والبرد، لأن ابن اللاجئين كشف عورة ابنهم الإمبراطور. وأفسد الحفلة.
قال: الملك عار.. كشف علامة من علامات الساعة، وحانت نهاية العالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق