لبنان وحيدًا كما لم يكن من قبل
وائل قنديل
هذه المرة ليست مثل سابقاتها، هذه المرة لبنان في مواجهة الصهيوني والعربي معًا، كما لم يحدث من قبل.
فيما مضى، كان العدو الصهيوني يعتدي على لبنان، مطمئنًا إلى حالة عجز عربي شامل، لا تسمح بردود فعلٍ تتجاوز بياناتٍ تحثّ على التهدئة وعدم التصعيد، بمنتهى الخجل والاستحياء، وربما تتهور فتشجب الاعتداءات، تحت تأثير رأي عام عربي ساخط، يعبّر عن نفسه بتظاهرة هنا، أو وقفة احتجاجية هناك.كان العدو عدوًا، والشقيق شقيقًا، والجار جارًا، حتى وإن كانت صراعات الأشقاء وتجاذبات الجيران صاخبة، إلا أن صخبها كان سرعان ما يخمد، ولو ظاهريًا، بمواجهة العربدة الصهيونية.هذه المرة يفعلها الكيان الصهيوني واثقًا من القضاء نهائيًا على مخزون العرب من حمرة الخجل، ومطمئنًا إلى تأييد رسميين عديدين أدّوا مهمة اختراع أعداء آخرين، في الداخل، بدلًا من العدو الوحيد الخارجي، وتمكّنوا من العبث بالشعور القومي العام، حتى صرنا نشتبك حول من هو أجدر بالعداء: المحتل الإسرائيلي أم الجار الإيراني؟
قبل عامين، تمكّنت آلة تدمير الوعي العربي من فرض سؤال جنوني على مائدة النقاش، حتى ولو كان افتراضيًا، يقول: لو حاربت السعودية، مدعومةً أو متحالفةً مع إسرائيل، حزب الله وإيران الآن، فمع من تقف؟علقت وقتها إن الكارثة هذه المرة أفدح، ذلك أن المفاضلة في الانحياز ليست بين عربٍ وعرب، وإنما بين عرب وصهاينة، ليجد المواطن نفسه محاصراً بغبار الخلط بين العدو الاستراتيجي والخصم الحضاري والجار المزعج والأخ العاق والشقيق المخطئ.. ويصبح السؤال: مع بن سلمان وإسرائيل أم مع نصر الله وإيران؟قلت في ذلك الوقت إن مجرد طرح السؤال يعبر عن حريقٍ هائلٍ في الوعي، وخراب شامل في الوجدان العربي، وانهيار لقواعد المنطق والأخلاق ومرتكزات الهوية الحضارية والثقافية، إذ يعيش العرب حالةً من الدونية الحضارية، غير مسبوقةٍ في التاريخ.وأكرّر هنا أن الموقف الصحيح هو ألا تستسلم لهذه المساومة الوضيعة، وألا تعترف بسؤالهم أصلاً، ولتسترجع القصة من أولها، وتقرأها بوعيك الفطري البسيط.جوهر الحكاية إن لهذه الأمة عدواً اسمه إسرائيل، عدو لأنه اغتصب الأرض وطرد أصحابها، وقتل ودمر وأحرق، وأن قبلة الكفاح العربي هي فلسطين، وتحريرها حلم عربي مقيم، لا يعترف بموازين القوى، ولا ملوّثات الأمر الواقع الذي يريدون أن يستبدلونه بعقيدتك.على ضوء ذلك، نحن بصدد لحظة استعادة اليقين في البديهيات: المقاومة اللبنانية، ممثلة في حزب الله، ترد على اعتداءات المحتل الصهيوني على لبنان. وهنا والآن يصبح الوقوف عند الخلافات المذهبية، والصراعات الحزبية الداخلية، نوعًا من الانتحار المجاني، فحين يشب حريق أو يعتدي لصٌّ أو قرصان، لا مجال للانشغال بتصفية الحسابات بين ساكني البيت الواحد، والموقف الواحد، في مواجهة العدو الواحد.لا معنى هنا للتعاطي مع أهوال اللحظة على ضوء سباق الانتخابات الصهيونية، أو على خلفية تورّط حسن نصر الله وحزب الله في جريمة بشار الأسد ضد الشعب السوري وثورته، أو بناء المواقف من الخطر المحدق بكل لبنان على أساس الموقف من العلاقة مع إيران، أو الصراعات المذهبية، سنة وشيعة.نعم، حزب الله شريكٌ في إراقة دماء السوريين، انحيازًا لإجرام بشار الأسد المدعوم إيرانيًا، غير أن ذلك كله لا يجعلك، إن اعتدى الصهاينة، تقف على الحياد، أو تقول إن كليهما عدو، فالموقف الأخلاقي والحضاري أن تكون في الحرب مع المقاومة اللبنانية وسورية وإيران، ضد إسرائيل، وفي الثورة تكون مع الشعب السوري ضد بشار الأسد وطهران وتل أبيب، معاً.
هذه المرة ليست مثل سابقاتها، هذه المرة لبنان في مواجهة الصهيوني والعربي معًا، كما لم يحدث من قبل.
فيما مضى، كان العدو الصهيوني يعتدي على لبنان، مطمئنًا إلى حالة عجز عربي شامل، لا تسمح بردود فعلٍ تتجاوز بياناتٍ تحثّ على التهدئة وعدم التصعيد، بمنتهى الخجل والاستحياء، وربما تتهور فتشجب الاعتداءات، تحت تأثير رأي عام عربي ساخط، يعبّر عن نفسه بتظاهرة هنا، أو وقفة احتجاجية هناك.كان العدو عدوًا، والشقيق شقيقًا، والجار جارًا، حتى وإن كانت صراعات الأشقاء وتجاذبات الجيران صاخبة، إلا أن صخبها كان سرعان ما يخمد، ولو ظاهريًا، بمواجهة العربدة الصهيونية.هذه المرة يفعلها الكيان الصهيوني واثقًا من القضاء نهائيًا على مخزون العرب من حمرة الخجل، ومطمئنًا إلى تأييد رسميين عديدين أدّوا مهمة اختراع أعداء آخرين، في الداخل، بدلًا من العدو الوحيد الخارجي، وتمكّنوا من العبث بالشعور القومي العام، حتى صرنا نشتبك حول من هو أجدر بالعداء: المحتل الإسرائيلي أم الجار الإيراني؟
قبل عامين، تمكّنت آلة تدمير الوعي العربي من فرض سؤال جنوني على مائدة النقاش، حتى ولو كان افتراضيًا، يقول: لو حاربت السعودية، مدعومةً أو متحالفةً مع إسرائيل، حزب الله وإيران الآن، فمع من تقف؟علقت وقتها إن الكارثة هذه المرة أفدح، ذلك أن المفاضلة في الانحياز ليست بين عربٍ وعرب، وإنما بين عرب وصهاينة، ليجد المواطن نفسه محاصراً بغبار الخلط بين العدو الاستراتيجي والخصم الحضاري والجار المزعج والأخ العاق والشقيق المخطئ.. ويصبح السؤال: مع بن سلمان وإسرائيل أم مع نصر الله وإيران؟قلت في ذلك الوقت إن مجرد طرح السؤال يعبر عن حريقٍ هائلٍ في الوعي، وخراب شامل في الوجدان العربي، وانهيار لقواعد المنطق والأخلاق ومرتكزات الهوية الحضارية والثقافية، إذ يعيش العرب حالةً من الدونية الحضارية، غير مسبوقةٍ في التاريخ.وأكرّر هنا أن الموقف الصحيح هو ألا تستسلم لهذه المساومة الوضيعة، وألا تعترف بسؤالهم أصلاً، ولتسترجع القصة من أولها، وتقرأها بوعيك الفطري البسيط.جوهر الحكاية إن لهذه الأمة عدواً اسمه إسرائيل، عدو لأنه اغتصب الأرض وطرد أصحابها، وقتل ودمر وأحرق، وأن قبلة الكفاح العربي هي فلسطين، وتحريرها حلم عربي مقيم، لا يعترف بموازين القوى، ولا ملوّثات الأمر الواقع الذي يريدون أن يستبدلونه بعقيدتك.على ضوء ذلك، نحن بصدد لحظة استعادة اليقين في البديهيات: المقاومة اللبنانية، ممثلة في حزب الله، ترد على اعتداءات المحتل الصهيوني على لبنان. وهنا والآن يصبح الوقوف عند الخلافات المذهبية، والصراعات الحزبية الداخلية، نوعًا من الانتحار المجاني، فحين يشب حريق أو يعتدي لصٌّ أو قرصان، لا مجال للانشغال بتصفية الحسابات بين ساكني البيت الواحد، والموقف الواحد، في مواجهة العدو الواحد.لا معنى هنا للتعاطي مع أهوال اللحظة على ضوء سباق الانتخابات الصهيونية، أو على خلفية تورّط حسن نصر الله وحزب الله في جريمة بشار الأسد ضد الشعب السوري وثورته، أو بناء المواقف من الخطر المحدق بكل لبنان على أساس الموقف من العلاقة مع إيران، أو الصراعات المذهبية، سنة وشيعة.نعم، حزب الله شريكٌ في إراقة دماء السوريين، انحيازًا لإجرام بشار الأسد المدعوم إيرانيًا، غير أن ذلك كله لا يجعلك، إن اعتدى الصهاينة، تقف على الحياد، أو تقول إن كليهما عدو، فالموقف الأخلاقي والحضاري أن تكون في الحرب مع المقاومة اللبنانية وسورية وإيران، ضد إسرائيل، وفي الثورة تكون مع الشعب السوري ضد بشار الأسد وطهران وتل أبيب، معاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق