نداء إلى تجار الدم قبل الذهاب إلى الجحيم
وائل قنديل
البلاد لا تحتاج فى هذه اللحظة إلى حذلقات فكرية عوجاء عن «مصر بعد ٣٠ يونيو» بقدر ما تحتاج إلى شىء من النزاهة السياسية والشجاعة الإنسانية لتدارك مصر قبل جحيم ٣٠ يونيو.
إن نخبًا سياسية تترك نفسها للريح مثل خرقة بالية يتقاذفها التيار هنا وهناك هى نخب غير مؤهلة وغير جديرة بالكلام عن سيناريوهات ما بعد.. فالذين يشاركون فى إحراق الحاضر وتبديده لن يكونوا صالحين لترسيم حدود المستقبل ووضع تصورات لما هو آت.
فى عقد قران ابنة المهندس أبوالعلا ماضى، أمس الأول، توقف الحاضرون عند مشهد العناق الحار بين قيادات فى جبهة الإنقاذ ورفاقهم من الإخوان والتيارات الحزبية ذات المرجعية الإسلامية، ووقف المدعوون مشدوهين أمام هذه الحفاوة وروح الدعابة فى اللقاء، متسائلين: لماذا يفعل السياسيون ذلك فى القاعات المغلقة ثم يتبادلون القصف العنيف فى العلن وعبر الميكرفونات وفوق صفحات الجرائد؟
لماذا تنتعش هذه الروح سرا، بينما تطغى روح الانتقام والتطاحن علنًا؟
وإذا كانت هذه الروح أصيلة ومتجذرة فى النفوس، فلماذا لا تنتقل إلى جموع المصريين وتسرى بينهم؟
لقد عشنا الأيام الماضية فترة من الرماية بالذخيرة الحية على كل مسعى للحوار بين غرماء الثورة المصرية، ورأينا إصرارا عنيفا على مواراة كل المبادرات المحترمة لنقل الصراع من أرضية القتال بالجموع المشحونة غلا وكراهية ورغبة فى إراقة الدم، إلى وضعية النزال السياسى المحترم.. بل بلغ الأمر حدا أبعد من ذلك بتشويه وتخوين كل من يطرح مبادرة تعفى المصريين من الذهاب إلى أتون احتراب أهلى لن يبقى أو يذر، فصارت كلمة «الحوار» سبة ونقيصة واتهاما بالتآمر والخداع والخيانة.
إن الذين يروجون لفكرة أنه مضى أوان الحوار والكلام يقدمون من الآن وثائق إدانتهم إذا سالت ــ لا قدر الله ــ دماء مصرية نهاية هذا الشهر، وسيذكرهم التاريخ بأنهم قادوا شعبا كاملا للانتحار ذبحا، وجردوا ثورة أذهلت العالم من جوهرها الإنسانى الحضارى النبيل.
كما أن الذين يستكينون للعجز والإحباط من إمكانية الوصول إلى حل سياسى يخرج المصريين من مأزق التناحر سيتحملون أمام الله والوطن والتاريخ قسما من المسئولية لو حدث مكروه، ذلك أن الجميع مطالبون الآن وحتى ربع الساعة الأخير قبل موعد الجحيم بأن يواصلوا سعيهم وألا يطرقوا بابا دون أن يطرقوه ما دام هناك احتمال ولو ضعيف بأنه يؤدى إلى ساحة الحل السياسى.
إن لدينا الآن مبادرة محترمة من حزب الوسط، وقبلها كانت هناك مبادرة من حزب النور الذى يتمتع بعلاقة جيدة مع جبهة الإنقاذ، فلتتجمع كل المبادرات فى مجرى واحد ينتهى إلى ما يحفظ الحياة، ويبقى على فرصة المصريين فى تجنب مصائر كارثية عرفناها فى لبنان والجزائر فى الماضى القريب ونرى شبح الاندفاع إليها ماثلا على بعد خطوات منا.
إن الأعداد الحاشدة التى خرجت أمس فى مدينة نصر مرشحة للزيادة عند محطة ٣٠ يونيو، وسيقابلها حشود من الجبهة المقابلة، فليتخيل عواجيز السياسة الفشلة صورة مصر فى تلك اللحظة المخيفة، وليتحلوا بأخلاق النبلاء ويتخلوا عن الاختباء وراء ظهور شباب يدفعونهم إلى المحرقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق