الأربعاء، 13 مارس 2013

الأمن الفكري أم الغذائي؟

الأمن الفكري أم الغذائي؟

حين يصبح «الأمن الفكري» عنوانا مدرجا على جدول أعمال أهل السياسة العرب، فينبغي أن نقلق ونتوجس شرا؛ ذلك ان المصطلح ذاته يثير الشك ولا يبعث على الارتياح، ثم ان تحويله إلى ملف يتولاه وزراء الداخلية بوجه أخص يحول الشك إلى خوف.
أقول ذلك بمناسبة اجتماع أولئك الوزراء (أمس واليوم) بالعاصمة السعودية الرياض، في الدورة الثلاثين لمجلسهم التابع جامعة الدول العربية.
 وهو المجلس الذي ظل يتصدر واجهة العمل العربي المشترك طوال الثلاثين سنة الأخيرة. وبدا ذلك الاستمرار ظاهرة مثيرة للانتباه في ظل الخلافات والتجاذبات السياسية التي مر بها العالم العربي خلال تلك الفترة.
 حيث كان مفهوما لدى كل الأطراف وقتذاك، أنه لا يعلو صوت فوق صوت الأمن، ولم يكن خافيا على أحد أن المقصود هو أمن الأنظمة والحكام والمسيطرين بالدرجة الأولى، وليس أمن الشعوب بطبيعة الحال.
 إزاء ذلك فقد ارتفعت أسهم القيادات والأجهزة الأمنية، بعدما أصبحت الأداة التي تحقق من خلالها القيادة السياسية أهدافها، وفي مصر فإن تلك الأهداف تراوحت بين تأمين أهل الحكم وقمع المعارضين، والإشراف على تزوير الانتخابات وترتيب عملية توريث السلطة.
ليس ذلك فحسب، وإنما في الوقت الذي جرى فيه تنشيط وتعزيز دور مجلس وزراء الداخلية العرب لم تحظ معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي الموقعة عام 1950 -أي منذ أكثر من 60 عاما- باهتمام أو عناية تذكر، الأمر الذي بدا قاطعا في التدليل على أمن الأنظمة والحكام ظل طول الوقت مقدما على ما عداه، بما في ذلك الدفاع المشترك أو التعاون الاقتصادي المنشود.
والسبب في ذلك مفهوم؛ إذ إن الدفاع المشترك يهم الأوطان والتعاون الاقتصادي في مصلحة الشعوب، وذلك كله يتراجع أمام أمن الحكام والأنظمة.
إذا صح ذلك التحليل فهو يسوغ لنا أن نقول بأن مجلس وزراء الداخلية العرب ينتمي في جوهره إلى مرحلة ما قبل الربيع العربى التي تم تجاوزها وطويت صفحتها.
وليس أدل على ذلك من أن عموديه الأساسيين كان وما يزال أحدهما في تونس التي رحب نظامها الاستبدادي في عهد بن علي بأن تحتضن بلاده المقر الرئيسي للمجلس.
 أما الثاني فقد تمثل في مكتب أقيم بالقاهرة في عهد مبارك وكان يقوم بالدور الرئيسي خلال أنشطته تحت مسمى غامض هو المكتب العربي للإعلام الأمنى(!) وإذا جاز لنا ان نتصارح أكثر فلا مفر من الاعتراف بأن ذلك الدور ظل محصورا في ملاحقة الإسلاميين الناشطين والمعارضين المعتدلين منهم والمتطرفين. أما بقية المهام التي يقوم بها مجلس وزراء الداخلية العرب فإنها كانت إما شكلية أوثانوية، أو أنها كانت للتغطية على دوره الرقابي الرئيسي.
وحسب معلوماتي فإن مكتب الإعلام الأمني في القاهرة ظلت تديره عناصر من جهاز أمن الدولة في مصر، كما ظل يعتمد على تقارير الداخلية المصرية بالكامل. وقد تم تزويد المكتب بمنظومة اتصالات متطورة للغاية، لتبادل المعلومات الخاصة بالناشطين الإسلاميين في أنحاء العالم العربي.
إن مصطلحي الأمن الفكري والإعلام الأمني ليسا سوى غطاءين استخدمت فيهما اللغة للتمويه والتستر على المهمة المباحثية التي من أجلها أنشئ المجلس، والتي استهدفت الإسلاميين بشكل أساسي.
ولا تفوتنا في هذا الصدد ملاحظة ان تنشيط لقاءات وزراء الداخلية العرب بدأ في عام 1977، متزامنا مع تصاعد مؤشرات ما سمى آنذاك الصحوة الإسلامية، وان انشاء المجلس المذكور تم رسميا في عام 1982، بعد ثلاث سنوات من نجاح الثورة الإسلامية في إيران. وقلق دوائر عدة في داخل العالم العربي وخارجه من احتمالات انتقال شرارات الثورة إلى دول أخرى. من ثم برزت أهمية التعاون الأمني بين الدول العربية الذي جرت مأسسته. وحين تم ذلك انشئ المجلس المذكور وانيطت به أنشطة أخرى تتعلق بمكافحة الجريمة وشؤون المخدرات والشرطة الجنائية وغير ذلك.
اختلف الأمر تماما حين قامت الثورة في تونس ومصر بوجه أخص، وأصبح الإسلاميون شركاء أساسيين في السلطة في البلدين (وزير الداخلية في أول حكومة للثورة بتونس علي العريض كان سجينا سابقا أمضى عشر سنوات في الحبس الانفرادي وهو الآن رئيس الوزراء). وهو ما قوض الفكرة المباحثية الأساسية التي قام عليها المجلس، من ثم فإنه أصبح مطالبا بأن يبحث عن دور ايجابي يقوم به.
اننا يجب أن نحتفي بأي تعاون عربي مشترك شريطة ان يتوافر له أمران، أولهما ان يصب في صالح الشعوب العربية وتطلعاتها. ثانيهما ان تكون هناك أولويات لذلك التعاون، حيث لا يعقل أن تواجه بعض شعوبنا أزمات كبرى في أمنها الغذائي مثلا، في حين تسلط الأضواء على الأمن الفكري والإعلامي. وهو ما وضعنا مؤخرا أمام مفارقة وجدنا فيها أن «أصدقاء اليمن» اجتمعوا في لندن، في حين أن حراس الأمن الفكري اجتمعوا في الرياض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق