قصتي"غوانتنامو".. في غرفة التحقيق!
سامي الحاج
مدير مركز الجزيرة للحقوق والحريات، ومعتقل سابق بسجن غوانتنامو.
وجاءت اللحظة التي كشرا فيها عن نيتهما وقصدهما الخبيث "إذن نريد منك أن تتعاون معنا. إذا سمعت أياً منهم يقول إنه يريد الهرب أو يقوم بعمل غير بريء أو يحظى باحترام خاص أو منزلة غير اعتيادية، فبلغنا عن ذلك كله، وبلغه للجنود، وسنستدعيك هنا ونعطيك ما تريد من طعام وبطانيات وغيرها".
لم يكن أمامي غير تكرار أنني لا أريد منهما أي شيء، ولست بحاجة إلى شيء، وما أطلبه هو إطلاق سراحي وإرجاعي إلى زوجتي وابني وعملي، فكان ردهما "سنطلق سراحك قريباً، وحتى يتم ذلك سنقوم برعايتك وتوفير احتياجاتك مقابل ما نطلبه منك".
جددت اعتذاري عن عدم القيام بتلك المهمة قائلاً إنني لا أعرف هؤلاء الناس، وليس بإمكاني تقديم المساعدة، فهم لا يعرفونني ولا يثقون بي، وكل ما لاحظته فيهم أنهم أناس عاديون بعيدون عن التفكير في الهرب وما شاكل ذلك. عندئذٍ أنهوا اللقاء وأرجعوني إلى الخيمة.
المنظمات العسكرية لا تخلو من صراعات أجنحة، تعززها نزاعات قومية ونزْعات عرقية يدعمها تنافس دولي وإقليمي حاد. |
عندما يعود أحدنا يلتف الجميع حوله لسماع ما دار معه من تحقيقات، ويجتمع لديه ثلاثة أشخاص، إذ يمنع تجمع عدد أكثر من ذلك، ويجلس الباقون على مسافة قريبة يسترقون السمع، والناظر إليهم يظن أنهم يتحدثون فيما بينهم أو كأنهم يستمعون لشخص آخر وهو يتكلم بصوت عالٍ حتى يسمعه الجميع. عند عودتي إلى الخيمة هذه المرة، ناديت حمزة التونسي وقلت له "إن المحققين يسألون عنك، ويقولون إنك أكثر احتراماً، فقلت لهم إنك رجل عادي وطيب وتؤدي صلواتك".
فردّ عليّ حمزة قائلا: لقد أصبتني في مقتل من غير أن تقصد! لقد كنت أقنعهم أنني بائع مخدرات في إيطاليا! ولا علاقة لي بالتدين والدين! فعليك أن تؤكد لهم ذلك في المستقبل إذا رجعت إليهم.
بالفعل استدعوني للتحقيق معي مرة أخرى، وابتدروني هذه المرة بالسؤال: هل تعرف قتلة أحمد شاه مسعود؟ فأجبتهم بأني لا أعرف من قتله. فكرروا السؤال وكررت الجواب.. ثم قالوا: لا، أنت صحفي وبإمكانك الوصول إلى معلومة كهذه، فمن تعتقد أنه قتل الرجل؟
قلت لهم: إذا كان الأمر يتعلق بوجهة نظر، فأنا أرى أن الذي قتل أحمد شاه مسعود هو إحدى الجهات التي لها مصلحة في ذلك، على سبيل المثال: أمريكا يمكن أن تكون هي التي قتلته؛ لأن لها مصلحة في ذلك، إذ من المعروف أن للرجل علاقات متميزة بفرنسا، ومن المعروف أن أمريكا غير راضية عن تلك العلاقة؛ فمن مصلحتها تصفيته، خصوصاً إذا وضعنا في الاعتبار نفوذه الواسع في الشمال، وهو ما يؤهله ليكون شخصية فاعلة تجتمع حولها القوى الأفغانية متى سقط حكم طالبان.
سألني المحقق عن الاحتمال الثاني وهو يدون المحضر، فقلت له: لا شك أن لطالبان أيضاً مصلحة في قتله، فقد وقف سداً منيعاً أمام توسعها في الشمال.
- قال: ثم من؟
- قلت: القاعدة أيضاً لها مصلحة في ذلك، باعتبارها حليفاً لحركة طالبان وتهمها مصلحة الحركة.
- قال: ثم من؟
- قلت: باكستان كذلك، فأحمد شاه مسعود يناهض النفوذ الباكستاني ولا يستبعد أن تستهدفه باكستان التي يعاديها ويعادي حلفاءها من قبيلة البشتون.
كما لا أستبعد أن تكون تصفيته في إطار صراع حزبي داخلي، فهذه المنظمات العسكرية لا تخلو من صراعات أجنحة، تعززها نزاعات قومية ونزْعات عرقية يدعمها تنافس دولي وإقليمي حاد.
وفي ضوء ذلك، لا يمكن استبعاد عامل الثأر في مجتمع قروي بدوي تتحكم فيه جرائم الثأر. كما لا يمكن استبعاد الروس، فتاريخ المواجهة بين الفريقين عنيف أيام الجهاد الأفغاني حين كان الاتحاد السوفييتي يحتل البلاد.
- قال: ثم من؟
- قلت: القاعدة أيضاً لها مصلحة في ذلك، باعتبارها حليفاً لحركة طالبان وتهمها مصلحة الحركة.
- قال: ثم من؟
- قلت: باكستان كذلك، فأحمد شاه مسعود يناهض النفوذ الباكستاني ولا يستبعد أن تستهدفه باكستان التي يعاديها ويعادي حلفاءها من قبيلة البشتون.
كما لا أستبعد أن تكون تصفيته في إطار صراع حزبي داخلي، فهذه المنظمات العسكرية لا تخلو من صراعات أجنحة، تعززها نزاعات قومية ونزْعات عرقية يدعمها تنافس دولي وإقليمي حاد.
وفي ضوء ذلك، لا يمكن استبعاد عامل الثأر في مجتمع قروي بدوي تتحكم فيه جرائم الثأر. كما لا يمكن استبعاد الروس، فتاريخ المواجهة بين الفريقين عنيف أيام الجهاد الأفغاني حين كان الاتحاد السوفييتي يحتل البلاد.
ثم أضفت: كل هذه احتمالات قد يصدق أحدها، وقد تتقاطع فيها الأدوار.. لكن، من نفذ العملية؟ ولحساب من؟ ذلك ما لا يمكنني الإجابة عنه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق