ما رأيك في مذاق فستق حلب؟
ما بقي من حلب ومن عروبة
سورية حالياً تحت الاحتلال الروسي، تماماً كما كان العراق تحت الاحتلال الأميركي في مطلع هذه الألفية، غير أن التاريخ يأبى إلا أن يكرّر نفسه، ملهاة هذه المرّة، إذ يرقص القوميون المحترفون، والعروبيون المنحرفون، ابتهاجاً بسقوط حلب في أيدي الروس والإيرانيين، بينما كانوا هم أنفسهم نائحين ولاطمين، بأجر، عند سقوط بغداد في أيدي الأميركيين.
أبطال البكاء على بغداد، مقابل كوبونات النفط، هم أنفسهم أبطال الغناء فرحاً بسقوط حلب، احتفالاً بكوبونات الفودكا التي تصب في جعبة سادتهم من الطغاة العرب، وبين الموقفين تبدّلت أشياء كثيرة، جعلت سقوط حلب بكائيةً إلكترونية على صفحات التواصل الاجتماعي.
عندما سقطت بغداد، كان هناك بقايا شارع عربي ينبض بالحياة، يهتف في النقابات والجامعات والمنتديات، ويصنع حصاراً أخلاقياً على الطواغيت الصغار المتحصلين على عمولة التآمر على العراق، لمصلحة المحتل الأميركي.. صحيحٌ أنه لم يكن هذا الحصار قادراً على استعادة بغداد، أو ردع السماسرة عن ممارسة "القوادة السياسية" عليها، لكنه، في أدنى حالاته، كان تعبيراً على أن الأمة لا تزال حية، ولا تزال تعرف العدو من الشقيق، وتميز بين القائد والقواد.
كانت تظاهرات تهدر بالغضب في عواصم العرب، مشرقها ومغربها، ضد الجريمة الأميركية. أما في حالة حلب، فمعظم هده العواصم لا تسمح بالغضب النبيل على انتهاك الشهباء، لكنها تدعم وتسهل كل تظاهرات الفرح الرقيع، والاحتفال الخليع، بسقوطها في قبضة روسيا وإيران، لتلتقط العدسات أكثر الصور بؤساً في تاريخ الحضارة: عرب يرقصون، عراة من أي قيمة أو فضيلة، ابتهاجاً بهيمنة المحتل على مدينة مقاومة عربية.
لم يخل الأمر بالطبع من تظاهراتٍ محدودة في عمّان وبيروت، مثلاً، ومواكب جنائزية بامتداد "التايم لاين" على "فيسبوك" و"تويتر". لكن، تبقى الحقيقة المؤلمة تقول: مات الشارع العربي، وخرج المواطن العربي من المعادلة، بعد أن صار لا يحسب حسابه أحدٌ من المماليك الذين يتمتعون بالحماية الروسية، والرعاية الأميركية، والتبني الصهيوني الكامل.
هنا القصة كلها: الانتقام من الشارع العربي، وتأديبه، عقاباً له لتمرّده على صنائع المشيئة الأميركية الصهيونية في العام 2011 وما أكثر كارهي الثورة السورية ممن يعلنون عداءهم لسفاح الشام، بشار الأسد. ومن هنا جاء التناقض الأخلاقي المذهل: لا يريدون بشار، وفي الوقت ذاته، لا يريدون نجاحاً لإرادة الثورات العربية، فكان التورّط، الواعي جداً للأسف، في تحويل الموضوع من ثورةٍ، تُصارع استبداداً وطغياناً، إلى معركةٍ مذهبية، طائفية، والاستسلام، بكل رضا، للرواية التي وضعها الغزاة المحتلون، وصنعوا لها عنوان "الحرب على الإرهاب"، وتصبح المسألة مباراة ضد "داعش"، مع الأخذ بالاعتبار أن كل الذين يحاربون "داعش" لهم إسهامهم المؤكد في صناعته.
أكرّر ما قلته يوماً إن قليلين جداً من اللاعبين في المأساة السورية يحبون الربيع العربي، فيما جلّهم كاره له، وإن استخدمه ورقةً في اللعبة الإقليمية أحياناً.. ، فيما ينشط اللاعبون في تقديم كمياتٍ إضافيةٍ من مظاهر التعاطف مع الضحايا، مساحات لجوء، وحسابات تبرّع، ليهنأ السفاحون بالاستمرار.
لم تسقط حلب بفعل الاجتياح الروسي الإيراني، فقط، بل أيضاً بمشاركة من أسميهم "أكلة لحوم الثورات العربية"، من الملوّحين باستعمال القوة لإيقاف مجازر الأسد، وروسيا وإيران وحزب الله، من دون أن يحرّكوا جندياً واحداً، أو يوفروا للمعارضة ما تحمي به الشعب السوري .
مرة أخرى، كلهم يتناوبون افتراس الثورة السورية، في فراشٍ داعشي وثير، ليصبح جل أصدقاء سورية أصدقاء روسيا البوتينية، في اللحظة نفسها، والوضع نفسه، ولا يبقى سوى أن تتحوّل المأساة السورية إلى صندوق تبرّعات أمام مساجد، تدعو منابرها على بشار، وبوتين، وفي الوقت نفسه، تدعو بطول البقاء لأصدقاء الدب الروسي الألداء.
آه يا حلب.. لستِ، عند بعضهم، أكثر من صحن فستق على موائد المفاوضات والصفقات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق