الجمعة، 31 يناير 2025

تحالف دجلة والفرات.. أفكار كاراكوتش تعود للواجهة

 

تحالف دجلة والفرات.. أفكار كاراكوتش تعود للواجهة

كاتب وصحفي تركي


غالبًا ما يقتبس الرئيس أردوغان في خطاباته من الشعراء، ولعلّ أكثر من اقتبس منه الشاعر والمفكر التركي سزائي كاراكوتش.

كاراكوتش هو مفكر من ديار بكر توفي عام 2021، وقد ساهم في تشكيل الفكر الإسلامي في تركيا من خلال العديد من الكتب التي دعا فيها إلى الوحدة الإسلامية وطرح فيها أفكارًا عملية لتحقيق تلك الوحدة، كما كتب عدة قصائد مؤثرة.

في كتاب "السور" الذي ألفه عام 1975، دعا إلى ضرورة إنشاء اتحادات إقليمية لتحقيق الوحدة الإسلامية المنشودة، واقترح مثالًا أطلق عليه "اتحاد دجلة والفرات الإسلامي"، يجمع بين تركيا وسوريا والعراق.

بعد الثورة السورية، عادت أفكار هذا الكتاب إلى الواجهة في تركيا، وفتح المثقفون المقربون من حزب العدالة والتنمية باب النقاش حول أفكار سزائي كاراكوتش بشأن الوحدة الإسلامية.

وقت تأسيس الاتحادات الإقليمية

لا شك أن مفاهيم مثل "الوحدة الإسلامية، ووحدة الأمة، واتحاد الدول الإسلامية" من المسائل التي تُناقش في مختلف أنحاء العالم الإسلامي. هناك من يرى أن هذه الوحدة مستحيلة أو غير ضرورية، لكن هناك أيضًا من يؤمن بضرورتها، وهم يشكّلون الأغلبية.

أنا شخصيًا من الذين يعتقدون أن فكرة الوحدة ضرورية، وأن إمكانية تحقيقها أصبحت أكبر في الظرف الجيوسياسي الراهن.

يجب ألا ننسى أن الدول الأوروبية اتفقت على فكرة الوحدة مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية، رغم الصراعات الدامية التي أسفرت عن مقتل الملايين. فلماذا لا تتوحد الدول الإسلامية رغم أن الخلافات الدامية بينها أقل بكثير؟

العوائق أمام الوحدة ليست سوى حواجز نفسية ناتجة عن الدعاية السلبية، والسبيل لتجاوزها هو تأسيس تحالفات واتحادات إقليمية. لقد حان الوقت لتطبيق نظرية الحلقات المتداخلة.

ولكن ما هي تلك الحلقات المتداخلة؟

عند النظر إلى الوضع الحالي، قد يتساءل البعض: كيف يمكن تحقيق وحدة بين إيران والمغرب، أو بين السعودية والسودان؟

بدلًا من التفكير في هذا الإطار الواسع، يمكننا التركيز على دوائر أصغر، مثل المثلث الذي يضم تركيا والعراق وسوريا.

في الأسبوع الماضي، زار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بغداد واتخذ خطوات مهمة لتعزيز العلاقات بين الدول الثلاث. وهناك حديث في أنقرة عن إمكانية انضمام سوريا إلى مشروع "طريق التنمية" الذي أطلقته تركيا، والعراق، وقطر، والإمارات.

هل من الصعب حقًا أن تُنشئ هذه الدول الثلاث تحالفًا أو اتحادًا فيما بينها؟

يرى كثيرون أن ذلك أمر ممكن في الوقت الحالي. ألا يبدو لكم منطقيًا وسهلًا أن تبدأ هذه الوحدة من دائرة صغيرة، ثم تتوسع لتشكل حلقة أكبر؟

يجب أن يكون تشكيل هذه الحلقات مبنيًا على التنمية والمنافع الاقتصادية والتعاون في الصناعات الدفاعية؛ لأن الاتفاق في العالم الإسلامي على القضايا المذهبية والعقائدية والفقهية أكثر صعوبة. ينبغي ترك هذه المسائل لعلماء الدين، والتركيز على إقامة تحالفات وحلقات في المجالات التقنية التي تعود بالنفع على الشعوب.

تحالف دجلة والفرات

ينبع نهرا دجلة والفرات من وسط تركيا ويتدفقان جنوبًا ليشكلا أراضيَ خصبة ومدنًا مزدهرة. ينبع نهر دجلة من مدينة إلازي (العزيز) في تركيا، ويمر عبر مدن باتمان، وديار بكر، وماردين قبل أن يدخل العراق. وفي العراق، يعبر النهر عبر مدينتي الموصل، وبغداد، ثم يلتقي بنهر الفرات في البصرة، ويصبّان معًا في الخليج العربي.

أما نهر الفرات، فينبع من أقصى شرق تركيا، وتحديدًا من مدينة آغري، ويمر عبر إلازي، وغازي، عنتاب، وأورفا، ثم يدخل سوريا، فيمر بعين العرب، والرقة، ودير الزور، قبل أن يدخل العراق ويلتقي بدجلة ليشكلا معًا "شط العرب" الذي يصب في الخليج العربي.

وكما قال ابن خلدون: "الجغرافيا قدر"، فكما تتلاقى الأنهار وتتوحد لتصب في البحر، كذلك تتلاقى الشعوب والثقافات وتتداخل لتشكل كيانًا واحدًا.

لهذا السبب، تتشابه مدن مثل غازي عنتاب، وحلب، وماردين، والموصل، حيث اختلطت الشعوب وتأثرت ببعضها البعض عبر التاريخ. هذه الفكرة هي التي استند إليها سزائي كاراكوتش عندما طرح فكرة "اتحاد دجلة والفرات الإسلامي".

ما الذي يمنع الدول التي تجتمع مياه أنهارها من أن تتوحد سياسيًا؟ هذه الدول التي تشترك في الدين والثقافة والتاريخ، بحاجة اليوم إلى تأسيس "تحالف دجلة والفرات" في ظل التحوّلات الجيوسياسية الراهنة. وهذه الشعوب التي تتقاسم المياه، وتعيش على أرض واحدة، وتتشارك المصير ذاته، ينبغي أن تتوحد ضمن كيان مشترك، ليكون اللبنة الأولى لتشكيل تحالفات أكبر وأوسع.

يمكننا اليوم تأسيس تحالف دجلة والفرات، وقد يتوسع في المستقبل ليصبح تحالف دجلة والنيل. العائق الرئيس الذي يقف في الطريق هو الحواجز النفسية التي تم زرعها في العقول.

إذا لم يتم تجاوز هذه الحواجز وإذابة الخلافات، سيكون من الصعب الصمود في هذه الجغرافيا. من الضروري أن تدرك الحكومات هذه الحقيقة في أقرب وقت.

فوق السلطة 426 - الفلسطينيون باعوا أرضهم وأنفسهم.. لكن لمن؟

 فوق السلطة   426 - الفلسطينيون باعوا أرضهم وأنفسهم.. لكن لمن؟


كاهن مسيحي: لماذا على الأميركيين أن يموتوا في سبيل إسرائيل؟

تناولت حلقة (2025/1/31) من برنامج “فوق السلطة” 
 المواضيع التالية:
 التقدم: وللحرية الحمراء باب، دقّته يد السـ.نوار
  الفلسطينيون باعوا بأنفسهم و أرضهم لله، فعادوا إليها مُكبّرين
بن غفير: عودة الغزيين إلى مدنهم استسلام إسرائيلي كامل
 كاهن مسيحي: لماذا على اليهود أن يموتوا في سبيل إسرائيل؟
  أسيرات إسرائيل المُفرجن تشكر كتائب التقسيمات على حُسن مكيف
 الفلسطينيين جمال نزال ضد المقا.أم الأردنية ورولا الحروب أمامها
  جواد ظريف أبسط غورباتشوف ممتعض من يحيى السنـ.وار
 اللبنانيات الجنوبية في مواجهة الميركافا من مسافة. الصفر
  ارتفاع أسعار الكبتاغون بعد نشر شبيح سوري يعود إلى ماهر الأسد
  الجيش السوداني الكويتي على الخرطوم، كتلة الدعم السريع يقاوم في فيسبوك
 رئيس العراقية الشيعية يشير العام إلى عدم شمول العفو عن المحامين السُنّة
 الخاتمة: هل لديك أمل ونيّة وقمة القدس تحت السيادة الفلسطينية؟ 
مواقف البروفيسور ريك ويلز، وهو منظّر أميركي وإعلامي وكاهن مسيحي مستقل، يعرف بانتقاداته الشديدة للدعم الأميركي لإسرائيل.

وتصف صحف إسرائيلية ويلز بأنه معاد للسامية، بسبب تصريحاته المعادية لإسرائيل، ومن أشهرها وصفه اليهود "بالمخادعين الذين يسعون للسيطرة على الدول لقتل الملايين من المسيحيين"، وقوله أيضا "سنصبح كلنا فلسطينيين يوما ما إذا لم نوقف الصهيونية".

وحسب برنامج "فوق السلطة"، فإن الجديد في مواقف هذا المنظّر والكاهن المسيحي هي تساؤلات طرحها حول الدعم الأميركي لإسرائيل.

فقد قال في مقطع فيديو بثه البرنامج "لماذا على الأميركيين أن يموتوا من أجل إسرائيل؟ هل لأن مجموعة عنصريين في تل أبيب يدّعون التفوق؟".

وأضاف "مرة أخرى، أسأل الشعب الأميركي: ما الذي يجعلكم على استعداد للتخلّي عن أبنائكم من أجل إسرائيل؟ لماذا يجب على الرجال الأميركيين أن يموتوا من أجل إسرائيل؟".

كذلك تساءل عما إذا كان من المفترض أن يرسل الأميركيون أبناءهم إلى الحرب.

ويذكر أنه بدعم أميركي، ارتكبت إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بقطاع غزة، خلّفت آلاف الشهداء والجرحى، معظمهم أطفال ونساء، بالإضافة إلى آلاف المفقودين، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.ِ


تقديم: نزيه الأحدب


لماذا دفعت السفارات الغربية في الكونغو الديمقراطية ثمن "سقوط غوما"؟

 

لماذا دفعت السفارات الغربية في الكونغو الديمقراطية ثمن "سقوط غوما"؟

كاتب وباحث نيجيري

تشهد أزمة شرق الكونغو الديمقراطية منذ أيام تطورات سريعة وخطيرة شملت قطع الحكومة الكونغولية علاقاتها مع رواندا؛ فقد زحف مقاتلو حركة "مارس 23" (أو "إم 23") المتمردة إلى غوما -عاصمة وأكبر مدينة في مقاطعة شمال كيفو في المنطقة الشرقية من الكونغو الديمقراطية- واستولوا على مطارها بعد هجومٍ خلف جثثاً في الشوارع، وخرج شباب كونغوليون محتجين فهاجموا سفارات دول مختلفة. ويشكل هذا التطور التصعيد الأسوأ منذ عام 2012 للصراع المستمر منذ ثلاثة عقود بسبب تداعيات الإبادة الجماعية في رواندا والصراع من أجل السيطرة على الموارد المعدنية الثمينة في الكونغو الديمقراطية.

تصعيد خطير للصراع

تكمن خطورة استيلاء متمردي حركة "إم 23" على غوما في موقع المدينة الاستراتيجي؛ إذ هي واقعة قرب الحدود الرواندية وتؤدي دورا بالغ الأهمية كمركز للتجارة والمساعدات الإنسانية. وقد أدى الاستيلاء عليها إلى تصاعد المخاوف بين السكان البالغ عددهم نحو مليونين، كما عطل الخدمات الأساسية، كالكهرباء والمياه والإنترنت مع وقوع أعمال نهب وجرائم أخرى.

ويضعف استيلاء المتمردين على غوما سيطرةَ الحكومة الكونغولية على الوضع في شرق الكونغو الديمقراطية، كما يحدّ من تحكّمها في عمليات التعدين والاقتصادات في المنطقة، الأمر الذي يعزّز إمكانية تحالف حركة "إم23" مع جماعات مسلحة أخرى لإجبار الحكومة الكونغولية على الإذعان لشروطها، كما سيمنح الحركة المتمردة الفرصة لتعزيز عائداتها عن طريق التعدين أو التجارة غير المشروعة في الكولتان والذهب، عبر الدول المجاورة التي تدعمها.

سقوط غوما كذلك، يزيد من احتمال زحف المتمردين نحو "بوكافو" – ثاني أكبر مدينة في شرق الكونغو الديمقراطية – أو أجزاء أخرى من شرق البلاد. في ضوء فشل الجيش الكونغولي (رسميا القوات المسلحة للكونغو الديمقراطية) حتى الآن في صد المتمردين رغم الدعم الذي يحصل عليه من القوات الإقليمية والميليشيات المحلية الموالية للحكومة.

وفي ضوء اعتبار الحكومة الكونغولية أن توغل حركة "إم 23" في أراضيها هو بمثابة "إعلان حرب" من جانب رواندا التي تتهمها بدعم الحركة، فإن دولتي أوغندا وبوروندي، المجاورتين والطامعتين في مصالح عسكرية بشرقها، قد تقدمان على اتخاذ موقف عسكري في المنطقة، وهو ما قد يزيد من رقعة الصراع والتصعيد العسكري الإقليمي.

ويمكن إدراك العامل الإقليمي لهذا التطور في سياق أن القوة الإقليمية لجماعة شرق إفريقيا، التي نُشِرت بين نوفمبر 2022 وديسمبر 2023 لتحقيق الاستقرار في شرق الكونغو الديمقراطية، لم تتمكن من احتواء القتال. بينما بدأ العديد من الكونغوليين اليوم ينتقدون ما يرونه عدم فاعلية من بعثة "مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي" (سادك) منذ نشرها.

فسقوط غوما بيد المتمردين وقع بعد أن قرّرت "سادك" في نوفمبر الماضي تمديد مهمتها في الكونغو الديمقراطية لمدة عام. وفي يناير من هذا العام قُتِل تسعة من قوات حفظ السلام الجنوب أفريقية بعد يومين من القتال العنيف مع متمردي "إم 23" في غوما. وكان سبعة من المقتولين جنودا من قوة "سادك"، بينما كان اثنان من بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (مونوسكو). وأصبح مقتلهم موضوع نقاش وطني حادّ داخل جنوب إفريقيا، الأمر الذي يهدد بتوتر العلاقات بين جنوب إفريقيا والدول الإقليمية المتهمة بدعم المتمردين الذين يزعزعون استقرار شرق الكونغو الديمقراطية.

لماذا طالت الاحتجاجات سفارات بعينها؟

وإثر سقوط المدينة، خرجت مجموعات غاضبة من المحتجين أغلبهم من الشباب في كينشاسا عاصمة الكونغو الديمقراطية، فأحرقوا الأعلام وهاجموا سفارات رواندا وأوغندا وكينيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا والولايات المتحدة. ولهذه المظاهرات والسفارات المستهدفة مؤشرات متعددة يمكن إيجازها في النقاط التالية:

رواندا وأوغندا والاتهام بدعم المتمردين:

إحراق المتظاهرين الأعلام الرواندية وصورَ الرئيس بول كاغامي نابع عن الاعتقاد السائد بأنه يدعم متمردي حركة "إم23". وهو الاتهام نفسه الذي كشفت الأمم المتحدة عنه وأكدت أن الجيش الرواندي "يسيطر بحكم الأمر الواقع على عمليات حركة إم 23" مع تدريب مجندي الحركة تحت إشراف رواندي وبدعم من أسلحة رواندية عالية التقنية. وفي حين تنفي رواندا تورطها في أزمة شرق الكونغو وترفض تهمة دعم حركة "إم 23″؛ فإن استيلاء الحركة على غوما يرجح كفة الاتهام، ليس فقط لأن غوما تقع على الحدود مع رواندا، بل لأن تقارير أخيرة أظهرت أن بعض جنود الجيش الكونغولي في غوما استسلموا يوم الاثنين بعبور الحدود إلى رواندا.

ومن الملاحظ في الموقف الرواندي أنه تغيّر على مرّ السنوات الماضية من نفي التهمة إلى تبرير التدخل؛ إذ يرى الرئيس الرواندي "كاغامي" أن ميليشيا إثنية هوتو المتورطة في قتل حوالي 800 ألف شخص – معظمهم من إثنية التوتسي – أثناء الإبادة الجماعية الرواندية عام 1994 تستقرّ في الكونغو الديمقراطية، ويشكل بعضها حركة "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا" المسلحة التي تسعى إلى الإطاحة بحكومة الرئيس "كاغامي". ولذلك يرى "كاغامي" -الذي ترأس قوة التوتسي التي أنهت عمليات الإبادة الجماعية- أن بقاء ميليشيا الهوتو قرب حدود رواندا يشكل تهديدًا وجوديًا لإدارته، الأمر الذي دفع حكومته لغزو الكونغو الديمقراطية مرتين بدعوى مكافحة المليشيا المتمردة.

من ناحية أخرى، فإن حركة "إم 23″، تقودها غالبية من توتسي (الإثنية نفسها التي ينتمي إليها "كاغامي"). ويمكن اعتبار حرق الكونغوليين للعلم الرواندي ومهاجمة سفارتها وقطع كنشاسا علاقاتها معها ردة فعل لجرأة كيغالي غير المسبوقة، وخاصة بعد مقتل الحاكم العسكري لشمال كيفو (الذي اتهمته رواندا بالتعاون مع "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا" المسلحة) أثناء القتال الأسبوع الماضي.

كينيا وتصورات الانحياز:

ويعبر الهجوم على السفارة الكينية عن الشعور المتزايد في الكونغو الديمقراطية بانحياز كينيا إلى رواندا وأوغندا في الصراع، وخاصة أن تقريرا للأمم المتحدة في عام 2024 لوّح إلى احتمال دعم كينيا لمتمردي "إم23" أو حفاظها على صلة بالحركة. ويتوافق الرئيس الكيني "ويليام روتو" مع موقف رواندا من الأزمة، حيث صرّح في مايو 2024 أن الصراع لا يمكن حله إلا من خلال الحوار، وهو الموقف نفسه الذي يعبر عنه الرئيس الرواندي.

وقد ساهمت كينيا في جهود حفظ السلام في شرق الكونغو الديمقراطية؛ إذ نشرت أكثر من 900 عسكري في نوفمبر 2022 ضمن إطار "جماعة شرق إفريقيا". ومع ذلك قررت الحكومة الكونغولية عدم تجديد تفويض القوة الإقليمية بسبب اتهامات بعدم الفاعلية وانحياز بعض المشاركين فيها. ولذلك لم يكون من المستغرب أن دعت كينيا – بعد استيلاء حركة "إم23" على غوما – إلى عقد قمة طارئة لجماعة شرق أفريقيا في نيروبي، داعية الرئيسين الرواندي "كاغامي" والكونغولي "فيليكس تشيسكيدي" إلى التوصل إلى هدنة وإنهاء الصراع، ولكن الصحف المحلية في الكونغو الديمقراطية تقول إن الرئيس الكونغولي "تشيسكيدي" يرفض المشاركة في محادثات السلام مع نظيره "كاغامي".

السفارات الغربية وتكثيف الضغط:

تؤشر الهجمات على سفارات دول غربية إلى الرأي السائد في الكونغو الديمقراطية بأن الغرب لا يفعل ما يكفي لردع رواندا عن دعم حركة "إم 23" أو اختراق السيادة الكونغولية، وخاصة أن كثيرين يعتبرون الرئيس الرواندي حليفاً للغرب، ويتلقى دعما ماليا من الاتحاد الأوروبي للعمليات العسكرية الرواندية في موزمبيق في إطار جهود مكافحة الإرهاب.

ويرتبط هذا الرأي أيضا بحقيقة أن شرق الكونغو الديمقراطية محور رئيسي للمصالح الغربية بسبب ثرواتها المعدنية الوفيرة والبالغة الأهمية للصناعات الغربية مثل الإلكترونيات والمركبات الكهربائية. وقد واجهت الأنشطة الغربية في المنطقة انتقادات بسبب اتهامات حول استغلال الموارد، والفساد، والفشل في معالجة أسباب الصراع.

وعلى سبيل المثال:

  • يتهم الكونغوليون فرنسا بدعم رواندا. وقد يكون هذا مدفوعًا بالجهود التي تُبذَل منذ عام 2011 لإصلاح العلاقات الثنائية بين باريس وكيغالي، أو بسبب الدور المتنامي لرواندا في الأمن الإقليمي، والذي تجسد في مشاركتها العسكرية في موزمبيق، والعقود الأمنية اللاحقة مع شركات مثل "توتال إنيرجيز" الفرنسية. ومع ذلك، دعت فرنسا في العام الماضي رواندا إلى وقف أي دعم لمتمردي حركة "إم 23" وسحب قواتها من شرق الكونغو الديمقراطية. بل واتهمت كل من فرنسا وألمانيا في ديسمبر 2022 رواندا بدعم المتمردين المسلحين في شرق الكونغو المجاورة.
  • وفي حالة بلجيكا، فقد كان تورطها في الكونغو الديمقراطية متعدد الأوجه لارتباطه بديناميكيات تاريخية ومعاصرة؛ إذ استعمرت بلجيكا الكونغو الديمقراطية منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى عام 1960. وشهد الكونغو الديمقراطية بعد الاستقلال فترة اضطرابات سياسية لعب تدخل بلجيكا فيها -عبر الإجراءات العسكرية والتأثير السياسي – دوراً حاسماً في تشكيل مسار الدولة المستقلة. كما حافظت بلجيكا على مصالح اقتصادية كبيرة في الكونغو الديمقراطية، وخاصة في قطاع التعدين الذي تشارك الشركات البلجيكية في استخراج الموارد المعدنية الغنية.
    واليوم، تعد بلجيكا من بين الدول الغربية التي تواجه اتهامات من الكونغوليين بدعم رواندا، حتى وإن كانت بلجيكا قد حثّت كيغالي على وقف جميع المساعدات المقدمة لـ "إم 23" وإقناع مقاتلي الحركة بالعودة إلى عمليات نزع السلاح وإعادة الإدماج. وامتنعت بلجيكا عن التصويت في الاتحاد الأوروبي على الموافقة على تقديم 20 مليون يورو كمساعدات للقوات الرواندية، مشيرة إلى مخاوف بشأن دور رواندا في شرق الكونغو الديمقراطية. كما اقترح سفير بلجيكا لدى الكونغو الديمقراطية أن تقدم كنيشاسا شكوى ضد رواندا أمام محكمة العدل الدولية بشأن انتهاكات الحدود ودعم تمرّد "إم 23".
  • وتواجه الولايات المتحدة اتهامات مماثة بالتقاعس والتواطؤ والتنافس على المصالح الاقتصادية في شرق الكونغو الديمقراطية، وخاصة أن هناك مشاريع وتحركات أميركية في الشهور الأخيرة في منطقة حزام النحاس وممر لوبيتو. ومع ذلك، أعلنت واشنطن عن إدانتها للوجود غير القانوني للقوات الرواندية داخل الكونغو الديمقراطية، داعية كيغالي إلى إنهاء دعمها لحركة "إم 23″، ومؤكدة عن استعدادها لتأييد جهود السلام الإقليمية والمبادرات الرامية إلى حل الصراع.

وعلى ما سبق، فإن مهاجمة السفارات الغربية من قبل المحتجين الكونغوليين قد تضغط على الغرب للتحرك بشأن الصراع، دفاعا عن مصالحه التجارية والاقتصادية في الكونغو الديمقراطية. كما يسلط استيلاء متمردي حركة "إم 23" على مدينة غوما وما أعقبه من احتجاجات في كينشاسا، الضوء على مدى الارتباط بين المظالم المحلية وديناميكيات المصالح الإقليمية والدولية في أزمة شرق الكونغو الديمقراطية.

نزع الألغام الشائكة من عقول ثوار الشام

 نزع الألغام الشائكة من عقول ثوار الشام

إضاءات منهجية سياسية عمرانية لنخب وشعب وحكام سورية 

                                 



مضر أبو الهيجاء


إنَّ ثورة الشام المباركة هي جوهرةُ القرن الحادي والعشرين، وهي منّةٌ من الله تفضّلَ بها على عموم المسلمين، وخصوصِ أهل الشّام الكرام، والمضحين.

إنّ جُهودَ الأمّة وتضحياتِ شعوبها لم تتوقف طيلة قرن ونيّف، ومنذُ أن تفكّكت دولتُها الحارسةِ للدّين وقيمه، والراعيةِ لشعوب الأمةِ، والحافظة لكرامتها، والأمة تعيش أوضاعا متردية وتحاول جاهدة في كل جغرافيا تنتمي لها أن تفتك دولة تمكنها من البناء، وتحقق من خلالها وقاية جسد الأمة، والمحافظة على المنجزات في مواجهة مشاريع لم تتوقف عن استهداف الأمة، سواء في أرضها أو ثرواتها أو إنسانها أو هويّتها الثقافية ووحدتها السياسية.

وقد أخفقت جميع ثورات الأمة في تحقيق المنشود، نتيجة غياب نقطةٍ مركزية هي الدولة، الأمر الذي تحقق بصورته الابتدائية في الثورة السورية المباركة، وهنا يكمُن الأمل الواعد في أن تكون تجربة الثورة الشامية المباركة بدايةَ صعودٍ في عموم أحوال الأمة، بشرط أن يُكتب لها التمكين في سورية

بين مفهوم الدولة وتشكيل الرئاسة، أيهما الأصل؟ وأيهما الفرع؟

إنَّ الإشكاليةَ التي برزت في عقول كثيرٍ من أهل الشام المباركين بعد تعيين أحمد الشرع رئيسًا لسوريا تشيرُ إلى لغم شائك، إن لم يكنْ سببًا في خرابٍ وتدميرٍ قادم، فإنّ أقلَّ صوره سيكون في عرقلةِ البِناء وتأخيرِ التمكين.

إنَّ مفردة الدولة هي المكوّن الأساس الذي تبحث عنه الأمة كركيزةٍ فاعلة ومقررة لا يُمكن أن يتحقق بدونها كمالُ البناءِ، كما لا يمكن أن يتحقق بدونها أي تمكين في الأرض، أمّا الرّئاسة والرئيس فهي فرعٌ عن أصلٍ هو الدولة.

إنّ صراعًا حقيقيًّا نزفت بسببه أنهارٌ من الدّماء في عموم الدّيار الشامية منذ سبعة عقود، كانت خلفيته الحقيقية هي من يملك الدولة، وقد منَّ الله على ثوار الشام وعموم الأمة بامتلاك دولة على أرض سورية، في ظروفٍ تاريخية واحتراب دولي وإقليمي، سمح بخلخلةٍ وفجواتٍ استفادَ منها البناء الثوري الذي تبلور بعد ملايين الشهداء، الأمر الذي لا يكاد يطيقه ويتصوره أصحاب المشاريع المعاديةِ، سواء في المنظومة الصهيوغربية، أو المشروع الإيراني، أو المشروع الوظيفي العربي العلماني، ومن هنا فإن حجم المخاطر التي تحيط باستهداف الدولة، لا تسمح للعقلاء أن يكونوا مطمئنين للمشاريع المعادية بإمكانية سرقة الدولة من بين أيديهم، لا سيّما وهي الجوهرة والماسة التي يبحث عنها الجميع، وفيها ومعها تكمن العصا السحرية.

إنّ الإشكالية التي يطرحها البعض والتي تعطل فاعليته بالبناء – بسبب مواقف مشروعة تجاه أحمد الشرع على مستوى شخصي، أو على مستوى تجربته في العقدين الأخيرين، أو على مستوى الملاحظات المحقة المرتبطة بإدارته لإدلب -، تُشكّل لغمًا قد يتفجر في وجه أصحابه في أي لحظة، ليفقدهم الرؤية والقدرة على المحافظة على جوهرة الدولة، والثمرة الأولى المركزية التي قطفها أهل الشّام كنتيجة لدماء ملايين من أبنائهم وبناتهم وعلمائهم وثوارهم وتجارهم!

الرؤية المفقودة في الموازنة بين الدولة والرئاسة!

إنّ الإشكالية الحالية بسيطة في تفكيك ألغامها إذا ما نظرنا إلى تاريخنا الطويل والمتصل من خلافةٍ إلى ملكٍ وسلطنةٍ وولايات لم تخل من تلك الإشكالية المتصلة بالحاكم من حيث اختياره وصلاحياته ونفوذه، ويُمكن قراءتها في تاريخنا لا سيّما بعدما انتقل الحُكم الراشد إلى ملك عضوض.

فكيف حفظ الدّين وكيف بقيت الأمة متماسكة وقوية وأبدعت علومًا وتنوعت في مناحي البناء والعمران رغم كل التحديات، ورغم وجود إشكالية الحكم وصلاحياته والحاكم ونفوذه، والتي نجد صداها باديا في عقول أهل الشام اليوم، لاسيما بعد اقتلاع الطاغية وتفكيك منظومته الطائفية والأمنية؟

لقد وعى المسلمون أهمية الدولة، ولعل تعامل الصحابة الكرام تلاميذ مدرسة محمد  -صلى الله عليه وسلم- في حادثة السقيفة، وإزاءَ مسألة الدولة فور وفاة النّبي محمد -صلى الله عليه وسلم، يُشير إلى هذا الوعي العميق لمركزية الدولة، وأهمية المحافظة عليها، وضرورة تصليبها، فبدونها لا يمكن حفظ الدين، ولا رعاية أهله ولا تحقيق الأمن والأمان الذي يحلم به ويستحقه كل إنسان.

مخطئ من ظنَّ أنَّ تاريخ الحكمِ في الإسلام خلا من شخصيات حاكمة يعتريها الخطأ، والقصور، وحب الدنيا، والتشوف الشخصي، والمصالح الشخصية، بحيث يمكن القول أنّ أحمد الشّرع الذي يرأس سورية حاليًا ليس بأقلّ من كثيرٍ من حكّام المسلمين، وليس بالضرورة أنّهم جميعًا كانوا خيرًا منه، وليس مقصود الإشارة فيما سبق مدحٍ أو ثناءٍ ولا ذمٍّ وازدراء، وإنّما المقصود هو الإشارة إلى شكل التجربة الإسلامية التي نجحت في الاستمرار بعد أن حافظت على مكون الدولة، رغم تباين أوصاف حكام المسلمين وتفاوت قدراتهم.
الثنائية الملهمة التي حفظت تاريخ العرب والمسلمين
لا شك بأنّ كلّ قصور وخلل وزيغ يعتري الشخصيات الحاكمة، يؤثر في حياة النّاس، كما يُمكن أن يحرف الدولة كوسيلة محددة الأهداف، فما هي الثنائية التي حفظت المسار الإسلامي، رغم كل أخطاء التجربة البشرية؟

لقد كان الوعي المتقدم عند حكام المسلمين وشعوبهم، لمركزية دور العلماء باعتباره صمام الأمان، وباعتبار العلماء هم الحلقة الواصلة بين الطرفين والضامنة لاستقامتهما، متقدمًا لدرجة الفرز العميق والدقيق بين حدود وأشكال وأساليب إصلاح الحكّام ومحل الرئاسة، وبين الواجب المتقدم والأولوي تجاه الحفاظ على مؤسستي العلماء والدولة -سر تمكين مشروع الأمة الثقافي وحفظ كرامتها-، وهو ما كان مؤثرا وسببًا فاعلا في استقامة مسار العمران وتحقيق النهضة والريادة البشرية، وذلك رغم كل أخطاء التجربة والتدافع الحاصل بين البشر، وهنا تكمن أهمية فهم دور العلماء في الحفاظ على قوام وصلابة وعدالة الدولة من جهة، واستقامة وارتقاء الشعوب من جهة أخرى.

لقد أبدع وأصاب مجدد القرن ابن تيمية – رحمه الله – عندما كان يخرج من محبسه الظالم، لينافح عن الإسلام والمسلمين، ويحمي دولتهم في مواجهة الأعداء المتقدمين، ثم يعودَ بعد ذلك لمحبسه الظّالم، بأمرٍ من الحاكم، وبهذا السلوك القويم حفظ ابن تيمية دولة المسلمين، ولم يتقاعس عن واجب النّصح، والنّقد، والتقويم، لحكامهم القائمين.

وخلاصةُ القولِ: أنَّنا اليومَ معنيون بالمحافظةِ على الدولة السوريّة التي امتلكها المسلمون، الذين ينتسبون جميعًا إلى ثقافة واحدة بعدما كانت في أيدي كفرةِ ظلمٍ معادينَ للأمة، كما أننا معنيون بالمحافظة على العلماء الربانيين وأطرهم المؤثرة والفاعلة.

لقد تهيأت الظّروف الدولية والإقليمية والمحلية ليحل ثوار سوريا في أركان الدولة، ويمتلكوا مؤسّساتها المختطفة منذ قرن، وفي ظل توازنات التجربة المحلية، قدر الله أن يكون أحمد الشرع -هو الرئيس الانتقالي-، فهل يُعقل أن تكونَ الملاحظات الشخصية عليه، أو المظالم القائمة في تجربته الأخيرة في إدلب، سببًا في إضعاف وتعويق الاستكمال الواجب لامتلاك المسلمين لمفردة الدولة على أرض الشّام المُباركة؟

إنّ المسؤولية الشرعية، والوعي السياسي، وقراءة عمومَ تجارب الأمة وخصوص التجربة المصرية، توجب علينا أن نعض على مفردة الدولة بالنواجذ، وألّا نترك سببًا لزيادة تماسكها وتصليبها إلا وأخذنا به، وأن لا نترك خطابًا، أو سلوكًا، يُضعف امتلاكنا للدولة إلّا وابتعدنا عنه، دون أن نغفلَ عن النّصح، والنقد، والتقويم، الواجب في كل حين ووقت، ولكن بضابط واضح: ألا يكون ذلك سببًا في إضعاف امتلاكنا للدولة.

إنّ قراءة مقاربة وسلوك ابن تيمية يوجب على الغيورين أن يميّزوا ما بين مشاعرهم، وتقديراتهم، وتجاربهم الشخصية، وما بين مآلات مواقفهم، وخطابهم، على عموم التجربة السورية التي تشكل جوهرة القرن الحالي، ولعل نهي ابن تيمية تلاميذه عن إنكار المنكر عن بعض المغول السكارى في الطرقات، يشير إلى وعيه المتقدم بالحفاظ على المسلمين ودولتهم، ولا يشير إلى تقاعسه عن النّهي عن المنكر، أو سعادته برؤية سكارى المغول يشربون الخمر ويغرقون في المعصية.

إنّ تعيين أحمد الشرع قائدًا ورئيسًا انتقاليا لسوريا، لا يجيز للمخالفين – حتى وإن كانوا محقّين في بعض الجوانب- أن يتهاونوا في واجب المحافظة على الدولة التي لمّا نمتلكها بعد، والتي يشكل فيها عصب الرئاسة من خلال الشرعية الثورية أساسا وداعما متقدما.

وفي ظل المخاوف المحقة تجاه تجربة وليدة تحيط بها الأفاعي والوحوش الكاسرة، وفي ظل النزعة الفردية البادية عند البعض، فإنّ الحلّ يكمن في استكمال بلوة وتمتين الحلقة الوسط بين الدولة والشعب، وهي العلماء العاملون الصادقون الذين يميزهم الوعي والبذل وشجاعةُ الموقف.

الدعوة لحل المجلس الإسلامي السوري سقطة توجب التراجع والإصلاح
وكما يجب على رواد الثورة، ونوابغ الشعب السّوري، الاتصاف بالوعي والمسؤولية تجاه فرصة امتلاك الدولة، بالشكل الذي يضبط أقوالهم وأفعالهم تجاه مؤسسة الرئاسة، وشخص الرئيس، لصالح تصليب الدولة والحلول في جميع أركانها، فمن الواجب على مؤسسة الرئاسة، وشخص الرئيس، أن يتصف بالوعي العميق والصدق والنزاهة تجاهه الركيزة الوسط بين الدولة والشعب، والتي تحفظ وترعى كليهما، وهي مكون العلماء وأطره الفاعلة والمعبرة.

إنّ دعوةَ أحمد الشرع لحل المجلس الإسلامي السوري، الذي يشكل إطارًا جامعًا للعلماء السوريين، الذين يشكلون مدرسة الحديث، ومدرسة الرأي، وفيهم السلفيون، ومنهم الأشاعرة، وهو الإطار العلمائي الذي لم يتشكل مثيله في سوريا في القرن الأخير، أقول أنّ دعوة أحمد الشرع لحلّ المجلس سقطةٌ يجب التراجع عنها، لا سيما أنها ستسبّب تراجعًا حقيقيًّا في دور العلماء الجماعي وتفككه وتضعفه!

إنّ المجلس الإسلامي السوري وعلمائه يشكل صمامَ الأمان، الذي يحفظ العلاقة بين الدولة والشعب، والذي يرتقي بالحالة الشعبية ومكوناتها الاجتماعية، وبنفس الوقت فإنه يقوم بدوره الشرعي والأخلاقي في تقويم مسار شخص الرئيس وتشكيل مؤسسة الرئاسة.

وأما ما يتحدث به البعض سواء أكان صحيحًا ودقيقًا، أم غابَ عنه الإنصاف والدّقة في توصيف المجلس الإسلامي السوري، وشخصياته، وأدائِه، وما اعتراه من ضعف في سياق الثورة، فإنّه كلام مغرض مسيء في وقتنا هذا، ولا اعتبار له عند الصادقين النزيهين الذين يبحثون عن إنجاح التجربة!

فإذا كان واجب الوقت والفهم يقتضي الترفع عن اتهام أحمد الشرع، والتجاوزَ عن أخطائِه تجاه الفصائل الأخرى، وتجربته في إدلب، فإنّه من باب أولى عند من يتصف بالوعي والعدل والنزاهة في العمل لتمكين هذا الدين وعز الأمة، أن لا يتوقف أمام أشكال الضعف التي اعترت مسيرة المجلس الإسلامي السوري، لاسيما وأن كل خير يتصف به أحمد الشرع يتوفر أضعافه في شخصيات المجلس الإسلامي السوري، وأنّ كل ثلمة مرصودة في المجلس الإسلامي السوري على مستوى شخصي أو معنوي تتوفر أضعافها في تجربة أحمد الشّرع: الشخصية، والمعنوية الاعتبارية في السياق الثوري.

وفي الختام فإنّني أناشد الثّوار السوريين، والشخصيات العامة في سورية الحبيبة، أن يكونوا على مستوى النضج والمسؤولية، تجاه فرصة تاريخية لم تتحقق لنا منذ قرن في استرداد دولة المسلمين، وإن بدايتها الواعدة اليوم تكمن في إنجاح الثورة السورية، وتمكين الثوار من أركان الدولة، وتصليب مؤسّساتها، وأن يترفعوا عن ضعف الفهم في المقاربة الواجبة تجاه شكل تعيين وانتخاب الرئيس.

كما أناشدُ الأخَ الرئيس أحمد الشرع أن يتراجع عن خطأ فادح، وبدل أن يطالب بحل المجلس الإسلامي السوري، فعليه أن يوفر لهذا المجلس كل الأدوات، والوسائل الحديثة، بعد حلوله في الدولة، ليقوم المجلس بدوره المطلوب، كحلقة وسط بين الدولة والشعب، وكصمّام أمان في المحافظة على الهوية الثقافية الجامعة، وكإطارِ فاعل في إطفاء الحرائق القادمة في المجتمع السوري، لا سيّما أنّ الأعداء الخارجيين، ومن هم بالداخل، متربصين، ولا يرقبون في مؤمن إلّا ولا ذمة.

إنّ اغتيال شخص الرئيس مسألة واردة ودائمة في أوضاعنا العربية والإسلامية، ورغم دعائنا بأن يحفظ الله الأخَ الرئيسَ أحمد الشرع، وأركان الحكم من الثّوار الكرام، والبررة الذين قدّموا التضحيات العظيمة لأجل أن ينتصر هذا الدّين، ويُمكّن للمسلمين في أرض الشام، ومن أجل أن يرتفع الظّلم عن أهل سوريا الكرام، فإنّ العاقلَ يجبُ عليه أن يفكّر في التدبير اللازم تجاه تلك اللحظة الواردة، بحيث لا تتراجع المنجزات على مستوى المجتمع والدولة، الأمر الذي يوجب إعادة النظر في تفكيك المجلس الإسلامي السوري، والقفز إلى تعزيزه، وتمليكه أدوات فاعلة وناجعة، حتى يُصبح صمّامَ الأمان القادر على تحريك الشعب لمواجهة كلّ التحديات القائمة والمخاطرَ القادمة، ولعل أهم جانبين يجب أن توفرهما الدولة وتتصف بهما مؤسسة الرئاسة تجاه العلماء هما:  أولا: عدم تدخل الدولة في تلك المؤسسة، وثانيا: تحقيق استقلالية العلماء من خلال توفير الوقف الذي يحفظ هذا الكيان، ويجعله أكثر فاعلية وبذلا وجهدا، ولئلا ينشغل في قضايا شخصيه، ولتحصينه ووقايته من امتدادات القنوات الخارجية.

الخلاصة
 إنّ فرصة الثورة السورية المباركة هي فرصة القرن الحقيقية، وهي جوهرة حقيقية بامتلاكها لمؤسسة الدولة، أمّا مكوّن الرئاسة وشخص الرئيس فإنّه فرعٌ عن أصل وخادم له، كما أنَّ العلماءَ هُم الحلقة الوسط والعدل التي تربط بين الدولة والشعب، وتحقق الارتقاء بالشعب وتقويم الدولة الواجب والدائم.


ومن الخطورة بمكان الغرق في الحديث اليوم عن الرئيس والرئاسة في ظل تجربة وليدة نجحت في افتكاك مكون الدولة ولم تمتلكه بشكل حقيقي متكامل بعد، وإذا كان الأول فرع فإن الثاني هو الأصل الذي ينبغي تدعيمه وتقويته وتصليبه، الأمر الذي يوجب علينا جميعا ضبطَ أقوالنا وخطابنا وأفعالنا في الاتجاه الصّواب المستحضر دوما لمركزية الدولة ووجوب المحافظة عليها باعتبارها «سر التمكين».

وكما يجب علينا الانتباه لمفردة الدولة والمحافظة عليها، فإن الواجب علينا وعلى الرئيس وعلى الدولة أن تحفظ المكوّن العلمائي وأطره باعتباره سر استقامة الشعوب وسر المحافظة على الدولة نفسها، وتقويتها في مواجهة التحديات الخارجية كما الداخلية، تلك التحديات القائمة والقادمة لا محالة بأشكال ووسائلَ متعدّدة لا تطيقها الدولة دون انسجام وتأييد وتحشيد خلفها من قبل الشعب، الأمر الذي لا يتحقق بشكله المناسب والفاعل في تحقيق النصر إلا من خلال دور العلماء، فأيّما إضعاف للعلماء، وتفكيك لأطرهم السوية والمعبرة عن النسيج القائم، يعتبر خطوة أولى في تفكيك الدولة، وتراجع مستوى السوية عند الشعوب، وفشل التجربة، وخسارة الفرصة، وضياع الجوهرة.

قولوا للأجيال والحكام

  قولوا للأجيال والحكام

عبد المنعم إسماعيل 

 كاتب وباحث في الشئون الإسلامية


قولوا للأجيال والحكام:
أن الصهيونية هي الوريث الخبيث لمملكة الشيطان ومردة الأبالسة.

وأن من عادى الرسول صلى الله عليه وسلم في شعب مكة وحاصرهم هو من حاصر المسلمين في العراق والشام وغزة.

الغزو الصليبي لبلاد الأندلس واقتلاع الإسلام عام ١٤٩٢ والقيام بمحاكم التفتيش كان نتيجة العداء الشيطاني للأمة الإسلامية وأن الذي ساعد الصليبيين هو تفرق وتشتت بلاد الأندلس الى دويلات وظيفية طائفية زعمت الحق في حين كانت سبب في حاكمية الباطل النصراني الصليبي المشهد يومها.

وأن الحرب الصليبية الصهيونية على أفغانستان عام ٢٠٠١ لم تكن بسبب هجمات ١١ سبتمبر بل كانت استجابة للرؤية الصهيونية التلمودية والصليبية الإنجيلية المحرفة وغربان الماسونية العالمية.

قولوا للأجيال أن جريمة احتلال العراق في 2003/04/09وسقوط بغداد لم يكن سببه الأسلحة الكيمائية بل كان مخطط شيطاني مرسوم تم تنفيذه بالشراكة مع المجرمين حول العالم.

قولوا للأجيال
أن الباطل متعدد الاطياف وان الحق مصدره رب العالمين وان التنوع في عقول المسلمين إن لم يدار بحكمة أصبح وسيلة للتنازع والفشل وذهاب الريح.

وأن الحرب الصهيونية على غزة سببها المخطط الجهنمي الشيطاني المعادي للإسلام والأمة والأرض المقدسة المباركة في فلسطين ومصر الكنانة حفظها الله من كل سوء.

أن المخطط الجهنمي الصهيوني ضد مصر وسيناء مرتبط برؤية النظام الإرهابي الأمريكي وزعماء الأحزاب الشيطانية ديمقراطية أو جمهورية وكافة حكومات أوروبا الصليبية.

وأن الأمة العربية والإسلامية أن لم تمتلك مشروعا جامعا لحراسة جغرافيا الأمة العربية والإسلامية أصبحت جزء من مشاريع الآخرين.

أن مخطط بني صهيون إذا نجح في غزة لن يتوقف الا في حدود إسرائيل الكبرى كما رسمها شياطين النظام الدولي.

قولوا للأجيال أننا أن لم نذهب للغارب فاتحين مجاهدين جاء الغرب الصليبي الينا غزاة سفاحين مجرمين.

قولوا للأجيال أننا يجب أن نتخلص من الباطنية والعلمانية والقبورية والمناهج الحزبية المفرقة للأمة لتصبح الأمة منهج رباني واحد ووطن واحد وقيادة واحدة تعمل لمصلحة الأمة والدولة مهما كانت التضحيات.

دافعوا عن غزة قبل أن تأكلكم كلاب الصهيونية في شوارع القاهرة وبغداد والشام.

قولوا للحكام العرب والمسلمين.
لَا تتركوا غزة وفلسطين ومصر فالتاريخ له كلمه واحده اما ان يكتب عنكم انكم تركتم غزة للكلاب الصهاينة أو تحملتم المسؤولية في المواجهة الشاملة مع بني صهيون.

لاْ تتركوا غزة فلئن ضاعت ضاع معها كرامة المسلمين.

لَا تتركوا المفسدين في بلاد العرب والمسلمين اخرجوهم لكي تسلم بلادكم واوطانكم وأمتكم.

يا حكام الخليج لا تتركوا مصر وغزة فإن الصهيونية والصليبية لن تجاملكم الا في مرحلة الخيانة لفلسطين وغزة ومصر.

يا سدنة الأموال المستدرجين بوهم القوة والرؤية المستقبلية لإن ضاعت مصر ولن تضيع بفضل الله ثم بوعي اولادها ضاع حاضركم ومستقبلكم وسوف يلعنكم التاريخ والأجيال القادمة والمعاصرة.

ماذا يكتب التاريخ عندكم يا غربان العمالة لبني صهيون؟

أنتُم الذين سقطت غزة في ولايتكم

أَنتم الذين ضاعت فلسطين حال رؤيتكم

أنتمْ الذين حملتم تيجان العز الموهوم حين كنتم شهودا على الذل الناتج عن خيانتكم.

الله الله في تجفيف مواطن الفساد والتغريب والعلمانية والباطنية والتكفيريين والتسطيح المدمر لعقول الشباب والأمة.



في يوم الهولوكوست، تغلب الفلسطينيون على حرب الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل وعادوا إلى ديارهم

في يوم الهولوكوست، تغلب الفلسطينيون على حرب الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل وعادوا إلى ديارهم

إن العودة التاريخية للفلسطينيين، بعد 15 شهراً من الدمار الإسرائيلي، تمثل انتصار الروح الإنسانية على القمع المنظم.
يمكن أن تقع العديد من الكوارث على هيئة بث خارجية - في هذه الحالة، أفضل الخطط الموضوعة لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) لاستضافة برنامج Today من أوشفيتز ، وتخصيص يوم كامل من البث عبر عدة قنوات للذكرى الثمانين لتحريرها.

من الممكن أن تنقطع الخطوط من بولندا، وهو ما قد يؤدي في هذه الأيام التي نشهد فيها الإنترنت والبث عبر الأقمار الصناعية إلى انقطاع لمدة ثوانٍ.

والأسوأ من ذلك أن الحدث نفسه قد يطغى عليه حدث أكبر يحدث على المسرح العالمي، ألا وهو حادث السيارة الذي وقع يوم الاثنين.

وبينما تجمع رجال الدولة من مختلف أنحاء العالم في معسكر الاعتقال السابق، كان مئات الآلاف من الفلسطينيين ، الذين عانوا خمسة عشر شهراً من القصف الإبادي والتجويع والمرض على أيدي دولة ولدت في أعقاب الهولوكوست، يسيرون لساعات عائدين إلى شمال غزة .

كان هناك غائبان بارزان عن التجمع في بولندا. الأول والأكثر وضوحًا كان رئيس الدولة التي حررت قواتها معسكر الموت النازي، فلاديمير بوتن من روسيا .


وكان الغائب الثاني هو رئيس وزراء البلاد الذي بذل قصارى جهده في حياته السياسية الطويلة لاستغلال شعور أوروبا بالذنب إزاء الهولوكوست، بهدف تبرير محاولات إسرائيل المتكررة لتطهير فلسطين عرقيا من جميع الفلسطينيين.

كانت هناك أسباب عملية لعدم حضور بنيامين نتنياهو إلى أوشفيتز. الأول هو خوفه من الاعتقال بموجب مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة.

أما الثاني فهو ظهوره أمام محكمة إسرائيلية بتهم الفساد المتعددة.

تباين صارخ

وفي إطار التعامل السيئ تاريخياً مع الناجين من الهولوكوست في إسرائيل، لم تبث قنواتها التلفزيونية الرئيسية برنامج "موت الملكة" كما فعلت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي). بل واصلت بث برامجها العادية طوال اليوم.

ولم يمر مرور الكرام نفاق هذا الرد على ذكرى مهمة في التاريخ اليهودي، والتناقض الصارخ الذي يشكله مع عادة إسرائيل في اغتنام كل فرصة لاتهام منتقديها بـ " معاداة السامية " و"إنكار الهولوكوست" .

لم ينس أحد الحيلة المخزية التي قام بها نتنياهو عندما وضع النجوم الصفراء على وفد إسرائيل لدى الأمم المتحدة في أعقاب هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 - وهي الحيلة التي أدانها رئيس نصب ياد فاشيم التذكاري للهولوكوست باعتبارها تسيء إلى ضحايا الإبادة الجماعية ودولة إسرائيل.

ولكن رد هيئة الإذاعة البريطانية على هذه الأزمة في قيم الأخبار كان سوفييتياً إلى حد كبير: إذ تقوم ببساطة بإخفاء الأخبار التي لا تتناسب مع خط الحزب.

كان هذا الأمر واضحاً من الأعلى لأن كل محرري البرامج كانوا يفعلون الشيء نفسه. وبعد يوم كامل من التأمل الناضج، خصصت نشرة أخبار بي بي سي في العاشرة 22 دقيقة لنصب الهولوكوست وأربع دقائق لقطاع غزة.
تثبت غزة لكل فلسطيني وللعالم أجمع أن حق العودة ليس ممكنا فحسب، بل إنه في متناول أيديهم.
لقد تم تأطير إحياء ذكرى الهولوكوست يوم الاثنين كرسالة إلى عالم اليوم. وقال المتحدث تلو الآخر إن دروس الهولوكوست لا ينبغي أن تموت مع الناجين المتبقين منها، وخاصة وأن مستويات معاداة السامية في جميع أنحاء العالم وصلت إلى مستويات قياسية.

لا أحد يستطيع أن يختلف مع هذا البيان. ومع ذلك، فإن أوجه التشابه الصارخة بين ما فعله النازيون باليهود وما يفعله الإسرائيليون بالفلسطينيين في غزة والضفة الغربية المحتلة على مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية ــ أوجه التشابه التي لا تستند إلى بلاغة أو جدل فحسب، بل تشكل الأساس لدعويين قانونيتين في أعلى محكمتين دوليتين ــ كانت بمثابة الفيل الذي يختبئ في الغرفة يوم الاثنين.

ومع مرور اليوم، ازداد حجم المشكلة. ففي برنامج "توداي"، استعرض فيليب ساندز، الخبير القانوني في جرائم الحرب، مع المستمعين التاريخ المثير للاهتمام للمحاولات الرامية إلى جعل الإبادة الجماعية جريمة حرب.

لقد ذكر ساندز كلمة غزة المحرمة، ولكنه حاول أن يزعم أن أياً كانت تسمية أفعال إسرائيل في فلسطين وغزة، فلا ينبغي لها أن تحدث. إن تهمة الإبادة الجماعية التي وجهتها جنوب أفريقيا ودول أخرى إلى إسرائيل معروضة حالياً أمام محكمة العدل الدولية . ولقد التزم كل من المحاور وساندز نفسه الصمت الغريب بشأن القضية التي لا تزال منظورة. فهما لا يستطيعان أن يؤثرا على هيئة المحلفين لأن هيئة المحلفين غير موجودة. بل لابد وأنهما يلتزمان الصمت لأسباب مختلفة.

تاريخ لا ينسى

ويحظى النقاش حول تصرفات إسرائيل في غزة بنفس القدر من الحيوية في إسرائيل نفسها.
وقد أجرى اثنان من مؤرخي الهولوكوست الإسرائيليين، دانييل بلاتمان وأموس جولدبرج، مقارنات مخيفة وخلصوا إلى: "على الرغم من أن ما يحدث في غزة ليس أوشفيتز، فإنه ينتمي إلى نفس العائلة - جريمة إبادة جماعية".

إن الاشتباك بين هذين الحدثين الدوليين الضخمين في نفس اليوم ــ أكبر عودة للفلسطينيين إلى الأرض التي طردوا منها في تاريخ الصراع والذكرى السنوية لتحرير أوشفيتز ــ كان بفضل نتنياهو نفسه.

وكان قراره منع الفلسطينيين من العودة يوم السبت كما كان مقررا، وسط خلاف حول من كان ينبغي إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، هو الذي أخر المسيرة الطويلة شمالا لمدة يومين حتى يوم الاثنين.

ومن خلال القيام بذلك، أنشأ نتنياهو وزمرته من المتعصبين الدينيين من حوله، عن غير قصد، تاريخاً خاصاً به في التاريخ الإسلامي والعربي.

لم يكن يوم الاثنين 27 يناير/كانون الثاني مجرد يوم اثنين في بداية العام. ففي التقويم الإسلامي، كان اليوم السابع والعشرين من شهر رجب، الذي كان المسلمون في مختلف أنحاء العالم يحتفلون به حتى هذا الأسبوع في مناسبتين أخريين.

الإسراء والمعراج هي الليلة التي عُرج فيها بالنبي محمد صلي الله عليه وسلم من مكة إلى المسجد الأقصى، قبل الصعود إلى السماء والعودة إلى مكة. هذه الرحلة، التي التقى فيها النبي بموسى وإبراهيم وآدم وعيسى وتلقى فيها تعليمات من الله، هي جزء قوي جدًا من الإيمان الإسلامي. فهي تربط المسلمين بالأقصى، وهناك آية في القرآن تتحدث عن ذلك.

إن هذا من عقيدة الإيمان. ولكن هناك حقيقة أخرى في التاريخ العربي حدثت في نفس اليوم، والتي تربط العرب مرة أخرى بالقدس. كان ذلك اليوم في عام 1187 عندما حرر صلاح الدين مدينة القدس من اللورد باليان من إبلين، منهياً بذلك ما يقرب من قرن من الاحتلال الصليبي.

والآن أضاف نتنياهو ذكرى ثالثة إلى اليوم السابع والعشرين من شهر رجب.

الفرح والتحدي

إن هذا هو اليوم الأول في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي يمارس فيه الفلسطينيون حقهم في العودة إلى الأراضي التي تستغل إسرائيل كل قواها لطردهم منها. وكل هذه الأحداث الثلاثة تؤكد وتعزز المطالبة الفلسطينية بالقدس عاصمة وطنية لهم، والمطالبة الإسلامية بأن القدس تشكل جزءاً أصيلاً من عقيدتهم الإسلامية.

إن المشاهد التي شهدناها هذا الأسبوع لمئات الآلاف من الفلسطينيين وهم يتقدمون في مسيرتهم الطويلة إلى منازلهم، حاملين ممتلكاتهم على ظهورهم، هي مشاهد ملحمية وتاريخية ــ ليس فقط بسبب الصور نفسها، بل بسبب الصدى الذي سيخلفه هذا الحدث لدى كل جيل من الفلسطينيين في المستقبل.

وتثبت غزة لكل فلسطيني وللعالم أجمع أن حق العودة ليس ممكناً فحسب، بل هو في متناول أيديهم.

وتشير التقديرات إلى أن 500 ألف فلسطيني عادوا الآن إلى الشمال، وهم يدركون تمام الإدراك أن منازلهم أصبحت مجرد شظايا من الطوب والخرسانة، وأنهم قد لا يروا مرة أخرى أفراد عائلاتهم الذين تركوهم وراءهم.


إنهم مبتهجون ومتحدون ومصممون. قالت كابير روسومي، من بيت لاهيا، لموقع ميدل إيست آي إنها كانت في طريقها شمالاً للبحث عن أحبائها - الأحياء والأموات على حد سواء.

وأضافت "الشمال هو القلب والروح، والشمال هو الأرض التي فقدناها. ونأمل أن نلتف حول هذه الأرض، أرض بيوتنا، وأرض شعبنا الذي فقدناه".

إن ما قاله رسومي صحيح. فقد عانت منطقة شمال غزة من أطول وأقسى فترات الاحتلال ـ 471 يوماً كاملة من الحرب ـ مقارنة بقطاع غزة بأكمله. وكانت هذه المنطقة هي المكان الذي حاولت إسرائيل مراراً وتكراراً إخلاء مقاتلي حماس، ثم إخلاء جميع المواطنين، من خلال محاولة تجويعهم.

ويمكننا الآن وضع أرقام حول هذا الأمر: فقد قُتل أو فُقد ما لا يقل عن 5 آلاف شخص، وجُرح 9 آلاف و500 آخرين، نتيجة حملة التطهير العرقي التي أُطلق عليها " خطة الجنرالات "، والتي بدأت في أوائل أكتوبر/تشرين الأول، بحسب ما قاله مصدر طبي للجزيرة.

ولكن من هذه الأرض الملعونة خرج مقاتلو حماس ورهائنهم. والآن أصبح بوسع الملايين من الإسرائيليين الذين أيدوا الحرب أن يروا بأعينهم مدى عبثية ما فعلوه والأضرار التي أحدثوها.
هنا للبقاء
إن صور الدمار الذي حل بغزة ستحفر حفرة تاريخية في القصة التأسيسية لإسرائيل عن الدولة التي ولدت من الناجين من الهولوكوست.

إن نهاية الحصار المفروض على شمال غزة ـ مهما كان مؤقتاً ـ سوف تسجل في التاريخ الفلسطيني كما سجلت في التاريخ الروسي أثناء الحرب العالمية الثانية عملية رفع الحصار عن لينينجراد (التي حدثت أيضاً في السابع والعشرين من يناير/كانون الثاني). وهذا أمر بالغ الأهمية.

إن هذا العرض الجماعي للقدرة البشرية على الصمود في مواجهة الصعاب الهائلة، وفي خضم الدمار الذي لحق بهيروشيما، هو، قبل كل شيء، أفضل رد على نتنياهو والمجتمع الدولي، الذي راقب من على الهامش وترك ما يحدث ــ ومؤخرا على الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

لحسن الحظ، لا توجد فرصة لتحقيق خطط ترامب ونتنياهو للتطهير العرقي - والتي أعيدت تسميتها الآن بـ "العودة الطوعية" -
وليس من قبيل المصادفة أن يفكر ترامب عشية هذا الحدث التاريخي ــ بالطريقة غير الرسمية المخادعة التي يتبعها في اتخاذ خطوات مدروسة بعمق ــ في ضرورة "تطهير" غزة من 1.5 مليون فلسطيني ونقلهم إلى الأردن ومصر ، لإفساح المجال لإعادة إعمار القطاع. وهذا يتماشى مع طلب نتنياهو في الأيام الأولى من الحرب من يده اليمنى، رون ديرمر، النظر في سبل " تقليص " عدد سكان غزة.

كان بيرني ساندرز، السيناتور المستقل من فيرمونت، هو الوحيد الذي وصف هذه الخطة بما هي عليه: "هناك اسم لهذا - التطهير العرقي - وهي جريمة حرب"، كما قال .

ولكن من حسن الحظ أن فرص تحقيق خطط ترامب ونتنياهو للتطهير العرقي ــ التي أطلق عليها الآن "العودة الطوعية" ــ معدومة. ففي غضون ساعات، أعادت كل من الأردن ومصر التأكيد على رفضهما لأي نقل للسكان ــ ليس من منطلق التعاطف الكبير مع الفلسطينيين، ولكن في المقام الأول لأن الدولتين تدركان أن تدفق أعداد كبيرة من الفلسطينيين قد يتحول إلى خليط متفجر.

وتعتبر كل من الأردن ومصر هذه القضية مشكلة وجودية بالنسبة لنظاميهما. ثم طرح اسم ألبانيا على الطاولة، لكن تيرانا رفضته في غضون ساعات.


في ولايته الأولى، فشل ترامب في بيع " صفقة القرن " للمنطقة ، وهي محاولة لدفن الحقوق الفلسطينية في قبر مرصوف بصفقات تجارية والكثير من الخرسانة. وفي ولايته الثانية، فشلت محاولته لبيع التطهير العرقي للفلسطينيين لجيرانهم قبل أن تبدأ. وهذا أكثر أهمية.
وهذا يعني أن الفلسطينيين هنا سيبقون، بأعداد أكبر من اليهود، في فلسطين التاريخية. وقد تحقق هذا في ظل معاناة شخصية غير مسبوقة، ولكن الشعب الفلسطيني أكد مرة وإلى الأبد ارتباطه بهذه الأرض.

وهذا هو انتصار الروح الإنسانية على القمع المنظم، وهو أيضاً الدرس المستفاد من المحرقة.

رف المنتجات التي لا تعمل بالنت!

 خواطر صعلوك

رف المنتجات التي لا تعمل بالنت!




لو كنت جالساً عند جَدّك فسوف يقول لك: «يا بُني، تعلّم من الماضي»، أما «الحداثة» التي انفجرت في وجهنا اليوم فتقول لك: «يا معلم، ارم الماضي والتراث خلف ظهرك، وجيب واحد «أبلكيشن جديد!».

الحداثة ليست مجرد كلمة في كتاب فلسفة يقرأه ثلاثة أشخاص ويتنمر عليهم ثلاثمئة شخص، إنها «ماكينة هدم» ولكنها تبني، أو تبني من أجل أن تهدم، أو تهدم وتبني في الوقت نفسه، ولذلك فالحداثة تريد عمل «ريستارت» للكون كل 5 دقائق، وكأن الحداثة نسيت أن تضيف زر «حفظ التقدم» في الحياة!

تتسم الحداثة بارتكازها على جدلية ملتبسة تعتمد على الهدم والبناء والتحولات السريعة، والانقلابات المتكررة والتدمير الإبداعي المزمن للأشياء وللعلاقات والذوات والهويات بغية خلق بدائل جديدة دائماً، وتحقيق المواكبة لشيء غامض، يصعب تحديده أو وصفه، ففي جوهر هذه الإحساسات الحداثية عداء دائم للثبات والتمركز والرسوخ، ورغبة مستمرة بالتجريب والتغير والتنويع والتنقل، وتثوير للإمكانات والخيارات.

فالعلاقات الاجتماعية الحديثة قد أصبح لها «تاريخ صلاحية» مثل السلع الاستهلاكية، العلاقات الاستهلاكية أصبحت أكثر استهلاكية، فإذا «الآيفون 20» نزل السوق فـ«الآيفون 19» يدخل للمتحف، والأدب دخل مرحلة العدمية من أوسع أبوابه، وأصبح الأدباء يحبون الكباب أكثر من الأقلام، وأصبحت النساء تحب عيادات التجميل أكثر من البيوت، وأصبح الجميع عاشقاً للسفر والرحلة والبراند والترند والشماتة في مصائب الآخرين طالما أنها بعيدة عنه.

أما في الفنون، فحدّث ولا حرج، فاللوحة حتى الرسام لا يفهمها، وأصبحت الفنون مثل«حوارات الهايد بارك»: كل شخص يفهم ما يريده! فانتقلنا من رسم الطبيعة الميتة، إلى رسم «زبالة ميتة» تحت وسم «الاعتراض على الاستهلاك»!

تعلّمنا من الأكبر عمراً أن «الصدق فضيلة»، لكن تعلمنا من الحداثة أن«السوشال ميديا» فضيلة أكبر! والقيم الأخلاقية أصبحت «باكج متكاملة»: تستطيع أن تكون «منفتحاً» و«محافظاً» في الوقت ذاته، تماماً مثلما تلبس «حذاء رياضياً» فاقع الألوان مع «دشداشة»!

وأما الهوية، فيكفي «فيلتر سناب شات»: تستطيع تغيره كل 5 دقائق من أجل ألا ترهق نفسك في الإجابة عن سؤال: «من أنا ؟»!

من أجل كل ذلك عزيزي القارئ فأنت أمام مسارين، أما المسار الأول فهو مثل الوجبات السريعة، يُشبعك بسرعة، ولكن آثاره مدمرة ولا تستطيع الاستغناء عنه... فـ«اضمحل وتبدد» يا صديقي، وتذكر أنك لو وقفت في المسار فسوف يضعونك في «رف المنتجات التي لا تعمل بالنت»، والدنيا ستسمر... من غيرك.

أما المسار الثاني فهو اعتقادك قولاً وممارسة... 

أن كل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

حتى لا يكسر العدوان الإسرائيلي معنويات السوريين

 حتى لا يكسر العدوان الإسرائيلي معنويات السوريين

ياسر أبو هلالة

‏كان لافتاً غياب القضية الفلسطينية، سواء في خطاب الرئيس السوري أحمد الشرع في مؤتمر النصر أول من أمس، أو في خطاب القيادات العسكرية الأخرى التي مثّلت الشرعية الثورية التي نصّبته رئيساً. وهذا ليس مصادفةً، فمنذ دخول الثوار دمشق فاتحين في 08/12/2024، ورغم القصف الإسرائيلي الذي لم يتوقّف، والاعتداءات الإسرائيلية، والتصريحات الوقحة، ظلّ الصمت "السلاح" الوحيد الذي يردّون به.

‏شكّل الصمت مادّة خصبة لأنصار النظام الإجرامي المخلوع، وما يسمّى "محور المقاومة"، على اعتبار أن ما جرى في سورية مؤامرة أميركية إسرائيلية لكسر محور "المقاومة"، وهو ما ظلّ يُردَّد منذ انطلاق الثورة السورية. والواقع أن القضية الفلسطينية ظلّت تُستخدَم لقمع الشعوب العربية، وكأنّ سلب حرّيات الشعوب شرطٌ لتحرير الشعب الفلسطيني. لا يحتاج الشعب السوري، ولا الثوار الفاتحون، شهادةً لمعرفة موقفهم الحقيقي من القضية الفلسطينية. الشعب السوري تأسّس على أن قضية فلسطين هي قضية سورية، والمؤتمر السوري العام الذي عقد في دمشق وأسّس أوّل دولة سورية حديثة (الحكم الفيصلي) ضمّ بلاد الشام كلّها، وحضر ممثّلون عن فلسطين والأردن ولبنان المؤتمرَ السوري العام. وانخرط السوريون مبكّراً في أعمال المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتهم الشيخ عزّ الدين القسّام، ولم يتوقّف الشعب السوري عن المساهمة في المعركة، وشاركت قياداته السياسية في عام 1948 بكتائب مقاتلة، مثل المراقب العام للإخوان المسلمين مصطفى السباعي، وفوزي القاوقجي (جيش الإنقاذ)، وغيرهم. وبعدها في العدوان الثلاثي، برز اسم الاستشهادي جول جمّال.

كما استشهد سوريون مع المقاومة الفلسطينية من الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين، مثل الشهيد عمر بلعة، ابن حماة، وغيره. حتى في ظلّ أسرة الأسد، لم يتردّد الشعب السوري في دعم القضية، وكما سمعتُ من الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، مباشرةً، إن أكبر دعم مالي من الشعوب العربية كان يصل من الشعب السوري.

لا يحتاج الشعب السوري، ولا الثوار الفاتحون، شهادةً لمعرفة موقفهم الحقيقي من القضية الفلسطينية

وجدت الثورة السورية نفسها في مأزق، تماماً كما "حماس"، التي غادرت دمشق حتى لا تكون شاهدةً على جريمة بشّار الأسد، وحافظت على علاقاتٍ متوازنة مع إيران ومحور المقاومة. منذ اليوم الأول للثورة السورية، حُيّدت القضية الفلسطينية من النظام وداعميه من "محور المقاومة" ومن الثوار على السواء، وهذا كنتُ أشاهده بنفسي في المنطقة الجنوبية، التي كانت توجد فيها جبهة النصرة و"داعش" وفصائل الجيش الحرّ وحزب الله والمليشيات الإيرانية كلّها، فلم تكن لهم معركة مع إسرائيل. كانت القضية سورية، يريد الثوار تحرير سورية من النظام القمعي. وفي المقابل، كان النظام ومن سانده يريدون تطهير سورية من الثوار. وهنا لا علاقة لإسرائيل، فظلّت الجبهة مع الجولان نظيفةً بقرار الطرفَين.

حاولت إيران، في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، إحياء الجبهة، لكنّ النظام كان قد اختار إسرائيل، كما كشفت مواقع إسرائيلية وأميركية كثيرة أن النظام السوري باع "محور المقاومة"، واختار المبادرة الإماراتية للدخول في المشروع الإبراهيمي. وهذا ما أكّدته صحيفة الأخبار المقرّبة من حزب الله في مقال لرئيس تحريرها إبراهيم الأمين. كما عرفتُ من قيادات في "محور المقاومة" أن الاتصال انقطع مع بشّار الأسد في آخر يومين، ولم يتمكّن الإيرانيون من العثور عليه، وانقطع الاتصال بينه وبين شقيقه ماهر، كونه انتقل إلى المربّع الروسي والتطبيع. واختار النظام نفسه ألا يخوض معركة "طوفان الأقصى".

يسجّل للثوار أنهم اختاروا توقيت المعركة بعد أن وقّع حزب الله اتفاق وقف إطلاق النار، لم يطعنوا حزب الله في الظهر وهو يقاتل إسرائيل، مع أنه لم يتوقّف عن طعن الثوار في الظهر وهم يحرّرون بلدهم. تمكن مناقشة نظرية "تحييد إسرائيل" إلى أن تتمكّن من تحقيق أولوياتك، ولو افترضنا أن الثوار منذ دخلوا دمشق قالوا إن هدفهم استكمال المعركة مع العدو الصهيوني، فهل كانت النتيجة تحرير الجولان؟ أم ستكون نتيجة دخول الجيش الإسرائيلي مناطق استراتيجية، بما فيها مناطق النفط التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)؟

اليوم، من خلال الأولويات الخمسة التي أعلنها الرئيس السوري الجديد، تبدو المعركة مؤجّلة، وليست معركةً ملغاة. هذا ما يتمنّاه الحريصون على الثورة السورية، فلا يمكن أن ينسى السوريون قضية فلسطين، تماماً كما لا يمكن أن ينسوا قضية الجولان، ومليون نازح من بينهم الرئيس الشرع. لا يمكن التفريط بمياه سورية، فشريان الحياة السوري مرتبط بجبل الشيخ وبحيرة طبريا.

تأسس الشعب السوري على أن قضية فلسطين هي قضية سورية

الأولوية حالياً هي بناء سورية القوية، القادرة على تحصيل حقّها من العدو الصهيوني، لا يمكن خوض معركة قبل الاستعداد لها. خاض هؤلاء الثوار معركة التحرير ودخلوا دمشق في 8 ديسمبر/ كانون الأول (2024)، لأنهم خطّطوا لهذا اليوم منذ سنوات. لا يمكن فتح معركة مع العدو في الوقت والمكان المناسبين للعدو، الذي يواصل يومياً استفزاز القيادة السورية الجديدة، ومماحكتها، سواء بالإجراءات في الأرض أم بالتصريحات. لا يريد العدو الصهيوني فتح صفحة سلام مع القيادة الجديدة، والعودة إلى "وديعة رابين" لحافظ الأسد، بقدر ما يريدون افتعال مواجهة كبرى يملكون فيها اليد العليا لتنفيذ مخطّطهم في تفكيك سورية، وإعادة تركيبها اعتماداً على حلف الأقليات. بكل وقاحة، تحدّث وزير الحرب الإسرائيلي كاتس عن التحالف مع "قسد" والدروز، وخرجت أصوات سورية علوية تطالب إسرائيل بالتدخّل لحماية السوريين من أبناء الطائفة.

ولعلّ أخطر وأوقح تصريح كان قبل يومين لوزير الأمن كاتس، نقلته هيئة البثّ الإسرائيلية، في أثناء زيارته قمّة جبل الشيخ: "جيش الدفاع الإسرائيلي سيبقى في قمّة جبل الشيخ وفي المنطقة الأمنية لفترة غير محدودة لضمان أمن سكّان دولة إسرائيل... لن نسمح لقوات معادية بالتمركز في المنطقة الأمنية جنوبي سورية من هنا وحتى محور السويداء- دمشق، وسنعمل ضد أي تهديد... سنحافظ على التواصل مع السكان الأصدقاء في المنطقة والتركيز على العدد الكبير من السكان الدروز". وبهذا وسّعت دولة الاحتلال "منطقة نفوذها" حتى طريق السويداء – دمشق، وتهدّد بوقاحة الدولة السورية من أيّ تحرّك لبسط نفوذها ونزع السلاح في السويداء. قبل ذلك، وفوقه، شنّ العدو، مع رحيل المجرم الوضيع بشار الأسد، أكبر عدوان جوي له، فقد نفذ سلاح الجو الإسرائيلي في 11 ديسمبر/ كانون الثاني 2024 عمليةً جوّيةً واسعةَ النطاق في سورية، وُصفت بأنها "أكبر عملية في تاريخ سلاح الجو الإسرائيلي"، وشاركت فيها 350 مقاتلة استهدفت مواقعَ تمتدّ من دمشق إلى طرطوس. واستمرت عدّة أيام، وهذا كلّه رسالة واضحة: ممنوع تسلّح النظام الجديد.

تدرك القيادة السورية أن مهمّتها اليوم بناء الدولة السورية الجديدة من ركام المرحلة السابقة، والشرط لبناء سورية رفعها من قائمة العقوبات

تدرك القيادة الجديدة من دون تكرار أسطوانة النظام السابق (الردّ في الوقت المناسب) أن مهمتها الأساسية لتحرير سورية من نظام الاستبداد قد انتهت، وأن مهمّتها اليوم بناء الدولة السورية الجديدة من ركام المرحلة السابقة، والشرط لبناء سورية رفعها من قائمة العقوبات، وأيّ احتكاكٍ مع الجانب الإسرائيلي يعني بقاء العقوبات الأميركية على البلد برمّته من خلال عقوبات قيصر. ستكون استراتيجية الصمت والصبر والتجاهل صحيحةً من الدولة، رغم أن تصريحاتها في إطار القانون الدولي ليست ممسكاً عليها. في المقابل، ليس صحيحاً صمت أبناء الوطن الذين يستقوي بهم العدو. على المجتمع أن يتحرّك دعماً لوحدة دولته، تماماً كما حصل في قرى درعا التي حصلت فيها اعتداءات إسرائيلية. مطلوب وضروري أن تخرج أصوات درزية تدين وترفض التصريحات العدوانية، والاعتداءات في الأرض، وهذا يساعد الحكومة في استراتيجية الصمت.

أدق تعبير عن العدوان كان للوزير الأسبق فاروق الشرع الذي فاوض الإسرائيليين في عهد حافظ الأسد، عندما قال في اليوم التالي لهروب الأسد، لتلفزيون سوريا، إن هدف الاعتداءات غداة هروب بشّار: "كسر معنويات السوريين في هذه اللحظة الحسّاسة"، وأعتبر أحمد الشرع لاحقا أن لا "مبرر" بعد خروج القوات الإيرانية من سورية لهذه الاعتداءات. ودعا المجتمع الدولي إلى التدخّل وتحمّل مسؤوليته تجاه هذا التصعيد. وقال إن الوضع المنهك الذي خلّفه نظام بشّار الأسد لا يسمح بالردّ على هذه الاعتداءات، مؤكّداً أن الأولوية هي لإعادة البناء والاستقرار في البلاد.

يحفل أرشيف يوتيوب بتصريحات فيديو للقائد السوري عن تحرير الأقصى، وليس الجولان فقط، فضلاً عن حديث أرفع مسؤول شرعي في هيئة تحرير الشام الشيخ مظهر الويس عن "طوفان الأقصى"، ويدرك الإسرائيليون أن هذا لا يعبّر عن هيئة تحرير الشام فقط، بل هو إجماع سوري من أيّام الشيخ عزالدين القسام ابن جبلة. إذا كان الصمت خيار الدولة، فالمؤكّد أنه ليس خيار الناس.