حلب: عُرس القتلة..
أحمد بن راشد بن سعيّد
يبدو بشّار الأسد منتشياً هذه الأيام بما يرى أنه انتصار تاريخي وشيك على مدينة حلب. ويبدو حليفاه أو سيّداه، بوتن وخامنئي، سعيديْن بقرب إخضاع أكبر المدن السوريّة بعد حملات قتل جماعي وتدمير عشوائي واسعة النطاق، كان لطائرات بوتن فيها قصب السّبق (70% من القوة الناريّة).
لا يمكن القول إنّ الثوار (يحلو لوسائط الأخبار وصفهم بالمعارضة المسلّحة تقليلاً من شعبيّة الثورة، والتماساً لحياد زائف تجاهها) انهزموا في المعركة، فقد استبسلوا شهوراً في الدفاع عن المدينة بالرغم من شحّ الأسلحة، وعدم توفّر مضادات الطائرات، وهم الآن يرفضون الانسحاب، ويصرّون على القتال حتى آخر قطرة دم. كما ينبغي ألا ننسى أن سفّاح الشام ليس وحده في هذه الحرب (في الحقيقة، هي مذبحة من طرف واحد وليست حرباً بالمعنى الكلاسيكي)، فثمّة قوى إقليمية ودولية تقاتل معه بطريقة أو بأخرى. «وسوى الروم خلف ظهرك رومٌ» بتعبير المتنبّي؛ سوى موسكو وطهران، تدعم واشنطن السفّاح من خلال شن غارات منتقاة على قادة للثورة منتمين بحسب تصنيفها إلى منظمات إرهابية، ومن خلال منع الدول الداعمة للحق السوري من تزويد الثوار بأسلحة نوعية تمكّنهم من حسم الصراع.
أنصار السفّاح كثيرون منذ البداية، وأدّت عسكرة الثورة واستمرارها سنوات إلى تكاثرهم. وعند الحديث عن سحق حلب بكل هذا التوحش، فإنّ أحداً لا يلوم السفّاح إلا قليلاً. ما تفتأ الخطابات الدولية السائدة تردّد أن «الأسد جزء من الحل»، وأنه «لا بد من البحث عن حل سياسي»، و «لا بدّ من جلوس المعارضة والنظام على طاولة المفاوضات». تذهب الخطابات إلى أبعد من ذلك عندما يجري الحديث عن وجوب «الحفاظ على مؤسسات الدولة»، وضمان «حماية حقوق الأقليات» في أي تسوية مستقبلية، وهو ما يوحي بأن الثورة التي تخوضها الأغلبية السنيّة (80% من الشعب) تهدّد الأقليات، وأن السفّاح يبقى، رغم كل شيء، «حامي الحمى». ولا بد عند الحديث عن الثورة السورية، أن تطلّ «إسرائيل» الباحثة عن الأمان في وسط غابة مِن الإرهاب، وهنا يجري تداول نعوت أخرى للسفّاح مثل: «أهون الشرّين»، و «الشيطان الذي نعرف».
قبل أيّام حذّر ستيفن أوبراين، وكيل الأمين العام للأمم المتّحدة للشؤون الإنسانية، من تحوّل حلب إلى «مقبرة ضخمة» داعياً الأعضاء في مجلس الأمن إلى وقف «إبادة شرق حلب».
بالطبع لم يشر الرجل إلى القتلة، لأنّ أكبرهم، روسيا، عضو دائم في مجلس الأمن.
بوتن، هو الآخر، يتمتّع بإعجاب متزايد في الغرب.
صحيفة النيويورك تايمز تناولت «إعجاب (الرئيس المنتخب) ترمب باستخدام بوتن الوحشي للسلطة».
تقليدياً، ثمّة تقديس للعنف في أميركا، ونزعة إلى تتويج مرتكبيه أبطالاً.
«القوة هي الحق» حكمة أميركية تُضفي هالة من الزهو على مستخدمي القوّة، وتنظر إلى الضعف باحتقار.
توحّش بوتن في حلب مصدر للإعجاب؛ لأنه يمثّل تفوّق القسوة المسلّحة حتى الأسنان بمعدّات أفرزتها «الحداثة»: قنابل مظليّة/فراغيّة/ارتجاجيّة، غاز كلور.
يحاول بوتن عبثاً (ومعه خامنئي وأتباعه) أن يضعوا قتل حلب في إطار مواجهة الحضارة/الحداثة للهمجية/التكفير ، والجميع يعلمُ أنّ مثل هذه الثنائيّات دعائيّة هلاميّة تجريديّة، لكن لا يهم، فالقوّة هي التي تحصد الإعجاب، و «المنتصر» هو الذي يملي شروطه.
لا ثورة شعبية في الشام مندلعة منذ 5 سنوات.
لا حكومة طائفيّة دكتاتورية تتغوّل على المجتمع وتمارس القتل والتعذيب.
لا عدواناً تشنه قوى احتلال أجنبي.
فقط «داعش» هي مصدر الخطر، وفصيل آخر اسمه «فتح الشام» كان يوماً من «القاعدة»!
في غضون ذلك، يستمر قنص «عصافير الشهباء» واحداً تلو الآخر، واغتيال ثورة من أنبل ثورات هذا العصر وأعظمها تضحيات.
ليرقص القتلة فرحاً بقرب الاستيلاء على حلب.
لكنّهم واهمون. حلب لم تسقط بعد، ولو سقطت، فالمعركة جولات، ولمّا تنته.
وكما قال درويش: علّمتني ضربة الجلّاد أن أمشي على جرحي وأمشي..ثم أمشي وأقاوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق