ثورة "الچندر"
أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
غلاف مجلة "ناشيونال جيوغرافيك"
تنفرد مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" العلمية الوقورة، في عدد يناير 2017، بنشر موضوع "ثورة الچندر" على غلافيها: الأمامي به صورة لطفل في التاسعة من العمر آثر أن يتحول مسخا إلى فتاة، أما الغلاف الخلفي فيضم مجموعة مختلفة من الشواذ متعددي الميول والاتجاهات، وعلى كل شخص منهم اسم الاتجاه الانحرافي الذي ينتمي إليه. وهذه الجرأة الإباحية المنفلتة تعد محاولة لا سابقة لها، لنشر وتعميم انفلاتات جنسية شاذة على المجتمع الدولي، خاصة وإن هذه المجلة تترجم إلى عدة لغات ويتم توزيعها على مستوى العالم.
وما دعاني إلى إعادة تناول هذا الموضوع هو فداحة ما تم تنفيذه في الغرب فعلا وبقوة القانون. وهو ما يعني ضمنا أنه سيتم فرضه علينا في العالم الإسلامي والعربي، خاصة وإن المسؤولين عن الدين الإسلامي قد وقّعوا على الوثيقة الأصلية لمؤتمر "المرأة والسكان" سنة 1994، القائمة على موضوع الچندر، رغم كل ما كتبت. وحينما انفضح أمر هذه المؤتمرات وبات جليا، بعد عقدان، تحرك الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سنة 2015 ليحتج في مارس ويطالب البلدان العربية والإسلامية برفضه.. بعد فوات الأوان كالمعتاد، وهذه مصيبة أخرى..
ولمن لم يتابع الموضوع منذ بداياته آنذاك، فإن نظرية الچندر تعتمد أساسا على تعليم الأطفال والكبار "إن خلقتهم على هيئة طفل أو طفلة، أو مذكر ومؤنث، ليست فرضية إجبارية وإنما يمكنهم اختيار ما يتمنونه بالنسبة لميولهم الجنسية". والمطروح ضمنا هو تحدي خلقة الله التي فطرنا عليها وتحديه، عز وجل، بتعديلها وفقا للأهواء الإنفلاتية التي يتم فرضها مع سبق الإصرار..
وتمثل المؤتمرات المعروفة باسم "مؤتمر المرأة والسكان" ومختلف لقاءاتها التالية، التي تنعقد كل خمس سنوات، أحد المنحنيات التدميرية التي تم فرضها على العالم، وخاصة على العالم العربي والإسلامي، في السبعينيات من القرن الماضي. وقد بدأت هذه السلسلة بمؤتمر تمهيدي في القاهرة سنة 1994 تم تغيير عنوانه الأصلي لتفادي الخلافات أو أية عرقلة لخط سيره. وقد تناولته آنذاك بالتفصيل في عدة مقالات، رابطها بآخر هذا المقال، كما تناولت الوثيقة الأساسية في مقال بعنوان: "قراءة لوثيقة مؤتمر المرأة". ثم انتقل المؤتمر إلى مدينة بكين، في الصين، في سبتمبر سنة 1995، في نفس العام الذي تحتفل فيه منظمة هيئة الأمم بمرور خمسين عاما على إنشائها.
واللافت للنظر أن "إدارة تنسيق السياسات والتنمية المستدامة في هيئة الأمم" قد نشرت الوثيقة على النت ونصّت على إمكانية تداولها شريطة ذكر المصدر! ومما ورد بها من بنود أشير إلى بندين تحديدا:
البند رقم 38 وينص على ما يلي: "نحن نتبنى ونتعهد كحكومات بتطبيق برنامج العمل التالي، حرصين على أن تنعكس منظومة الچندر في كافة سياساتنا وبرامجنا. ونطالب بإصرار نظام هيئة الأمم والمؤسسات المالية المحلية والدولية والمنظمات الأخرى المحلية المختصة والمؤسسات الدولية وكافة النساء والرجال والمنظمات غير الحكومية، مع احترام خصوصيتها، وكافة قطاعات المجتمع المدني بالتعاون مع الحكومات، أن تتعهد كلية بالمساهمة وتطبيق هذا البرنامج عمليا" ؛
البند رقم 57 وينص على ما يلي: "إن نجاح السياسات والإجراءات الرامية إلى مساندة وتدعيم تفعيل مساواة الجنسين وتحسين وضع المرأة يجب أن يكون قائما على إدماج نظرية الچندر في كل السياسات العامة المتعلقة بكل قطاعات المجتمع وكذلك تفعيل الإجراءات الإيجابية بمساندة مؤسستيه ومالية على كافة المستويات".
وفي اتفاقية إسطنبول سنة 2011 نطالع في المادة رقم 6 من الفصل الأول: "يتعهد المشاركون بإدخال نظرية الچندر في تطبيق وتفعيل مجمل البنود في هذه الاتفاقية وتفعيل وتطبيق سياسات المساواة بين الرجل والمرأة وتمكين المرأة بصورة فعلية".. ولمن لا يعلم فإن عبارة "تمكين المرأة" في نصوص هذه المؤتمرات تعني أساسا تمكينها من جسدها ومختلف متطلباته خاصة الإنفلاتية منها، الى جانب الناحية الاجتماعية وغيرها..
وإن كانت بوادر نظرية الچندر تعود إلى مطلع القرن العشرين والتجارب التي قام بها بعض الصهاينة في عدد من "الكيبوتزات" ومحاولة تنشئة الأطفال معا، بنين وبنات، وما لحق بهم، وهو وارد بالتفصيل في مجلة "فالير أكتويل" الفرنسية بتاريخ 6/2/2014 ، وهي نفس الفترة التي بدأ فيها فرض الاتجاهات التدميرية لكل القيم الإنسانية والفنية بواسطة أساليب التجريد وعبثياتها في مختلف الفنون، فإن محاولات الطبيب چون موني، بجامعة جون هوبكنز في بالتيمور، تعود إلى سبعينيات القرن العشرين في نفس الوقت الذي قامت فيه كلا من جوديث باتلر، الباحثة الجامعية، وآن أوكلي، الباحثة البريطانية بتقنين النظرية في مطلع سنة 1970، وإن كان انتشارها بين الحركات النسائية المنفلتة قد بدأ تطبيقها منذ الستينيات.
التطبيقات العملية في فرنسا :
البابا فرانسيس وزيرة التعليم الوطني
قامت حملة واسعة في بعض وسائل الإعلام الفرنسية سنة 2006 ضد فرض ما أطلق عليه "برنامج المساواة" بين الرجل والمرأة، الذي بدأ فرضه على 275 مدرسة حضانة وما بعدها من مراحل تعليمية على سبيل التجربة. وانتهت الحملة بإعلان المسؤولين في وزارة التربية الفرنسية تغيير العناوين، بينما ظل المضمون واحدا. وتضامن فريق الوزارة مع فريق الإعلام التابع لها في التعتيم على القراء إلى أن تم فرض القانون رسميا. وقد تم تطبيقه على أربعة مراحل:
1 ـ تعميم تأهيل القائمين على العملية التعليمية على فكرة المساواة بين البنات والأولاد ؛
2 ـ نشر المواد والأدوات التعليمية وتعميمها لمساعدة المعلمين على كيفية توصيل قيم "المساواة بين البنات والأولاد" للطلبة ؛
3 ـ حصص تعليمية يعدها المدرسون انطلاقا من مواد متجددة ومبسطة ؛
4 ـ إخطار الأهالي لإدماجهم وجعلهم يتقاسمون هذا البرنامج التعليمي مع أبنائهم.
وفي سنة 2010 أصدر مكتب منظمة الصحة العالمية الإقليمي وثيقة بعنوان "معايير التربية الجنسية في أوروبا"، وتم ترجمتها إلى الفرنسية سنة 2013، في لوزان بسويسرا، تحت عنوان "الصحة الجنسية". وتم وضع المعايير المتعلقة بالصحة الجنسية في أوروبا بالتعاون مع المركز الفدرالي الألماني للتربية الصحية، والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أوروبا، وفريق من الأخصائيين الدوليين مع ممثلين من الجنسين عن تسعة عشر منظمة مختلفة معنية بالمرأة والأسرة والصحة الجنسية. وتتناول الوثيقة الأعمار من الميلاد إلى سن أربع سنوات، ومن 4 إلى 6، ومن 6 إلى 9، ومن 9 على 12، ومن 12 على 15، ومن 15 إلى نهاية العمر.. وهذه الوثيقة وغيرها يندرج تحت إطار نظرية الچندر.
وفي سنة 2012 تعهد الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند بتغيير النظرة الاجتماعية المتخلفة في حق الشواذ بجميع أطيافهم، بل أقر بأن يتولى التأمين الصحي تكاليف عمليات تغيير نوع الجنس حتى إن لم تكن هناك ضرورة لذلك، ومساندة مختلف جمعيات الشواذ اجتماعيا. ويندرج معها التخلي عن الدين والقيم البالية والتقاليد..
وفي مارس 2014 تعهد فرانسوا أولاند بمزيد من الحقوق للشواذ قائلا: "أريد أن تأخذ ديبلوماسيتنا كل المبادرات المطلوبة لحماية حقوق المثليين بجمع أطيافهم (LGBT) ومحاربة خشيتهم أو تجاهلهم. عموما سأطرح مبادرة أوروبية من أجل تناغم كافة جهودنا. فقد حان الوقت أن نقوم بإحياء قيم الجمهورية وعصر التنوير للجميع". أي تغيير المفهوم الاجتماعي تجاه الشواذ بجميع أنواعهم وجعل هذا الانحلال اللا إنساني أمرا طبيعيا ومألوفا في المجتمع بأسره وعلى كافة الأعمار منذ ميلاد الطفل..
وفي نفس عام 2014 بدأت بعض المعاهد التعليمية والجامعات في فرنسا السماح لبعض الشاذات بالقيام بتدريس مادة الچندر بكل ما تتضمنها من انحراف، ومنهن على سبيل المثال: ماري هيلين بورسييه، في المركز القومي للأبحاث الفرنسي، وقد قامت بتصنيف أنواع الشواذ إلى 52 نوعا ضمتها في قاموس باسمها، وراشيل بورجي في جامعة "باريس أربعة"..
ومنذ سنة 2014 يتم تدريس وتطبيق نظرية الچندر في مدارس الحضانة منذ سن الرابعة. وقد فرض فرانسوا أولاند غرامة قدرها ثلاثة آلاف يورو على أهل الطفلة أو الطفل الذي يتم منعه من هذه الحصص وتدريباتها العملية.. بل لقد تم إصدار بعض الكتاب التعليمية وفيديوهات بل ومسرحيات، بعد تعديلها للصغار، لتعاون المدرسين والمدرسات على تطبيق النظرية عمليا.
وفي أكتوبر 2016 تم حصر ثلاثين كتابا أصدرتها وزارة التعليم الفرنسية لتقديم التربية الجنسية المبكرة للأطفال في المدارس، وانزعج الأهالي لدرجة أن البابا فرنسيس قد اعترض على ذلك واستدعي نجاة بلقاسم، وزيرة التعليم الوطني، ـ وهي من الحسنات التي تحسب له وإن ظلت بلا إستجابة.. مما أدى إلى فتح ملف الچندر من جديد ليقوم بعض الأمناء بكشف ما في هذه الكتب من إباحيات لا يقرها عقل ولا دين.. كما تم كشف إن بعض المدارس تدعو الأطفال إلى تبديل الثياب الخارجية بين البنين والبنات ليألفوا هذا التغيير منذ الصغر..
رجاء لمن يعنيه الأمر :
لم أتناول هذا الموضع الآن إلا لما يمثله من خطورة على المجتمعات الإسلامية والعربية، خاصة وإن المسؤولين قد وقّعوا على وثيقة المؤتمر فعلا، في مؤتمر القاهرة ثم في بكين، ثم أينما عُقد هذا المؤتمر.. وقعوا سواء جهلا أو عن عمد، أو حتى مجاملة، على أمل أن ينتهي المؤتمر وينفض الموضوع.. إلا إن الموضوع لم ينته في الغرب الذي ابتدعه وتبناه وفرضه بضراوة لا رحمة فيها، وهم يطالبون حاليا بتطبيقه في الدول العربية والإسلامية.. ولعل ذلك ما دفع الاتحاد العالمي للمسلمين لأن يُعلن رفضه ويحث باقي الدول على رفضه..
إلا إن ما وصل إليه الإعلام الثقافي لدينا، خاصة في ذلك المستوى الهابط المنحل في المسلسلات والأفلام العربية، هو نتيجة حتمية لتلك التيارات الإباحية التي يتم فرضها واستغلالها لتمهيد الطريق لما بعدها، على إن هذه الأفلام والمسلسلات تنتشر في مختلف طبقات المجتمع. وما نراه من مستوي أخلاقي حاليا لهو أكبر دليل علي الإصرار لفرض هذا الانفلات الإجرامي أمرا طبيعيا ولا غضاضة فيه.
زينب عبد العزيز
18 ديسمبر 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق