الثلاثاء، 12 مارس 2013

حوار عن العلمانية الديمقراطية بين مثقفين عربيين




حوار عن العلمانية الديمقراطية بين مثقفين عربيين


أ.د. جعفر شيخ إدريس
 قال الأول لصاحبه : إنه من حسنات البلاد الديمقراطية العلمانية أنها تعاملنا من حيث الدين معاملة أحسن من معاملتنا لها .
أجاب الأول : من أمثلة ذلك أنهم يسمحون لنا بأن نبني المساجد ونقيم فيها الصلوات ، ويسمحون بحرية الدعوة إلى الإسلام بينما لا نسمح نحن لهم بشيء من ذلك في بلادنا .

قال الثاني : أولاً : إن ما ذكرته عنا ليس بصحيح على إطلاقه ؛ ففي العالم العربي والإسلامي نصارى ويهود يمارسون دينهم في كنائسهم وبيعهم في حرية كاملة . ألم تزر بلاداً كمصر و السودان ؟
 قال الأول : ولكن ماذا عن السعودية ؟

الثاني : للسعودية وضع خاص ؛ فهي جزء من الجزيرة التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا يكون فيها دين غير الإسلام . وينبغي أن لا يكون هذا أمراً غريباً حتى على الدول الغربية التي أراك تدافع عنها .

الأول :
ماذا تعني ؟

الثاني :
ألم تسمع ببلد اسمه الفاتيكان ؟ هل تجد فيه من مساجد أو دور للعبادة غير دور الكاثوليك ؟

الأول :
كلاَّ .

الثاني :
الأمر الثاني الذي كنت أود أن أنبهك إليه هو أنهم لا يسمحون لنا بما يسمحون بدافع الإحسان إلينا ، أو مجاملة لنا كما يظن بعض الذين لا يعلمون ، وإلا لقالوا لنا : إما أن تسمحوا لنا بما نسمح به لكم وإلا منعناكم كما تمنعوننا
 .
الأول : هذا ما كنت أظنهم فاعليه ، وقد ازداد تقديري لهم إذ لم يفعلوه .
الثاني : إن ما يسمحون لنا به من قدر من الحرية الدينية هو أمر يسمحون به لكل صاحب معتقد مصدقاً بوجود الخالق أو منكراً لوجوده ، مؤمناً كان أم مشركاً ، عابد وثن أو عابد بشر . وكما يسمحون بهذا القدر من الحرية الفكرية فإنهم يسمحون بقدر مثله أو أكبر منه لدعاة الرذيلة من الشواذ والزناة وراسمي الصور الفاضحة . يفعلون كل هذا ؛ لأنهم يرونه في مصلحة بلادهم بحسب تصورهم للحرية . وأما الأمر الثالث فهو أنهم يستعملون كثيراً من قوانينهم ليحدوا من هذه الحرية سواء لزائريهم من البلادالإسلامية أو القاطنين فيها .

الأول :
أوافقك . ولكن ألا ترى مع ذلك أن نظامهم خير من نظامنا من حيث إن القدر الذي يسمح به من الحرية أكبر مما نسمح به نحن ؟

الثاني : كلاَّ ! لست أرى ما ترى ؛ لأن الحريات لا تقاس كمِّياً ، وإلا لكان أحسن النظم هو الذي يترك الناس سدى لا يأمر أحدهم بشيء ولا ينهاه عن شيء ألبتة .

الأول :
بِمَ تقاس إذن ؟

الثاني :
تقاس بمدى نفعها وضررها . فالنهي عن السرقة هو حد من الحرية ، لكنه حد مفيد . أما النهي عن أكل السمك مثلاً فهو حد لا فائدة فيه ، بل قد يكون ضرره بالغاً بالنسبة لبعض الناس . ولذلك وصفت النواهي الإسلامية بأنها حدود إذا تجاوزها الإنسان وقع في ما يضره . وبإمكانك أن تتصورها كالحدود التي توضع على جنبتي الجسر ؛ فهي أيضاً تحد من حرية السائر أو السائق ، لكنها مفيدة له ؛ لأنها تمنعه من الوقوع في البحر أو الهوي في واد سحيق 
.
الأول : لا شك في ذلك . لكن من الذي يصدر هذه القوانين التي تحل وتحرم؟ إن النظام الديمقراطي يكل ذلك للناس ؛ فهم الذين يحددون ما يصلحهم وما يضرهم في حرية كاملة . أما النظم الدينية ، ومنها النظام الإسلامي، فإنها لا تعطي الناس هذه الحرية ، بل تكل الأمر إلى الدين .

الثاني :
أتعني أن كل قانون يحل أو يحرم إنما يصدر بإجماع الناس ؟

الأول :
كلاَّ ؛ فأنت تعلم أن الأمر ليس كذلك ، وإنما الذي يصدره هم غالبية الناس .

الثاني :
لكن غالبية الناس ليست هي التي تصدر القوانين في البلاد الديمقراطية العلمانية ، وإنما الذي يصدرها هو المجالس التشريعية .

الأول :
نعم ! لكن هذه المجالس تتكون من أفراد اختارهم الناس بالأغلبية ؛ فهم يعبرون عن أفكارهم .

الثاني :
تعنى أنهم يعبرون عن أفكار من صوَّت لهم
.
الأول : لكن يستحيل واقعاً أن يكون الأمر على غير ذلك .

الثاني :
نعم ! ولكنك تعلم أيضاً أنه حتى قولنا بأنهم يعبِّرون عن رأي الأغلبية التي انتخبتهم ليس بصحيح ؛ لأن هذه الأغلبية لا تستشار ، ولو استشيرت لما كان لأغلبيتها رأي في غالبية القوانين ؛ لأنها تحتاج إلى معرفة لا تتوفر لهم .

الأول : لكن تبقى مع ذلك الحقيقة بأن هؤلاء قوم رضيهم الناس حكاماً لهم ، وأوكلوا إليهم إصدار ما يرونه مناسباً من القوانين .

الثاني :
إذن ؛ فالناس في البلاد الديمقراطية العلمانية رضوا بأن يكون المشرعون لهم بشراً مثلهم .

الأول :
أجل ! وهذا ما يمتازون به .

الثاني :
واشترطوا عليهم أن تكون تشريعاتهم في إطار الدستور ، ولم يتركوهم أحراراً يشرعون ما شاؤوا .

الأول : نعم ! لأن الاستقرار السياسي لا يتوفر إلا بشيء كهذا .

الثاني : ما الفرق بيننا وبينهم ؟ نحن أيضاً يمكن أن تكون لنا مجالس تشريعية يختار الناس أعضاءها ويعطونهم حق التشريع على شرط أن لا يكون مخالفاً للقانون الأعلى للبلاد الذي يسمى دستوراً . والذي هو بالنسبة لنا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

الأول :
لكن دستورهم هو نفسه من وضعهم ، وبإمكانهم أن يغيروا فيه ما شاءوا .

الثاني :
لكن دستورهم أيضاً يتضمن مواد كتلك المتعلقة بما يسمونه حقوق الإنسان ليس لأحد أن يغيرها .

الأول :
نعم ! لأن هذه حقوق لكل إنسان بما هو إنسان ، فلا يجوز لأحد أن يجور عليها .

الثاني :
من الذي أعطاها هذه المكانة ؟ وعلى كل فأنا لا أريد أن نخرج عن موضوعنا لنتحدث عن حقوق الإنسان ، فلعلنا نفعل ذلك في مناسبة أخرى . فلنعد إلى موضوعنا إذن !

الأول :
حسن .

الثاني :
أردت أن أقول لك إنه ليس لهم علينا فضل في كون دستورهم من اختراعهم ؛ لأنه إذا كانوا هم بمحض اختيارهم رأوا أنه من مصلحتهم أن يشرِّع لهم بشر مثلهم ؛ فنحن أيضاً فكَّرنا لأنفسنا ورأينا أنه من مصلحتنا أن نرضى بما شرعه لنا ربنا الذي خلقنا ، والذي هو أعلم منا بما هو مفسد أو مصلح لنا ، والذي هو رحيم بنا لا يأمرنا إلا بما ينفعنا ، ولا ينهانا إلا عما فيه ضرر علينا . لا فرق إذن بيننا وبينهم من حيث مبدأ الاختيار . فكما أنهم اختاروا بحريتهم ، فنحن كذلك اخترنا بحريتنا ، ولم يجبرنا ربنا على الرضى بما شرع لنا ، وإنما ترك الأمر لنا نحن البشر
{ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } ( الكهف : 29 ) ونحن اخترنا بتوفيق من ربنا أن نؤمن. فلا فضل لهم علينا إذن من حيث مبدأ حرية الاختيار ، وإنما الفضل لنا نحن الذين أرانا الله الحق حقاً ووفقنا لاتباعه .

الأول :
لكن الذي اخترتموه دين ، والناس يختلفون في أديانهم ، ومجتمعاتنا المعاصرة مجتمعات متعددة الأديان ، ولا بد لكل مواطن فيها من أن تكون له حقوق مساوية لغيره بغض النظر عن دينه .

الثاني :
فكيف حلت العلمانية هذا الإشكال ؟

الأول : حلته حلاًّ يسيراً ، هو أن تُقصَى الأديان عن الحكم حتى يكون لكل مواطن الحق في أن يتقلد أي منصب سياسي من رئاسة الدولة إلى ما دونها مهما كان دينه أو اعتقاده .

الثاني :
ونحن أيضا نفعل ما فعلوا : نقصي كل الأديان عدا الإسلام عن الحكم وكما ...

الأول مقاطعاً : لكنهم أقصوها كلها ولم يستثنوا منها واحداً كما تفعلون .

الثاني :
تعني أنهم أقصوها كلها ما عدا الدين العلماني .

الأول :
لكن العلمانية ليست ديناً .

الثاني :
أجل إنها واللهِ لَدينٌ بمفهومنا العربي الإسلامي ! لكنها شر دين .

الأول :
ما ذا تعني ؟

الثاني :
أعني أن الدين عندنا هو كل أمر يدين به الناس ويعتادونه ويمارسونه في أي جانب من جوانب حياتهم المادية والروحية سواء كان من عند ربهم أو كان من اختراعهم . ألم تسمع قول الشاعر العربي عن ناقته التي اجهدها بكثرة الترحال :

إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين  تقول إذا شددت لها وضيني : أهذا دينه أبداً وديني ؟ أكل الدهر حل وارتحال ؟ أما يبقي عليَّ وما يقيني ؟

الأول :
لكنك تعلم أن الشاعر استعمل الدين هنا بمعنى العادة ؛ فما علاقة ذلك بأنظمة الحكم ؟

الثاني :
لا جدال في أنه استعمله بمعنى العادة ؛ ولكن ألا ترى أنه إذا كان اعتياد الحل والترحال وهو أمر واحد في حياة رجل وناقته يسمى ديناً ، فمن باب أوْلى أن يسمى كذلك اعتياد ما كان أشمل نطاقاً وأكثر عدداً . ثم إن القرآن الكريم استعمل الدين بهذا المعنى العربي ، ألم تسمع قول الله تعالى عن يوسف وأخيه :
{ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ المَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ } ( يوسف : 76 ) فالمقصود بالدين هنا ما نسميه الآن بالقانون . وفي القرآن الكريم أيضاً يطلق الدين على الهدي الذي أنزله الله تعالى وأرسل به رسوله ، كما يطلق على ما يدين به الناس في الواقع سواء كان موافقاً لذلك الدين الحق أو مخالفاً له . يبين لك ذلك بوضوح حديث
الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ذكر فيه أن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة عام من يجدد لها دينها ؛ فالدين الذي يجدد هو ما يدين به الناس . أما الدين النازل من السماء فلا يحتاج إلى تجديد ؛ لأنه لا يَخْلَق . وتجديد ما يدين به الناس هو جعله موافقاً للدين الحق .

الأول :
هذا تفسير غريب للدين ، وهو مخالف لما اصطلح عليه الناس ، ولا سيما في البلاد الغربية العلمانية التي هي موضوع حديثنا .

الثاني :
لكن هل من الإنصاف أن يكون النقاش دائماً وفق تصوراتهم ومصطلحاتهم ؟ لماذا لا نفهمهم أن هنالك اختلافاً بيننا حتى في تصورنا للدين ؟ على كل أنا لا أريد للحوار أن يتحول إلى جدل عن الألفاظ . المهم أن تتضح المعاني ؛ وإذا اتضحت فلا مُشاحَّة في الألفاظ . ألا يمكن أن نترك كلمة الدين ونستعمل بدلاً عنها كلمة تنطبق على العلمانية وما يسمونه هم ديناً ؟ ما رأيك في عبارة منهاج الحياة ؟

الأول :
لا بأس بها .

الثاني :
أرجو أن يتضح لنا من استعمالها أن القول بأن النظام العلماني نظام محايد بين الأديان إنما هو خرافة راجت على كثير من الناس .

الأول : أظنني من المصدقين بهذه الخرافة ؛ فهلاَّ أوضحت لنا ياسيدي المنكر للخرافات دليلك على كونها خرافة ؟

الثاني : هب أننا قلنا لإنسان منصف : إن هنالك نظامين ( أ ) و ( ع )
وأعطيناه الجدول الآتي :
النظام أ                                                        
 إنِ الحكمُ إلا الله
- يباح للرجل أن يتزوج مثنى  وثلاث ورباع 
- يأخذ الورثة حقهم أوصى بذلك المورث أم لم يوص  
- الخمر حرام
- لا تكون علاقة جنسية إلا بين متزوجين
- الربا حرام 
 النظام ع
ـ إن الحكم إلا للشعب
ـ لا يجوز للرجل أن يتزوج أكثر من واحدة
-   إنما يرث من أوصى له المورث ولو  كان حيواناً ، وإذا لم يوص فللدولة أن تتصرف في ماله
- الخمر حلال
- تباح العلاقة الجنسية بين كل بالغين تراضيين رجلاً وامرأة أو رجلين أو امرأتين
- الربا حلال

الأول : ما أظنه سيستطيع إذا وضع الأمر بهذه الطريقة .
الثاني : ولا طريقة غيرها . إذن فيجب على من يريد أن يكون مسلماً أن لا يخدع نفسه . إنه لا يمكن للإنسان أن يكون مؤمناً ويكون مع ذلك راضياً بالعلمانية نظاماً للحكم . فإما هذا أو ذاك .
الأول : نعم ! إن منهاج الحكم العلماني يُقصي غيره من مناهج الحكم ؛ لأنك لا يمكن أن تطبق منهجين مختلفين في وقت واحد كما يتضح ذلك من جدولك . لكن ميزته على المناهج الأخرى ومنها المنهج الإسلامي أنه يفرق بين إقصاء الأفراد وإقصاء المناهج .
الثاني : ماذا تعني ؟
الأول : أعني أنه يعامل الأفراد جميعاً معاملة متساوية باعتبارهم مواطنين من حق كل واحد منهم أن يتقلد أي منصب سياسي في الدولة إذا ارتضاه الناس .
الثاني : بشرط أن يكون حكمه وفقاً للدستور العلماني الذي يُقصي منهجه عن الحكم إذا كان مسلماً .
الأول : أجل ! وأظننا قد اتفقنا على الأمر البدهي الذي يقضي باستحالة الجمع بين منهجين في الحكم مختلفين.
الثاني : لكن معنى هذا أنك تعطي المسلم الأمريكي مثلاً الحرية في أن يكون رئيساً بشرط أن يتخلى عن دينه .
الأول : كلاَّ ! فبإمكانه أن يظل مسلماً يصلي ويصوم ويحج ويفعل كل ما يأمره به دينه .
الثاني : إلا في ما يتعلق بالحكم .
الأول : نعم .
الثاني : لكن المسلم المخلص لدينه العارف به لا يرضى بهذا ؛ لأنه يعرف أن دينه كلٌّ لا يقبل التجزئة ؛ فالذي ينكر بعضَه فقد أنكره كلَّه . قال تعالى :{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ } ( البقرة : 85 ) وهذا هو الذي يشترطه النظام العلماني على المسلم .
الأول : لكن النظام الإسلامي لا يعطيه حتى هذا القدر.
الثاني : النظام الإسلامي لا يمنع غير المسلم أن يكون مسلماً ، وأن يتأهل بذلك أن يكون حاكماً للمسلمين . لكن الإنسان كما ذكرنا لا يكون مسلماً إلا إذا آمن بالدين كله ؛ لأن نظام الحكم في الإسلام غير منفصل عن شرائعه الأخرى ؛ بل إن هذا هو الحال في الديانات الأخرى ، وما زال هو الذي يراه بعض اليهود وبعض النصارى الرافضين للنظام العلماني ، والذين يصفون العلمانية كما نصفها بكونها ديناً محارباً لأديانهم .
الأول : نعم ! إنهم ليفرضون عليهم هذا باعتباره الدستور الذي ارتضته الأغلبية ، لكنهم بعد ذلك يسمحون لهم بما لا يتعلق من دينهم بأمر الحكم .
الثاني : ونحن أيضاً نسمح لهم بما ذكرت ، بل إننا لنعطيهم أكثر مما تعطيهم العلمانية الديمقراطية .
الأول : لكنهم يرون أن نظام الحكم الذي تفرضونه عليهم هو دينكم وهم لا يرضون أن يُفرَض عليهم دين ليس بدينهم .
الثاني : نحن لا نفرضه عليهم بكونه ديناً بمعنى كونه عبادة يتقربون بها إلى الله ، وإنما نفرضه عليهم باعتباره نظاماً للحكم ارتضته أغلبية المواطنين ؛ ولا فرق في هذا بيننا وبين النظام العلماني الديمقراطي . فإذا كانوا وهم الأغلبية في البلاد الغربية العلمانية قد رضوا بأن يُقصوا دينهم عن الحكم ، ويرضَوا بالعلمانية بديلاً ؛ فما الذي يمنعهم حيث يكونون أقلية في البلاد الإسلامية من أن يرضوا بإقصاء دينهم عن الحكم والرضى بالحكم الإسلامي باعتباره اختيار الأغلبية في البلد الذي يعيشون فيه .
الأول : يبدو من كلامك هذا أنك تكاد ألاَّ ترى في الحياة العلمانية الغربية الديمقراطية أي حسنة .
الثاني : أنا لم أقل ذلك وإنما كنت أرد ظنك بأن نظامهم يفضُل النظام الإسلامي .
الأول : أفهم من ذلك أنك ترى في الحياة الغربية جوانب حسنة ؟
الثاني : لا شك في ذلك . بل أرى أن في كل أمة من الأمم بعض الجوانب الخيرة . أقول هذا ديناً ؛ لأنني أعتقد أنه لا يمكن لإنسان لا خير فيه ألبتة أن يرى الخير الذي في الدين الحق فيؤمن به . وما دام هذا الدين قد جاء للناس جميعاً ، فلا بد أن الله سبحانه وتعالى جعل فيهم من الخير ما يمكِّنهم من رؤيته حقاً.
الأول : هلاَّ ذكرتَ لي بعض هذه الجوانب الخيرة ؟
الثاني : الحديث في هذا قد يطول ؛ فلأكتف لك بذكر أحسن ما أراه عندهم ، أحسن ما عندهم هو هذا التطور الكبير في العلوم الطبيعية وما بني عليه من تقنية في شتى جوانب الحياة ومنها الجانب العسكري . وقد كنت أتمنى لو أننا ركَّزنا على هذا الجانب العلمي التقني فيما نأخذه من الغرب ، لكن العلمانيين في بلادنا شغلونا بمثل هذه القضايا التي كنا نتحدث عنها الآن ؛ لأنهم لسذاجتهم ظنوا أن السبب الأساس لتطور الغرب هو فصله للدين عن الدولة . وقد كان هذا التركيز على الجانب الثقافي في التجربة الغربية هو السبب الأساس لضعفنا وعدم تطورنا ؛ لأنه كان السبب الأساس في النزاع بيننا ؛ وأنت تعلم أن الأمم لا تستطيع أن تحقق إنجازاً كبيراً دينياً أو دنيوياً وهي منقسمة على نفسها متنازعة فيما بينها . فأسأل الله تعالى أن يجمعنا على الخير ، وأن يوفقنا إلى الأخذ بأسباب النهضة والقوة والرفعة في كل جوانب حياتنا المادية والروحية .
الأول : آمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق