الخميس، 23 أكتوبر 2014

الطبقة الوسطى.. وعهد الردة الجديدة!


الطبقة الوسطى.. وعهد الردة الجديدة!

خلود عبدالله الخميس

من تونس بدأت الياسمينة بالتفتح بعد احتراق البوعزيزي. انتقلت العدوى لمصر وليبيا وسوريا واليمن. الربيع لم يكن عربياً فحسب. فلم ترضَ الشعوب الأخرى أن يسبقها العرب في قطف زهوره. الأوكران و»الهونغ كونغيون» الإسبان وووو.

كل ذلك بعد الربيع ربيع الشعوب الشابة والشائبة. ربيع الحريات والرغبات في الانطلاق عكس الطريق المؤدية لقصر الوالي. قطعت العهد ألا تقبل زمن الجباية وألا تسمح لمصاصي الدماء بالتكاثر سفاحاً على مسامعها ومرآها. فماذا حدث؟

إن العالم كله عدا قلة قليلة ولكنها ليست بشرذمة، بل نحسبها كالقابضة على الجمر في عهد الردة الجديدة.
ردة الولاة عن إيمان الشعوب. خروج ولاة الأمر على الشعوب الصابرة بالسلاح.

لقد سقطوا بالحرام، ولكن من يقدر على لوي فوهات البنادق إلا المدافع؟

والشعوب مدافعها حناجرها. وقد بحت أصواتها ولا «حياء» لمن تنادي!

الخليج. المنطقة المغبوطة بالأمن. شعوبه ليست ممن يسعى «لربيع ما»، ذلك لأن الرفاه النسبي والقدرة على المعيشة إلى حد ما، وارتفاع دخل الفرد الخليجي وحتى الوافد العربي، لم يؤيد ربيع بلاده لأنه «مبسوط» مادياً، إلا قليل منهم.

فهل «الربيع العربي» انطلق ثورة جياع؟

نعم، هي ثورة جياع ولكن بقيادة الطبقة الوسطى التي لها مآرب أخرى.

الصراع على السلطة، وهي المتمثلة في مؤسسة الحكم. وهذه تتبع أوامرها المؤسسة العسكرية. إذاً تلك سلطتان متحدتان. ومؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية والمدنية والسلطة التنفيذية «الحكومة». الصراع لم يعد محصوراً بين النخب العائلية والأغنياء والبطانة وبطانة البطانة، بل ظهرت طبقة جديدة منذ مائة عام وهي تتجه لجامعات الغرب والشرق، تشد عضدها بالعلم والثقافة والتداخل الاجتماعي مع البيئات المختلفة حتى تنقل النماذج لبلادها.
عادت هذه الطبقة من كل مكان وشكلت طبقة وسطى عريضة، ولكنها ضعيفة لا ظهر لها إلا شهاداتها العلمية، وأن تقدر على تشكيل قاعدة من العامة الأتباع الذين يمكن توجيههم وقيادتهم بسهولة لأسباب عدة: ضعف استعدادهم الفكري للفهم وهذه صفة مهمة للتابع، صعوبة ظروفهم المعيشية، التفكك الأسري، النبذ الاجتماعي (التعرض للسجن أو أي سبب لسوء السمعة).
أسباب كثيرة إن اجتمعت في إنسان أحالته إلى بارود لا ينقصه إلا عقل مدبر يعرف كيف يستخدمه. ولا يهم أن يحترق ما دام سيحقق أهداف العقل المسيطر.

صفة واحدة مما سبق كفيلة بأن تدفع بصاحبها للاستلقاء فوق أي خشبة وسط محيط العوز الذي هو فيه.

الربيع العربي «ثورة جياع» في كل الدول التي خرج الناس للشارع، كان الجوع للكرامة والحرية رديف جوع البطن.
الدول التي ثارت شعوبها وانقلبت على موج الصبر لعل البحر يركد والشاطئ يستعيد وداعته. ولكن كلما صبروا ابتلع الموج أحدهم وهاج الشاطئ أكثر وكأنه يتوحش من الدماء ويزيد افتراسا.

إن الردة التي مارسها الحكام عن العهود التي قطعوها على أنفسهم عند التولية مثل العدل والمساواة أمام القانون وإدارة شؤون الناس بما يحقق لهم الحياة الكريمة والحفاظ على المال العام واحترام حريات البشر والتكفل بتوفير الصحة والتعليم والسكن وحق التقاضي أمام قضاء محايد غير مسيس.
ردة شاملة قطعت خط العودة على الشارع المهموم. وكانت خير وقود للطبقة الوسطى «القائد للربيع العربي» فلم يعد بالإمكان أن ينتصر الموج على هدير البشر فانهزم.

ولكن، تحالفت المنظمات الدولية والحكام المرتدين عن عهودهم للشعوب، ومن تبعهم وانتفع منهم. وانقلب ربيعنا إلى يبس وبوار.

الشعوب مظلومة. والطبقة الوسطى وإن كانت لها مصالح سياسية بأن تشكل نخباً جديدة غير التقليدية لتدخل السباق. إلا أنها أفضل قائد للشعوب في مرحلة الطحن التي تقوم بها مؤسستا الحكم والعسكرية الموالية لها لهم.

الأمة في مفترق طرق. لم تعد الأرض تكفي للجثث. فما على الأحياء إلا التشبث بأيدي بعضهم بعضاً بكل قوة أوتوها.
 لعل الله يُحدِث بعد ذلك أمراً. وسيفعل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق