مباول الشيطان
د.علي فريد
2014-08-07
لم يكن لنا قانون غير الشريعة، ولا دستور غير القرآن، ولم يكن يجرؤ حاكمٌ أن يقول: الدين مقدس والسياسة مدنسة، فلنحافظ على الدين -مقدساً- في المسجد، ونتعامل نحن بيننا بدين الإنسانية!!
مرحباً بكم ..
أنتم في بلاد العرب ..
حيث لا شيء يٌنبئ عن شيء!!
حيثُ يفر المرءُ من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم -في جزيرته المعزولة- شأنٌ يُغنيه!!
تخبرك الحداثةُ أنك مصري .. لا شأن لك بما يحدث في غزة!!
ثم تخبرك أنك قاهري .. لا شأن لك بما يحدث في الإسكندرية!!
ثم تخبرك أنك من مدينة نصر .. لا شأن لك بما يحدث في العباسية!!
ثم تخبرك أنك في عباس العقاد .. لا شأن لك بما يحدث في مكرم عبيد!!
ثم تخبرك أنك في البناية رقم 14 .. لا شأن لك بما يحدث في البناية رقم 13!!
ثم تأمرك أن تُغلق باب شقتك على من فيها .. تمهيداً لغلق باب نفسك على نفسك!!
وبعد أن كنتَ تلتقي بجيرانك في الشارع خمس مرات في خمس صلوات في اليوم والليلة، ثم بجيرانك في الحي مرةً كل أسبوع، ثم بإخوانك المسلمين في العالم مرةً في العام .. أصبحتَ رئيسَ جمهورية نفسك، ومواطناً مسخاً يكفر بالله ويؤمن بالحداثة!!
كانت القضية في الأصل إسلامية .. ثم صَيَّرها عبد الناصر قومية .. ثم جعلها السادات فلسطينية .. ثم حصرها مبارك في غزة .. ثم أطلق السيسي، وعباس، ودحلان، ومحمد بن زايد، صواريخَهم على غزة من تل أبيب!!
ما هذا؟!!
كيف وصلنا إلى هذا المستنقع؟!!
لقد كان غارُ حِرىً مأمناً
فأمسى الردى ينبري من حِرا
يُروى أن ذرية آدم تقلبت في نعيم التوحيد عشرة قرون كاملة، حتى مات آخر الرجال المحترمين: (ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر) ؛ فدَبَّ الشيطان إلى أتباعهم فبال في أدمغتهم وأقنعهم أن يجعلوا لهم تصاوير وتماثيل ليتذكروهم فيجتهدوا في العبادة .. فلما تطاول الأمد وتعاقبت الأجيال وتناسلت (مباول الشيطان) دَبَّ الشيطان إلى نسلهم مرة أخرى قائلاً: (لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسرا)!!
كانوا -في الأصل- رجالاً صالحين .. ثم أصبحوا آلهة!!
هكذا يبدأ الأمر!!
ضع فيرساً في الجهاز .. واتركه يتفاعل!!
كنا أمةً واحدة، تحت راية واحدة .. سَمِّها خلافة، أو سَمِّها ملكاً عضوضاً .. لا بأس .. المهم .. أنها كانت راية واحدة .. وكانت الدول العربية والإسلامية الحالية كالمحافظات في نطاق الدولة .. ولم يكن يتخيل أحدٌ أنه سيأتي اليوم الذي تصبح فيه العراق دولة، وسوريا دولة، ومصر دولة، والأردن دولة، والمغرب العربي دولاً .. تماماً كما لا يتخيل أحدٌ الآن أنه يمكن لأسيوط، وسوهاج، والفيوم، والمنصورة .. أن يٌصبحوا دولاً مستقلة بأعلام مختلفة وجيوش متحالفة مع أعداء المحافظة الأخرى!!
وكان أن دَبَّ الشيطان .. وتحركت المباول!!
لم يكن لنا قانون غير الشريعة، ولا دستور غير القرآن، ولم يكن يجرؤ حاكمٌ أن يقول: الدين مقدس والسياسة مدنسة، فلنحافظ على الدين -مقدساً- في المسجد، ونتعامل نحن بيننا بدين الإنسانية!!
كان الأمر -في عمومه- منضبطاً بأحكام الشريعة، وكانت الأهواء تنطلق حيناً وتُعقلُ أحياناً ..
ودب الشيطان .. وتحركت المباول .. ووُلدت العلمانية!!
وُلدت خضراء دِمن ؛ جميلة تسحر أعينَ الناس وتسترهبهم بتجريدها وذاتيتها وفردانيتها ومصلحيتها!!
أصبح الدين لله والوطن للجميع ..
وشيئاً فشيئاً .. ضاع الدين، وتفتت الوطن، وصار أكبر همك في الحياة ألا تأتيك الطعنةُ من أخيك!!
يتساءل عربي:
لماذا لا يتحرك العربُ من أجل غزة؟!
فيرد الآخر:
لقد تحركوا أيها العبيط .. وما يحدث الآن من مجازر ناتجٌ عن تحركهم!!
أهنا (دُبيْ) أم (ويلز) يا سُفناً
تَرْمَدُّ إرهاباً وتَقمَرُّ
وتصيح: صَهْيِنْ يا أخا (مُضرٍ)
مَن أنت؟ أين خيولُكَ الضُّمْرُ؟
يا (الأحمدي) هل أنتَ أنتَ؟ هنا
(تكساس) أين الأوجه السُّمرُ؟
كيف التقى (وُلْيَمْ) و(علقمةٌ)
ومتى تصافَى الثلجُ والجَمْرُ؟؟
يا زامر (الجهرا) أتُطربُها؟
للبارجات الطبلُ والزَّمْرُ
البحر يا نَفّاط مُتقَّدٌ
غامرْ وإلاّ اجتاحكَ الغَمرُ
حُرّاسك اشقرُّوا متى انقرضت
(عبسٌ) وأين تغيَّبت (نِمرُ)!؟
أتُرى (كلابُ الحوأب) اشتبهت
أم أُلجمت عن نبح مَن مرّوا؟!
يسخر أحدهم قائلاً: أصبح العربُ ثلاثة: عاربةٌ، ومستعربةٌ .. ومتصهينة!!
الصنف الثالث هو الإصدار الأخير من (مباول الشيطان)!!
" اللهم انصر إسرائيل على حماس وكل إخوانجي، وطز باللي يبي يكفرني " هكذا نهق بدر الصقيهي.
" ترى أزعجتونا .. فلسطين فلسطين .. يا رب إسرائيل تمحيهم ونرتاح من نباحكم" هكذا نعق فهد الزهراني.
"كالعادة حماس خلص الدعم عندهم قاموا يستفزون اليهود عشان يقصفونهم .. متى يا فلسطز تتخلون عن شبح النذالة ... بصراحة اليهودي أفضل لأنه يدافع عن أرضه حتى لو سرقها عكس الفلسطيني الذي يبيع أرضه وعرضه بسهولة" هكذا تغوط نايف القرني.
" كتر خيرك يا نتنياهو ربنا يكتر من أمثالك للقضاء على حماس أُس الفساد والخيانة والعمالة الإخوانية، وقسمًا بالله اللي هيقولي حرام مش عارفة ممكن أعمل إيه" هكذا لفظت عزة سامي آخر أنفاسها!!
حمد المزروعي .. عبده خال .. عبد الرحمن الراشد .. مظهر شاهين .. لميس الحديدي .. توفيق عكاشة .. وائل الإبراشي .. جمال فهمي .. ولا يزال حبل الوساخة على الجرار!!
يا الله
متى خُلق هؤلاء؟!!
ومن أي جيفة خنزير عفنٍ تناسل هذا الدود؟!!
الأسامي طبقُ الأسامي: عليُّ
ناصرٌ، خزعلٌ، سليمانُ، عدلي
كلهم ينطقون (ماكو) كنُطقي
هل غُزاتي أنا، دمي ذوبُ نَصلِي؟
أصبح الأمر تجريداً علمانياً بحتاً .. وصارت مباول الشيطان تتنفس الكذبَ بدعوى السياسة، والجبنَ بدعوى الحكمة، والخيانةَ بدعوى وجهات النظر، والعمالةَ بدعوى كامب ديفيد!!
الكارثة .. أن ذات المباول لا زالت تحدثني عن (نصارى الموصل) الذين وجدوا فرصةَ للخروج .. خلافاً (لمسلمي أفريقيا الوسطى) الذين لم يجدوا إلا حر السكاكين في الشوارع، تحت سمع وبصر جنود فرنسا .. أم العلمانية وأبوها!!
إنهم يُعطونك العلمانيةَ وتوابعَها لتكون –فقط- سوقاً لمنتجاتهم، وفأرَ تجارب لأسلحتهم، وكلبَ حراسةٍ لآبار نفطهم، ومثقفاً مسخاً يردد تفاهاتهم وأكاذيبهم عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان!!
وكلمة الإنسان في نظرهم لا تنطبق عليك!!
ديني، وصفري .. هذا هو الصراع!!
المعركةُ واضحة .. ولكنك حمار!!
منذ ما يقارب المائة عام احتفل لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا بسقوط القدس على يد اللنبي قائلاً:" إنه بتحرير القدس تمكن العالم المسيحي من استرداد أماكنه المقدسة "!!
نشرت الصحافة البريطانية وقتها صوراً للنبي وهو يدخل القدس وكتبت تحتها كلمته الشهيرة: "اليوم انتهت الحروب الصليبية "!!
في كتابه (حياة المسيح الشعبية) يقول باترسون سمث: "باءت الحروب الصليبية بالفشل لكن حادثاً خطيراً وقع بعد ذلك حينما بعثت إنكلترا بحملتها الصليبية الثامنة ففازت هذه المرة، إن حملة "أللنبي" على القدس أثناء الحرب العالمية الأولى هي الحملة الصليبية الثامنة والأخيرة"!!
لستم بالطبع في حاجة لتذكيركم أن مباول الشيطان العربية ممثلةً في جنود فيصل بن الحسين كانت ضمن تلك الحملة الصليبية!!
"أنتم مهووسون بالعقيدة والأيدلوجيا .. أنتم شوفونيون .. الحرب سياسية واقتصادية بحتة" .. هكذا ينهق مبولة شيطان!! فإذا رصصتَ له كلّ منطلقات القوم في الماضي والحاضر راغ منك كما تروغ الثعالب!!
وإذا ذَكَّرتَه بكلمة بوش إبان الحرب على العراق .. أو بكلمة وزير خارجية الانقلاب المصري الذي قال فيها منذ أيام: "خلافنا مع حماس خلاف عقائدي" .. أخرجَ الخنزيرَ القابعَ بداخله وبدأ يحدثك عن الإرهاب والصواريخ العبثية!!
مباول الشيطان لا تفنى ولا تُستحدث من عدم .. والذين أسقطوا الخونةَ –قديماً- (في بئر سبع)، سقطوا هم –حديثاً- (في بئر غزة)!!
وغزة .. ترفع وجهها لله .. وتصرخ في وجه المبادرة المصرية، وقافلة المعونة الإماراتية:
بنى مسجداً لله من غيرِ حلِهِ
وكانَ -بحمدِ اللَّهِ- غيرَ موفقِ
كَمُطعِمَةِ الأيتام مِن كدِّ فرجِها
لكِ الويلُ .. لا تزني ولا تتصدّقي
المصدر: من مقال مباول الشيطان لعلي فريد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق