كيف ترتاح لانقلاب السيسي على مرسي يا فضيلة الريسوني؟!
عماد شكري / كاتب مغربي
فجّر الفقيه المقاصدي نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور أحمد الريسوني مفاجأة لم تكن في الحسبان، بتصريح غريب من نوعه عبّر فيه عن ارتياحه من الانقلاب العسكري على الرئيس المصري د محمد مرسي، وذَيَّله بتعليلات نقدية للتجربة السياسية للإخوان المسلمين بعد شرارة 25 يناير 2011، وبالنظر إلى توقيت هذه الزلّة فقد ألغى الدكتور الريسوني "اعتبار الحال والنظر إلى المآل" وهي من "قواعد المقاصد" التي اشتهر بها في العالم الإسلامي، في مرحلة يحتاج فيها الدم المصري أيا ما حاجة إلى تكاثف القوى المُناصِرة لمظلوميته والمنافحة عن عدالة قضيته؟
وما إن تناقلت زلة الفقيه في الوسائل الإعلام؛ حتى تساقطت عليه الاستنكارات -باختلاف حدتها- من داخل المغرب وخارجه ترد عليه مَقاله، من أبرزها كلمة للدكتور "عزام التميمي" عبّر فيها عن حزنه من تصريح الريسوني واستنكر الاستعلاء الذي تمارسه حركته في الحكم على تجارب الإسلاميين السياسية في الوطن العربي.
كما وجه الكاتب والمؤرخ المغربي الدكتور "المعطي منجيب" عتابا للريسوني على تصريحه معتبرا إياه خدمة مجانية للانقلاب.
وبتوالي الردود عليه أُجْبِرَ الريسوني على توضيح سريع مقتضب حاول فيه التهرّب من فداحة ما قال، لكنه لم يُوَفَّق في ذلك، وأكد مرة أخرى عدمَ إعماله لمُخْرَجَات التقعيد المقاصدي.
الدكتور تناول تنحية الرئيس مرسي بنَظْرة شمولية للمنظومة الفكرية الإخوانية، بما في ذلك الطرح السياسي، لذلك كان في حواره مع جريدة "الأيام" -المغربية الأسبوعية- حاملا لسوط النقد، وجلادا لبنية الإخوان الفكرية الجامدة؛ والتي هي أساس الخط السياسي الفاشل حسب تعبيره، داعيا إلى توسيع دائرة الحرية داخل الصف، وإتاحة الفرصة للعلماء والمفكرين للإسهام في تجديد أوردة الجماعة وتصحيح مسارها عوض إقصاء هذه النخبة، كما دعا إلى تجاوز إرث الإمام "حسن البنا" -رحمه الله- الذي استكثر عليه منزلة الأفغاني والكواكبي رحمهما الله.
لكن؛ دعونا من كل ذلك، فلستُ إخوانيا ولا في معرض الدفاع عن مشروعهم الفكري، ولا خصصت هذا المقال لنقد أو نقض تجربتهم السياسية في مصر الجريحة، بل موضوعنا ما لذعَ ولدغَ به لسانُ فقيهنا المقاصدي على حين غفلة، ويمكن إجمال القول في ذلك كما يلي:
أولا: هذا (اللّغو) الصادر من رجل كان محسوبا -قبل هذا- على طينة الحُكَمَاء، من حيث توقيتُهُ؛ لا يمكن اعتباره في مصلحة الدكتور مرسي -عجّل الله فرجه، ولا يخدم قضية الإخوان المسلمين الذين قدّموا آلاف الشهداء وآلاف السجناء، ومئات المنفيين تتقلّبهم الأمْزِجَة السياسية العربية من دولة إلى أخرى، كما لا يخدم قضية "الشرعية" التي أصابها رصاص الانقلابيين مع أول شهيد في ميدان "رابعة العدوية"، ولا يخدم الإرادة الشعبية التي اختارت الدكتور مرسي وحزبه وجماعته لتصدر المشهد المصري الرسمي، بل مفسدة ما تلفّظ به فقيهنا أعظم من مصلحة التنبيه الذي يتوهم صوابيته.
ثانيا: ليس من المروءة في شيء اتهامُ الضحية وهي مكتوفة اليدين بقيد جلادها، بل الأولى رفع البلاء عنها ثم بعد ذلك تأتي مرحلة التقييم والتقويم واللوم والعتاب، أما والحال رجحان كفّة الظالم فواجب على فقيهنا الانخراط في تقوية جبهة الحَقَّانِية، وإضعاف جبهة الانقلاب المدعوم من دول أعجمية عظمى (سياسيا واقتصاديا وعسكريا) وأخرى عربية سُفْلَيَات (أخلاقيا وإنسانيا)، علّ الجهودَ تحقق المراد، وإن أبى القَدَرُ ذلك فلا أقلّ من شد عضد المستضعفين وشحذ همم الأبطال في الميدان.
ثالثا: مؤسف ارتياح الأستاذ الريسوني لمحنة الشعب المصري لمجرّد تسجيله أهدافا في شباك الإخوة المشارقة. فهل يستحق الإخوان المسلمون ومعهم الشعب المصري هذا الطعن لمجرد عدم قَبولهم برأي حركة (التوحيد والإصلاح) المغربية وذراعها السياسي (حزب العدالة والتنمية) المتمثل في الإعراض عن خوض غمار الرئاسيات -قبل إجرائها- والتخلي عنها بعد الفوز بها. أم هي روح الأستاذية الاستعلائية تَسَرّبت إلى عالِمِنا الذي لا يُؤخذ من ذخيرته العلمية إلا علم "مقاصد الشريعة"!!
رابعا: إن قامَةً فكريةً كالإمام "حسن البنا" -رحمه الله- يأبى الزمان وصفحات التاريخ الاستجابةَ لدعوةِ الدكتور الريسوني إلى نِسيانه وتجاوز تراثه، وترفض التنكّر لدوره الأساسي في بناء الانبعاث والصحوة الإسلاميَيْن مطلع القرن العشرين، وليس من الإنصاف استصغارُه في مقارنةٍ مع الإمام "أحمد بن حنبل" والشيخ "تقي الدين ابن تيمية" والأستاذ "جمال الدين الأفغاني" والأستاذ "عبد الرحمن الكواكبي" رحمهم الله، فإنَّ لكل عصر رجاله، وإسهام الإمام "حسن البنا" في نصرة دعوة الإسلام لا يقِلُّ عن رصيد الرجال الأربعة المذكورين، ثم إن جزاء كل عامل لا يعلمه إلا الله تعالى، ويكفي "الحسن" استشهاده في سبيل الله عنوان صدقه وجزاء إخلاصه في العمل لله عز وجل، نحسبه كذلك والله حسبه.
وهذه سقطَةٌ أخرى لرائد المقاصد لا نُسَلّمُ له بها.
خامسا: أليس من الأولى على الدكتور الريسوني وهو يمتطي أَتَانَ السياسة أن يلتفت إلى فشل تجربة حركة "التوحيد والإصلاح" على المستوى السياسي قبل الحكم على تجربة في مطلع الشمس، ويقدّم النقد البنّاء لتقويم الاضمحلال القِيمِي والفشل التاكتيكي وظلامية الأفق الاستراتيجي في عمل الذراع السياسي "العدالة والتنمية"، ويستفيد من أحكامه في حق التجربة المصرية عوض الانغماس في إضفاء الشرعية على استبداد النظام السياسي المغربي، بحجة مناطحته من الداخل، فقد أصبحنا لا نفرّق بين أرقام المعادلة الرسمية بما فيها دعاة الإصلاح من الداخل، نظرا لـ"تماهيهم بالمتسلِّط" بتعبير الدكتور مصطفى حجازي، وهو "استلاب الإنسان المقهور الذي يهرب من عالمه كي يذوب في عالم المُتَسَلِّط؛ أملاً في الخلاص".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق