ياسر الزعاترة
واللافت هنا أننا قرأنا عددا كبيرا من المقالات والتعليقات في الصحف العربية التي تذهب في ذات الاتجاه المتعلق باتهام الإسلام نفسه بتفريخ العنف، فيما ذهب الإعلام المموَّل إيرانيا نحو اتجاه آخر يتمثل في اتهام "الوهابية"، وأحيانا السلفية كتيار فكري.
"إذا كان الإسلام هو الدين الذي يفرّخ العنف كما يزعم أولئك، فلماذا لم يعرف تاريخه الحديث منذ انطلاق الصحوة الإسلامية مطلع الثمانينات هذا المستوى من العنف الذي نتابعه هذه الأيام، والذي نتيجة ظروف معينة"
ما ينبغي قوله أيضا هنا هو أن دفاع "بن أفليك" وسواه يمثل الوجه الآخر للصورة، إذ لا يعدم الغرب وجود عدد من الأصوات المنصفة التي ترفض هذا اللون من التعاطي العنصري مع دين يعتنقه أكثر من مليار ونصف المليار من البشر، فقط لأن جماعة أو بضع جماعات ارتكبت بعض الممارسات الدموية.
والسؤال الذي يطرح نفسه ابتداء يتمثل في سؤال ما إذا كان العنف المسلح هو نتاج الأفكار والأديان من حيث المبدأ، أم إنه نتاج ظروف موضوعية تتيح له النشوء والنمو؟ وإذا كان الإسلام هو الدين الذي يفرّخ العنف كما يزعم أولئك، فلماذا لم يعرف تاريخه الحديث منذ انطلاق الصحوة الإسلامية مطلع الثمانينيات هذا المستوى من العنف الذي نتابعه هذه الأيام، والذي جاء ردا على الغزو الأميركي للعراق، ثم ردا على طائفية المالكي ودموية بشار الأسد؟
هل كان أبناء الصحوة غافلين عن تلك النصوص التي يستخدمها تنظيم الدولة في سياق تبرير ما يفعل، بل هل كان أسامة بن لادن نفسه غافلا عنها حين كان ينتقد في رسائله بعض تلك الممارسات، كما عكست ذلك رسائله التي نشرت ضمن ما عُرف بوثائق أبوت آباد أو "وست بوينت" التي نشرها الأميركيون أنفسهم؟
الحق أن الأفكار ليست هي المنتج الأساسي للعنف، وإن استخدمت (إن كانت أرضية أم سماوية) لتبريره ضد الآخر "الكافر"، وما ينتجه بالفعل هي الظروف الموضوعية، ولذلك لم يكن ثمة دين ولا مذهب إلا وخرج من بين أبنائه من يتبنون نهج العنف المسلح في لحظة من اللحظات، وليس ثمة أيديولوجيا إلا واستخدمت العنف، بدليل أن عنف النصف الأول من القرن العشرين كان في معظم تجلياته يساريا، وخرج من اليسار يسار متطرف أكثر عنفا، وهكذا.
ما ينبغي قوله هنا هو أنه ليس في نصوص الإسلام المقدسة ما يبرر العنف ضد الآخر غير المعتدي (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا) (البقرة، الآية 190)، لكن بعض النصوص يمكن أخذها مجتزأة من القرآن والسنّة لكي يجري تبرير ألوان من العنف أنتجتها الظروف الموضوعية، ثم ما يلبث من تبنوها أن يتراجعوا عنها أو يراجعوها حين تتغير الظروف، كما حصل في مراجعات عدد من الجماعات المسلحة في مصر وليبيا وغيرها نهاية القرن الماضي.
في المقابل، فإن من يقرأ العهد القديم، سيجد أنه الأكثر وضوحا في تبرير العنف ضد الآخر، لأن الأصل أن هناك "أبناء" للرب لهم خصوصيتهم، و"الرب" هنا يتحوّل عمليا إلى جندي في خدمة أبنائه، وفي منحهم الأوامر لكي يشنوا حروب إبادة ضد أعدائهم. ومن يتابع بعض فتاوى الحاخامات في الكيان الصهيوني يلاحظ من أي منهل ينهل أولئك، لكن أحدا لا يجرؤ على انتقادهم، بخاصة في الغرب. ولا بد من التذكير هنا بأن من أحرق اليهود فيما عُرف بالـ"هولوكوست" لم يكونوا مسلمين. وقد سبق أن هاجر اليهود إلى ديار المسلمين طلبا للأمان.
ولا يتوقف الأمر عند العهد القديم، بل يشمل ذلك جميع الأديان الأخرى، بما فيها تلك التي يُشاع عنها الدعوة إلى التسامح كالبوذية مثلا، وما جرى ضد مسلمي الروهينغا في ميانمار، وتبرير رجال الدين البوذيين للقتل الدموي الأعمى بحق المسلمين دليل صريح.
والسؤال الذي يطرح نفسه ابتداء يتمثل في سؤال ما إذا كان العنف المسلح هو نتاج الأفكار والأديان من حيث المبدأ، أم إنه نتاج ظروف موضوعية تتيح له النشوء والنمو؟ وإذا كان الإسلام هو الدين الذي يفرّخ العنف كما يزعم أولئك، فلماذا لم يعرف تاريخه الحديث منذ انطلاق الصحوة الإسلامية مطلع الثمانينيات هذا المستوى من العنف الذي نتابعه هذه الأيام، والذي جاء ردا على الغزو الأميركي للعراق، ثم ردا على طائفية المالكي ودموية بشار الأسد؟
هل كان أبناء الصحوة غافلين عن تلك النصوص التي يستخدمها تنظيم الدولة في سياق تبرير ما يفعل، بل هل كان أسامة بن لادن نفسه غافلا عنها حين كان ينتقد في رسائله بعض تلك الممارسات، كما عكست ذلك رسائله التي نشرت ضمن ما عُرف بوثائق أبوت آباد أو "وست بوينت" التي نشرها الأميركيون أنفسهم؟
الحق أن الأفكار ليست هي المنتج الأساسي للعنف، وإن استخدمت (إن كانت أرضية أم سماوية) لتبريره ضد الآخر "الكافر"، وما ينتجه بالفعل هي الظروف الموضوعية، ولذلك لم يكن ثمة دين ولا مذهب إلا وخرج من بين أبنائه من يتبنون نهج العنف المسلح في لحظة من اللحظات، وليس ثمة أيديولوجيا إلا واستخدمت العنف، بدليل أن عنف النصف الأول من القرن العشرين كان في معظم تجلياته يساريا، وخرج من اليسار يسار متطرف أكثر عنفا، وهكذا.
ما ينبغي قوله هنا هو أنه ليس في نصوص الإسلام المقدسة ما يبرر العنف ضد الآخر غير المعتدي (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا) (البقرة، الآية 190)، لكن بعض النصوص يمكن أخذها مجتزأة من القرآن والسنّة لكي يجري تبرير ألوان من العنف أنتجتها الظروف الموضوعية، ثم ما يلبث من تبنوها أن يتراجعوا عنها أو يراجعوها حين تتغير الظروف، كما حصل في مراجعات عدد من الجماعات المسلحة في مصر وليبيا وغيرها نهاية القرن الماضي.
في المقابل، فإن من يقرأ العهد القديم، سيجد أنه الأكثر وضوحا في تبرير العنف ضد الآخر، لأن الأصل أن هناك "أبناء" للرب لهم خصوصيتهم، و"الرب" هنا يتحوّل عمليا إلى جندي في خدمة أبنائه، وفي منحهم الأوامر لكي يشنوا حروب إبادة ضد أعدائهم. ومن يتابع بعض فتاوى الحاخامات في الكيان الصهيوني يلاحظ من أي منهل ينهل أولئك، لكن أحدا لا يجرؤ على انتقادهم، بخاصة في الغرب. ولا بد من التذكير هنا بأن من أحرق اليهود فيما عُرف بالـ"هولوكوست" لم يكونوا مسلمين. وقد سبق أن هاجر اليهود إلى ديار المسلمين طلبا للأمان.
ولا يتوقف الأمر عند العهد القديم، بل يشمل ذلك جميع الأديان الأخرى، بما فيها تلك التي يُشاع عنها الدعوة إلى التسامح كالبوذية مثلا، وما جرى ضد مسلمي الروهينغا في ميانمار، وتبرير رجال الدين البوذيين للقتل الدموي الأعمى بحق المسلمين دليل صريح.
"من يقرأ العهد القديم، سيجد أنه الأكثر وضوحا في تبرير العنف ضد الآخر، لأن الأصل أن هناك "أبناء" للرب لهم خصوصيتهم، و"الرب" هنا يتحوّل عمليا إلى جندي في خدمة أبنائه، وفي منحهم الأوامر لكي يشنوا حروب إبادة ضد أعدائهم "
أختم هذه السطور التي يمكن أن تطول لو تقصينا الشواهد والأدلة بفقرات من مقال في نيويورك تايمز للمعلق الأميركي نيكولاس كريستوف استند من خلالها الممثل "بن أفليك" في دفاعه عن الإسلام.
يقول: "تاريخيا لا يعرف عن الإسلام أنه غير متسامح، وقام في البداية برفع قيمة المرأة، وأي شخص يقرأ التاريخ حتى في القرن العشرين لن ينتقد الإسلام ويعتبره دينا متعطشا للدم، فقد كان المسيحيون النازيون والشيوعيون في أوروبا والبوذيون والتاويون والهندوس والملحدون في آسيا ممن حطموا الأرقام القياسية في الذبح".
ويضيف كريستوف "علينا أن نكون حذرين من التعميم حول أي دين، لأن ذلك يصل أحيانا إلى حد توصيف الدين ومساواته بالعنصرية. فالهندوسية جاء منها غاندي وكذلك المتطرفون الذين اغتالوه.
زعيم التبت دالاي لاما يعتبر اليوم مثالا للإنسانية، لكن خامس دالاي لاما في عام 1660 أمر بقتل الأطفال مثل "فقس البيض على حجر". وفي المسيحية كان هناك المبجل مارتن لوثر كينغ، وكذلك الممثل البابوي في القرن الثالث عشر الذي أمر بذبح عشرين ألف رجل وامرأة وطفل في فرنسا، متهما إياهم بالزندقة. وقيل إنه صرخ: اقتلوهم جميعا فالرب سيعرف من هم عبيده".
المصدر : الجزيرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق